الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ (2) . وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ نَائِمَةً.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ إِلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ ذَلِكَ الْكَافِرَ.
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً أَوْ كَافِرًا فَالْكَرَاهَةُ، وَإِنْ كَانَ رَجُلاً غَيْرَ كَافِرٍ جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً مَحْرَمًا فَقَوْلَانِ: وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ (3) .
103 -
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِكَرَاهَةِ اسْتِقْبَال شَيْءٍ مِنَ النَّارِ فِي الصَّلَاةِ - وَلَوْ سِرَاجًا أَوْ قِنْدِيلاً أَوْ شَمْعَةً مُوقَدَةً - لأَِنَّ فِيهِ
(1) حديث ابن عباس: " لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث ". أخرجه أبو داود (1 / 445 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وأعل إسناده الخطابي في معالم السنن (بهامش المختصر للمنذري 1 / 342 - نشر دار المعرفة) .
(2)
حديث عائشة: " كان يصلي وأنا راقدة معترضة بينه وبين القبلة. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 587 - ط. السلفية) .
(3)
حاشية ابن عابدين 1 / 433، 435، 438، حاشية الدسوقي 1 / 246، المجموع 3 / 251، كشاف القناع 1 / 371، 382.
تَشْبِيهًا بِعَبَدَةِ النَّارِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ اسْتِقْبَال هَذِهِ الأَْشْيَاءِ، قَالُوا: لأَِنَّ الْمَجُوسَ تَعْبُدُ الْجَمْرَ لَا النَّارَ الْمُوقَدَةَ، وَلِذَا قَالُوا بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إِلَى تَنُّورٍ أَوْ كَانُونٍ فِيهِ جَمْرٌ.
104 -
كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ، أَوْ يُعَلَّقَ فِيهَا شَيْءٌ، لأَِنَّهُ يَشْغَل الْمُصَلِّيَ.
وَيُكْرَهُ - أَيْضًا - تَزْوِيقُ الْمَسْجِدِ. قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْعَلُوا فِي الْقِبْلَةِ شَيْئًا، قَال الْبُهُوتِيُّ: حَتَّى الْمُصْحَفَ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ جَعْل الْمُصْحَفِ فِي قِبْلَتِهِ لِيُصَلِّيَ إِلَيْهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ هَذَا مَكَانُهُ الَّذِي يُعَلَّقُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ (1) .
الأَْمَاكِنُ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا:
105 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الأَْمَاكِنِ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَإِلَيْكَ تَفْصِيل أَقْوَالِهِمْ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْكَنِيسَةِ، وَعَطَنِ الإِْبِل، وَالْمَقْبَرَةِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ:
فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَفِي
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 438، والطحطاوي على مراقي الفلاح 198، 199، حاشية الدسوقي 1 / 246، 255.
الْحَمَّامِ وَفِي مَعَاطِنِ الإِْبِل وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ (1) .
قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: قَارِعَةُ الطَّرِيقِ هِيَ أَعْلَاهُ، وَقِيل: صَدْرُهُ، وَقِيل: مَا بَرَزَ مِنْهُ، وَالْكُل مُتَقَارِبٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا نَفْسُ الطَّرِيقِ، وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ هِيَ لِشَغْلِهِ حَقَّ الْعَامَّةِ، وَمَنْعِهِمْ مِنَ الْمُرُورِ؛ وَلِشَغْل الْبَال عَنِ الْخُشُوعِ فَيَشْتَغِل بِالْخَلْقِ عَنِ الْحَقِّ.
قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْبُنْيَانِ دُونَ الْبَرِّيَّةِ.
وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ - أَيْضًا - فِي مَعَاطِنِ الإِْبِل وَلَوْ طَاهِرَةً. لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِْبِل (2) . وَالْمُرَادُ بِالْمَعَاطِنِ - هُنَا - مَبَارِكُهَا مُطْلَقًا. قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: وَلَا تَخْتَصُّ الْكَرَاهَةُ بِالْعَطَنِ، بَل مَأْوَاهَا وَمَقِيلُهَا وَمَبَارِكُهَا، بَل مَوَاضِعُهَا كُلُّهَا كَذَلِكَ. وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَسُئِل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَال: صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا
(1) حديث ابن عمر: " نهى أن يصلي في سبعة مواطن ". أخرجه الترمذي (2 / 178 - ط. الحلبي) . وقال: " إسناده ليس بذاك القوي ".
