الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
69 - باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب
ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر المكي أبو عبد الله العدني وعلي بن حجر قالا ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأنس وأبي قتادة وعبد الله بن عمرو.
قال أبو عيسى: حديث عبادة حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين وغيرهم.
قالوا: لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب.
وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
سمعت ابن أبي عمر يقول: اختلفت إلى ابن عيينة ثمانية عشرة سنة وكان الحميدي أكبر مني بسنة.
وسمعت ابن أبي عمر يقول: حججت سبعين حجة ماشيًا.
* الكلام عليه:
حديث عبادة رواه البخاري ومسلم.
وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثًا غير تمام" فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" الحديث السابق في الباب قبل هذا رواه مسلم.
وفيه عن أبي هريرة أيضًا قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وسيأتي.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب". صححه ابن خزيمة وابن حبان.
وحديث عائشة عند ابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج".
وحديث عبد الله بن عمرو عنده أيضًا من حديث حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج فهي خداج".
روي حديث عائشة عن الفضل بن يعقوب الجزري عن عبد الأعلى عن ابن (1) إسحاق.
وحديث عبد الله بن عمرو [من طريق الوليد بن عمرو](2) بن مسكين عن يوسف بن يعقوب السلمي عن حسين، وحديث أنس قد تقدم في الباب قبل هذا من طرق كثيرة أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر -وفي بعض ألفاظه: وعثمان، وفي بعضها: وعلي ولا يثبت- فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وتقدم ذكر من أخرجه.
وحديث أبي قتادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بأم الكتاب
…
الحديث أخرجه أبو
(1) السندي: أبي إسحاق.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
داود عن ابن مثنى والنسائي عن قتيبة جميعًا عن ابن أبي عدي عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، وعبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة به.
وفي الباب مما لم يذكره عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر. رواه الإمام أحمد وأبو داود.
ورواه ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة الحمد وسورة في فريضة أو غيرها".
رواه عن أبي كريب ثنا محمد بن الفضل ح وثنا سويد بن سعيد ثنا علي بن مسهر جميعًا عن أبي سفيان.
أبو سفيان السعدي طريف بن شهاب ضعفوه، وهو عند أبي دواد بسند صحيح.
وفيه عن أبي الدرداء قال ابن ماجه: حدثنا علي بن محمد ثنا إسحاق بن سليمان نا معاوية بن يحيى عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: سأل رجل فقال: أقرأ والإمام يقرأ؟ قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أفي كل صلاة قراءة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فقال رجل من القوم: وجب هذا.
رواه النسائي وقال: هذا خطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول أبي الدرداء.
وفيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.
رواه ابن ماجه من حديث يزيد الفقير عنه.
وفيه عن علي من حديث أبي حاتم الرازي نا عبد الله أبو مسلمة المصري نا أبو مروان نا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: "كل صلاة لم يقرأ فيها أم الكتاب فهي خداج"، ذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ عن الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي عنه.
قوله: (وسمعت ابن أبي عمر يقول) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله، سكن مكة سمع سفيان بن عيينة وعبد العزيز الدراوردي ويزيد بن هارون ومعن بن عيسى وعبد العزيز بن عبد الصمد ووكيع بن الجراح وعبد الوهاب الثقفي ومروان الفزاري وعبد الرزاق وسعيد بن سالم القدّاح ويحيى بن سليم الطائفي وحسين الجعفي ومعتمر بن سليمان وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد وخلقًا سواهم.
وروى عنه مسلم وابن ماجه والمفضل بن محمد الجَنَدي وإسحاق بن أحمد بن نافع روى عنه "مسنده" وأحمد بن عمرو الخلال وروى النسائي عن رجل عنه.
قال ابن أبي حاتم عن أبيه: كان العدني رجلًا صالحًا وكان به غفلة رأيت عنده حديثًا موضوعًا حدث به عن ابن عيينة، وكان صدوقًا قيل حج سبعًا وسبعين حجة وكان كثير الطواف.
