الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَجُوزُ فِي الْقِتَال الْمُحَرَّمِ كَقِتَال أَهْل الْعَدْل، وَقِتَال أَهْل الأَْمْوَال لأَِخْذِ أَمْوَالِهِمْ، وَقِتَال الْقَبَائِل عَصَبِيَّةً، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهَا رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا الْعُصَاةُ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَتَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالْفَرْضِ، وَالنَّفَل غَيْرِ الْمُطْلَقِ، وَالأَْدَاءِ، وَالْقَضَاءِ (1) .
كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ:
4 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ؛ لِتَعَدُّدِ الرِّوَايَاتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كَيْفِيَّتِهَا، وَأَخَذَ كُل صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ. كَمَا اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الأَْنْوَاعِ الْوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الأَْنْوَاعَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الأَْخْبَارِ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا، كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ، وَبَعْضُهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَبَعْضُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَفِي ابْنِ حِبَّانَ مِنْهَا تِسْعَةٌ.
وَقَال ابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَاّهَا فِي عَشْرَةِ مَوَاطِنَ، وَقَال أَحْمَدُ: أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْصَل أَنْوَاعَهَا إِلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ نَوْعًا، وَكُلُّهَا جَائِزٌ، فَقَال أَحْمَدُ: كُل حَدِيثٍ يُرْوَى
(1) المصادر السابقة.
فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَالْعَمَل بِهِ جَائِزٌ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَاّهَا فِي مَرَّاتٍ، وَأَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ، يَتَحَرَّى فِي كُلِّهَا مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ، وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ، فَهِيَ عَلَى اخْتِلَافِ صُوَرِهَا مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى (1) .
عَدَدُ رَكَعَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ:
5 -
لَا يُنْتَقَصُ عَدَدُ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ الْخَوْفِ، فَيُصَلِّي الإِْمَامُ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، إِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ وَأَرَادُوا قَصْرَ الصَّلَاةِ، أَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مِنْ ذَوَاتِ رَكْعَتَيْنِ، كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، أَوِ الْجُمُعَةِ، وَيُصَلِّي بِهِمْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا إِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مِنْ ذَوَاتِ الثَّلَاثِ، أَوِ الأَْرْبَعِ وَكَانُوا مُقِيمِينَ، أَوْ مُسَافِرِينَ أَرَادُوا الإِْتْمَامَ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ قَوْل عَامَّةِ الصَّحَابَةِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَقُول: " إِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ (2) .
بَعْضُ الأَْنْوَاعِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ:
6 -
الأَْوَّل: صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم: بِذَاتِ الرِّقَاعِ،
(1) بدائع الصنائع 1 / 242، نيل الأوطار جـ 4 في باب صلاة الخوف، مغني المحتاج 1 / 301، المغني 2 / 412.
(2)
نيل الأوطار 4 / 4، روضة الطالبين 2 / 49، بدائع الصنائع 1 / 243، المغني 2 / 401.
فَيُفَرِّقُ الإِْمَامُ الْجَيْشَ إِلَى فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٍ تَحْمِل فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَفِرْقَةٍ يَنْحَازُ بِهَا إِلَى حَيْثُ لَا تَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ، فَيَفْتَتِحُ بِهِمُ الصَّلَاةَ، وَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً فِي الثُّنَائِيَّةِ: الصُّبْحِ وَالْمَقْصُورَةِ، وَرَكْعَتَيْنِ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ، هَذَا الْقَدْرُ مِنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَفْعَل بَعْدَ ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ فِي الثُّنَائِيَّةِ، وَإِلَى الثَّالِثَةِ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ خَرَجَ الْمُقْتَدُونَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ، وَأَتَمُّوا الصَّلَاةَ لأَِنْفُسِهِمْ، وَذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْحَارِسَةُ. وَيُطِيل الإِْمَامُ إِلَى لُحُوقِهِمْ، فَإِذَا لَحِقُوهُ صَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فِي الثُّنَائِيَّةِ، وَالثَّالِثَةَ فِي الثُّلَاثِيَّةِ، وَالثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا وَأَتَمُّوا الصَّلَاةَ، وَالإِْمَامُ يَنْتَظِرُهُمْ، فَإِذَا لَحِقُوهُ سَلَّمَ بِهِمْ.
