الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب الأذان
25 - باب ما جاء في بدء الأذان
ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي نا أبي ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: لما أصبحنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالرؤيا، فقال:"إن هذه لرؤيا حق. فقم مع بلال فإنه أندى أو أمد صوتًا منك فألق عليه ما قيل لك وليناد بذلك". قال: فلما سمع عمر بن الخطاب نداء بلال بالصلاة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر إزاره وهو يقول: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الَّذي قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فلله الحمد فذلك أثبت".
قال: حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح.
قال: وفي الباب عن ابن عمر.
حدثنا أبو بكر بن أبي النضر ثنا حخاج بن محمد قال: قال ابن جريج: أنا نافع عن ابن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد فتكلموا يومًا في ذلك. فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود. قال: فقال عمر: ألا تبعثوا رجلًا ينادي بالصلاة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال قم فناد بالصلاة".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر، وحديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح، وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول وذكر فيه قصة الأذان مثنى
مثنى والإقامة مرة.
وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه ولا نعرف له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان. وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني له أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عم عباد بن تميم.
* الكلام عليه:
حديث عبد الله بن زيد أخرجه أبو داود كاملًا مطولًا وأخرجه الإمام أحمد وزاد فيه أحمد: فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى الصلاة. قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له: إن رسول الله نائم.
قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.
وحديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم.
وقول الترمذي: وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق يعني حديث عبد الله بن زيد وطريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق المطولة التي أشار إليها عند أبي داود. وقد أخرجه ابن ماجة من حديث سلمة عن ابن إسحاق وفيه: ثنا محمد بن إبراهيم، وفيه بعد قول عمر: يا رسول الله والله لقد رأيت مثل الَّذي رأى. قال أبو عبيد وأخبرني أبو بكر الحكمي (1) أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال في ذلك:
(1) كذا عند ابن ماجة (706) كتاب الأذان والسنة فيها (3) باب بدء الأذان (1).
وفي الأصل: الحكيم، وفي نسخة السندي: الحكم.
والحديث حسنه الشيخ الألباني، وأحال على "الإرواء"(246) و"المشكاة"(650) و"الثمر المستطاب".
أحمد الله ذا الجلال وذا الإكرام
…
حمدًا على الأذان كثيرًا
إذ أتاني به البشير من الله
…
فأكرم به لدي بشيرًا
في ليال والى بهن بمنى ثلاث
…
كلما جاء زادني توقيرًا
وذكر البيهقي عن ابن خزيمة أنَّه قال؛ وخبر محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه ثابت صحيح من جهة النقل ومحمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه ومحمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه ابن إسحاق.
وقد روينا حديث ابن عمر من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر: أن بلالًا كان يقول أول ما أذن: أشهد أن لا إله إلَّا الله حي على الصلاة. فقال عمر: قل في إثرها: أشهد أن محمد رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل كما أمرك عمر".
أخبرنيه الحافظ أبو محمد عبد الحق بن خلف الدمياطي قال أنا أبو محمد عبد الله بن الحسين بن رواحة الأنصاري قال أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي قال أنا القاضي أبو رجاء بندار بن محمد بن أحمد بن جعفر الخلقاني أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن أبي علي الهمداني أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان قال: ثنا محمد بن يحيى ثنا بندار ثنا أبو بكر الحنفي عن عبد الله بن نافع فذكره.
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، وقد قال النسائي: عبد الله بن نافع متروك الحديث.
وروينا من طريق أبي محمد بن حيان بالسند المتقدم من جهة إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: الأذان نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع فرض الصلاة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، رواه عن علي بن الحسن بن سالم الرازي كتابة ثنا مسروق عن إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عنه.
وقد روي أن ابتداء الأذان كان ليلة الإسراء في خبر رويناه من طريق الحافظين أبي محمد بن حيان وأبي القاسم الطلحي واستغربه الطلحي وإسناده ضعيف. وأما حديث ابن عباس ففيه عبد العزيز بن عمران وغيره ممن لا تقوم به حجة.
