الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّسْبِيحُ بَعْدَ الْوِتْرِ:
18 -
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُول بَعْدَ الْوِتْرِ: " سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَمُدَّ صَوْتَهُ بِهَا فِي الثَّالِثَةِ (1)، لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَْعْلَى} ، وَ {قُل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنَ الْوِتْرِ قَال: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهَا فِي الثَّالِثَةِ (2) .
(1) المغني 2 / 165، ومطالب أولي النهى 1 / 549.
(2)
حديث عبد الرحمن بن أبزى، كان يوتر بسبح اسم ربك الأعلى. . . ". أخرجه النسائي (3 / 245 - ط المكتبة التجارية) وحسن إسناده ابن حجر في التلخيص (2 / 19) .
الصَّلَاةُ الْوُسْطَى
التَّعْرِيفُ:
1 -
تَعْرِيفُ الصَّلَاةِ: انْظُرْ: صَلَاة.
وَالْوُسْطَى مُؤَنَّثُ الأَْوْسَطِ، وَأَوْسَطُ الشَّيْءِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ: مِنْ خِيَارِهِمْ، وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ، أَيْ خِيَارِهِمْ، وَالْوَسَطُ: وَسَطُ الشَّيْءِ، مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَالْمُعْتَدِل مِنْ كُل شَيْءٍ، وَالْعَدْل، وَالْخَيْرُ، يُوصَفُ بِهِ الْمُفْرَدُ وَغَيْرُهُ، وَفِي التَّنْزِيل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (1) ، أَيْ خِيَارًا عُدُولاً (2) .
تَحْدِيدُ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى الْوَارِدِ ذِكْرُهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (3) وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:
2 -
قِيل: إِنَّهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِهِ، وَهُوَ قَوْل
(1) سورة البقرة / 143.
(2)
المعجم الوسيط، وتفسير الجلالين في الآية.
(3)
سورة البقرة / 238.
الشَّافِعِيِّ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُْمِّ وَغَيْرِهِ، وَنَقَل الْوَاحِدِيُّ هَذَا الْقَوْل عَنْ عُمَرَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْل عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ. وَمُسْتَنَدُ هَؤُلَاءِ: أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ قَبْلَهَا صَلَاتَا لَيْلٍ يُجْهَرُ فِيهِمَا، وَبَعْدَهَا صَلَاتَا نَهَارٍ يُسَرُّ فِيهِمَا؛ وَلأَِنَّ وَقْتَهَا يَدْخُل وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَالْقِيَامُ إِلَيْهَا شَاقٌّ فِي زَمَنِ الْبَرْدِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ، وَفِي زَمَنِ الصَّيْفِ لِقِصَرِ اللَّيْل، فَخُصَّتْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، حَتَّى لَا يُتَغَافَل عَنْهَا بِالنَّوْمِ.
وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَقَرَنَهَا بِالْقُنُوتِ، وَلَا قُنُوتَ إِلَاّ فِي الصُّبْحِ، قَال أَبُو رَجَاءٍ: صَلَّى بِنَا ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِالْبَصْرَةِ فَقَنَتَ فِيهَا قَبْل الرُّكُوعِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَال: هَذِهِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُومَ فِيهَا قَانِتِينَ.
وَالْقُنُوتُ لُغَةً: يُطْلَقُ عَلَى طُول الْقِيَامِ وَعَلَى الدُّعَاءِ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: أَفْضَل الصَّلَاةِ طُول الْقُنُوتِ (1) .
وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَالاِسْتِعْمَال أَنَّ الْقُنُوتَ: الْعِبَادَةُ
(1) حديث جابر: " أفصل الصلاة طول القنوت ". أخرجه مسلم (1 / 520 ط الحلبي) .
وَالدُّعَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي حَال الْقِيَامِ
، قَال الْوَاحِدِيُّ: فَتَظْهَرُ الدَّلَالَةُ لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْوُسْطَى الصُّبْحُ؛ لأَِنَّهُ لَا فَرْضَ يَكُونُ فِيهِ الدُّعَاءُ قَائِمًا غَيْرَهَا (1) .
3 -
وَقِيل: إِنَّهَا الْعَصْرُ لأَِنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْل، وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْل ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ، وَابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَال: وَعَلَى هَذَا الْقَوْل الْجُمْهُورُ مِنَ النَّاسِ وَبِهِ أَقُول، وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَْنْصَارِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَْحْزَابِ: شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ
(1) الحطاب 1 / 400، والقرطبي (3 / 210 - 211 ط. دار الكتب المصرية) ، والمجموع 3 / 60 - 62، والمغني 1 / 379.
الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلأََ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا (1) .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ (2) . وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ (3) . وَقَال: مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُهُ (4) وَقَال: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ، يَعْنِي النَّجْمَ (5) .
وَقَال النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: الَّذِي تَقْتَضِيهِ الأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ: إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى
(1) حديث علي: " شغلونا عن الصلاة الوسطى. . . ". أخرجه مسلم (1 / 437 ط الحلبي) .
(2)
حديث عبد الله بن مسعود: " صلاة الوسطى صلاة العصر. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 218 - ط. الحلبي) وقال: حديث صحيح.
