الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
56 - باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده
ثنا هناد نا أبو الأحوص عن حصين عن هلال بن يسار فقال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة فقام بي على شيخ يقاله له وابصة بن معبد من بني أسد فقال زياد: حدثني هذا الشيخ: أن رجلًا صلى خلف الصف وحده -والشيخ يسمع (1) - فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي بن شيبان وابن عباس.
قال: وحديث وابصة حديث حسن.
وقد كره قوم من أهل العلم أن يصلي الرجل خلف الصف وحده وقالوا: يعيد إذا صلى خلف الصف وحده، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقد قال قوم من أهل العلم: يجزئه إذا صلى خلف الصف وحده وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي.
وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى حديث وابصة بن معبد أيضًا قالوا من صلى خلف الصف وحده يعيد، منهم حماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى ووكيع.
وروى حديث حصين عن هلال بن يساف غير واحد مثل رواية أبي الأحوص عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة.
وفي حديث حصين ما يدل أن هلالًا قد أدرك وابصة، واختلف أهل الحديث في هذا، فقال بعضهم: حديث عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة أصح.
(1) في نسخة السندي: يسمعه.
وقال بعضهم: حديث حصين عن هلال بن يساف عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة بن معبد أصح.
قال أبو عيسى: وهذا عندي أصح من حديث عمرو بن مرة لأنه قد روي من غير حديث هلال بن يساف عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة: حدثنا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد: أن رجلًا صلى خلف الصف وحده فأمره النبي أن يعيد الصلاة.
قال: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا يقول: إذا صلى الرجل خلف الصف وحده فإنه يعيد.
* الكلام عليه:
حديث وابصة رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وحسنه الترمذي وأما أبو عمر فقال: وحديث وابصة مضطرب الإسناد لا يثبته جماعة من أهل الحديث.
وليس الاضطراب الذي وجد فيه مما يضره لما سنذكره، وذلك أنا روينا هذا الحديث من طريق هلال بن يساف على وجوه أربعة، فبعضها: عن هلال عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة كذا هو عند منصور بن المعتمر وزائدة بن قدامة وحصين من رواية جرير عنه.
وبعضها: عن هلال عن عمرو بن راشد عن وابصة كذا رواه عمرو بن مرة وهو عند أبي داود عن سليمان بن حرب وحفص بن عمر عن شعبة عن عمرو بن مرة، وتابع شعبة عليه زيد بن أبي أنيسة وأبو خالد الدالاني: وبعضها عن هلال عن وابصة بإسقاطهما كذا رواه عن هلال شمر بن عطية والحجاج بن أرطاة وحصين من رواية شريك عنه.
وبعضها عن هلال قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي فأوقفني على شيخ بالرقة يقال له وابصة بن معبد نحو ما رواه الترمذي، كذا رواه ابن إدريس وأبو الأحوص وزهير بن معاوية والحسن بن صالح وخالد الطحان عن حصين عن هلال.
فجمعت هذه الرواية بين طريقي من أثبت زيادًا وأسقطه وبينت أن كلا الروايتين صواب.
وأما الخُلف على هلال بدخول عمرو بن راشد بدل زياد فلا يضر لوجهين:
الأول: ما بينته هذه الطريق من سماع هلال من وابصة، فعمرو مستغنىً عنه.
الثاني: ثقة عمرو بن راشد وزياد بن أبي الجعد وقد نقلت عن ابن حبان، فكيف ما انقلبنا انقلبنا إلى ثقة وإنما يكون الاختلاف موثرًا لو اختلف حالهما، بجرح أحدهما وتعديل الآخر.
قال: (وروى حديث حصين عن هلال غير واحد مثل رواية أبي الأحوص عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة) يريد بذلك حديث حصين [الذي تبين فيه سماع هلال من وابصة] والذي لم يتبين كما نص عليه هنا وإلا فقد روي عن حصين عن هلال بسقوط زياد كما نقلناه من رواية شريك عنه وقد ذكرناه عن جماعة كذلك.
قال: وفي حديث حصين ما يدل أن هلالًا قد أدرك وابصة، يعني: من الوجه الذي ذكره وإلا فالروايات عن حصين منها ما يدل على ذلك، ومنها ما لا يدل عليه، وأما رواية هلال: وابصة:
فقد أنا أبو عمران موسى بن عثمان أبو محمد البزار قراءة عليه وأنا أسمع، نا
أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل -قراءة عليه وأنا أسمع- أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي ربما قال: أنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بمدينة السلام، فيما قرأت عليه من أهل سماعه، أنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر السلماسي أنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن أحمد بن القاسم بن جامع الدهان، أنا أبو علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عيسى بن مرزوق القشيري الحراني حافظ الرقة بالرقة في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قال: أنا أبو الهيثم محمد بن عبد الصمد: حدثني عمي عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر عن أبيه عن شيبان بن عبد الرحمن بن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف، قال: قدمت الرقة، فقال بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: غنيمة! فدفعنا إلى وابصة بن معبد، فقلت لصاحبي أو لأصحابي: نبدأ فنظر إلى دله، فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين، وبرنس خز أغبر، وإذا هو قائم يصلي يعتمد على عصا في صلاته، فقلنا له بعد أن سلمنا عليه: ما دعاك إلى العصا؟ قال: حدثتني أم قيس بنت محصن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه.