وسئل أحمد عن يكتب حديثه؟ فقال: بمكة ابن أبي عمر.
ووثقه ابن حبان.
قال البخاري: مات بمكة لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
الخداج النقصان قاله الخليل وغيره، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تامًّا، وأخدجته إذا ولدته ناقصًا وإن كان تمام الولادة، ومنه قيل لذي الثدية مخدج اليد أي ناقصها، قالوا: فقوله عليه السلام خداج أي ذات خداج، وقال آخرون. خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام.
الثانية: فاتحة الكتاب اسم للسورة وتسمى أيضًا أم القرآن وسورة الكنز والوافية وسورة الحمد والمثاني لأنها تثنى في كل ركعة وسورة الصلاة لأنها تكون مجزئة أو فاضلة تقرأ فيها وسورة الشفاء والشافية ذكره الزمخشري.
وزاد غيره: الأساس يحكى عن ابن عباس، وأم الكتاب، وحكى الماوردي عن الحسن وابن سيرين المنع من ذلك، قالا إنما ذلك اسم للوح المحفوظ.
وقد روى مسلم وأبو داود تسميتها بذلك من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
الثالثة: القراءة: الذي ذهب إليه الجمهور أن الصلاة لا تصح إلا بقراءة، إلا ما حكاه أبو الطيب الطبري عن الحسن بن صالح وأبي بكر الأصم أنه لا تجب القراءة بل هي مستحبة، واحتج بما روي عن عمر أنه صلى المغرب فلم يقرأ فقيل له فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسنًا قال: فلا بأس.
وعن علي أنه قال له رجل: إني صليت ولم أقرأ، قال: أتممت الركوع والسجود؟ قال: نعم قال: تمت صلاتك. رواهما أبو عمر.
وعن زيد بن ثابت قال: القراءة سنة ذكره البيهقي.
ويجاب عن ذلك، أما الرواية عن عمر فمن طريق محمد بن إبراهيم التيمي واختلف عنه فتارة يقول: عن عمر وتارة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عمر وكلاهما منقطع، وقد روي عن عمر متصلًا من وجوه أنه أعاد تلك الصلاة من طريق همام بن الحارث وعبد الله بن عمر وزياد بن عياض وعكرمة بن خالد كلهم عن عمر
بأسانيد صحيحة وأكثرها متصل.
وأما الرواية عن علي فمن طريق الحارث الأعور ولا تقوم به حجة.
وأما زيد بن ثابت فلم يذكر الصلاة وإنما أراد القراءة سنة على ما جاء في المصحف لا يجوز مخالفته وإن كان على مقاييس العربية بل حروف القراءة في المصحف سنة متبعة ذكر معناه البيهقي.
الرابعة: قراءة فاتحة الكتاب الذي ذهب إليه الجمهور أنها فرض لا تجوز الصلاة بدونها، يروى ذلك عن عمر وعثمان بن أبي العاص وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وخوات بن جبير وعبادة بن الصامت وابن عمر ورجاء بن حيوة والحسن البصري وأبو سلمة بن عبد الرحمن والزهري وابن عون.
وإليه ذهب الأوزاعي ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو أيضًا رواية عن الثوري وداود.
والاحتجاج لهم بما سبق من أحاديث الباب وما في معناها.
وقال آخرون: لا يتعين لكن يستحب وممن قال بذلك أبو حنيفة وفي رواية عنه تجب ولا تشترط واحتجوا بقوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} يعني القرآن، وبقوله عليه السلام في تعليم المسيء صلاته:"ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن"، وهو عليه السلام في مقام التعليم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها".
ومن حديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام: "لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب".
وذكروا ما روى ابن ماجه من حديث أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن
ابن عباس: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديث صلاة أبي بكر بالناس ومجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وفيه: فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبي بكر، قال ابن عباس: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر.
قال وكيع: وكذا السنة، قال: فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ذلك. رواه عن علي بن محمد عن وكيع عن إسرائيل عنه.
