الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 - باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن
حدثنا هناد نا أبو الأحوص وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين".
وفي الباب عن عائشة وسهل بن سعد وعقبة بن عامر.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة رواه سفيان الثوري وحفص بن غياث وغير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه أسباط بن محمد عن الأعمش قال: حُدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى نافع بن سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث.
قال: وسمعت أبا زرعة يقول حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن عائشة.
قال: وسمعت محمدًا يقول حديث أبي صالح عن عائشة أصح.
وذُكر عن علي بن المديني أنه لم يثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة ولا حديث أبي صالح عن عائشة.
* الكلام عليه:
هذا حديث معلل وقد حكى الترمذي فيه كلام أبي زرعة والبخاري وذكر كلام ابن المديني في حديثي أبي هريرة وعائشة [وقال أبو بكر بن مفوز الحافظ
الأندلسي: قال ابن المديني: رواه أبو صالح عن عائشة بإسناد جيد وطرق أبي هريرة معلولة وقال الترمذي عن ابن المديني في العلل وكأنه رأى أصح شيء في هذا الباب عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا] (1).
وممن ضعفه أيضًا أحمد بن حنبل وهو معلل عندهم بأمرين:
أحدهما: الانقطاع بين الأعمش وأبي صالح.
الثاني: الاختلاف فيه على أبي صالح.
فأما الأول فقد روي عن الأعمش عن أبي صالح كذا هو عند جماعة من أصحاب الأعمش منهم الثوري وحفص، وأبو الأحوص وأبو معاوية والأوزاعي وعيسى بن يونس [وكذلك أخرجه في كتاب "العلل" له عن أبي بدر شجاع بن الوليد قال: سمعت الأعمش يقول: حُدثت عن أبي صالح فذكره] (2).
ورُوي عن الأعمش قول: حُدثت عن أبي صالح حكاه الترمذي عن أسباط بن نصر وهو عند أبي داود وعن أحمد بن حنبل عن محمد بن فضيل قال نا الأعمش عن رجل عن أبي صالح
…
الحديث.
ورواه أبو داود من جهة ابن نمير عن الأعمش قال: نُبئت عن أبي صالح ولا أراني إلا قد سمعته منه.
وقد ذكره أبو الحسن علي بن عبد العزيز في "مسنده" فصرح فيه بسماع الأعمش من أبي صالح.
الثاني: الاختلاف على أبي صالح في إسناده فذكر عنه أبو هريرة وروي عنه
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
(2)
ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
عن أبي هريرة عن عائشة، رواه كذلك الطبراني عن فضيل بن محمد الملطي عن موسى بن داود الضبي عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الإمام وغفر للمؤذنين". رواه الإمام أحمد.
وذكره نافع بن سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة أخرجه البيهقي في سننه الكبير بإسناده من طريق أبي عبد الرحمن المقري قال حدثني حيوة قال حدثني نافع.
ووثق ابن معين نافع بن سليمان.
روراه الحارث بن أبي أسامة عن المقري أيضًا.
ورواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد بن سهيل بإسناده المذكور ولفظه: "الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين". أخرجه البيهقي من جهة الشافعي.
وقال البيهقي: لم يسمعه سهيل من أبيه، إنما سمعه من الأعمش.
ثم أخرجه من حديث سهيل عن الأعمش عن أبي صالح.
وقد روري أيضًا من جهة الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر أخرجه البيهقي من حديث إبراهيم بن طهمان عنه عطفًا على حديث ابن عمر: "المؤذن يغفر له مد صوته ويصدقه كل رطب ويابس".
ثم روى من حديث عمار بن رزيق عن الأعمش به: "يغفر الله للمؤذن مد صوته" الحديث.
وقال: هذا القدر مرفوعًا دون الحديث الآخر.
كأن البيهقي -والله أعلم- يشير إلى تعليل حديث إبراهيم بن طهمان بحديث عمار بن رزيق، وإبراهيم بن طهمان [ثقة](1) وقد زاد زيادة فلا يعلها تقصير من قصر عن الإتيان بها.
ومرسل الحسن الذي تقدمت الإشارة إليه عن علي بن المديني رواه البيهقي بسنده إلى ابن المديني ثنا محمد بن أبي عدي أنبأنا يونس عن الحسن ذكر صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الإمام ضامن" الحديث.
قال المقدسي محمد بن عبد الواحد: وقد رواه أحمد عن قتيبة عن عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
وقد روى مسلم بهذا الإسناد نحوًا من أربعة عشر حديثًا انتهى.
