الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
37 - باب ما جاء في الأذان في السفر
ثنا محمود بن غيلان ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي، فقال لنا:"إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، اختاروا الأذان في السفر، وقال بعضهم: تجزئ الإقامة إنما الأذان على من يريد أن يجمع الناس. والقول الأول أصح وبه يقول أحمد وإسحاق.
* الكلام عليه:
حديث مالك بن الحويرث هذا أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما وقد هذا المعنى المعنى في عدة أحاديث من رواية ابن مسعود [وأنس](1) وابن عمر وأبي برزة وسلمان وعقبة بن عامر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما ابن مسعود فعند أحمد من حديثه قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره سمعنا مناديًا ينادي الله أكبر الله أكبر فقال نبي الله: "على الفطرة"، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله فقال نبي الله: "خرج من النار". قال: فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية
وعند مسلم نحوه عن أنس سماعهم إياه من بُعد يرجح كون عمله كان أذانًا لا إقامة إذ الأذان مظنة رفع الصوت دون الإقامة.
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
وأما حديث ابن عمر فعند البخاري من رواية نافع عنه أنه أذن في ليلة باردة بضجنان ثم قال: فصلوا في رحالكم، وأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنًا يؤذن ثم يقول على إثره ألا صلوا في رحالكم، في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر.
وعن أبي برزة الأسلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد أذن في أرض في (1) فيبقى شجر ولا مدر ولا تراب ولا شيء إلا استحلا البكاء لقلة ذاكر الله في ذلك المكان"(2). رواه أبو بشر إسماعيل بن عبد الله المعروف بسمويه الأصبهاني في "فوائده".
وأما حديث سلمان فروينا عن ابن حيان بالسند المتقدم إليه: نا إسحاق بن حكيم نا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق (3) عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الرجل بأرض فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم وليقم فإن أقام صلى معه ملكان وإن أذن وأقام صلى خلفه من خلق الله ما لا يُرى طرفاه".
أخرجه في الأمر بالأذان في السفر هكذا.
وأما حديث عقب: بن عامر فروى أبو مسلم الكشي (4) في "سننه" من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعجب ربكم من راعي غنم على رأس شظية جبل ينادي
(1) في بالقاف والياء، أي: قفر، لسان العرب.
(2)
رواه الخطيب في "موضح أوهام الجمع"(1/ 123).
(3)
في "المصنف"(1955) وابن أبي شيبة (2277) وابن التيمي هو المعتمر، وصححه الألباني في "الثمر"(1/ 145) و"صحيح الترغيب"(249)(414).
(4)
رواه أبو داود (1203) والنسائي (666)، وصححه الشيخ في "الإرواء"(214) و"الصحيحة"(41).
ويقيم الصلاة فيقول الله عز وجل: عبدي يؤذن ويقيم ويصلي اشهدوا إني قد غفرت له وأدخلته الجنة".
رواه عن سليمان بن داود عنه.
أبو عُشانة حي بن يؤمن وثقه أحمد ويحيى.
وحديث أبي سعيد روى مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحبُ الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو في باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري (1) عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
وروي في ذلك عن أبي موسى من فعله ما ذكره ابن أبي شيبة (2) نا محمد بن عبيد عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن أبيه قال: كنا مع أبي موسى بعين التمر في دار البريد فأذن وأقام فقلنا له: لو خرجت إلى البرية، فقال: ذا وذاك سواء.
فيه دليل على أن الأذان لا يدعه حاضر ولا مسافر وهو موضع اختلف العلماء فيه مع إجماعهم على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في حياته كلها لكل سفر
(1) في "الصحيح"(609).
(2)
"المصنف"(2268)، وأصله عند البخاري معلقًا في كتاب الوضوء (4) باب أبواب الإبل والدواب والغنم ومرابضها (70)، حيث أن في دار البريد أرواث الخيل ولم يخرج، فأعلم باستواء الصلاة في الخارج والداخل.