الأرقم قال أبو زرعة: ثقة.
ومن عداه مشهور مخرج له في الصحيح.
وأجابوا عن حديث عبادة: "لا صلاة إلا بأم القرآن" أن المراد نفي الكمال لا نفي الإجزاء، وكذلك عن حديث أبي هريرة:"فهي خداج"، أن النقص لا يستلزم البطلان.
وذكر الطحاوي في ذلك ما رواه ابن ماجه من حديث شعبة حدثني عبد ربه بن سعيد عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب يعني ابن أبي وداعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى وتشهَّد في كل ركعتين وتبؤس وتقنع، ويقول: اللهم اغفر لي فمن لم يفعل ذلك فهو خداج".
رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة بن سوار عنه.
قول ابن ماجه: يعني: ابن أبي وداعة وهم كذا هو عندهم.
ورواه أبو داود عن ابن مثنى عن معاذ بن معاذ عن شعبة وذكره الترمذي وسيأتي كلامه عليه.
وعند غير ابن ماجه المطلب بن عبد الله بن ربيعة وسيأتي الصواب من ذلك
عند الكلام عليه في "جامع الترمذي" إن شاء الله تعالى.
ومعنى تقنع ترفع يديك بالدعاء.
والجواب عن الآية أنها نزلت في قيام الليل، وعن حديث المسيء صلاته أنه يعني بالمتيسر الفاتحة ذلك أن قوله عليه السلام ما تيسر في هذا الحديث مجمل فسره:"لا صلاة إلا بأم القرآن" في الحديث الآخر أو أنه لم يكن يحسن الفاتحة، فإن المراد من تلك المراجعة إنما هو التنبيه على وجوب الطمأنينة في الأركان وأن ذلك هو الذي توجه الرد بسببه.
وحديث أبي سعيد لا ندري بهذا اللفظ من أين جاء، وقد صح عن أبي سعيد من طريق أبي داود قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر. إسناده صحيح ورواته ثقات.
وأما حديث أبي هريرة فرواه أبو داود من حديث جعفر بن ميمون عن أبي عثمان النهدي عنه من طريقين.
حدث به عن إبراهيم بن موسى هو الفراء عن عيسى بن يونس عنه باللفظ الذي ذكرناه.
وحدث به عن محمد بن بشار نا يحيى عن جعفر فقال فيه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنادي لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد.
جعفر بن ميمون قال النسائي: ليس بثقة.
وقال أحمد: ليس بقوي في الحديث.
وقال ابن عدي: يكتب حديثه في الضعفاء وليست رواية الفراء عن عيسى عنه بأولى من رواية بندار عن يحيى عنه.
وأما حديث ابن عباس في إمامة أبي بكر بالمسلمين فذكره البزار ثنا يوسف بن موسى ثنا محمد بن الصلت ثنا قيس عن عبد الله بن أبي السفر عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس عن العباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصلي بالناس فقرأ من حيث انتهى إليه أبو بكر.
قال البزار: لا نعلم رُوي هذا الكلام إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.
قال أبو الفتح: فبداءته عليه السلام بالقراءة من حيث انتهى أبو بكر إنما وقع مسندًا متصلًا من هذه الطريق عن ابن عباس عن أبيه.
ووقع في الطريق الأولى منفصلًا عن الخبر بعد تمامه محكيًا عن ابن عباس قولًا قاله لا يُدرى هل هو متصل أم لا.
ويرجح عدم اتصاله قول البزار: إنه لا يروى ذلك اللفظ إلا من الوجه الذي ذكره وإذا كان كذلك فقيس في الإسناد هو ابن الربيع وهو من اعتراه من ضعف الرواية وسوء الحفظ بولاية القضاء ما اعترى ابن أبي ليلى وشريكًا وقد وثقه قوم وضعفه آخرون، ولعله باعتبار حاليه قبل الولاية وبعدها، وأيضًا كان له ابن يدخل عليه ما ليس من حديثه، قال ابن نمير: كان له ابن هو آفته.