يريد بذلك أنه على شرط مسلم، ولولا إعلاله بأن سهيلًا لم يسمعه من أبيه لصح ذلك وقد يجاب عنه بأن الواسطة بينهما قد عرف وهو الأعمش كما تقدم فلا يضر هذا الانقطاع إذ قد عرف الواسطة وأنه ثقة.
ثم يبقى بعد ذلك الانقطاع الثاني بين الأعمش وأبي صالح الذي تقدم فيه قول من قال عنه رجل عن أبي صالح أو حدثت عن أبي صالح ولم يعرف الواسطة من هو.
ويجاب عن هذا الثاني بأن ابن نمير قد قال: عن الأعمش حدثت عن أبي صالح ولا أراني إلا قد سمعته.
وقال إبراهيم بن حميد الرؤاسي عن الأعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة قال الأعمش وقد سمعته من أبي صالح.
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
[وقال هشيم عن الأعمش ثنا أبو صالح عن أبي هريرة ذكرها الدارقطني فبينت هذه الطرق أن الأعمش سمعه عن أبي صالح، ثم سمعه منه، فالكل صحيح، والحديث متصل إن شاء الله.
وفي الباب مما لم يذكره عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين صيامهم وصلاتهم".
رواه ابن ماجه (1) من طريق مروان بن سالم قال أحمد: ليس بثقة وقد روى ابن عساكر أنا أبو نصر محمد بن محمود الشحامي السرخسي أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يحيى النيسابوري أنا أبو نصر محمد بن الحسين بن جعفر الصوفي نا الأصم أنا الربيع أنا الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن" الحديث ذكره القشيري في "أحكامه"، وحكى عن ابن عساكر استغرابه].
وفيه من حديث واثلة بن الأسقع روينا عن ابن حيان بالسند المتقدم إليه قال نا أبو الوليد بشر بن محمد الكوفي نا الحلواني نا يزيد بن هارون نا عنبسة بن سعيد بن حماد مولى بني أمية نا حجاج مولى الوليد بن عبد الملك عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم اغفر للمؤذنين واهد الأئمة".
حماد مولى بني أمية، قال الأزدي: متروك الحديث.
وروى البيهقي بسنده إلى علي بن المديني قال نا روح بن عبادة نا حماد بن سلمة أنا أبو غالب قال سمعت أبا أمامة يقول: "المؤذنون أمناء والأئمة ضمناء" قال:
(1) في "السنن"(712)، وقال الشيخ الألباني: موضوع، وأحال على "المشكاة"(688)، و"الضعيفة"(90).
والأذان أحب إلي من الإمامة.
وعن أبي محذورة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون" أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام.
وقد تقدم حديث ابن عباس: "ليؤذن لكم خياركم"، عن أبي داود وابن ماجه.
والضمان في اللغة هو الكفالة والحفظ والرعاية، قال الهروي وغيره قال الشاعر:
رعاك ضمان الله يا أم مالك
وقيل في معناه هنا أربعة أوجه:
الأول: أنهم ضمناء لما عانوا عليه من الإسرار بالقراءة والذكر، حكي عن الشافعي في "الأم".
الثاني: المراد ضمان الدعاء أن يعم القوم به ولا تخص نفسه به.
الثالث: لأنه يتحمل القيام والقراءة عن المسبوق (1).
وقال الخطابي: معناه: أنه يحفظ على القوم صلاتهم وليس هو من الضمان الموجب للغرامة.
وأما أمانة المؤذنين فقيل لأنهم أمناء على مواقيت الصلاة وقيل أمناء على حُرم الناس لأنهم يشرفون على المواضع العالية وقيل أمناء في تبرعهم بالأذان.
وقد اختلف الفقهاء هل يجري بين الأذان والإمامة تفضيل أو لا؟ فمنعه
(1) لم يذكر الوجه الرابع، والإشارة إليه هنا، وفي هامش نسخة السندي الإشارة إلى ذلك:
…
الوجه الرابع، وهو يبيض لي أنا
…
اهـ.
بعضهم وقال: هما سواء حكاه صاحب "البيان" والرافعي، وقال بإجراء التفضيل بينهما آخرون واختلفوا، فقال بعضهم: الأذان أفضل وهو نص الشافعي في "الأم" وإليه ذهب العراقيون والسرخسي والبغوي [وآخرون].
قال المحاملي منهم: لأن الأمين متطوع بعمله والضامن يجب عليه فعل ذلك وذكروا قوله عليه السلام: "المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة" أي أكثرهم تشوفًا إلى رحمة الله تعالى إذ المتشوف إلى الشيء يُطيل عنقه نحوه.
وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناس العرق طالت أعناقهم لئلا يغشاهم ذلك العرق والكرب.