ووصله ابن أبي شيبة (7753) وعبد الرزاق (1606) وابن المنذر في "الأوسط"(777/ 2 / 196). وصححه الألباني في "مختصر البخاري"(1/ 92).
وحضر وأنه ندب المسلمين إلى ذلك وكان صلى الله عليه وسلم في غزواته إذا سمع أذانًا كف وعلم أنها دار إيمان وإذا لم يسمعه أغار وكان يأمر بذلك.
واختلف العلماء في وجوب الأذان وقد تقدم في باب بدء الأذان من ذلك ما فيه مغنى.
الثانية: حكم المسافر في ذلك، وقد اختلف العلماء فيه فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وهو قول أبي ثور وأحمد وإسحاق والطبري: إذا ترك المسافر الأذان عامدًا أو ناسيًا أجزأته صلاته وكذلك لو ترك الإقامة عندهم لم يكن عليه إعادة صلاته وقد أساء إن تركها عامدًا قاله أبو عمر، قال: وهو تحصيل مذهب مالك أيضًا.
وروى ابن القاسم عن مالك أن الأذان إنما هو في المصر للجماعات في المساجد.
وروى أشهب عن مالك قال: إن ترك الأذان مسافرًا عمدًا فعليه إعادة الصلاة ذكره الطبري قال أخبرني يونس بن عبد الأعلى قال: أنا أشهب عن مالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: أما المسافر فيصلي بأذان وإقامة قالوا ويكره أن يصلي بغير أذان ولا إقامة. وأما في المصر فيستحب للرجل إذا صلى وحده أن يؤذن ويقيم فإن اجتزأ بأذان الناس وإقامتهم أجزأه.
وقال الثوري: لا يجتزئ بإقامة أهل المصر.
وقال الأوزاعي: لا يجزئ المسافر ولا الحاضر صلاة إذا ترك الإقامة.
وقال داود بن علي: الأذان واجب على كل مسافر في خاصته والإقامة كذلك واحتج بحديث الباب وهو قول أهل الظاهر.
قال أبو عمر: ولا أعلم أحد قال بقوله من فقهاء الأمصار إلا ما روي عن
أشهب عن مالك وما روي عن الأوزاعي فيمن ترك الإقامة دون الأذان وهو قول عطاء ومجاهد.
وقال الثوري: تجزئك الإقامة في السفر عن الأذان وإن شئت أذنت وأقمت وتكفيك الإقامة وإن صليت بغير أذان ولا إقامة أجزأتك صلاتك.
وقد نقل عن بعض السلف من الصحابة التفريق في فعل الأذان بين بعض الصلوات وبعض.
فروى أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان في السفر يصلي بإقامة إلا الغداة فإنه كان يؤذن لها ويقيم وهي صلاة الصبح.
وذكر ابن أبي شيبة نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابن أخي الزهري عن عمه عن محمد بن جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤذن في شيء من الصلاة في السفر إلا الإقامة إلا في صلاة الصبح فإنه كان يؤذن ويقيم.
وعن ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين قال: كانوا يؤمرون في السفر أن يؤذنوا ويقيموا وأن يؤمهم أقرؤهم.
ووكيع عن بريد عن ابن سيرين قال: تجزئ الإقامة إلا في الفجر فإنهم كانوا يقولون يؤذن ويقيم.
وعن هشام بن عروة عن أبيه: إذا كنت في سفر فأذن وأقم وإن شئت فأقم ولا تؤذن.
وعن القاسم قال: تجزئه الإقامة.
وعن الحكم عن إبراهيم قال: إذا كنت في بيتك أو في سفرك أجزأتك الإقامة وإن شئت أذنت غير أن لا تدع أن تثني الإقامة.
وعن عطاء أنه سئل عن المسافرين يؤذنون ويقيمون قال: تجزئهم الإقامة إلا أن يكونوا متفرقين فيريد أن يجمعهم فيؤذن ويقيم.
وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: أقمت مع مكحول بدابق خمس عشرة فلم يكن يزيد على الإقامة ولا يؤذن.