(3)
حديث: " الذي تفوته صلاة العصر. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 30 - ط. السلفية) ومسلم (1 / 435 - ط. الحلبي) من حديث ابن عمر.
(4)
حديث: " من ترك صلاة العصر. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 31 - ط. السلفية) من حديث بريدة.
(5)
حديث: " إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم. . . ". أخرجه مسلم (1 / 568 - ط الحلبي) من حديث أبي بصرة الغفاري.
هِيَ الْعَصْرُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. ثُمَّ قَال: قَال صَاحِبُ الْحَاوِي: نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ، وَصَحَّتِ الأَْحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ، فَصَارَ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ، قَال: وَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، كَمَا وَهَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا (1) .
4 -
وَقِيل: إِنَّهَا الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ مَعًا، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الأَْبْهَرِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل الْغُرُوبِ} (2) يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ.
وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَال: أَمَّا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُونَ (3) . فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبِهَا، يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ فَافْعَلُوا (4)، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ:
(1) ابن عابدين 1 / 241، والحطاب 1 / 400، والقرطبي 3 / 210، 213، والمجموع 3 / 61، والمغني 1 / 378 - 380، وكشاف القناع 1 / 252.
(2)
سورة ق / 39.
(3)
قال النووي: (تضامون) بتشديد الميم وتخفيفها، فمن شددها فتح التاء، ومن خففها ضم التاء ومعنى المشدد: أنكم لا تتضامون، وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته، ومعنى المخفف: أنه لا يلحقكم مشقة وتعب، وانظر القرطبي 3 / 211 - 212 والمغني 1 / 379، والحطاب 1 / 400، والمجموع 3 / 61.
(4)
حديث جرير: " إنكم سترون ربكم. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 52 - ط السلفية) ومسلم (1 / 439 - ط. الحلبي) .
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبِهَا} (1)
وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْل وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ - كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ (2) .
وَرَوَى عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيْبَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبِهَا، يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ (3) وَعَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَل الْجَنَّةَ (4) وَسُمِّيَتَا الْبَرْدَيْنِ لأَِنَّهُمَا يُفْعَلَانِ فِي وَقْتِ الْبَرْدِ (5) .
(1) سورة طه / 130.
(2)
حديث: " يتعاقبون فيكم ملائكة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 33 - ط السلفية) ومسلم (1 / 439 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(3)
حديث عمارة بن رؤيبة: " لن يلج النار أحد صلى. . . ". أخرجه مسلم (1 / 440 ط الحلبي) .
(4)
حديث: " من صلى البردين دخل الجنة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح2 / 52 - ط السلفية) ومسلم (1 / 440 - ط. الحلبي) .
(5)
القرطبي 3 / 211، 212، والمغني 1 / 379، والحطاب 1 / 400، والمجموع 3 / 61.
5 -
وَقِيل: إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، قَال الدِّمْيَاطِيُّ: ذَكَرَهُ ابْنُ مِقْسَمٍ فِي تَفْسِيرِهِ (1) . وَقَال أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: اسْمَعُوا وَبَلِّغُوا مَنْ خَلْفَكُمْ: حَافِظُوا عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ - يَعْنِي فِي جَمَاعَةٍ - الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأََتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى مَرَافِقِكُمْ وَرُكَبِكُمْ.
وَقَالَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَوَرَدَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَيْسَ صَلَاةً أَثْقَل عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا لأََتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا (2) .
وَجَعَل لِمُصَلِّي الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ قِيَامَ لَيْلَةٍ، وَالْعَتَمَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ، حَيْثُ قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْل، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْل كُلَّهُ (3) .
6 -
وَقِيل: هِيَ الظُّهْرُ؛ لأَِنَّهَا وَسَطُ
(1) الحطاب 1 / 400،، القرطبي 3 / 312.
(2)
حديث: " ليس صلاة أثقل. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 141 ط السلفية) ومسلم (1 / 451 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(3)
حديث: " من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله ". أخرجه مسلم (1 / 454 ط الحلبي) من حديث عثمان بن عفان.
النَّهَارِ، وَالنَّهَارُ أَوَّلُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمِمَّنْ قَال إِنَّ الظُّهْرَ هِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ.
وَمِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّهَا وُسْطَى: مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حِينَ أَمْلَتَا: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ " بِالْوَاوِ، وَرُوِيَ: أَنَّهَا كَانَتْ أَشَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لأَِنَّهَا كَانَتْ تَجِيءُ فِي الْهَاجِرَةِ وَهُمْ قَدْ نَفْهَتُهُمْ (1) أَعْمَالُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ (2)، وَوَرَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ تَكُنْ صَلَاةٌ أَشَدُّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا (3)، فَنَزَلَتْ:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (4) .
7 -
وَقِيل: إِنَّهَا الْمَغْرِبُ قَال بِذَلِكَ قَبِيصَةُ
(1) نفهه: أتبعه حتى انقطع.
(2)
المغني 1 / 378، 379، والقرطبي 3 / 209، والمجموع 3 / 61، والحطاب 1 / 400.
