الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُنَنُ الصَّلَاةِ:
(أ)
رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ:
57 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُول صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ (1) .
وَقَدْ نَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الرَّفْعِ.
58 -
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، وَبِرُءُوسِ الأَْصَابِعِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ، وَيَسْتَقْبِل بِبُطُونِ كَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ، وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُ وَيَرْفَعَهُمَا، فَإِذَا اسْتَقَرَّتَا فِي مَوْضِعِ مُحَاذَاةِ الإِْبْهَامَيْنِ شَحْمَتَيِ الأُْذُنَيْنِ يُكَبِّرُ؛ فَالرَّفْعُ يَكُونُ قَبْل التَّكْبِيرِ.
وَهَذَا فِي الرَّجُل، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ الْمَنْكِبَيْنِ، قَالُوا: وَلَا يُطَأْطِئُ الْمُصَلِّي رَأْسَهُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ؛ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ.
وَلَوْ رَفَعَ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ أَصَابِعَهُ كُل الضَّمِّ، وَلَا يُفَرِّجُ كُل التَّفْرِيجِ بَل يَتْرُكُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَيْنَ الضَّمِّ وَالتَّفْرِيجِ.
وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ
(1) حديث ابن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 218 - ط السلفية) .
مِنَ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ إِحْدَاهُمَا دُونَ الأُْخْرَى رَفَعَهَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إِلَاّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا.
كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوِ اعْتَادَ الْمُصَلِّي تَرْكَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَإِثْمُهُ لَا لِنَفْسِ التَّرْكِ، بَل؛ لأَِنَّهُ اسْتِخْفَافٌ وَعَدَمُ مُبَالَاةٍ بِسُنَّةٍ وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُدَّةَ عُمُرِهِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الاِسْتِخْفَافُ بِمَعْنَى التَّهَاوُنِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ، لَا بِمَعْنَى الاِسْتِهَانَةِ وَالاِحْتِقَارِ، وَإِلَاّ كَانَ كُفْرًا.
59 -
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الإِْحْرَامِ، فَيُكْرَهُ رَفْعُهُمَا قَبْل التَّكْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالرَّفْعُ يَكُونُ بِحَيْثُ تَكُونُ ظُهُورُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَبُطُونُهُمَا إِلَى الأَْرْضِ وَبِحَيْثُ يَنْتَهِي رَفْعُهُمَا إِلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيل: انْتِهَاؤُهَا إِلَى الصَّدْرِ، وَقِيل: يَرْفَعُهُمَا حَذْوَ الأُْذُنَيْنِ، وَهُمَا مُقَابِلَانِ لِلْمَشْهُورِ.
وَتُسَمَّى صِفَةُ هَذَا الرَّفْعِ عِنْدَهُمْ صِفَةَ الرَّاهِبِ - وَهِيَ الْمَذْهَبُ - وَمُقَابِلُهُ صِفَتَانِ: صِفَةُ الرَّاغِبِ: وَهِيَ بِأَنْ يَجْعَل بُطُونَ يَدَيْهِ لِلسَّمَاءِ، وَصِفَةُ النَّابِذِ: وَهِيَ أَنْ يُحَاذِيَ بِكَفَّيْهِ مَنْكِبَيْهِ قَائِمَتَيْنِ وَرُءُوسَ أَصَابِعِهِمَا مِمَّا
يَلِيَ السَّمَاءَ عَلَى صُورَةِ النَّابِذِ لِلشَّيْءِ.
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْيَدَيْنِ تَكُونُ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الرَّفْعِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ (1) .
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ حَذْوَ الصَّدْرِ مَا فِي حَدِيثِ وَائِل بْنِ حُجْرٍ قَال: رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى صُدُورِهِمْ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ (2) وَالدَّلِيل عَلَى كَوْنِهَا حَذْوَ الأُْذُنَيْنِ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى بِهِمَا أُذُنَيْهِ (3) وَهَذَا فِي رَفْعِ الرَّجُل، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَدُونَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا عِنْدَهُمْ، قَالُوا: وَيُسْتَحَبُّ كَشْفُهُمَا عِنْدَ الإِْحْرَامِ وَإِرْسَالُهُمَا بِوَقَارٍ فَلَا يَدْفَعُ بِهِمَا أَمَامَهُ.
وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الْفَضَائِل عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَيْسَ مِنَ السُّنَنِ.
60 -
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَكُونُ الرَّفْعُ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما
(1) حديث ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه. . . ". تقدم ف (56) .
(2)
حديث وائل بن حجر: " رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعوا أيديهم إلي صدورهم ". أخرجه بمعناه أبو داود (1 / 466 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .
(3)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه ". أخرجه مسلم (1 / 292 - ط الحلبي) .
-: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ (1) قَالُوا: وَمَعْنَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ: أَنْ تُحَاذِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ أَعْلَى أُذُنَيْهِ، وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ، وَقَال الأَْذْرَعِيُّ: بَل مَعْنَاهُ كَوْنُ رُءُوسِ أَصَابِعِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الرَّفْعُ إِلَاّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوعِ أَوْ نَقْصٍ مِنْهُ أَتَى بِالْمُمْكِنِ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الإِْتْيَانُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَالزِّيَادَةُ أَوْلَى؛ لأَِنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ وَزِيَادَةٍ.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُ إِحْدَى يَدَيْهِ رَفَعَ الأُْخْرَى، وَأَقْطَعُ الْكَفَّيْنِ يَرْفَعُ سَاعِدَيْهِ، وَأَقْطَعُ الْمِرْفَقَيْنِ يَرْفَعُ عَضُدَيْهِ تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَزَمَنُ الرَّفْعِ يَكُونُ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فِي الأَْصَحِّ لِلاِتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، سَوَاءٌ انْتَهَى التَّكْبِيرُ مَعَ الْحَطِّ أَوْ لَا.
وَفِي وَجْهٍ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَبْل التَّكْبِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ ابْتِدَاءِ الإِْرْسَال وَيُنْهِيهِ مَعَ انْتِهَائِهِ، وَقِيل: يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَدَاهُ مُرْتَفِعَتَانِ، فَإِذَا فَرَغَ أَرْسَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ.
وَإِنْ تَرَكَ الرَّفْعَ حَتَّى شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ أَتَى بِهِ فِي أَثْنَائِهِ لَا بَعْدَهُ لِزَوَال سَبَبِهِ.
61 -
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: يَرْفَعُ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ بِرُءُوسِهِمَا، وَيَسْتَقْبِل بِبُطُونِهِمَا
(1) حديث ابن عمر رضي الله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه. . . ". تقدم ف (57) .