الثالثة: حكم المنفرد في ذلك، قال أصحابنا: المنفرد في صحراء أو بلد يؤذن على المذهب المنصوص في الجديد والقديم لإطلاق الأحاديث وفيه وجه مخرّج أنه لا يؤذن ووجه خرجه أبو إسحاق المروزي من نصه في الإملاء إن رجا حضور جماعة أذن وإلا فلا.
هذا كله إذا لم يبلغ المنفرد أذان غيره فإن بلغه فطريقان:
أحدهما: أنه كما لو لم يبلغه فيكون فيه الخلاف وبهذا الطريق قطع الماوردي والبندنيجي.
قال البندنيجي: القول الجديد يؤذن والقديم لا.
الطريق الثاني: لا يؤذن لأن مقصود الأذان حصل بأذان غيره فإن قلنا يؤذن أقام وإن قلنا لا يؤذن فهل يقيم فيه طريقان:
الصحيح: وبه قطع الجمهور يقيم.
والثاني: حكاه جماعة من الخراسانيين فيه وجهان قال النووي: وهذا غلط.
وإذا قلنا: يؤذن فهل يرفع صوته نظر إن صلى في مسجد قد صلت فيه جماعة لم يرفع لئلا يوهم دخول وقت صلاة أخرى نص عليه في "الأم" واتفقوا عليه.
وإن لم يكن كذلك فوجهان الأصح يرفع لعموم الأحاديث في رفع الصوت بالأذان والثاني إن رجا جماعة رفع وإلا فلا.
الرابعة: الأذان عند الشافعي في الجديد: حق الوقت، وفي القديم: حق الفريضة، وفي الإملاء: حق الجماعة، وحديث الباب يقتضي ترجيح القول بأنه حق الفريضة أو الوقت على القول بأنه حق الجماعة.
الخامسة: قال المازري: وفيه دلالة على أن الأذان ليس بمستحق للأفضل ويحتمل أن يكون الفرق بين الأذان والإمامة أن القصد من الأذان الإسماع وذلك متأت من غير الأفضل كتأتيه من الأفضل، بل ربما كان الأنقص فضلًا أرفع صوتًا وقد قال عليه السلام في حديث آخر:"فاطلبوا لي أنداكم صوتًا" وهو هاهنا بمعنى: أبلغ في الإسماع، قال الشاعر:
فقلت أدعى وأدعوا إن أندى
…
لصوت أن ينادي داعيان
قال القاضي عياض: وقد يكون أندى من باب ألين وأسلس ويدل عليه قوله في بعض الروايات لعبد الله بن زيد: "إنك فظيع الصوت فألقه على بلال فإنه أندى منك صوتًا". مع قول عمر بن عبد العزيز: أذن أذانًا سمحًا أو اعتزلنا. انتهى.
وقول عمر بن عبد العزيز لمؤذنه: أذن أذانًا سمحًا ليس راجعًا إلى حسن الصوت فالذي جبل عليه من ذلك لا يتغير وإنما هو محمول عندهم على تلحين الأذان وتمطيطه وأن ذلك مكروه وقد سبق في باب ما جاء في الترسل في الأذان.
وقول المازري: إن الأذان ليس بمستحق للأفضل إن أراد الأفضل من الإمام فقريب وإن أراد الأفضلية المطلقة فقد روينا من طريق ابن حيان بالسند المتقدم نا حسن بن هارون بن سليمان نا عثمان بن أبي شيبة أنا حسين بن عيسى الحنفي عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليؤذن لكم خياركم ويؤمكم أقرؤكم". رواه أبو داود وابن ماجه.
وذكر ابن أبي شيبة بسنده أن عمر قال: من مؤذنوكم؟
قالوا: عبيدنا وموالينا. قال إن ذلك لنقص بكم كبير.
السادسة: قوله: (وليؤمكما أكبركما) يدل على تساويهما في شروط الإمامة فهناك يرجع إلى الترجيح بالسن وسيأتي في أبواب الإمامة بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
* * *