وأحاديث الباب تتعلق بها فوائد:
الأولى: عبد الله بن زيد، اثنان من الأنصار من بني مازن، رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأحدهما ابن عبد ربه صاحب حديث الأذان والآخر ابن عاصم له أحاديث في الوضوء وصلاة الاستسقاء وغير ذلك. وقد نُسب بعض المتقدمين إلى الوهم حيث جعل حديث الأذان لابن عاصم قاله البخاري عن سفيان بن عيينة قال: ولم يصنع شيئًا.
الثانية: قال الترمذي: وهو عم عباد بن تميم وكذا وقع في أحاديث ابن عاصم من طريقه عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد فأوجب ذلك لبعضهم أن نسب عبادًا فقال: ابن تميم بن زيد بن عاصم ورفعه إلى مازن، كذلك فعل الكلاباذي وغيره وليس كذلك وإنما عبد الله بن زيد أمه أم عمارة نسيبة تزوجها زيد فولدت له عبد الله وحبيبًا ثم خلف عليها غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن صحر بن غنم بن مازن بن النجار فولدت له تميمًا وأبا حنة -وقيده بعضهم بالنون وبعضهم بالباء- فهو عمه بمعنى أنَّه زوج أمه (1) كذلك ذكره محمد بن سعد وغيره.
الثالثة: قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله وعجبًا لأبي عيسى يقول: حديث ابن عمر صحيح وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأذان لقول عمر وإنما أمر به لقول
(1) لعله يقصد أخوه لأمه، أو عمه أخو أبيه لأمه.
عبد الله بن زيد. انتهى.
وحديث ابن عمر هذا قد أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في "صحيحه" وغيرهم من أهل الصحة، وقال ابن منده في كلام له على هذا الحديث: هذا إسناد مجمع على صحته من حديث ابن جريج، فأي عجب في تصحيح الترمذي إياه [بعد ذلك].
وقد أخرجه الحاكم فيما خرج على كتاب مسلم من رواية محمد بن بكر عن ابن جريج، وهو عند مسلم من رواية حجاج عن ابن جريج فكيف يستدرك عليه وهو عنده؟
الرابعة: قال أهل اللغة: الأذان الإعلام، قال الله تعالى:{وَأَذَانُ مِنَ اللهِ} وقال تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِنٌ بَيْنَهُمْ} ، ويقال: الأذان والتأذين [والأذين].
الخامسة: قوله: (يجتمعون فيتحينون الصلوات)، قال القاضي عياض: معناه يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه والحين الوقت من الزمان.
السادسة: قوله: فقال بعضهم اتخذوا ناقوسًا، قال أهل اللغة: هو الَّذي تضرب به النصارى لأوقات صلواتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس ووقع في حديث معاذ بن جبل: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال فذكر تحويل القبلة ثم قال: وكانوا صحون للصلاة ويؤذن بعضهم بعضًا حتَّى نقسوا أو كادوا ينقسوا
…
الحديث. قال أهل اللغة: نقست نقسًا ضربت ضربًا بالناقوس ونقَّست بالتشديد جعلت في الدواة نِقسًا وهو ما يكتب به.
السابعة: قوله وقال بعضهم اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود ووقع في بعض الألفاظ الشَبُّور وفي بعضها القُنْعُ: قال: فذكر القُنْعُ يعني: الشبّور، قال الخطابي: قوله القُنْعُ هكذا قاله ابن داسة وحدثناه ابن الأعرابي عن أبي داود مرتين فقال مرة
القُنْع بالنون الساكنة ومرة القبع بالباء مفتوحة وجاء في الحديث تفسيره أنَّه الشبور وهو البوق وقد سألت عنه غير واحد من أهل اللغة فلم يثبتوه لي على واحد من الوجهين فإن كانت رواية القنع صحيحة فلا أراه سمي إلا لإقناع الصوت وهو رفعه يقال أقنع الرجل صوته وأقنع رأسه أي رفعه.
وأما القبع بالباء فلا أحسبه سمي قبعًا إلا أنَّه يقبع فا (1) صاحبه أي يستره يقال: قبع الرجل رأسه في جيبه إذا أدخله فيه وسمعت أبا عمر (2) يقول: هو القثع بالثاء المثلثة يعني البوق ولم أسمع هذا الحرف من غيره (3).
الثامنة: في اجتماعهم رضي الله عنهم وتشاورهم من غير نص دليل على طلب الحق في الدين من غير النصوص الظواهر في المعاني المستنبطة المحمولة على الأصول المنصوصة قاله ابن العربي.
