الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
52 - باب ما جاء في فضل الصف الأول
ثنا قتيبة نا عبد العزيز بن محمَّد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها".
قال: وفي الباب عن جابر وابن عباس وأبي سعيد وأبي وعائشة والعرباض بن سارية وأنس.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستغفر للصف الأول ثلاثًا وللثاني مرة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه"، قال: ثنا بذلك إسحاق بن موسى الأنصاري نا معن نا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* الكلام عليه:
حديث أبي هريرة: "خير صفوف الرجال" رواه مسلم.
وحديثه: "لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول" رواه البخاري ومسلم.
وحديث جابر ذكر ابن أبي شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير صفوف النساء آخرها وشرها مقدمها".
وحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدم الصف الأول
أعرابي ولا أعجمي ولا غلام ولم يحتلم" رواه الدارقطني من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد عنه وليث ضعيف عندهم.
وعن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس قال: فكان بعض القوم يتقدم في الصف الأول لأن لا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} .
رواه الترمذي والنسائي وهذا لفظه وابن ماجه وسيأتي في موضعه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرًا فقال لهم: "تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل"، رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال:"إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظاره الصلاة بعد الصلاة"، وذكر حديثًا طويلًا ثم قال:"وإن خير الصفوف صفوف الرجال المقدم وشرها المؤخر، وخير صفوف النساء المؤخر وشرها المقدم"، الحديث رواه الإمام أحمد.
وحديث أبي بن كعب عند أبي عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصف الأول لعلى مثل صف الملائكة ولو تعلمون ما فيه لابتدرتموه".
وعنه أيضًا عند النسائي من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد قال: بينا أنا في المسجد في الصف المقدم فجبذني (1) رجل من خلفي جبذة فنحاني وقام مقامي
(1) في نسخة السندي: فجذبني.
فوالله ما عقلت صلاتي فلما انصرف فإذا هو أبي بن كعب فقال: يا فتى لا يسوءك الله إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا أن نليه ثم استقبل القبلة فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة ثلاثًا ثم قال: والله ما عليهم آسى ولكن آسى على من أضلوا، قلت: يا أبا يعقوب ما تعني به أهل العقد؟ قال: الأمراء.
أخرجه عن محمد بن عمر بن مقدم نا يوسف بن يعقوب قال أخبرني التيمي عن أبي مجلز، وصححه ابن خزيمة وهو عند الإمام أحمد بلفظ أتم من هذا.
وحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله إلى النار" رواه ابن ماجه.
وعند أبي داود عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وملائكته يصلون على ميامين الصفوف".
وعن العرباض بن سارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدم ثلاثًا وللثاني مرة. رواه النسائي وابن ماجه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر" أخرجه أبو داود والنسائي.
وفي الباب أيضًا عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول"، رواه ابن ماجه.
وفيه عن النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، أو الصفوف الأول"، رواه الإمام أحمد.
وفيه عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" وكان يقول: "إن الله عز
وجل وملائكته يصلون على الصف الأول" رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وهذا لفظ أبي داود.
قوله عليه السلام: (خير صفوف الرجال أولها) يعني أكثرها أجرًا (وشرها آخرها) يعني أقلها أجرًا، وكذلك المعنى في صفوف النساء، وإنما كان ذلك لأن الصف الأول من صفوف الرجال مستحق لكمال الأوصاف، ويختص بكمال الضبط عن الإمام والاقتداء به والتبليغ عنه وكل ذلك معدوم في النساء فاقتضى ذلك تأخيرهن.
وقد استدل بهذا الحديث بعض العلماء على أن المرأة لا تكون إمامًا لا للنساء ولا للرجال.
وأما الصف الأول من صفوف النساء فإنما كان شرًّا من آخرها لما فيه من مقاربة أنفاس الرجال للنساء فقد يخاف أن تشوش المرأة على الرجل، والرجل على المرأة وهذا القول في تفضيل التقديم في حق الرجال على إطلاقه، وأما القول في صفوف النساء فليس على إطلاقه وإنما هو حيث يكن مع الرجال، فأما صفوف النساء إذا لم يكن مع رجال فأولها خيرها والقول فيها كالقول في صفوف الرجال سواء.
وقال القاضي عياض في معنى قوله عليه السلام: وشر صفوف الرجال آخرها: قد يكون سمّاه شرًّا لمخالفة أمره فيها عليه السلام وتحذيرًا من فعل المنافقين بتأخرهم عنه وعن سماع ما يأتي به.
وقد اختلف السلف في معنى الصف المقدم ما هو فذهبت طائفة إلى أنه الصف الذي يلي الإمام من أول الحائط إلى آخره سواء أجاء صاحبه متقدمًا أو متأخرًا وسواء أتخللته مقصورة ونحوها أم لا.
وذهب آخرون إلى أنه الذي يلي الإمام لا تتخلله مقصورة ولا غيرها، فإن
تخلله شيء فليس بأول.
