الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ صَبِيًّا فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا، وَجَحَدَ الرَّجُل، فَصَالَحَتْ عَنِ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ لَا حَقُّهَا، فَلَا تَمْلِكُ الاِعْتِيَاضَ عَنْ حَقِّ غَيْرِهَا؛ وَلأَِنَّ الصُّلْحَ إِمَّا إِسْقَاطٌ أَوْ مُعَاوَضَةٌ، وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُهُمَا.
وَكَذَا لَوْ صَالَحَ الشَّفِيعُ مِنَ الشُّفْعَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَى شَيْءٍ، عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ لِلْمُشْتَرِي فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّهُ لَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي الْمَحَل، إِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَهُوَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي الْمَحَل، بَل هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْوِلَايَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلَا يَحْتَمِل الصُّلْحَ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ - خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ - فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ الصُّلْحُ عَنِ الشُّفْعَةِ. (ر: شُفْعَة - إِسْقَاط.) وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيل بِالنَّفْسِ الْمَكْفُول لَهُ عَلَى مَالٍ، عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنَ الْكَفَالَةِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّ الثَّابِتَ لِلطَّالِبِ قِبَل الْكَفِيل بِالنَّفْسِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْمَكْفُول بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا كَالشُّفْعَةِ. (1)
أَمَّا لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالاً وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي، فَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ
(1) بدائع الصنائع 6 / 49، تحفة الفقهاء 3 / 427.
فَصَالَحَ عَنِ الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَحْلِفَهُ جَازَ الصُّلْحُ وَبَرِئَ مِنَ الْيَمِينِ، بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَعُودَ إِلَى اسْتِحْلَافِهِ. وَكَذَا لَوْ قَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُكَ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي وَجَبَتْ لَكَ عَلَيَّ. أَوْ قَال: افْتَدَيْتُ مِنْكَ يَمِينَكَ بِكَذَا وَكَذَا صَحَّ الصُّلْحُ؛ لأَِنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْمُدَّعِي؛ لأَِنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي قِبَل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَحَل - وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْمُدَّعِي فِي زَعْمِهِ - فَكَانَ الصُّلْحُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي الْمَحَل، وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَفِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَذْل الْمَال لإِِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ وَالاِفْتِدَاءِ عَنِ الْيَمِينِ. (1) قَالَهُ الْكَاسَانِيُّ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَلَى أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَرْأَةِ نِكَاحًا فَحَجَّتْهُ، وَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ هَذَا الصُّلْحُ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي حَسَبَ زَعْمِهِ، فَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى حَقٍّ ثَابِتٍ لَهُ، وَالدَّافِعُ يَقْطَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ. (2)
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ:
31 -
أَيْ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ
(1) البدائع 6 / 50.
(2)
كشاف القناع 3 / 381، شرح منتهى الإرادات 2 / 261، المغني 4 / 449، بدائع الصنائع 6 / 50، المبدع 4 / 281.
عَنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَوْ لَا يَجُوزُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَالاً أَوْ غَيْرَ مَالٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ: فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ قَوَدِ نَفْسٍ وَدُونِهَا، وَعَنْ سُكْنَى دَارٍ وَنَحْوِهَا، وَعَنْ عَيْبٍ فِي عِوَضٍ أَوْ مُعَوَّضٍ؛ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ. (1)
وَمَتَى صَالَحَ عَمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ أَوْ أَقَل جَازَ. (2) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (3) فَقَوْلُهُ عز وجل {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} أَيْ: أُعْطَى لَهُ.
كَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ: فَلْيَتْبَعْ " مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الأَْمْرِ " فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَلِيَّ بِالاِتِّبَاعِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُعْطِيَ لَهُ شَيْءٌ، وَاسْمُ الشَّيْءِ يَتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكَثِيرَ، فَدَلَّتِ الآْيَةُ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ. (4) وَقَال الزَّيْلَعِيُّ: وَلأَِنَّ الْقِصَاصَ
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 265، 266، المغني 4 / 545، المبدع 4 / 289، قرة عيون الأخبار 2 / 155، وم (1028) من مرشد الحيران.
(2)
شرح منتهى الإرادات 2 / 265، المغني 4 / 545، بدائع الصنائع 6 / 49، تبيين الحقائق 6 / 113، مواهب الجليل للحطاب 5 / 85، التاج والإكليل للمواق 5 / 85، تحفة الفقهاء 3 / 425.
(3)
سورة البقرة آية: 178.
(4)
بدائع الصنائع 6 / 49.
حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَل، وَيَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ مَجَّانًا، فَكَذَا تَعْوِيضًا لاِشْتِمَالِهِ عَلَى الأَْوْصَافِ الْجَمِيلَةِ مِنْ إِحْسَانِ الْوَلِيِّ، وَإِحْيَاءِ الْقَاتِل. . . وَالْكَثِيرُ وَالْقَلِيل سَوَاءٌ فِي الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، فَيُفَوَّضُ إِلَى اصْطِلَاحِهِمَا، كَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ. (1)
أَمَّا إِذَا صَالَحَ عَنْ قَتْل الْخَطَأِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا غَيْرَ مِثْلِيٍّ لِغَيْرِهِ، فَصَالَحَ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، وَذَلِكَ لأَِنَّ الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرَةً، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهَا الثَّابِتَةِ عَنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ؛ وَلأَِنَّهُ إِذَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ وَزِيَادَةً لَا مُقَابِل لَهَا، فَيَكُونُ أَكْل مَالٍ بِالْبَاطِل. (2)
فَأَمَّا إِذَا صَالَحَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، فَيَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ بَيْعٌ، وَيَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَل؛ وَلأَِنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ فَصَحَّ. (3)
(1) تبيين الحقائق 6 / 113.
(2)
شرح منتهى الإرادات 2 / 261، المغني 4 / 545، بدائع الصنائع 6 / 49، تبيين الحقائق 6 / 113، كشاف القناع 3 / 380، وانظر قرة عيون الأخيار 2 / 168.
(3)
المغني 4 / 545، شرح منتهى الإرادات 2 / 261، كشاف القناع 3 / 380، وانظر قرة عيون الأخيار 2 / 168.