وأما جوابهم عن حديث عبادة وما في معناه من قوله: "لا صلاة إلا بأم القرآن" أن المراد نفي الكمال فيقال عليه: الأصل عند الإطلاق الحمل على الحقيقة ولا يعدل إلى الحمل على المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة، وكذلك إذا قلنا أيضًا بالحمل على المجاز عند تعذر الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما، ونفي الإجزاء الذي ذهبنا إليه أقرب إلى نفي (1) الحقيقة من نفي الكمال فالحمل عليه أولى.
(1) كذا!
وأما الجواب عن حديث أبي هريرة: "فهي خداج" بأن النقص لا يستلزم البطلان فالأصل فيه أن الصلاة الناقصة لا تسمى صلاة حقيقية، ثم النقص من الصلاة على قسمين:
- نقص يستلزم البطلان وهو النقص من الفرائض وهو النقص حقيقة.
- ونقص من النوافل لا يستلزم البطلان أطلق عليه النقص إطلاقًا مجازيًّا من باب مجاز التشبيه من حيث هو مشبه للنقص الآخر في الظاهر، والحمل على النقص الحقيقي أولى من الحمل على المجازي كما سبق.
وأما حديث المطلب الذي ذكره الطحاوي ففيه من الاضطراب والإعلال ما يأتي بيانه في موضعه.
ثم نقول: تضمن رفع اليدين في الدعاء والدعاء بالمغفرة وهو الذي اتصل به قوله: (فمن لم يفعل ذلك فهو خداج)، فالضمير في (فهو) ليس عائدًا على الصلاة بالمغفرة، إنما هو عائد على من فاته ما ذكر فيه من رفع اليدين والدعاء بالمغفرة، يريد أن فعل ما فاته ذلك خداج أي ناقص أجر من فعله.
الخامسة: اختلف القائلون بأن الفاتحة لا تتعين في مقدار ما يقوم مقامها.
فعن أبي حنيفة ثلاث روايات:
أحداها: آية تامة.
الثانية: ما تناوله الاسم، قال الرازي: وهو الصحيح عندنا.
الثالثة: ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة، وبه قال أبو يوسف ومحمد.
السادسة: تجب قراءتها عندنا في كل ركعة لما ثبت من حديث المسيء صلاته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"، فاقتضى ذلك أن المطلوب
في الركعة الأولى مطلوب في بقية الركعات مثله ما لم يأت نص يخص من ذلك شيئًا.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فحكى الوجوب في الجميع عن علي وجابر وعن ابن عون والأوزاعي وأبي ثور، وإليه ذهب أحمد وداود وبه قال مالك: إلا في الناسي على التفصيل الذي يأتي.
وقال أبو حنيفة: تجب القراءة في الركعتين الأوليين، وأما الأخريان فلا، بل إن شاء قرأ وإن شاء سبَّح وإن شاء سكت وقد روى أبو داود من حديث ابن عباس في ذلك خبرين صحيحين:
أحدهما: عن عكرمة عنه: لا أدري هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا.
والآخر: أنه سئل هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر فقال: لا.
فقيل: لعله كان يقرأ في نفسه، فقال: هذه شر من الأولى كان عبدًا مأمورًا بلغ ما أرسل به
…
الحديث.
وعن علي: أنه قرأ في الأوليين وسبح في الأخريين.
وحديث: "لا صلاة إلا بأم القرآن"، قالوا: وهو لا يقتضي التكرار، وهو قول إبراهيم النخعي.
وقال الحسن البصري: لا تجب القراءة إلا في ركعة من الصلاة وعن إسحاق مثله.