إِلَاّ أَنَّ مَالِكًا قَال: يُسَلِّمُ الإِْمَامُ وَلَا يَنْتَظِرُهُمْ، فَإِذَا سَلَّمَ قَضَوْا مَا فَاتَهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ مِنْ رَكْعَةٍ، أَوْ رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ جَهْرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ.
وَقَدِ اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ هَذِهِ الصِّفَةَ لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ وَلأَِنَّهَا أَحْوَطُ لأَِمْرِ
الْحَرْبِ، وَأَقَل مُخَالَفَةً لِقَاعِدَةِ الصَّلَاةِ (1) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ لَمْ يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ الصَّلَاةَ بَل يَذْهَبُونَ إِلَى مَكَانِ الْفِرْقَةِ الْحَارِسَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَقِفُونَ سُكُوتًا، وَتَأْتِي تِلْكَ الطَّائِفَةُ وَتُصَلِّي مَعَ الإِْمَامِ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا سَلَّمَ ذَهَبَتْ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَ الأَْوَّلُونَ إِلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّوا أَفْذَاذًا، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُْخْرَى، وَصَلَّوْا مَا بَقِيَ لَهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا (2) .
وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
7 -
الثَّانِي: أَنْ يَجْعَل الإِْمَامُ الْجَيْشَ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَفِرْقَةً يُحْرِمُ بِهَا، وَيُصَلِّي بِهِمْ جَمِيعَ الصَّلَاةِ، رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ، أَمْ ثَلَاثًا، أَمْ أَرْبَعًا، فَإِذَا سَلَّمَ بِهِمْ ذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الْفِرْقَةُ الأُْخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، وَهَذِهِ صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بِبَطْنِ نَخْلٍ، وَتُنْدَبُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَالْعَدُوُّ قَلِيلٌ وَخِيفَ هُجُومُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (3) وَلَا يَقُول بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ مِنَ الأَْئِمَّةِ
(1) روضة الطالبين 2 / 52، المغني 2 / 402، الشرح الصغير 2 / 2 عيسى البابي الحلبي.
(2)
البدائع 1 / 242، الهداية 1 / 85، فتح القدير 2 / 64.
(3)
روضة الطالبين 2 / 49، المجموع 4 / 407، المحلى على المنهاج 1 / 297، أسنى المطالب 1 / 270، المغني 2 / 412.
مَنْ لَا يُجِيزُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُنْتَفِل (1) .
8 -
الثَّالِثُ: أَنْ يُرَتِّبَهُمُ الإِْمَامُ صَفَّيْنِ، وَيُحْرِمَ بِالْجَمِيعِ فَيُصَلُّونَ مَعًا، يَقْرَأَ وَيَرْكَعَ، وَيَعْتَدِل بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ يَسْجُدَ بِأَحَدِهِمَا، وَتَحْرُسُ الأُْخْرَى حَتَّى يَقُومَ الإِْمَامُ مِنْ سُجُودِهِ، ثُمَّ يَسْجُدُ الآْخَرُونَ، وَيَلْحَقُونَهُ فِي قِيَامِهِ، وَيَفْعَل فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ فِيهَا مَنْ سَجَدَ مَعَهُ أَوَّلاً، وَيَتَشَهَّدَ، وَيُسَلِّمَ بِهِمْ جَمِيعًا، وَهَذِهِ صَلَاتُهُ بِعُسْفَانَ.
وَيُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ: كَثْرَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَوْنُ الْعَدُوِّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ بِشَيْءٍ يَمْنَعُ رُؤْيَتَهُ.
وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا، ثُمَّ يَحْرُسَ صَفَّانِ، فَإِنْ حَرَسَ بَعْضٌ كُل صَفٍّ بِالْمُنَاوَبَةِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ حَرَسَتْ طَائِفَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِحُصُول الْغَرَضِ بِكُل ذَلِكَ، وَالْمُنَاوَبَةُ أَفْضَل؛ لأَِنَّهَا الثَّابِتَةُ فِي الْخَبَرِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الثَّانِي الَّذِي حَرَسَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِيَسْجُدُوا، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَْوَّل الَّذِي سَجَدَ أَوَّلاً لِيَحْرُسَ وَلَمْ يَمْشُوا أَكْثَرَ مِنْ خُطْوَتَيْنِ كَانَ أَفْضَل؛ لأَِنَّهُ الثَّابِتُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ (2) .