التاسعة: المشاورة في مثل هذا من الأمور الدينية المهمة مستحبة في حقنا بإجماع العلماء، وقال بعض متأخري الشافعية: واختلف أصحابنا هل كانت المشاورة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم أو مستحبة في حقه والصحيح عندهم وجوبها لقوله تعالى: {وَشَاورْهُمْ فِي الأَمْرِ} .
العاشرة: [يستدل به من يجيز الاجتهاد للنبي عليه السلام في الشرعيات.
(1) أي فمه، كما في "عون المعبود"(2/ 118).
(2)
في حاشية نسخة الشيح السندي دون تبيان القائل:
قوله: وسمعت أبا عمر، لعله يعني به ابن عبد البر، فإن كان كذلك، فلعله صح له سماع منه، والله أعلم. اهـ.
قلت: هو أبو عمر الزاهد. كما في "لسان العرب"(ق ب ع)، ونقله عن الخطابي منسوبًا، ابن الأثير في "النهاية"(ق ن ع).
(3)
لكن ذكره صاحب "القاموس" قال: وليس بتصحيف قبع بالوحدة، ولا قنع بالنون.
وفي النون منه قال: بل ثلاث لغات.
قال القاضي عياض لكن هذه بالمصالح أشبه لأن القصد الاتفاق على شيء يكون علمًا للاجتماع لئلا يحصل الضرر في التأخر بفوات الجماعة وفي التقدم بتعطيلهم عن مصالحهم هذا معناه].
الحادية عشرة: الرؤيا من الأنبياء عليهم السلام وحي ومنه قوله تعالى: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} ومن غيرهم ليست كذلك ولا يبنى عليها حكم شرعي. وكيف انبنى حكم الأذان هنا على رؤيا من رآه من الصحابة رضي الله عنهم. وقد أجاب عنه بعض العلماء من وجوه ثلاثة:
الأول: أنَّه يحتمل أنَّه قيل للنبي عليه السلام: أنفذها وحيًا فأنفذها.
الثاني: أنها كانت مما يتشوق إليها ويميل إلى العمل بها، فأمر بها حتَّى ينظر أيقر عليها أم ينهى عنها.
الثالث: أنَّه رأى للأذان نظمًا لا يستطيعه الشيطان ولا يدخل في جملة الوسواس والخواطر المرسلة.
ثم أورد على الأول قوله عليه السلام لعمر: "فذلك أثبت" يعني لو استند ذلك إلى وحي من الله لاستغنى عن الاستئناس برؤيا عمر. انتهى.
وأما الثاني فينبني على مسألة الاجتهاد في الأحكام للنبي عليه السلام وقد سبق، وذكر أبو داود في "مراسيله": أن عمر لما رأى الأذان في المنام أتى ليخبر به النبي عليه السلام وقد جاء الوحي بذلك فما راعه إلا بلالًا يؤذن فقال له النبي عليه السلام: "سبقك بذلك الوحي" وهذا يعضد التأويل الأول.
الثانية عشرة: وقع في حديث ابن زيد أن النبي عليه السلام أمر بالأذان لرؤياه وفي حديث عمر قوله: ألا تبعثوا رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال عليه السلام: "قم يا بلال فناد بالصلاة"، وظاهره يقتضي التعارض حتَّى حمل ذلك ابن العربي على أن رد حديث عمر وليس كما زعم وطريق الجمع بينهما أن نداء بلال لم يكن إذ أشار به
عمر على صورة الأذان الشرعي بل لعله على سبيل الإعلام بدخول الوقت وإنما استقر الأذان الشرعي بعد ذلك، ولا يعارض هذا رؤيا عمر لجواز وقوعها بعد ذلك ولا في حديثه أكثر من مطلق النداء.
