الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُصَلِّيَ بِالثَّوْبِ النَّجَسِ أَوْ عَارِيًا مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ، وَالصَّلَاةُ بِالثَّوْبِ النَّجَسِ حِينَئِذٍ أَفْضَل؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الاِخْتِيَارِ. فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ. وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ إِلَاّ فِي الثَّوْبِ النَّجَسِ؛ لأَِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَوَازِ مِنَ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا، فَإِنَّ الْقَلِيل مِنَ النَّجَاسَةِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَكَذَلِكَ الْكَثِيرُ فِي قَوْل بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. قَال عَطَاءٌ رحمه الله: مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ سَبْعُونَ قَطْرَةً مِنْ دَمٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ. وَلَمْ يَقُل أَحَدٌ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا فِي حَال الاِخْتِيَارِ. قَال فِي الأَْسْرَارِ: وَقَوْل مُحَمَّدٍ رحمه الله أَفْضَل.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ ثَوْبٍ طَاهِرٍ يُصَلِّي فِي ثَوْبِهِ النَّجَسِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ إِذَا وَجَدَ غَيْرَهُ أَوْ مَا يُطَهِّرُ بِهِ أَبَدًا. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ (1) .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْعَاجِزِ عَنْ مَكَان طَاهِرٍ، كَأَنْ يُحْبَسَ فِي مَكَان نَجَسٍ. فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 377، فتح القدير 1 / 229، حاشية الدسوقي 1 / 217، المجموع 3 / 142، الإنصاف 1 / 460.
وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَتْرُكَ الصَّلَاةَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1) . قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَيَجِبُ أَنْ يَتَجَافَى عَنِ النَّجَاسَةِ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَغَيْرِهِمَا الْقَدْرَ الْمُمْكِنَ، وَيَجِبُ أَنْ يَنْحَنِيَ لِلسُّجُودِ إِلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَاسَةَ. زَادَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ. وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: بِوُجُوبِ الإِْعَادَةِ عَلَيْهِ أَبَدًا. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ وَجَدَ مَكَانًا يَابِسًا سَجَدَ عَلَيْهِ وَإِلَاّ فَيُومِئُ قَائِمًا (2) .
ثَالِثًا: تَخَلُّفُ شَرْطِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ:
120 -
سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَاّ بِسَتْرِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِيهَا قَصْدًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوِ انْكَشَفَتْ بِلَا قَصْدٍ مَتَى تَبْطُل صَلَاتُهُ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُل لَوِ
(1) حديث: " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ". أخرجه البخاري (الفتح 13 / 251 - ط. السلفية) ، ومسلم (2 / 975 ط. الحلبي) .
(2)
حاشية ابن عابدين 1 / 168، جواهر الإكليل 1 / 11، المجموع 3 / 154، الإنصاف 1 / 460، 462.
انْكَشَفَ رُبُعُ عُضْوٍ قَدْرُ أَدَاءِ رُكْنٍ بِلَا صُنْعِهِ.
وَيَدْخُل فِي أَدَاءِ الرُّكْنِ سُنَّتُهُ أَيْضًا. وَهَذَا قَوْل أَبِي يُوسُفَ. وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ أَدَاءَ الرُّكْنِ حَقِيقَةً.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالأَْوَّل الْمُخْتَارُ لِلاِحْتِيَاطِ. وَعَلَيْهِ لَوِ انْكَشَفَ رُبُعُ عُضْوٍ - أَقَل مِنْ أَدَاءِ رُكْنٍ - فَلَا يَفْسُدُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لأَِنَّ الاِنْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَانِ الْقَلِيل عَفْوٌ كَالاِنْكِشَافِ الْقَلِيل فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ. وَأَمَّا إِذَا أَدَّى مَعَ الاِنْكِشَافِ رُكْنًا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الاِنْكِشَافِ الْحَادِثِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ. أَمَّا الْمُقَارِنُ لاِبْتِدَائِهَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا مُطْلَقًا اتِّفَاقًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْشُوفُ رُبُعَ الْعُضْوِ.
وَلَمْ يُقَيِّدِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْبُطْلَانَ بِقُيُودٍ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ مُطْلَقَ الاِنْكِشَافِ يُبْطِل الصَّلَاةَ.
قَال النَّوَوِيُّ: فَإِنِ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَةِ الْمُصَلِّي لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أَكَثُرَ الْمُنْكَشِفُ أَمْ قَل، وَلَوْ كَانَ أَدْنَى جُزْءٍ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَسْتُرْهَا فِي الْحَال.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ انْكِشَافُ يَسِيرٍ مِنَ الْعَوْرَةِ بِلَا قَصْدٍ، وَلَوْ كَانَ زَمَنُ الاِنْكِشَافِ طَوِيلاً لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ
الْجَرْمِيِّ قَال: انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ، فَقَال: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ، وَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ، فَقَدَّمُونِي، فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ صَفْرَاءُ، فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ. فَاشْتَرُوا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِْسْلَامِ فَرَحِي بِهِ (1) وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَالْيَسِيرُ هُوَ الَّذِي لَا يَفْحُشُ فِي النَّظَرِ عُرْفًا. قَال الْبُهُوتِيُّ: وَيَخْتَلِفُ الْفُحْشُ بِحَسَبِ الْمُنْكَشِفِ، فَيَفْحُشُ مِنَ السَّوْأَةِ مَا لَا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا. وَكَذَا لَا تَبْطُل الصَّلَاةُ إِنِ انْكَشَفَ مِنَ الْعَوْرَةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ، فَلَوْ أَطَارَتِ الرِّيحُ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ، فَبَدَا مِنْهَا مَا لَمْ يَعْفُ عَنْهُ لَمْ تَبْطُل صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ بَدَتِ الْعَوْرَةُ كُلُّهَا فَأَعَادَ الثَّوْبَ سَرِيعًا بِلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُل، لِقِصَرِ مُدَّتِهِ أَشْبَهَ الْيَسِيرَ فِي الزَّمَنِ الطَّوِيل. وَكَذَا تَبْطُل لَوْ فَحُشَ وَطَال الزَّمَنُ، وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ (2) .
(1) حديث عمرو بن سلمة: " انطلق أبي وافدًا ". أخرجه البخاري (الفتح 8 / 22 - 23 ط. السلفية) ، وأبو داود (1 / 394 - تحقيق عزت عبيد دعاس) واللفظ لأبي داود.
(2)
حاشية ابن عابدين 1 / 273، والكافي 1 / 238 - ط. مكتبة الرياض 1978 م، مواهب الجليل 1 / 398، المجموع 3 / 166، ومغني المحتاج 1 / 188، كشاف القناع 1 / 269.