الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَاطِنًا؛ لأَِنَّهُ اشْتَرَاهَا بِإِذْنِهِ فَلَا يَقْدَحُ إِنْكَارُهُ فِي مِلْكِهَا؛ لأَِنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ قَبْل إِنْكَارِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَالِمٌ بِالإِْنْكَارِ لِلأَْجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لأَِنَّهُ اشْتَرَى لَهُ عَيْنًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَلَوْ قَال الأَْجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: قَدْ عَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِحَّةَ دَعْوَاكَ، وَيَسْأَلُكَ الصُّلْحَ عَنْهُ، وَكَّلَنِي فِيهِ فَصَالَحَهُ صَحَّ؛ لأَِنَّهُ هَاهُنَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ أَدَائِهِ، بَل اعْتَرَفَ بِهِ وَصَالَحَهُ عَلَيْهِ مَعَ بَذْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَجْحَدْهُ. (1)
أَرْكَانُ الصُّلْحِ:
23 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلصُّلْحِ رُكْنًا وَاحِدًا: وَهُوَ الصِّيغَةُ الْمُؤَلَّفَةُ مِنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول الدَّالَّةُ عَلَى التَّرَاضِي. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - حَيْثُ عَدُّوا أَرْكَانَ الصُّلْحِ ثَلَاثَةً:
1 -
الصِّيغَةُ.
2 -
وَالْعَاقِدَانِ.
3 -
وَالْمَحَل. (وَهُوَ الْمُصَالَحُ بِهِ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ) . انْظُرْ مُصْطَلَحَ (عَقْد) .
شُرُوطُ الصُّلْحِ:
24 -
لِلصُّلْحِ شُرُوطٌ يَلْزَمُ تَحَقُّقُهَا لِوُجُودِهِ،
(1) المغني 4 / 532، وما بعدها، المبدع 4 / 288، شرح منتهى الإرادات 2 / 265، كشاف القناع 3 / 387.
وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مَاهِيَّتِهِ، مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الصِّيغَةِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْعَاقِدَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُصَالَحِ عَنْهُ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَدَل الصُّلْحِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالصِّيغَةِ:
25 -
الْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ: الإِْيجَابُ وَالْقَبُول الدَّالَّيْنِ عَلَى التَّرَاضِي. مِثْل أَنْ يَقُول الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى كَذَا، أَوْ مِنْ دَعْوَاكَ كَذَا عَلَى كَذَا، وَيَقُول الآْخَرُ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ أَوْ مَا يَدُل عَلَى قَبُولِهِ وَرِضَاهُ. فَإِذَا وُجِدَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ. (1)
هَذَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي بَابِ الصُّلْحِ لِبَيَانِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِيغَتِهِ؛ نَظَرًا لاِعْتِبَارِهِمْ عَقْدَ الصُّلْحِ غَيْرَ قَائِمٍ بِذَاتِهِ، بَل تَابِعًا لأَِقْرَبِ الْعُقُودِ بِهِ فِي الشَّرَائِطِ وَالأَْحْكَامِ، بِحَيْثُ يُعَدُّ بَيْعًا إِذَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ، وَهِبَةً إِذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، وَإِبْرَاءً إِذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى، اكْتِفَاءً مِنْهُمْ بِذِكْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّيغَةِ مِنْ شُرُوطٍ وَأَحْكَامٍ فِي
(1) بدائع الصنائع 5 / 40.
تِلْكَ الْعُقُودِ الَّتِي يَلْحَقُ بِهَا الصُّلْحُ، بِحَسَبِ مَحَلِّهِ وَمَا تَصَالَحَا عَلَيْهِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَقَدْ تَكَلَّمُوا عَلَى صِيغَةِ الصُّلْحِ بِصُورَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي بَابِهِ، وَأَتَوْا عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ شُرُوطِهَا وَأَحْكَامِهَا، وَسَكَتُوا عَنِ الْبَعْضِ الآْخَرِ، اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدُوهُ مِنْ تَفْصِيلَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِالصِّيغَةِ فِي أَبْوَابِ الْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالإِْبْرَاءِ، الَّتِي يَأْخُذُ الصُّلْحُ أَحْكَامَهَا بِحَسَبِ أَحْوَالِهِ وَصُوَرِهِ.
أَمَّا كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الصُّلْحِ عَنْ صِيغَتِهِ وَشُرُوطِهَا: فَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الصُّلْحِ حُصُول الإِْيجَابِ مِنَ الْمُدَّعِي عَلَى كُل حَالٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ بِدُونِ إِيجَابٍ مُطْلَقًا. أَمَّا الْقَبُول، فَيُشْتَرَطُ فِي كُل صُلْحٍ يَتَضَمَّنُ الْمُبَادَلَةَ بَعْدَ الإِْيجَابِ.
ثُمَّ قَالُوا: تُسْتَعْمَل صِيغَةُ الْمَاضِي فِي الإِْيجَابِ وَالْقَبُول، وَلَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِصِيغَةِ الأَْمْرِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ قَال الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِقَوْل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُ؛ لأَِنَّ طَرَفَ الإِْيجَابِ كَانَ عِبَارَةً عَنْ طَلَبِ الصُّلْحِ، وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلإِْيجَابِ، فَقَوْل الطَّرَفِ الآْخَرِ: قَبِلْتُ، لَا يَقُومُ مَقَامَ الإِْيجَابِ. أَمَّا إِذَا قَال
الْمُدَّعِي ثَانِيًا: قَبِلْتُ. فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ.
وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ:
إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ:
كَالْعَقَارَاتِ، وَالأَْرَاضِي، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَنَحْوِهَا فَيُشْتَرَطُ الْقَبُول بَعْدَ الإِْيجَابِ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ؛ لأَِنَّ الصُّلْحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكُونُ إِسْقَاطًا حَتَّى يَتِمَّ بِإِرَادَةِ الْمُسْقِطِ وَحْدَهَا، وَسَبَبُ عَدَمِ كَوْنِهِ إِسْقَاطًا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ جَرَيَانِ الإِْسْقَاطِ فِي الأَْعْيَانِ.
وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ وَاقِعًا عَلَى جِنْسٍ آخَرَ، فَيُشْتَرَطُ الْقَبُول - أَيْضًا - سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ: كَالنَّقْدَيْنِ، وَمَا فِي حُكْمِهِمَا.
وَسَبَبُ اشْتِرَاطِ الْقَبُول فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ الصُّلْحَ فِيهِمَا مُبَادَلَةٌ، وَفِي الْمُبَادَلَةِ يَجِبُ الْقَبُول، وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ.
أَمَّا الصُّلْحُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِالإِْيجَابِ وَحْدَهُ، فَهُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ إِسْقَاطَ بَعْضِ الْحُقُوقِ، فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالإِْيجَابِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُول.
وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ، بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ وَالْمُصَالَحِ بِهِ مِنَ النَّقْدَيْنِ، وَهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ، فَهَاهُنَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