(2)
حديث: " صلوا في مرابض الغنم ". أخرجه الترمذي (2 / 181 - ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة، وقال:" حديث حسن صحيح ".
خُلِقَتْ بَرَكَةً (1) . وَأَلْحَقُوا مَرَابِضَ الْبَقَرِ بِمَرَابِضِ الْغَنَمِ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا، قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَمَاكِنَ الْمَوَاشِي مُطْلَقًا إِنْ تَنَجَّسَتْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهَا بِلَا حَائِلٍ، وَتَصِحُّ بِالْحَائِل مَعَ الْكَرَاهَةِ.
وَوَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ وَمَعْطِنِ الإِْبِل، فَكَرِهُوا الصَّلَاةَ فِيهِمَا. وَأَلْحَقُوا بِالْكَنِيسَةِ كُل مُتَعَبَّدٍ لِلْكُفَّارِ كَالْبِيعَةِ وَبَيْتِ النَّارِ، وَخَصُّوا كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ بِمَا إِذَا دَخَلَهَا مُخْتَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ عَامِرَةً أَمْ دَارِسَةً، أَمَّا إِنْ دَخَلَهَا مُضْطَرًّا فَلَا كَرَاهَةَ، عَامِرَةً كَانَتْ أَمْ دَارِسَةً. وَقَالُوا بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ إِذَا نَزَلَهَا بِاخْتِيَارِهِ وَصَلَّى عَلَى أَرْضِهَا أَوْ عَلَى فَرْشِهَا.
وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَعْطِنِ الإِْبِل وَلَوْ مَعَ أَمْنِ النَّجَاسَةِ. وَعِنْدَهُمْ فِي إِعَادَةِ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ: قَوْلٌ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا عَامِدًا كَانَ أَوْ جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا، وَقَوْلٌ يُعِيدُ النَّاسِي فِي الْوَقْتِ، وَالْعَامِدُ وَالْجَاهِل بِالْحُكْمِ أَبَدًا نَدْبًا. وَأَجَازُوا الصَّلَاةَ بِلَا كَرَاهَةٍ بِمَرْبِضِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ مِنْ غَيْرِ فَرْشٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَبِالْمَقْبَرَةِ بِلَا حَائِلٍ وَلَوْ عَلَى الْقَبْرِ، وَلَوْ
(1) حديث: " أنه سئل عن الصلاة في مرابض الغنم ". أخرجه أبو داود (1 / 331 - 332 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، من حديث البراء بن عازب، وإسناده صحيح.
لِمُشْرِكٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمَقْبَرَةُ عَامِرَةً أَمْ دَارِسَةً مَنْبُوشَةً، وَبِالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْحَال أَنَّهُ لَمْ يُصَل عَلَى الزِّبْل أَوِ الدَّمِ، بَل فِي مَحَلٍّ لَا زِبْل فِيهِ، أَوْ لَا دَمَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْرِشَ شَيْئًا طَاهِرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ. وَبِالْمَحَجَّةِ (وَسَطِ الطَّرِيقِ) وَبِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ (جَانِبِهِ) . وَقَيَّدُوا جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَحَجَّةِ بِأَمْنِ النَّجَاسَةِ.
أَمَّا مَرْبِضُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَدَائِمًا مَأْمُونُ النَّجَاسَةِ؛ لأَِنَّ بَوْلَهَا وَرَجِيعَهَا طَاهِرَانِ. ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى أُمِنَتْ هَذِهِ الأَْمَاكِنُ مِنَ النَّجَسِ - بِأَنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ طَهَارَتَهَا - كَانَتِ الصَّلَاةُ جَائِزَةً وَلَا إِعَادَةَ أَصْلاً وَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهَا أَوْ ظُنَّتْ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَإِذَا صَلَّى أَعَادَ أَبَدًا. وَإِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا وَطَهَارَتِهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى الرَّاجِحِ، بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ الأَْصْل عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ. وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا إِنْ كَانَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلاً تَرْجِيحًا لِلْغَالِبِ عَلَى الأَْصْل. وَهَذَا فِي غَيْرِ مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ إِذَا صَلَّى فِيهَا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا حِينَئِذٍ جَائِزَةٌ. وَلَا إِعَادَةَ مَعَ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا.
وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي كُل ذَلِكَ فَقَالُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ مُطْلَقًا؛ لِحَدِيثِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا: لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ،
فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ (1) . وَالْمَقْبَرَةُ ثَلَاثَةُ قُبُورٍ فَصَاعِدًا، فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْرٌ وَلَا قَبْرَانِ مَقْبَرَةٌ.
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْحَمَّامِ، دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ وَأَتُونِهِ (مُوقِدِ النَّارِ) وَكُل مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ الْبَابُ وَيَدْخُل فِي الْبِيَعِ، لِشُمُول الاِسْمِ لِذَلِكَ كُلِّهِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: الأَْرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَاّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ (2) . وَمِثْلُهُ الْحُشُّ - وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ - وَلَوْ مَعَ طَهَارَتِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ.
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ فِي أَعْطَانِ الإِْبِل - وَهِيَ مَا تُقِيمُ فِيهِ وَتَأْوِي إِلَيْهِ -؛ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإِْبِل وَلَا تَدْخُل فِي النَّهْيِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُنَاخُ فِيهَا الإِْبِل لِعَلَفِهَا، أَوْ وُرُودِهَا الْمَاءَ، وَمَوَاضِعِ نُزُولِهَا فِي سَيْرِهَا، لِعَدَمِ تَنَاوُل اسْمِ الأَْعْطَانِ لَهَا.
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ - أَيْضًا - فِي الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ سَالِكٌ أَوْ لَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ.
(1) حديث: " لا تتخذوا القبور مساجد ". أخرجه مسلم (1 / 378 - ط. الحلبي) من حديث جندب بن جنادة.
(2)
حديث أبي سعيد: " الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة ". أخرجه أبو داود (1 / 330 - العثمانية) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بِلَا كَرَاهَةٍ بِطَرِيقِ الْبُيُوتِ الْقَلِيلَةِ، وَبِمَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ الطَّرِيقِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً.
قَال الْبُهُوتِيُّ: فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَحَجَّةٍ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ كُل مَكَان لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، فَكَذَا لَا تَصِحُّ عَلَى سَطْحِهِ؛ لأَِنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، دَلِيلٌ أَنَّ الْجُنُبَ يُمْنَعُ مِنَ اللُّبْثِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُل دَارًا يَحْنَثُ بِدُخُول سَطْحِهَا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ عُذْرٍ: كَأَنْ حُبِسَ بِحَمَّامٍ، أَوْ حُشٍّ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَْمَاكِنِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةٍ، وَانْفَرَدَ الْحَنَابِلَةُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الأَْرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ أُتِيَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ فَلَمْ تَصِحَّ، كَصَلَاةِ الْحَائِضِ (1) .
106 -
وَصَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاوُبَ. .، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ
(1) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 196، 197، حاشية الدسوقي 1 / 188، 189، ومغني المحتاج 1 / 203، وكشاف القناع 1 / 293.
عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُل (1) . وَلأَِنَّهُ مِنَ التَّكَاسُل وَالاِمْتِلَاءِ. قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: فَإِنْ غَلَبَهُ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَوْ بِأَخْذِ شَفَتِهِ بِسِنِّهِ، وَبِوَضْعِ يَدِهِ أَوْ كُمِّهِ عَلَى فَمِهِ.
وَيُكْرَهُ - أَيْضًا - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَضْعُ شَيْءٍ فِي فَمِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ؛ لأَِنَّهُ يَشْغَل بَالَهُ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْءُ لَا يَذُوبُ، فَإِنْ كَانَ يَذُوبُ كَالسُّكَّرِ يَكُونُ فِي فِيهِ، فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إِذَا ابْتَلَعَ ذَوْبَهُ.
وَيُكْرَهُ - كَذَلِكَ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ النَّفْخُ. هَذَا إِذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهِ حَرْفَانِ، فَإِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ بَطَلَتِ الصَّلَاةُ (2) . قَالُوا: لأَِنَّهُ عَبَثٌ، كَمَا صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ الْبَصْقِ فِي الصَّلَاةِ قِبَل وَجْهِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى (3) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ شَمُّ طِيبٍ قَصْدًا، كَأَنْ يُدَلِّكَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ
(1) حديث: " إن الله يحب العطاس. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 611 - ط. السلفية) والرواية الثانية لمسلم (4 / 2293 - ط. الحلبي) .
(2)
مغني المحتاج 1 / 195.
(3)
حديث أنس: " إذا كان أحدكم في الصلاة. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 84 - ط. السلفية) .