وقيل معناه: أنهم رؤساء والعرب تصف السادة بطول الأعناق.
قال الشاعر:
يشبهون سيوفًا في صرامهم
…
وطول أنضية الأعناق واللمم
النّضي ما بين الرأس والكاهل من العنق.
وقيل أكثر الناس أتباعًا.
وقال ابن الأعرابي: أكثر الناس أعمالًا.
وفي الحديث: "تخرج من النار عنق" يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه.
قال القاضي عياض: ورواه بعضهم إعناقًا بكسر الهمزة وهو ضرب من السير أي إسراعًا يعني إلى الجنة.
والعنق ضرب من السير، ومنه: لا يزال الرجل معنقًا ما لم يُصيب دمًا.
وذكروا ما سبق من الأحاديث في الباب قبل هذا.
وقال آخرون منهم: الإمامة أفضل وهو الأصح عند الخراسانيين ونقلوه أيضًا عن نص الشافعي وصححه القاضي أبو الطيب الطبري وقطع به الدارمي.
واحتج هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده أمّوا ولم يؤذنوا، وكذا كبار العلماء بعدهم وبحديث مالك بن الحويرث الذي تقدم وفيه فليؤذن لكما أحدكما وليؤمكما أكبركما وقد سبق الكلام عليه.
وقال آخرون: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجمع خصالها فهي أفضل وإلا فالأذان حكاه الشيخ أبو حامد وصاحب "البيان" وغيرهما ونقله الرافعي عن أبي علي الطبري وابن كج والمسعودي والقاضي حسين.
قال النووي: والمذهب ترجيح الأذان وقد نص في "الأم" على كراهة الإمامة فقال: أحب الأذان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر للمؤذنين" وأكره الإمامة للضمان وما على الإمام فيها هذا نصه. وقال أبو الفتح: انتهى كلام النووي ولو استوعب نص الشافعي لم يستنبط منه ذلك فبقية كلام الشافعي في "الأم" وإذا أم ينبغي له أن يتقي ويؤدي ما عليه فإذا فعل ذلك رجوت أن يكون أحسن حالًا من غيره انتهى كلام الشافعي وليس فيه كراهية الإمامة مطلقًا كما حكى عنه وإنما فيه
…
أن يتقِ الله وأن يؤدي ما عليه فيها، وهذا ظاهر.
وأما الجمع بين الأذان والإمامة للشخص الواحد فقال أبو محمد الجويني والبغوي وغيرهما: يكره أن يكون الإمام هو المؤذن.
[واحتجوا بحديث عن جابر رواه البيهقي وقال: هو ضعيف بمرة وسنذكره](1).
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
وقد روى في ذلك عن جابر وأنس خبران ضعيفان.
أما حديث جابر فرويناه عن ابن حيان بالسند المتقدم إليه ثنا الطهراني نا أبو أنس كثير بن محمد التميمي نا إسحاق بن إبراهيم الجعفي الصيني نا معلى عن محمد بن سُوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون المؤذن إمامًا.
معلى هو ابن هلال بن سويد أبو عبد الله الطحان رماه السفيانان بالكذب وابن المبارك وابن المديني بوضع الحديث.
ورماه بالكذب ووضع الحديث معًا أحمد ويحيى.
وتركه الأزدي والدارقطني وتكلم فيه غيرهم.
وأما حديث أنس فذكره ابن عدي من طريق سلام الطويل عن زيد العمي عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكره للمؤذن أن يكون إمامًا".
قال: ولعل البلاء فيه من سلام أو من زيد أو منهما.
وقال القاضي أبو الطيب: قال أبو علي الطبري: الأفضل أن يجمع الرجل بين الأذان والإمامة ليحوز الفضيلتين وبهذا قطع صاحب "الحاوي" قال: وفي كل واحد من الأذان والإمامة فضل وللإنسان فيهما أربعة أحوال، حال يمكنه القيام بهما والفراغ لهما فالأفضل أن يجمع بينهما.
وحال يعجز عن الإمامة لقلة علمه وضعف قراءته ويقدر على الأذان لعلو صوته ومعرفته بالأوقات فالانفراد بالأذان أفضل.
وحال يعجز عن الأذان لضعف صوته وقلة إبلاغه ويكون قيمًا بالإمامة لمعرفة أحكام الصلاة وحسن قراءته فالإمامة أفضل.
وحال يقدر على كل واحد ويصلح له ولا يمكنه الجمع بينهما فأيهما أفضل؟ فيه وجهان وقد صحح الشيخ محيي الدين القول بالجمع بينهما لمن أمكنه وقد يحتج لهذا بما رواه الترمذي من حديث يعلى بن مرة فيه: وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأقام وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
* * *