الثالثة عشرة ولما كان الأذان إنما ثبت عن مشورة أوقعها النبي عليه السلام بين أصحابه حتَّى استقر برؤيا من رآه منهم فأقره على فعل غيره وهذا أشبه بالمسنون منه بالواجب وكان مما أمر به عليه السلام وواظب عليه وهذا شأن الفرض، اختلف السلف في حكمه فقال عطاء ومجاهد والأوزاعي وداود: الأذان فرض ولم يقولوا على الكفاية وكذلك قالوا في الإقامة وأن الإعادة على من تركها عامدًا أو ساهيًا هذا ما حكاه أبو عمر. وقد ذكر عنهم الماوردي تفصيلًا في ذلك فحكى عن مجاهد أن الأذان والإقامة واجبان عنده معًا لا ينوب أحدهما عن الآخر فإن تركهما أو أحدهما فسدت صلاته. وقال الأوزاعي: الأذان إن كان وقت الصلاة باقيًا أعاد ولم يعد إن كان فائتًا. وقال عطاء: الإقامة واجبة دون الأذان فإن تركها لعذر أجزأه وإن كان لغير عذر قضى، وقال آخرون. الأذان فرض على الكفاية، واختلف أصحابنا في الأذان والإقامة أهما سنتان أم فرضا كفاية على ثلاثة أوجه: أصحها: أنهما سنتان، والثاني: أنهما فرضا كفاية، والثالث: أنهما مسنونان في غير الجمعة وفرض كفاية في الجمعة.
قال ابن عبد البر: وجملة القول في الأذان أنَّه عند مالك وأصحابه سنة مؤكدة واجبة على الكفاية وليس بفرض وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. قال: وتحصيل مذهب مالك في الإقامة أنها سنة أيضًا مؤكدة إلا أنها أوكد من الأذان عنده وعند أصحابه ومن تركها فهو مسيء وصلاته مجزئة وهو قول الشافعي وسائر الفقهاء فيمن ترك الإقامة أنَّه مسيء بتركها ولا إعادة عليه.
الرابعة عشرة: فعلى هذا إذا قيل بوجوبه على الكفاية، فاتفق أهل بلد على تركه قوتلوا، وإن قيل: أنَّه سنة، هل يقاتلوا أو لا؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم؛ لأن في تركه ذريعة إلى ترك السنن، وإبطالها. والثاني: لا، بل ...... (1) لأنهم لو قوتلوا لخرج عن حد المسنون إلى الواجب.
الخامسة عشرة: في محل الأذان وهو يختص من الصلوات فرائضها فليس في غير المفروضة أذان ولا إقامة سواء فيه الصلاة التي تسن لها الجماعة كالعيدين، والكسوفين، والاستسقاء، والتي لا تسن كصلاة الضحى، ولكن ينادى لصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء: الصلاة جامعة وكذلك لصلاة التراويح إذا أقيمت جماعة. واختلف أصحابنا في صلاة الجنازة هل ينادى لها كذلك أو لا؟ وحكى ابن شاس عن مذهب مالك: ولا أذان في غير المفروضة كصلاة الكسوف والاستسقاء والجنائز وصلاة العيد ولا ينادى لها: الصلاة جامعة.
روى أبو الأحوص عن سماك عن جابر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة. لفظ رواية مسلم. وقد كان بنو أمية أحدثوا من الأذان والإقامة لصلاة العيدين ما نسبوا فيه إلى البدعة، ثم انقرض.
وروى ابن جريج قال أخبرني عطاء عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. وسألت بعد ذلك فأخبرني قال أنا جابر بن عبد الله الأنصاري أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حتَّى يخرج الإمام ولا بعدما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء.
وعن ابن جريج أيضًا قال أخبرني عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير أول ما بويع له أنَّه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذن لها. قال: فلم يؤذن لها ابن
(1) بياض في نسخة السندي، ولعله رحمه الله حاول قراءته عن الأصل، فلم يستطع.
الزبير يومئذ
…
الحديث.
وروى ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن الشمس كسفت على عهد سول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديًا بالصلاة جامعة فاجتمعوا.
وروى يحيى بن أبي كثير قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن غير عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّه قال: لما انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي بالصلاة جامعة. الحديث.
كلها عند مسلم.