هَذِهِ الصِّفَةُ رَوَاهَا جَابِرٌ، قَال: شَهِدْتُ
(1) البدائع 1 / 244.
(2)
البدائع 1 / 244، روض الطالب، 1 / 270، روضة الطالبين 2 / 50، المغني 2 / 412.
مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ: صَفٌّ خَلْفَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُتَقَدِّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا (1) .
وَهَذِهِ الأَْنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ، فَلَوْ صَلَّوْا فُرَادَى أَوِ انْفَرَدَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الإِْمَامِ، أَوْ صَلَّى الإِْمَامُ بِبَعْضِهِمْ كُل الصَّلَاةِ، وَبِالْبَاقِينَ غَيْرَهُ جَازَ، وَلَكِنْ تَفُوتُ
(1) حديث: جابر بن عبد الله: " شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ". أخرجه مسلم (1 / 574 - 575 - ط الحلبي) .
فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ (1) .
9 -
الرَّابِعُ: صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ: إِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ فَمَنَعَهُمْ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَمْ يُمْكِنْ قَسْمُ الْجَمَاعَةِ؛ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ، وَرَجَوْا انْكِشَافَهُ قَبْل خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، بِحَيْثُ يُدْرِكُونَ الصَّلَاةَ فِيهِ، أَخَّرُوا اسْتِحْبَابًا.
فَإِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ صَلَّوْا إِيمَاءً، وَإِلَاّ صَلَّوْا فُرَادَى بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ، فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَعَلُوا ذَلِكَ، أَوْ صَلَّوْا مُشَاةً أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، ثُمَّ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ إِذَا أَمِنُوا، لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ.
وَالأَْصْل فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} (2) . وَقَال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالاً قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَزَادَ الْبُخَارِيُّ قَال نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَال ذَلِكَ إِلَاّ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3)
(1) روض الطالب 1 / 272، روضة الطالبين 2 / 50، كشاف القناع 2 / 11 - 12 حاشية الدسوقي 1 / 393.
(2)
سورة البقرة / 239.
(3)
حديث ابن عمر: " فإن كان خوف أشد من ذلك ". أخرجه البخاري (الفتح 8 / 199 - ط السلفية) ومسلم (1 / 574 - ط الحلبي) .
وَإِنْ عَجَزُوا عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَئُوا بِهِمَا، وَأَتَوْا بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ.
وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (1) .
10 -
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْقِتَال فِي الصَّلَاةِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْقِتَال فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَيُعْفَى عَمَّا فِيهِ مِنَ الْحَرَكَاتِ، مِنَ الضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الْمُتَوَالِيَاتِ، وَالإِْمْسَاكِ بِسِلَاحٍ مُلَطَّخٍ بِالدَّمِ؛ لِلْحَاجَةِ؛ وقَوْله تَعَالَى:{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (2) وَأَخْذُ السِّلَاحِ لَا يَكُونُ إِلَاّ لِلْقِتَال، وَقِيَاسًا عَلَى الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ اللَّذَيْنِ جَاءَا فِي الآْيَةِ (3) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ: أَلَاّ يُقَاتِل، فَإِنْ قَاتَل فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَقَالُوا: لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شُغِل عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ فِي اللَّيْل (4) وَقَال: شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ
(1) روضة الطالبين 2 / 60، روض الطالب 2 / 273، كشاف القناع 2 / 18، المغني 2 / 416، بلغة السالك على الشرح الصغير 1 / 186، بدائع الصنائع 1 / 244.
(2)
سورة النساء / 102.
(3)
القليوبي 1 / 300، روضة الطالبين 2 / 60، المغني 2 / 416، بلغة السالك 1 / 186.
(4)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق ". أخرجه النسائي (2 / 17 ط المكتبة التجارية) من حديث أبي سعيد الخدري، وإسناده صحيح.