السابعة: الناسي قراءة الفاتحة في ركعة من الصلاة، لا تصح صلاته عندنا
وإليه ذهب أحمد واختيار ابن القاسم فيما روى عن مالك من ذلك كمن (1) نسيها في ركعة من صلاة ركعتين أن صلاته تفسد وتبطل أصلًا ولا تجزئه، واختلف قوله فيمن تركها ناسيًا في ركعة من صلاة رباعية، أو ثلاثية فقال: مرة يعيد الصلاة ولا تجزئه كما حكيناه عن ابن القاسم، وقال مرة: يسجد سجدتي السهو وتجزئه وهي رواية ابن عبد الحكم وغيره عن مالك وقال مرة: إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام.
الثامنة: حكم القراءة خلف الإمام وسيأتي في بابه.
التاسعة: الترجمة عن الفاتحة بلغة أخرى وذلك غير حائز عندنا سواء أمكنته العربية أم لا، وإليه ذهب مالك وأحمد وداود.
وقال أبو حنيفة: يجوز وتصح به الصلاة مطلقًا.
وقال أبو يوسف: تجوز للعاجز دون القادر.
العاشرة: يجب أن تقرأ مرتبة متوالية، لأنه عليه السلام كان يقرأ كذلك، وثبت أنه قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي".
فإن ترك الترتيب متعمدًا بطلت قراءته ولا تبطل صلاته وإن فعل ذلك ساهيًا لم يعتد بالمؤخر ويبني على المرتب من أول الفاتحة إلا أن يطول الفصل فيجب استئناف القراءة.
الحادية عشرة: الذي لا يحسن الفاتحة وتعذر عليه أن يتعلمها ويقرأ بعدد آياتها سبع آيات، وهل يعتبر عدد الحروف؟ فيه قولان:
(1) هذا ما استظهرته من الأصل لعدم وضوح التصوير، وفي نسخة السندي .... (كلمة غير واضحة) إن نسيها.
والله أعلم بالصواب.
وإن لم يحسن شيئًا من القرآن فعليه أن يأتي بما في حديث ابن أبي أوفى: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن فعلمني ما يجزئني منه. قال: "قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله". قال: يا رسول الله هذا لله فما لي؟ قال: "قل اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني".
رواه أبو داود والنسائي من طريق إبراهيم السكسكي وهو ضعيف، والصحيح عند الأصحاب أنه يذكر ولا يتعين عليه ذكر مخصوص بل يقول ما شاء من الأذكار التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وغيرها فتجب سبعة الأذكار.
فإن لم يحسن شيئًا وقف بقدر القراءة والأصل في ذلك قول النبي عليه السلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
الثانية عشرة: المسبوق تسقط عنه الفاتحة ويحملها عنه الإمام بشرط أن تكون تلك الركعة محسوبة للإمام احترازًا من الإمام المحدث، والذي قام إلى الخامسة ناسيًا هذا مذهب الجماعة.
وذكر صاحب التتمة عن أبي عاصم العبادي أنه حكى عن محمد بن إسحاق بن خزيمة: لا يدرك الركعة بإدراك الركوع، ويجب تداركها. واحتج بما روى عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال:"من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة"، وروي مثله عن أبي بكر الضبعي، وإليه ذهب بعض أهل الظاهر قال: فإن جاء والإمام راكع ركع معه ولا يعتد بتلك الركعة لأنه لم يدرك القيام ولا القراءة ولكن يقضيها إذا سلم الإمام وردَّ ما يحتج به في ذلك من الآثار الصحيحة وقال: من أدرك الركوع فقد فاتته الوقفة وأم القرآن وكلاهما فرض عليه لا تتم الصلاة إلا به وهو مأمور بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء ما سبقه وإتمام ما فاته فلا يجوز تخصيص شيء
من ذلك بغير نص.
وذكر من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة: "إذا أتيت القوم وهو ركوع فلا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف".
وروي عنه أيضًا أن لا يعتد بالركعة حتى يقرأ أم القرآن.
وذكر عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن زيد بن وهب قال: دخلت أنا وابن مسعود المسجد والإمام راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف، فلما فرغ الإمام قمت أقضي فقال ابن مسعود: قد أدركته، قال: فهذا إيجاب القضاء أيضًا عن زيد بن وهب.
* * *