(3)
حديث زيد بن ثابت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ". أخرجه أبو داود (1 / 288، تحقيق عزت عبيد دعاس) وصحح إسناده ابن حزم في المحلى (4 / 250 ط المنيرية) .
(4)
سورة البقرة / 238.
بْنُ ذُؤَيْبٍ فِي جَمَاعَةٍ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَتَادَةَ؛ لأَِنَّ الأُْولَى هِيَ الظُّهْرُ، فَتَكُونُ الْمَغْرِبُ الثَّالِثَةُ، وَالثَّالِثَةُ مِنْ كُل خَمْسٍ هِيَ الْوُسْطَى؛ وَلأَِنَّهَا وُسْطَى فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَوُسْطَى فِي الأَْوْقَاتِ، فَعَدَدُ رَكَعَاتِهَا ثَلَاثٌ فَهِيَ وُسْطَى بَيْنَ الأَْرْبَعِ وَالاِثْنَيْنِ وَوَقْتُهَا فِي آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّل اللَّيْل، خُصَّتْ مِنْ بَيْنِ الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا الْوِتْرُ، وَاَللَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، وَبِأَنَّهَا تُصَلَّى فِي أَوَّل وَقْتِهَا فِي جَمِيعِ الأَْمْصَارِ وَالأَْعْصَارِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ (1) ، وَكَذَلِكَ صَلَاّهَا جِبْرِيل بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمَيْنِ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ (2) ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ الأَْئِمَّةِ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا إِلَاّ وَقْتٌ وَاحِدٌ، وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تَزَال أُمَّتِي بِخَيْرٍ - أَوْ قَال: عَلَى الْفِطْرَةِ - مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ (3) وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: إِنَّ أَفْضَل الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللَّهِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَمْ يَحُطَّهَا عَنْ مُسَافِرٍ وَلَا مُقِيمٍ، فَتَحَ اللَّهُ بِهَا صَلَاةَ اللَّيْل وَخَتَمَ بِهَا صَلَاةَ النَّهَارِ
(1) المغني 1 / 379 - 380، والقرطبي 3 / 210، والحطاب 1 / 400، والمجموع 3 / 61.
(2)
حديث: " أن جبريل صلى المغرب بالنبي صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه الترمذي (1 / 279 - ط الحلبي) من حديث ابن عباس وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
حديث: " لا تزال أمتي بخير. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 291 تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي أيوب، وإسناده حسن.
فَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ وَمَنْ صَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَنْبَ عِشْرِينَ سَنَةً - أَوْ قَال - أَرْبَعِينَ سَنَةً (1) .
8 -
وَقِيل: إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ؛ لأَِنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَا تُقْصَرَانِ، وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا، وَذَلِكَ شَاقٌّ، فَوَقَعَ التَّأْكِيدُ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا - وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعِشَاءُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ.
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ قَال: مَكَثْنَا لَيْلَةً نَنْتَظِرُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآْخِرَةِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْل أَوْ بَعْدَهُ. فَقَال: إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْل دِينٍ غَيْرَكُمْ، وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُل عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ (2)
وَقَال: لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَل عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأََتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا (3) .
(1) حديث عائشة: " إن أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب ". أورده الغزالي في إحياء علوم الدين (1 / 363 - ط الحلبي) وقال العراقي في تخريجه: " رواه أبو الوليد يونس بن عبيد الله الصفار في كتاب الصلاة، ورواه الطبراني في الأوسط مختصرا، وإسناده ضعيف ".
(2)
حديث ابن عمر: " مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه مسلم (1 / 442 ط الحلبي) .
(3)
انظر المغني 1 / 380، والحطاب 1 / 400، والقرطبي 3 / 310، والمجموع 3 / 61، وحديث:" ليس صلاة أثقل على المنافين. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 141 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
9 -
وَقِيل: إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، فَهِيَ مُبْهَمَةٌ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لِيَجْتَهِدَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالسَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَخَبَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى. كَمَا خَبَّأَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَسَاعَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَسَاعَاتِ اللَّيْل الْمُسْتَجَابِ فِيهَا الدُّعَاءُ لِيَقُومُوا بِاللَّيْل فِي الظُّلُمَاتِ لِمُنَاجَاةِ عَالِمِ الْخَفِيَّاتِ وَمِمَّا يَدُل عَلَى صِحَّةِ أَنَّهَا مُبْهَمَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ مَا وَرَدَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَال:" نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ) ، فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ فَنَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، فَقَال رَجُلٌ: هِيَ إِذَنْ صَلَاةُ الْعَصْرِ؟ فَقَال الْبَرَاءُ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللَّهُ "(1) فَلَزِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا بَعْدَ أَنْ عُيِّنَتْ نُسِخَ تَعْيِينُهَا وَأُبْهِمَتْ فَارْتَفَعَ التَّعْيِينُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ مُسْلِمٍ. وَقَال بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، قَال
(1) حديث البراء: " نزلت هذه الآية: {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر} . . . ". أخرجه مسلم (1 / 438 - ط الحلبي) .