السادسة عشرة: ويختص أيضًا الرجال دون النساء، وفي جماعة النساء ثلاثة أقوال: أصحها، وهو المنصوص عليه في "الأم" و"المختصر": أنَّه يستحب لهن الإقامة دون الأذان. والثاني: لا أذان ولا إقامة. أما الأول: فلما يحتاج إليه الأذان من رفع الصوت وما يخشى من الافتتان من ذلك. وأما الثاني: فلأن الإقامة تبع للأذان. والثالث: استحبابهما معًا روينا عن طريق ابن حيان بالسند المتقدم قال ثنا ابن صاعد ثنا ابن عبد الرحيم البرقي ثنا عمرو بن أبي سلمة قال: سألت ابن ثوبان: هل على النساء إقامة؟ فحدثني أن أباه حدثه قال: سألت مكحولًا فقال: إذا أذن وأقمن فذلك أفضل، وإن لم يزدن على الإقامة أجزأت عنهن. قال ابن ثوبان: فإن لم يقمن، فإن الزهري حدث عن عروة عن عائشة قالت: كنا نصلي بغير إقامة. قال ابن حيان: وثنا محمد بن عبد الله ابن رستة ثنا لوين ثنا سويد بن عبد العزيز عن ابن السِمط عن الحكم الأيلي عن القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على النساء أذان ولا إقامة". الحكم هو ابن عبد الله بن سعد الأيلي، قال يحيى بن معين: ليس بثقة ولا مأمون. وقال البخاري: تركوه. وقال النسائي: متروك. وقال ابن المنذر: وروينا عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم.
السابعة عشرة: تختص المؤداة، ففي الفائتة ثلاثة أقوال الجديد أنَّه لا يؤذن لها
لحديث أبي سعيد في صلاة الخندق ولفظه: فدعا عليه السلام بلالًا فأقام للظهر ثم أقام للعصر ثم أقام للمغرب
…
الحديث.
ولم يذكر فيه أذانًا كذا ذكر الفقهاء من الأصحاب هذا الخبر محتجين به لهذا القول وهو كذلك من طريق ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد عن عبد الرحمن أبي سعيد عن أبيه
…
فذكره.
رواه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد عنه.
وسيأتي بغير هذا اللفظ.
الثاني: يؤذن لها وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد. ذكر أبو محمد بن حزم من طريق النسائي حديث أبي سعيد بطريقه عن عمرو بن علي إلى آخره ولفظه: شغلنا المشركون عن صلاة الظهر حتَّى غربت الشمسى يوم الخندق، قال: وذلك قبيل أن ينزل في القتال فأنزل الله بعد: {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِيْنَ الْقِتَالَ} ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأذن للظهر فصلاها في وقتها ثم أذن للعصر فصلاها في وقتها ثم أذن للمغرب فصلاها في وقتها. قال أبو محمد: وهذا الخبر زائد على كل خبر ورد في هذه القصة والأخذ بالزيادة واجب.
وروى البيهقي من حديث بشر بن الوليد عن أبي يوسف ثنا ابن أبي أنيسة عن زبيد الإيامي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود قال: شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر بلالًا فأذن وأقام فصلى الظهر وأذن وأقام فصلى العصر وأذن وأقام فصلى المغرب وذكر العشاء أيضًا. رواه عن أبي الحسين بن الفضل عن أبي عمرو السماك عن أحمد بن القاسم بن الحسين عنه.
وروى البزار من طريق حماد بن سلمة عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن
[مجاهد] عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر بلالًا فأذن فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر ثم أمره فأذن وأقام فصلى الغرب ثم أمره فأذن وأقام ثم صلى العشاء الحديث.
قال البزار: لا نعلمه يروى عن جابر بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، وقد اختلف عن مجاهد فرواه مؤمل من حديث عبد الكريم عن مجاهد عن أبي عبيدة عن عبد الله وهذا الحديث لا نعلمه رواه عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد إلا مؤمل.
رواه البزار عن محمد بن معمر عن مؤمل وعبد الكريم قد ضعف. هذا في الأذان لكل فائتة فاتته إذا اجتمعت، وقد جاء في الأذان للأول منها فقط والإقامة لما بعدها واحدة واحدة حديث ابن مسعود من طريق أبي عبيدة ابنه عنه بلفظ آخر عند الإمام أحمد والنسائي والترمذي وسيأتي، وفيه الأذان والإقامة للأول والإقامة لما بعدها. وقد ثبت من حديث أبي قتادة خبر النوم في الوادي عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس وفيه:"يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة"، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى رواه البخاري، ولمسلم نحوه.
ورواه أبو داود من حديث أبي هريرة فذكر الأذان والإقامة وقال: لم يذكر أحد الأذان في حديث الزهريّ إلا الأوزاعي وأبان العطار عن معمر. وقد ذكر مسلم الحديث فذكر الإقامة ولم يذكر الأذان.
ورواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عمرو بن أمية الضمري ولفظ أبي داود: ثم أمر بلالًا فأذن ثم توضؤوا وصلوا ركعتي الفجر ثم أمر بلالًا فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح. ولفظ أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالركعتين فركعهما ثم أقام الصلاة فصلى، لم يذكر الأذان.
وقد رواه جبير بن مطعم وعمران بن حصين وابن مسعود فذكروا فيه الأذان
وهي عند أحمد، وحديث ابن جبير عند النسائي وحديث عمران عند أبي داود.
ورواه بريد بن أبي مريم عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وفيه: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن فأذن ثم أمره فأقام. مختصر وهو عند النسائي.
ورواه أبو داود من حديث ذي مخمر وهو ابن أخي النجاشي (1) وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ذكر الأذان.
الثامنة عشرة: كونه لصلاة الجماعة، وسيأتي حكم المنفرد في باب الأذان للمسافر إن شاء الله تعالى.
واشترطوا في الجماعة أن تكون الجماعة الأولى على التفصيل الذي نذكره.
قالوا: ومهما أقيمت الجماعة في مسجد فحضر قوم فإن لم يكن له إمام راتب لم تكره لهم إقامة الجماعة فيه كان كان ففيه وجهان أصحهما أنه يكره وبه قال أبو حنيفة، وإذا أقاموا جماعة ثانية مكروهة كانت أو غير مكروهة فهل يسن لهم الأذان؟ حكى إمام الحرمين عن رواية صاحب "التقريب" فيه قولين:
أحدهما: لا، لأن كل واحد منهم مدعو بالأذان الأول وقد أجاب بالحضور فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولى بعد الأذان.
الثاني: نعم، لأن الأذان الأول قد انتهى حكمه بإقامة الجماعة الأولى، ولكن الأذان الثاني لا يرفع الصوت فيه كيلا يلتبس الأمر على الناس وهذا أظهر. والأول مذهب أبي حنيفة، قال الكرخي في "مختصره": ولا يُؤذن في مسجد له إمام معروف مرتين.
(1) في نسخة السندي، على هامشه: ذو مخمر، بخاء معجمة وميم، ويقال: بالموحدة بدل الميم؛ ابن أخي النجاشي، قيل: اسمه يزيد. ألقاب لابن حجر. اهـ.
قوله: بالموحدة بدل الميم؛ أي الثانية.
وانظر "نزهة الألباب"(1231).
وروى البيهقي بإسناده إلى الحسين بن حفص عن سفيان عن يونس عن أبي عثمان قال: جاء أنس بن مالك وقد صلينا الفجر فأذن وأقام وصلى بأصحابه في المسجد وقد صلوا فيه. هذا موقوف. ثم رواه من جهة عباس الدوري ثنا الأسود بن عامر ثنا سفيان فذكره. وقال: عن أنس أنه دخل مسجد وقد جمع فيه ومعه نفر فأذن وأقام وأمّهم فيه. وهو موقوف على أنس.
التاسعة عشرة: أخذ بعض المالكية من قوله عليه السلام: "يا بلال قم فناد بالصلاة"، مشروعية الأذان من قيام وأنه لا يجوز الأذان قاعدًا. قال: وهو مذهب العلماء كافة إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي وهو ضعيف لوجهين:
أحدهما: أنه استنبط ذلك من حديث عمر بعد أن قرر في الجمع بينه وبين حديث عبد الله بن زيد أن حديث عمر هذا كان قبل مشروعية الأذان وأن المراد منه الإعلام بدخول الوقت من حيث الجملة وأن الأذان المشروع هو ما في حديث عبد الله بن زيد وكان بعد ذلك.
الثاني: ما تقبله لفظة (قم فناد بالصلاة) من المنازعة في المعنى الذي قصد إليه. فلمن لا يرى ذلك أن يقول ليس المراد إلا قم لتذهب إلى موضع بارز يراك الناس فيه ولتسمع من بَعُد من غير تعرض للأذان قائمًا.
