الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و -
الْعَمَل الْكَثِيرُ:
114 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْعَمَل الْكَثِيرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَمَل الْكَثِيرَ الَّذِي تَبْطُل الصَّلَاةُ بِهِ هُوَ مَا لَا يَشُكُّ النَّاظِرُ فِي فَاعِلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ. قَالُوا: فَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ فِيهَا أَمْ لَا فَقَلِيلٌ، وَهَذَا هُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ، وَقَيَّدُوا الْعَمَل الْكَثِيرَ أَلَاّ يَكُونَ لإِِصْلَاحِهَا لِيَخْرُجَ بِهِ الْوُضُوءُ وَالْمَشْيُ لِسَبْقِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُمَا لَا يُفْسِدَانِهَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ: وَلَا فِعْل لِعُذْرٍ احْتِرَازًا عَنْ قَتْل الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ عَلَى قَوْلٍ، إِلَاّ أَنْ يُقَال: إِنَّهُ لإِِصْلَاحِهَا؛ لأَِنَّ تَرْكَهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى إِفْسَادِهَا.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، فَالْعَمَل الْكَثِيرُ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا يُخَيَّل لِلنَّاظِرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، وَالسَّهْوُ فِي ذَلِكَ كَالْعَمْدِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي مَعْرِفَةِ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ هُوَ الْعُرْفُ، فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ قَلِيلاً فَقَلِيلٌ، وَمَا يَعُدُّونَهُ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: فَالْخُطْوَتَانِ المُتَوَّسِّطَتان، وَالضَّرْبَتَانِ، وَنَحْوِهِمَا قَلِيلٌ، وَالثَّلَاثُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ غَيْرُهُ كَثِيرٌ إِنْ تَوَالَتْ. سَوَاءٌ أَكَانَتْ
مِنْ جِنْسِ الْخُطُوَاتِ، أَمْ أَجْنَاسٌ: كَخُطْوَةٍ، وَضَرْبَةٍ، وَخَلْعِ نَعْلٍ. وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْخُطُوَاتُ الثَّلَاثُ بِقَدْرِ خُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لَا. وَصَرَّحُوا بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْفَعْلَةِ الْفَاحِشَةِ؛ كَالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ لِمُنَافَاتِهَا لِلصَّلَاةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَالأَْفْعَال الْعَمْدِيَّةُ عِنْدَهُمْ تُبْطِل الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ أَفْعَال الصَّلَاةِ أَمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا. أَمَّا السَّهْوُ فَإِنْ كَانَتِ الأَْفْعَال مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ فَتَبْطُل بِكَثِيرِهَا؛ لأَِنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إِلَيْهَا، أَمَّا إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا كَصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَلَا تَضُرُّ وَلَوْ كَثُرَتْ. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأَْفْعَال مِنْ جِنْسِهَا - كَزِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ سَهْوًا - فَلَا تَبْطُل (1) ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَمْ يُعِدْهَا (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَا يَتَقَدَّرُ الْيَسِيرُ بِثَلَاثٍ وَلَا لِغَيْرِهَا مِنَ الْعَدَدِ، بَل الْيَسِيرُ مَا عَدَّهُ الْعُرْفُ يَسِيرًا؛ لأَِنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ فَيُرْجَعُ لِلْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ. فَإِنْ طَال عُرْفًا مَا فَعَل فِيهَا، وَكَانَ ذَلِكَ الْفِعْل مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا غَيْرَ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 419، بلغة السالك 1 / 126 ط. مصطفى الحلبي 1952، مغني المحتاج 1 / 198، كشاف القناع 1 / 377، مطالب أولي النهى 1 / 539.
(2)
حديث: " صلى النبي صلى الله عليه وسلم خمسًا وسجد للسهو. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 94 - ط. السلفية) من حديث عبد الله بن مسعود.