الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَاةُ الْوِتْرِ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْوِتْرُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا) لُغَةً: الْعَدَدُ الْفَرْدِيُّ، كَالْوَاحِدِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْخَمْسَةِ (1)، وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ (2) . وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: كَانَ الْقَوْمُ شَفْعًا فَوَتَرْتُهُمْ وَأَوْتَرْتُهُمْ، أَيْ جَعَلْتُ شَفْعَهُمْ وِتْرًا. وَفِي الْحَدِيثِ: مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ (3) مَعْنَاهُ: فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَلَا يَسْتَنْجِ بِالشَّفْعِ.
وَالْوِتْرُ فِي الاِصْطِلَاحِ: صَلَاةُ الْوِتْرِ، وَهِيَ صَلَاةٌ تُفْعَل مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، تُخْتَمُ بِهَا صَلَاةُ اللَّيْل، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّهَا تُصَلَّى وِتْرًا، رَكْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ جَعْلُهَا شَفْعًا،
(1) لسان العرب.
(2)
حديث: " إن الله وتر يحب الوتر ". أخرجه البخاري (الفتح11 / 214 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2062 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم.
(3)
حديث: " من استجمر فليوتر ". أخرجه البخاري (الفتح1 / 262 - ط السلفية) ومسلم (1 / 212 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
وَيُقَال: صَلَّيْتُ الْوِتْرَ، وَأَوْتَرْتُ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَصَلَاةُ الْوِتْرِ اخْتُلِفَ فِيهَا، فَفِي قَوْلٍ: هِيَ جُزْءٌ مِنْ صَلَاةِ قِيَامِ اللَّيْل وَالتَّهَجُّدِ، قَال النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الأُْمِّ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ. وَفِي وَجْهٍ أَيْ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَهَجُّدًا، بَل الْوِتْرُ غَيْرُ التَّهَجُّدِ (1) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَيْسَ وَاجِبًا، وَدَلِيل سُنِّيَّتِهِ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْل الْقُرْآنِ (2) وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ وَوَاظَبَ عَلَيْهِ.
وَاسْتَدَلُّوا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِمَا ثَبَتَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ: عَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ فَقَال: خَمْسُ صَلَوَاتٍ، فَقَال: هَل عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَال: لَا إِلَاّ أَنْ تَطَوَّعَ (3) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي كِنَانَةَ
(1) المجموع للنووي 4 / 480.
(2)
حديث: " إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن ". أخرجه الترمذي (2 / 316 - ط الحلبي) من حديث علي بن أبي طالب، وقال الترمذي: حديث حسن.
(3)
حديث: سؤال الأعرابي. أخرجه البخاري (الفتح 5 / 287 - ط السلفية) ومسلم (1 / 41 - ط. الحلبي) من حديث طلحة بن عبيد الله.
يُدْعَى الْمُخْدَجِيُّ سَمِعَ رَجُلاً بِالشَّامِ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، يَقُول: الْوِتْرُ وَاجِبٌ. قَال الْمُخْدَجِيُّ: فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه فَاعْتَرَضْتُ لَهُ وَهُوَ رَائِحٌ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِاَلَّذِي قَال أَبُو مُحَمَّدٍ، فَقَال عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ جَاءَ بِهِنَّ، لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا، اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ (1) .
وَقَال عَلِيٌّ رضي الله عنه الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَكِنْ سُنَّةٌ، سَنَّهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: وَلأَِنَّ الْوِتْرَ يَجُوزُ فِعْلُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ، وَثَبَتَ ذَلِكَ بِفِعْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَل أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ (2) فَلَوْ
(1) حديث: " خمس صلوات كتبهن الله على العباد " أخرجه النسائي (1 / 230 - ط المكتبة التجارية) وصححه ابن عبد البر كما في التلخيص لابن حجر (2 / 147 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(2)
حديث: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 575 ط السلفية) من حديث ابن عمر.
كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا صَلَاّهَا عَلَى الرَّاحِلَةِ، كَالْفَرَائِضِ (1) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ - وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ فَرْضًا؛ لأَِنَّهُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَلَا يُؤَذَّنُ لَهُ كَأَذَانِ الْفَرَائِضِ، وَاسْتَدَل بِوُجُوبِهِ بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا كَرَّرَ ثَلَاثًا (2) وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْوِتْرِ، فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ (3) وَهُوَ أَمْرٌ، وَالأَْمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَالأَْحَادِيثُ الآْمِرَةُ بِهِ كَثِيرَةٌ؛ وَلأَِنَّهُ صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ تُقْضَى.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّهُ فَرْضٌ، لَكِنْ قَال ابْنُ الْهُمَامِ: مُرَادُهُ بِكَوْنِهِ سُنَّةً: أَنَّهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ،
(1) المغني لابن قدامة 2 / 210، والمجموع للنووي (ط. المنيرية 4 / 12 - 21) والدسوقي 1 / 312.
(2)
حديث: " الوتر حق، فمن لم يوتر. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 129 - 130 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وأورده المنذري في (مختصر السنن 2 / 122 - نشر دار المعرفة) وذكر أن في إسناده راويا متكلما فيه.
(3)
حديث: " إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ". أخرجه الترمذي (2 / 314 - ط. الحلبي) والحاكم (1 / 306 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث خارجة بن حذافة العدوي، واللفظ للحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.