وبه إلى أبي علي القشيري حافظ الرقة قال: نا جعفر بن محمد بن حجاج نا عبد السلام نا أبي عن شيبان بن عبد الرحمن عن حصين بن عبد الرحمن [عن هلال] بن يساف، قال: قدمت الرقة فذكر نحوه.
وقد رويناه من طريق أبي داود في "سننه" عن عبد السلام به، فتعلو لنا درجة والحمد لله.
ونقل الخلاف في الترجيح بين حديث عمرو بن مرة وحديث حصين ورجح حديث حصين بأن غير هلال قد رواه عن زياد بن أبي الجعد.
والحديث الذي أشار إإليه أناه أبو عبد الله بن ساعد أنا ابن الحجاج بن خليل أنا الشيخان أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد الكرّاني وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي قالا: أنا أبو منصور محمود بن إسماعيل الصيرفي قال: أنا أبو الحسين بن فاشاذه زاد الطرسوسي وأنا أبو نهشل عبد الصمد بن أحمد بن أبي الفضل العنبري أنا أبو بكر بن ريذة سماعًا وأبو الحسين بن فاشاذه إجازة قالا أنا أبو القاسم الطبراني ثنا محمد بن إسحاق بن راهويه ثنا أبي ثنا وكيع عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عمه عبيد بن أبي الجعد عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة: أن رجلًا صلى خلف الصف وحده فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة.
وبه إلى الطبراني: ثنا محمد بن راشد الأصبهاني ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا محمد بن ربيعة الكلابي عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عمه عبيد عن زياد عن وابصة نحوه.
ورويناه أيضًا من طريق الأعمش عن عبيد بن أبي الجعد عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة. ووجه الترجيح بما أشار إليه أن رواية عمرو بن راشد نقلت عن هلال وحده ورواية زياد نقلت عن هلال وعن عبيد بن أبي الجعد فساوتها في الطريق الأول وامتازت عنها بالطريق الثاني.
وقد رويناه من طريق سالم بن أبي الجعد والشعبي وحنش بن المعتمر كلهم عن وابصة من وجوه لا تبلغ درجة حديث عمرو بن راشد وزياد بن أبي الجعد.
قال ابن المنذر: وقد ثبت الحديث أحمد وإسحاق.
قال: (وفي الباب على علي بن شيبان وابن عباس).
أما حديث علي بن شيبان فمن رواية ابنه عبد الرحمن عنه، قال: خرجنا حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه قال: ثم صلينا وراءه صلاة أخرى
فقضى الصلاة فرأى رجلًا فردًا خلف الصف فوقف عليه نبي الله حين انصرف قال: "استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف". رواه الإمام أحمد وابن ماجه وهذا لفظه.
وفي رواية للإمام أحمد أنه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف فرأى رجلًا يصلي فردًا خلف الصف فوقف نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال له: "استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف". رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان.
ملازم وابن بدر ثقتان وعبد الرحمن وثقه ابن حبان فرواته ثقات معروفون.
وقال أبو محمد بن حزم: وما نعلم أحدًا عاب عبد الرحمن بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر وهذا ليس جرحًا. انتهى.
عبد الرحمن هذا روى عنه أيضًا ابنه محمد ووعلة بن عبد الرحمن بن وثاب (1) وقد وثقه ابن حبان كما ذكرنا وروى له أبو داود وابن ماجه.
وحديث ابن عباس لعله الآتي في الباب بعد هذا.
وقد اعتل به قوم ممن رأى جواز صلاة المنفرد خلف الصف ولا وجه للاعتلال به كما سنذكره.
وقد اختلف السلف في صلاة المأموم خلف الصف وحده فقالت طائفة: لا يجوز وممن قال به بذلك النخعي والحكم والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق.
وأجاز ذلك الحسن البصري والأوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي.
وفرق آخرون بين الرجل والمرأة في ذلك فرأوا على الرجل الإعادة دون المرأة
(1) في المخطوطتين: رئاب. والمثبت من "التهذيب".
أخذًا بحديث: فصففت أنا واليتيم وراءه يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم والعجوز من ورائنا، في حق المرأة، وبحديثي الباب في حق الرجل حكى ذلك عن أحمد بن حنبل والحميدي وأبي ثور وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمية عن إبراهيم قال: إذا دحس الصف فلم يكن فيه مدخل فليستخرج رجلًا من ذلك الصف فليقم معه فإن لم يفعل فصلاته تلك صلاة واحد ليست بصلاة جماعة.
وذكر أيضًا عن ابن جريج قال: قلت لعطاء أيكره أن يقوم الرجل وحده وراء الصف؟ قال: نعم والرجلان والثلاثة إلا في الصف فإن فيها فرجًا، قلت لعطاء: أرأيت إن وجدت الصف مدحوسًا لا أرى فرجة أقوم وراءهم قال: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها وأحبُّ إليّ أن أدخل فيه.
وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن كثير عن شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة وحمادًا عن ذلك فقال الحكم: يعيد وحماد: لا يعيد وقال ابن عيينة. قال شعبة: يذكر عن بعضهم أن إبراهيم قال: إذا قام حذو الإمام لم يُعِد.
وعن ابن جريج عن عطاء قال: لا يعيد والأمر في ذلك محمول عند أصحابنا من الشافعيين على الكراهة قالوا: ومتى وجد الداخل إلى الصلاة فرجة أو سعة في الصف دخل وله أن يخرق الصف الأخر إن لم يجد فرجة فيه ووجدها في صف تقدمه لأنهم قصروا حيث لم يتموه.
وإن لم تجد فرجة ولا سعة في الصف فما الذي يفعل؟
حكى عن نصه في البويطي: أنه يقف منفردًا ولا يجذب إلى نفسه أحدًا لأنه لو جذب إلى نفسه واحدًا ليفوت عليه فضيلة الصف الأول ولأوقع الخلل في الصف وبهذا قال أبو الطيب الطبري: وحكاه عن مالك وقال أكثر الأصحاب: إنه يجر إلى نفسه واحدًا. قالوا: وإنما يجره بعد أن يتحرم بالصلاة ويستحب أن يساعده ولا فرق
بين الداخل في أثناء الصلاة والحاضر في ابتدائها في ذلك لعموم الأمر به.
وقد اختلف السلف في الداخل للصلاة والصفوف قد استوت واتصلت هل له أن يجذب إلى نفسه واحدًا ليقوم معه أو لا؟.
روي الأول عن عطاء وإبراهيم والنخعي (1) وقال بعضهم جذب الرجل في الصف ظلم وممن كره ذلك مالك والأوزاعي واستقبح ذلك أحمد وإسحاق.
وتمسك من رأى على المنفرد الإعادة بحديثي الباب ومن لا يرى الإعادة عليه بثلاثة أحاديث لا حجة لهم في شيء منها:
الأول: حديث أنس: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم فقمت أنا ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا. رواه البخاري ومسلم.
وكان شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري يقول: ولم يحسن من استدل به على أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة فإن هذه الصورة ليست من صور الخلاف.
وقال بعض أهل العلم: إنما في حديث أنس حكم النساء إذا كنّ خلف الرجال وإلا فعليهن من إقامة الصفوف إذا كثرن ما على الرجال لعموم الأمر بذلك.
الثاني: ما روي عن ابن عباس وجابر إذ جاء كل منهما فوقف عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤتمًا به وحده فأدار عليه السلام كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه، قالوا: فقد صار كل واحد منهما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الإدارة، وهذا كالذي قبله إذ المُدار من اليسار إلى اليمين لا يسمّى مصليًا خلف الصف بيقين وإنما هو مصل عن اليمين كما هو موقفه في تلك الحالة.
الثالث: حديث أبي بكرة حين ركع خلف الصف وحده فقال له رسول الله
(1) كذا في النسختين، ولعل صوابه: إبراهيم النخعي.
- صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصًا ولا تعد"، ولم يأمره بإعادة الصلاة، قالوا: وقوله لأبي بكرة: (لا تعد) أي: لا تعد للتأخر عن الصلاة حتى تفوتك، وإذا جاز للرجال الركوع خلف الصف وحده وأجزأ عنه فكذلك سائر صلاته لأن الركوع ركن من أركانها فإذا جاز للمصلي أن يركع خلف الصف وحده جاز له أن يسجد وأن يتم صلاته وقد روينا الخبر بأصح إسناد عن أبي بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله يصلي وقد ركع فركع ثم دخل الصف وهو راكع فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أيكم دخل الصف وهو راكع"؟ فقال له أبو بكرة: أنا قال: "زادك الله حرصًا ولا تعد"، فتبين بهذا اللفظ كيف كان ركوعه وأنه لم يكن منه غير ابتداء الركوع وإنما ركع في الصف ولم يعلم ما في ابتداء الركوع على تلك الحال فلم يُؤمر بالإعادة لأن النهي عن ذلك لم يكن تقدم فيكون معنى قوله: ولا تعد أنه إن عاد لزمته الإعادة لعلمه بالنهي، وذكر المهلب أنه عليه السلام لم يكره ذلك منه إلا أنه مثل بنفسه في مشيه في حال الركوع وأن ذلك ليس من مشي الناس وإنما تمشى كذلك البهائم فلذلك قال: لا تعد وشكر له حرصه لأنه لم يسهل عليه المشي على تلك الحالة إلا الحرص.
ولا يُعد حكم الشروع في الركوع حكم الصلاة كلها فهذا أحمد بن حنبل يرى أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة ويرى أن الركوع دون الصف جائز.
واختلف السلف في الركوع دون الصف فرخص فيه زيد بن ثابت وفعل ذلك ابن مسعود وزيد بن وهب وروي عن سعيد بن جبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة وابن جريج ومعمر أنهم فعلوا ذلك.
وقال الزهري: إن كان قريبًا من الصف فعل وإن كان بعيدًا لم يفعل وبه قال الأوزاعي.
* * *