والمشهور من مذهب الشافعي أنه سنة فلو أذن قاعدًا لغير عذر صح لكن فاتته الفضيلة، وكذا لو أذن مضطجعًا مع قدرته على القيام صح أذانه على الأصح لأن المراد الإعلام وقد حصل. قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن الؤذن قائمًا.
وقد روينا عن أبي زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت رجله أصيبت في سبيل الله أنه أذن وهو قاعد.
وروينا عن أبي محمد بن حيان بالسند المتقدم قال نا عبدان نا هلال بن بشر ثنا عمير بن عمران العلاف ثنا الحارث بن عتبة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة مسنونة، أن لا يؤذن إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم.
وروينا عن الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن عبد الرحمن بن زياد عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضرت صلاة الصبح فقال: "أذن أخا صُداء"، وأنا على راحلتي، فأذنت.
وروى البيهقي من طريق يحيى بن أبي طالب نا عبد الوهاب بن عطاء نا سعيد عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا في سفر فأذن على راحلته ثم نزل فصلوا ركعتين ثم أمره فأقام ثم صلى بهم الصبح، قال: هذا مرسل.
قال ابن المنذر: ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير وينزل فيقيم.
الموفية عشرين: في قوله عليه السلام: "فإنه أندى صوتًا منك" استحباب كون المؤذن حسن الصوت. ومن ذلك ما رويناه من طريق الدارمي وأبي الشيخ بن حيان من حديث سعيد بن عامر ثنا همام عن عامر عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بنحو من عشرين رجلًا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان.
قال ابن حيان ثنا إسحق بن جميل ثنا عمرو بن العباس نا سعيد بن عامر فذكره.
ورواه الدارمي عن أبي الوليد الطيالسي وحجاج بن منهال عن همام، هذا على شرط مسلم لتفرده بعامر الأحول، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه".
وقال الشافعي: وأحب أن يكون يعني المؤذن صيتًا حسن الصوت لأن الحسن
الصوت أرق لسامعيه، وقال الفقهاء من أصحابه: فلو وجد مؤذن حسن الصوت يطلب على الأذان رزقًا وغير حسن الصوت يتبرع بالأذان فأيهما يؤخذ؟ فيه وجهان أصحهما يرزق حسن الصوت وهو قول ابن سريج.
قال الزبير بن بكار: كان أبو محذورة أحسن الناس أذانًا وأنداهم صوتًا، ولبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة:
أما ورب الكعبة المستورة
…
وماتلا محمد من سورة
والنغمات من أبي محذورة
…
لأفعلن فعلةً مذكورة
الحادية والعشرون: وقوله: "أو أمد صوتًا منك" فيه رفع الصوت بالأذان، وينبغي للمؤذن أن يرفع الصوت بالأذان، وأن يبالغ ما لم يجهده لأنه أمر بالمجيء إلى الصلاة، فكلما كان أدعى لإسماع المأمورين بذلك كان أولى، ولقوله عليه السلام لأبي محذورة:"ارجع فارفع صوتك" وهذا أمر برفع الصوت ولقوله عليه السلام: "المؤذن يغفر له مدى صوته" أي يستكمل مغفرة الله إذا استنفذ وسعه في رفع صوته فيبلغ الغاية في المغفرة إذا بلغ الغاية في الصوت.
وقيل هو تمثيل كأنه يقول لو كان بين المكان الذي يؤذن فيه والمكان الذي يبلغه صوته ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها الله له. وقد قال عليه السلام: "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان" الحديث. وطرد الشيطان فعل حسن، قال أبو عمر: وفي هذا الحديث فضل عظيم للأذان، ألا ترى أن الشيطان يدبر منه ولا يدبر من تلاوة القرآن في الصلاة بدليل قوله:"فإذا قضى التثويب أقبل".
وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك قال: استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم وكان معدنًا لا يزال يصاب الناس فيه من قبل الجن، فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالأذان وأن يرفعوا أصواتهم به ففعلوا فارتفع ذلك عنهم فهم
عليه حتى اليوم.
قال مالك: وأعجبني ذلك من رأي زيد بن أسلم.
وقد رُوي عن عمر في حديث: "فإذا خشيتم شيئًا من ذلك فأذنوا بالصلاة".
وروى ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال النبي عليه السلام: "إذا نادى المؤذن بالأذان هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء" وهي ثلاثون ميلًا من المدينة.