روى وكيع عن شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار قال: كان أصحاب عبد الله يقولون: الصف الأول الذي يلي المقصورة.
وروى وكيع عن المسعودي عن ثابت بن عبيد قال: سمعت أبا عبيدة يقول: الصف الأول الذي يلي المقصورة، ذكره ابن أبي شيبة.
وقال: ثنا حفص عن الشيباني قال: رأيت أبا عبد الرحمن وزر بن حبيش وعمرو بن ميمون يصلون عن يمين المقصورة.
وقال حفص مرة: ما بين الأسطوانة إلى الحائط.
وقال: ثنا ابن مهدي نا عبد الواحد بن زياد قال: قلت للحسن: إنهم يقولون: الصف الأول الذي يلي المقصورة فقال: هو الذي يلي الحائط.
وقال آخرون: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى الصلاة أولًا وإن صلى في صف متأخر وهذا هو اختيار أبي عمر وأنكره بعض المتأخرين وزعم أنه غلط.
قال أبو عمر بعد كلام له: وفي هذا ما يوضح لك معنى الصف الأول وأنه ورد من أجل البكور إليه والتقدم، قال: ولا أعلم خلافًا بين العلماء أن من بكر وانتظر الصلاة وإن لم يصل في الصف الأول أفضل ممن تأخر ثم صلى في الصف الأول انتهى.
والصف الأول فيمن يلي الإمام حقيقة سواء تقدم في الحضور صاحبه أو تأخر.
وفيمن تقدم في الحضور وإن حال بينه وبين الإمام صف؛ مجاز لا يحسن
الحمل عليه إلا إذا تعذرت الحقيقة ولم يتعذر بل هما فضلان المتقدم في الحضور والقرب من الإمام في الصف ولا يلزم من فوت أحدهما فوت الآخر.
فليس موضع النزاع، وقد جاء في لفظ امسلم:"لو تعلمون ما في الصف الأول المقدم".
وفيه أيضًا مع فضل الصف الأول ذكر فضل التهجير والمسابقة فدل على أنه غير الصف الأول.
وحكى الماوردي عن غيره: قيل: هو الصف الأول في الجهاد، فهو الذي تنال فيه المشقات، وفيه بعد.
وأما قوله عليه السلام: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله في النار) وما أشبه ذلك من الوعيد في هذا الباب فمحمول عندهم على المنافقين الذين كانوا يرغبون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن القرب منه ويتأخرون عن الصلاة استثقالا لها.
وقوله عليه السلام: (لو أن الناس يعلمون ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) فيه إثبات القرعة وهي مع تساوي الحقوق معمول بها عند الأكثرين وجاءت بها نصوص صريحة في غير هذا الموضع.
وأما الضمير في قوله: (لاستهموا عليه) فاختار بعضهم عوده على الصف الأول إذ هو أقرب مذكور، وقد روي منصوصًا عن النبي عليه السلام وعن طائفة من أصحابه رضي الله عنهم: لو يعلم الناس ما في الصف الأول ما صفوا فيه إلا بقرعة واختار بعضهم عوده على النداء والصف، وأجاب عن إفراد الضمير بتقدير محذوف كأنه قال: لو يعلمون ما في ثواب النداء والصف لاستهموا عليه؛ أي: على ذلك الثواب.
وقد روي عن سعد بن أبي وقاص أنَّه أقرع بين قوم اختلفوا في الأذان بالقادسية.
وقد اختلفوا: هل المراد بالنداء هنا النداء للجمعة فقط أو لها ولغيرها وإلى الأولى ذهب الداودي وإلى الثاني ذهب الجمهور.
وإنما يقع الاستهام على النداء إذا استووا في معرفه الوقت وغيره مما هو مطلوب في المؤذن وتشاحوا كان مرادهم أن يؤذنوا واحدًا بعد واحد لئلا يخفى صوت أحدهم أو كان الأذان للمغرب لضيق وقتها عند من لا يرى لها إلا وقتًا واحدًا.
وأما إذا كان للمسجد مؤذن تقدم لمراعاة الوقت فهو أحق من غيره وإن ساواه بمعرفته لولايته السابقة كما أن السابق إلى الصف أحق به وإنما يصح الاستهام عليه إذا قدرنا وصول الجماعة إليه في حالة لا يسع جميعهم وهم متساوون في مرتبة فأما إذا تفاوتت مراتبهم وبعضهم من أهل العلم والنهى، فمن كان كذلك فهو أحق بالقرب من الإمام دون قرعة كمن سبق إليه.
هذا إن حملنا الاستهام على الحقيقة وقد اختار بعضهم حمله على المجاز والتمثيل فيكون المراد بالاستهام الإشارة إلى تأكد طلبيه ذلك السبق والحرص عليه وهو حسن ومثله في فصيح الكلام كثير، ومنه قوله عليه السلام:"لو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا"، ومنه حديث أبي سعيد:"لو علم الناس ما في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف" رواه الإمام أحمد مرفوعًا.