الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ بِهِمَا وَيَنْحَنِي إِلَى السُّجُودِ أَكْثَرَ مِنِ الرُّكُوعِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الإِْيمَاءِ سَقَطَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ، أَوِ الْقُعُودِ، أَوْ غَيْرِهِمَا سَقَطَ، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ فَعَل ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا (1) لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} (2) .
وَحَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى إِلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَل مِنْهُمْ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إِيمَاءً يَجْعَل السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ (3) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (صَلَاةُ الْخَوْفِ، وَاسْتِقْبَال ف 38) .
8 -
وَإِذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَا تَجُوزُ إِلَاّ لِعُذْرٍ؛ لأَِنَّ شَرْطَ الْفَرِيضَةِ الْمَكْتُوبَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ مُسْتَقِرًّا فِي جَمِيعِهَا وَمُسْتَوْفِيًا شُرُوطَهَا وَأَرْكَانَهَا، فَإِنَّ مَنْ
(1) المغني (1 / 432 ط الرياض) وانظر شرح منتهى الإرادات 1 / 273.
(2)
سورة البقرة / 239.
(3)
حديث يعلى بن أمية: " أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق ". أخرجه أحمد (4 / 173 - 174 ط الميمنية) والبيهقي (2 / 7 ط دائرة المعارف العثمانية) وقال البيهقي: في إسناده ضعف.
أَمْكَنَهُ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مَعَ الإِْتْيَانِ بِكُل شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَذَلِكَ كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - قَال الْحَنَابِلَةُ: وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الرَّاحِلَةُ سَائِرَةً أَمْ وَاقِفَةً، لَكِنِ الشَّافِعِيَّةُ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ وَهِيَ وَاقِفَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً. أَمَّا لَوْ كَانَتْ سَائِرَةً فَلَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ بِدَلِيل جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَيْهَا. وَلَوْ كَانَ لِلدَّابَّةِ مَنْ يَلْزَمُ لِجَامَهَا وَيُسَيِّرُهَا، بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ جَازَ ذَلِكَ، وَقَال سَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يُجْزِئُ إِيقَاعُ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا لِدُخُولِهِ عَلَى الْغَرَرِ (1) .
قِبْلَةُ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ:
9 -
مُصَلِّي النَّافِلَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ، بَل يُصَلِّي حَيْثُمَا تَوَجَّهَتِ الدَّابَّةُ أَوْ صَوْبَ سَفَرِهِ كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ، وَتَكُونُ هَذِهِ عِوَضًا عَنِ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، أَيْ جِهَةَ مَقْصِدِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَل فَاسْتَقْبَل الْقِبْلَةَ (2) .
(1) الشرح الصغير 1 / 109، والدسوقي 1 / 225، وشرح منتهى الإرادات 1 / 273، ومغني المحتاج 1 / 144.
(2)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته ". تقدم فقرة 3.
وَالْحِكْمَةُ فِي التَّخْفِيفِ عَلَى الْمُسَافِرِ: أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إِلَى الأَْسْفَارِ. فَلَوْ شُرِطَ فِيهَا الاِسْتِقْبَال لأََدَّى إِلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ أَوْ مَصَالِحِ مَعَايِشِهِمْ.
10 -
غَيْرَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا أَمْكَنَهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ سَهْلَةً غَيْرَ مَقْطُورَةٍ بِأَنْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً وَزِمَامُهَا بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ عِنْدَ الإِْحْرَامِ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَرَأْيُ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَل بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ (1) ؛ وَلأَِنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَالصَّلَاةِ كُلِّهَا.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُشْتَرَطُ الاِسْتِقْبَال فِي السَّلَامِ - أَيْضًا - لأَِنَّهُ آخِرُ طَرَفَيِ الصَّلَاةِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ ذَلِكَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ -: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ يَعْنِي فِي السَّلَامِ لأَِنَّ الاِفْتِتَاحَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ
(1) حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع ". أخرجه أبو داود (2 / 21 تحقيق عزت عبيد دعاس) وحسن إسناده المنذري في مختصره لأبي داود (2 / 59 نشر دار المعرفة) .
فَأَشْبَهَ سَائِرَ أَجْزَائِهَا؛ وَلأَِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ مَشَقَّةٍ فَسَقَطَ شَرْطُ الاِسْتِقْبَال فِي السَّلَامِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ، وَإِنْ لَمْ يَسْهُل اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ بِأَنْ كَانَتِ الدَّابَّةُ سَائِرَةً وَهِيَ مَقْطُورَةٌ، وَلَمْ يَسْهُل انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا أَوْ كَانَتْ جَمُوحًا لَا يَسْهُل تَحْرِيفُهَا فَلَا يَجِبُ الاِسْتِقْبَال؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَاخْتِلَال أَمْرِ السَّيْرِ عَلَيْهِ، فَيُحْرِمُ إِلَى جِهَةِ سَيْرِهِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجِبُ عَلَيْهِ الاِسْتِقْبَال مُطْلَقًا سَوَاءٌ سَهُل عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (1) .
11 -
وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي مَكَان وَاسِعٍ كَمَحْمَلٍ وَاسِعٍ وَهَوْدَجٍ وَيَتَمَكَّنُ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَعَلَيْهِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي صَلَاتِهِ وَيَسْجُدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ إِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ كَرَاكِبِ السَّفِينَةِ، وَقَال أَبُو الْحَسَنِ الآْمِدِيُّ: يُحْتَمَل أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ لأَِنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ تَعُمُّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَغَيْرُهُ (2) . هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّطَوُّعِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ الاِسْتِقْبَال لِلْعُذْرِ - فَقَطْ - عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.
(1) ابن عابدين 1 / 469، والدسوقي 1 / 225، ومغني المحتاج 1 / 143، وأسنى المطالب 1 / 134، والمغني (1 / 436 ط. الرياض) .
(2)
المغني (1 / 435 - 436 ومغني المحتاج 1 / 142، والدسوقي 1 / 22) .