الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَيْعِ؛ إِذْ هُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ. (1)
وَالثَّالِثِ: أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ - مِنْ نَحْوِ بَدَل قَرْضٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ - فَيُصَالِحَ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، بِأَنْ صَالَحَهُ عَنْ دِينَارٍ فِي ذِمَّتِهِ، بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ، وَنَحْوِهِ فِي الذِّمَّةِ. وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الصُّلْحِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فِيهِ مِنَ الْمَجْلِسِ قَبْل الْقَبْضِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا حَصَل التَّفَرُّقُ قَبْل الْقَبْضِ كَانَ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ دَيْنًا - لأَِنَّ مَحَلَّهُ الذِّمَّةُ - فَصَارَ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ بَدَل الصُّلْحِ فِي الْمَجْلِسِ لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ:
(1) تحفة الفقهاء 3 / 421، البدائع 6 / 43، روضة الطالبين 4 / 195، نهاية المحتاج 4 / 373، المهذب 1 / 340، أسنى المطالب 2 / 215، البهجة 1 / 221، المغني 4 / 534، كشاف القناع 3 / 382، شرح منتهى الإرادات 2 / 262.
(2)
المغني 4 / 534، كشاف القناع 383، شرح منتهى الإرادات 2 / 262، المبدع 4 / 284، التاج والإكليل للمواق 5 / 81، بدائع الصنائع 6 / 46، تبيين الحقائق 5 / 42، وانظر م (1029) ، من مرشد الحيران.
أَصَحُّهُمَا: عَدَمُ الاِشْتِرَاطِ إِلَاّ إِذَا كَانَا رِبَوِيَّيْنِ. (1)
وَالرَّابِعِ: أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ، بِأَنْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْفَعَةٍ: كَسُكْنَى دَارٍ، أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَل لَهُ عَمَلاً مَعْلُومًا. وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الصُّلْحِ حُكْمَ الإِْجَارَةِ، وَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهَا (2)
الْقِسْمُ الثَّانِي:
الصُّلْحُ مَعَ إِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:
16 -
وَذَلِكَ كَمَا إِذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ شَيْئًا، فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ صَالَحَ عَنْهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدِهِمَا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ -: وَهُوَ جَوَازُ الصُّلْحِ عَلَى الإِْنْكَارِ. (3) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مُعْتَقِدًا
(1) روضة الطالبين 4 / 195، نهاية المحتاج 4 / 373، المهذب 1 / 340، أسنى المطالب 2 / 215.
(2)
تحفة الفقهاء 3 / 424، بدائع الصنائع 6 / 47، المهذب 1 / 340، المبدع 4 / 283، 284، كشاف القناع 3 / 382، شرح منتهى الإرادات 2 / 262.
(3)
تحفة الفقهاء 3 / 418، مجمع الأنهر 2 / 308، البدائع 6 / 40، الإفصاح لابن هبيرة 1 / 378، كشاف القناع 3 / 385، شرح منتهى الإرادات 2 / 263، المغني 4 / 527، المبدع 4 / 285، بداية المجتهد (مطبوع مع الهداية في تخريج أحاديث البداية) 8 / 90، إرشاد السالك لابن عسكر البغدادي المالكي ص 132، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2 / 17، عارضة الأحوذي 6 / 104، القوانين الفقهية (ط. الدار العربية للكتاب) ص 343، الهداية مع تكملة فتح القدير والعناية والكفاية الميمنية 7 / 377 وما بعدها، درر الحكام لعلي حيدر 4 / 35، شرح الخرشي 6 / 4، البحر الرائق 7 / 256، تبيين الحقائق 5 / 31، التفريع لابن الجلاب 2 / 289، أعلام الموقعين (مطبعة السعادة) 3 / 370.
أَنَّ مَا ادَّعَاهُ حَقٌّ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْتَقِدُ أَنْ لَا حَقَّ عَلَيْهِ. فَيَتَصَالَحَانِ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ. أَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ، وَمَا أَخَذَهُ الْعَالِمُ بِكَذِبِ نَفْسِهِ حَرَامٌ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِل.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:
أ - بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} . (1) حَيْثُ وَصَفَ الْمَوْلَى عز وجل جِنْسَ الصُّلْحِ بِالْخَيْرِيَّةِ. مَعْلُومٌ أَنَّ الْبَاطِل لَا يُوصَفُ بِالْخَيْرِيَّةِ، فَكَانَ كُل صُلْحٍ مَشْرُوعًا بِظَاهِرِ هَذَا النَّصِّ إِلَاّ مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ.
(2)
ب - بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. (3) فَيَدْخُل ذَلِكَ فِي عُمُومِهِ.
(4)
(1) النساء آية / 128.
(2)
البدائع 6 / 40، وانظر تكملة فتح القدير مع العناية والكفاية (الميمنية) 7 / 377.
(3)
حديث: " الصلح جائز بين المسلمين ". سبق تخريجه (ف5) .
(4)
الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب 2 / 17، المبدع 4 / 285، شرح منتهى الإرادات 2 / 263.
ج - وَبِأَنَّ الصُّلْحَ إِنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى قَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ، وَالْحَاجَةِ إِلَى قَطْعِهَا فِي التَّحْقِيقِ عِنْدَ الإِْنْكَارِ - إِذِ الإِْقْرَارُ مُسَالَمَةٌ وَمُسَاعَدَةٌ - فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. (1) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَكَذَلِكَ إِذَا حَل مَعَ اعْتِرَافِ الْغَرِيمِ، فَلأََنْ يَحِل مَعَ جَحْدِهِ وَعَجْزِهِ عَنِ الْوُصُول إِلَى حَقِّهِ إِلَاّ بِذَلِكَ أَوْلَى. (2)
د - وَلأَِنَّهُ صَالَحَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، فَيُقْضَى بِجَوَازِهِ؛ لأَِنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ الثَّابِتِ لَهُ فِي اعْتِقَادِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ دَفْعًا لِلشَّرِّ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ عَنْهُ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ أَيْضًا، إِذِ الْمَال وِقَايَةُ الأَْنْفُسِ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ. (3)
هـ - وَلأَِنَّ افْتِدَاءَ الْيَمِينِ جَائِزٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُمَا بَذَلَا مَالاً فِي دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهُمَا. فَالْيَمِينُ الثَّابِتَةُ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ ثَابِتٌ لِسُقُوطِهِ تَأْثِيرٌ فِي إِسْقَاطِ الْمَال،
(1) البدائع 6 / 40.
(2)
المغني 4 / 528.
(3)
الهداية مع العناية والكفاية (الميمنية) 7 / 379، قال ابن القيم: إنه افتداء لنفسه من الدعوى واليمين وتكليف إقامة البينة، كما تفتدي المرأة نفسها من الزوج بما تبذله له، وليس هذا بمخالف لقواعد الشرع، بل حكمة الشرع وأصوله وقواعده ومصالح المكلفين تقتضي ذلك (أعلام الموقعين3 / 370) .