الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، مِثْل أَنْ يُصَالِحَ امْرَأَةً عَلَى مَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ صُلْحٌ يُحِل حَرَامًا؛ وَلأَِنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ بَذْل نَفْسِهَا بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ. (1)
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا:
32 -
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِهِ أَوْ فِي مَدَاهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدِهَا لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُول. (2)
قَال الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي " الأُْمِّ "(3) :
أَصْل الصُّلْحِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَمَا جَازَ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ فِي الصُّلْحِ، ثُمَّ يَتَشَعَّبُ. . . وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدِي إِلَاّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلَاّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: " الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَاّ صُلْحًا أَحَل حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالاً. (4) وَمِنَ الْحَرَامِ الَّذِي يَقَعُ فِي الصُّلْحِ أَنْ يَقَعَ عِنْدِي عَلَى الْمَجْهُول الَّذِي لَوْ كَانَ بَيْعًا كَانَ حَرَامًا.
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 261، والمغني 4 / 550، المبدع 4 / 281.
(2)
روضة الطالبين 4 / 203.
(3)
الأم (بعناية محمد زهرى النجار) 3 / 221.
(4)
حديث: " الصلح جائز. . ". سبق تخريجه (ف5) .
هَذَا، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمُجْمَل عِنْدَهُمْ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مُجْمَلاً فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ وَصَالَحَهُ عَنْهُ عَلَى عِوَضٍ، صَحَّ الصُّلْحُ.
قَال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا إِذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا لَهُمَا فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ، كَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ الشَّيْءَ الَّذِي نَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ بِكَذَا فَقَال: اشْتَرَيْتُ صَحَّ. (1)
وَالثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ مَعْلُومًا إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ اشْتَرَطَ كَوْنَهُ مَعْلُومًا لِئَلَاّ يُفْضِيَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.
جَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّ، فَاصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ يُعْطِيهِ الْمُدَّعِي لِيُسَلِّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لَا يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ؛ لأَِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ ذَلِكَ لَا يَدْرِي مَاذَا يُسَلِّمُ إِلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ. (2)
أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ التَّسْلِيمَ - كَتَرْكِ الدَّعْوَى مَثَلاً - فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا؛ لأَِنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ،
(1) أسنى المطالب 2 / 218، وروضة الطالبين 4 / 203.
(2)
فتاوى قاضيخان (بهامش الفتاوى الهندية) 3 / 104.
وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ هَاهُنَا سَاقِطٌ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الإِْبْرَاءِ عَنِ الْمَجْهُول، وَهُوَ جَائِزٌ. (1) قَال الإِْسْبِيجَابِيُّ: لأَِنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُبْطِل الْعُقُودَ لِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا تُبْطِل الْعُقُودَ لِمَعْنًى فِيهَا، وَهُوَ وُقُوعُ الْمُنَازَعَةِ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَغْنَى عَنْ قَبْضِهِ وَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَال فِيهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضِهِ، وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَال عِنْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَجُزْ. (2)
وَالثَّالِثِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ. (3) وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ.
فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ، فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهُ.
(4)
(1) رد المحتار 4 / 473، قرة عيون الأخيار 2 / 155، بدائع الصنائع 6 / 49، الفتاوى الخانية 3 / 88، 104، وانظر م (1028) من مرشد الحيران وم (1547) من مجلة الأحكام العدلية، وشرح المجلة للأتاسي 4 / 547، درر الحكام لعلي حيدر 4 / 24، وما بعدها.
(2)
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 5 / 32.
(3)
أي: لا سبيل إلى معرفته، ومثل ذلك في الأعيان: كقفيز حنطة وقفيز شعير اختلطا وطحنا فلا يمكن التمييز بينهما. ومثله في الديون، كمن بينهما معاملة أو حساب مضى عليه زمن طويل ولا علم لكل منهما بما عليه لصاحبه (شرح منتهى الإرادات 2 / 263، كشاف القناع 3 / 384) .
(4)
مواهب الجليل 5 / 80، حاشية البناني على الزرقاني على خليل 6 / 3، المغني 4 / 543، كشاف القناع 3 / 384، شرح منتهى الإرادات 2 / 263، وقد اختار ابن قدامة في هذه الحالة صحة الصلح إذا كان مما لا يحتاج إلى تسليمه. أما إذا كان مما يحتاج إلى تسليمه، فلا يجوز مع الجهالة، لأن تسليمه واجب، والجهالة تمنع التسليم، وتفضي إلى التنازع، فلا يحصل مقصود الصلح. (المغني 4 / 544) .
قَال الْحَنَابِلَةُ: سَوَاءٌ أَكَانَ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ جَهِلَاهُ أَوْ جَهِلَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ حَالًّا أَوْ نَسِيئَةً، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ.
أ - بِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الأَْنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَل بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ أَوْ قَدْ قَال: لِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَبَكَى الرَّجُلَانِ، وَقَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِّي لأَِخِي. فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا، فَاقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيُحْلِل كُل وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ (1) .
(1) نيل الأوطار 5 / 253 - الإسطام بالكسر المسعار: وهو حديدة مفطوحة تقلب بها النار - القاموس (سطم) النهاية في غريب الحديث والأثر مادة (سطم)، والحديث لأم سلمة:" جاء رجلان من الأنصار يختصمان. . ". أخرجه أحمد (6 / 320 - ط. الميمنية) وإسناده صحيح.