الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
76 - باب ما جاء في رفع اليدين عند الركوع
ثنا قتيبة وابن أبي عمر قالا: نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع.
وقال ابن أبي عمر في حديثه: وكان لا يرفع بين السجدتين.
حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي: ثنا سفيان بن عيينة ثنا الزهري بهذا الإسناد نحو حديث ابن أبي عمر.
قال: وفي الباب عن عمر وعلىِ ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبي هريرة وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي قتادة وأبي موسى وجابر وعمير الليثي.
وقال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وأنس وابن عباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم من التابعين الحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد ونافع وسالم بن عبد الله وسعيد بن جبير وغيرهم وبه يقول مالك ومعمر والأوزاعي وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
قال عبد الله بن المبارك: قد ثبت حديث من يرفع وذكر حديث الزهري عن سالم عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود: أن النبي لم يرفع إلا في أول مرة.
حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي: ثنا وهب بن زمعة عن سفيان بن عبد الملك عن عبد الله بن المبارك.
حدثنا هناد ثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن
الأسود عن علقمة قال: قال عبد الله: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة.
وفي الباب عن البراء بن عازاب.
قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وهو قول سفيان وأهل الكوفة.
* الكلام عليه:
حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ كثيرة من طرق متعددة ورواه أبو داود وابن ماجه. وحديث عمر روى البيهقي في "الخلافيات" من جهة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثني أحمد بن الحسن الترمذي ثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق ثنا عبد الله بن وهب القرشي أخبرني حيوة بن شريح الحضرمي عن أبي عيسى سليمان بن كيسان المدني عن عبد الله بن القاسم، بينما الناس يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: اقبلوا عليّ بوجوهكم أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصلي ويأمر بها فقام مستقبل القبلة ورفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه وكبر ثم غض بصره ثم رفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه ثم كبر ثم ركع وكذلك حين رفع قال القوم: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا. رواه عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى عن ابن خزيمة.
حجاج بن إبراهيم وثقه ابن أبي حاتم عن أبيه.
وسليمان بن كيسان ذكره ابن أبي حاتم فقال: يروي عن عبد الكريم بن أبي أمية، وعبد الله بن القاسم وهارون بن راشد.
روى عنه حيوة ونافع بن يزيد وسعيد بن أبي أيوب ونعيم بن صالح ولم يذكر
من حاله شيئًا.
وعبد الله بن القاسم (1) مولى أبي بكر الصديق روى [عن] ابن عمر، روى عن ابن عباس ولازمه. وروى عنه غير واحد وثقه ابن حبان.
فرجال إسناده موثقون وابن كيسان معروف.
وفيه أيضًا من حديث ابن عمر عن عمر وهو معلل قيل: الصواب فيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله الدراقطني والإمام أحمد قبله.
وحديث علي روينا من طريق أبي داود نا الحسن بن علي نا سليمان بن داود الهاشمي نا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع في شيء من صلاته وهو قاعد وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر.
وحديث وائل بن حجر قال: قلت: لأنظرنّ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه ثم أخذ شماله بيمينه فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ثم وضع يديه على ركبيته فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من يديه ثم جلس فافترش رجله اليسرى فوضع يده اليسرى على فخده اليسرى وحدّ مرفقه الأيمن على فخده اليمنى
(1)"التاريخ الكبير"(5/ 173) و"الجرح والتعديل"(5/ 140)، والزيادة ما بين المعقوفتين منه، وكلمة روى غير واضحة في الأصول.
وفي نسخة السندي: ابن عمرو!
وانظر "الثقات"(5/ 46) أيضًا.
وقبض ثنتين وحلق حلقة، ورأيته يقول هكذا وحلق الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة. رواه الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه.
وفي رواية لأبي داود والنسائي: رفع يديه حيال أذنيه، ثم قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم وعليهم برانس وأكسية.
وللإمام أحمد: ورفع يديه حين كبر.
ولأبي داود: أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذي إبهاماه أذنيه ثم كبّر.
وحديث مالك بن الحويرث روى أبو قلابة عنه: أنه رآه إذا صلى كبر ثم رفع يديه فإذا أراد أن يركع رفع يديه وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هكذا رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه، وفي لفظ له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك وفي لفظ له أيضًا حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
وحديث أنس روى ابن ماجه ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب ثنا حميد عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة وإذا ركع.
وحديث أبي هريرة عند ابن ماجه أيضًا من حديث صالح بن كيسان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الصلاة حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة وحين يركع وحين يسجد.
رواه عن عثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار قالا: نا إسماعيل بن عياش عنه.
وحديث أبي حميد يأتي في باب صفة الصلاة في عشرة من الصحابة أحدهم أبو قتادة.
وحديث أبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة روينا عن ابن ماجه (1) ثنا محمد بن بشار ثنا أبو عامر ثنا فليح بن سليمان ثنا عباس بن سهل بن سعد الساعدي قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد الساعدي وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فكبر ورفع يديه ثم رفع، حين الركوع ثم قام فرفع يديه واستوى حين رجع كل عظم إلى موضعه. ورواه أبو داود أيضًا واللفظ للأول.
وحديث أبي موسى الأشعري روينا عن الدارقطني في "سننه" من حديث إسحاق بن راهويه ثنا النضر بن شميل ثنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري قال: هل أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر ورفع يديه ثم كبر ورفع يديه للركوع ثم قال: سمع الله لمن حمده فرفع يديه ثم قال: هكذا فاصنعوا ولا يرفع بين السجدتين.
رواه عن دعلج نا عبد الله بن شيرويه عن إسحاق.
قال ابن حبان في كتاب "الثقات": الأزرق بن قيس الحارثي من بلحارث بن كعب بصري يروي عن ابن عمر وأنس وأبي برزة.
روى عنه سليمان التيمي وشعبة، مات في ولاية خالد على العراق وذكره ابن أبي حاتم وعد ممن روى عنه حماد بن سلمة وحكى توثيقه ابن معين وقال عن أبيه:
(1)"السنن"(863)، وصححه الألباني، وأحال على "صحيح السنن"(723)، وهو في "السنن"(734) لأبي داود.
صالح الحديث.
وحطان بن عبد الله الرقاشي روى له مسلم وقال ابن المديني: ثبت.
وحديث جابر بن عبد الله من طريق ابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر: أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك. ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل مثل ذلك. رواه عن محمد بن يحيى ثنا أبو حذيفة ثنا إبراهيم بن طهمان وفي آخره: ورفع إبراهيم بن طهمان يديه إلى أذنيه.
وحديث عمير الليثي عند ابن ماجه عن هشام بن عمار ثنا رفدة بن قضاعة الغساني ثنا الأوزاعي عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جده عمير بن حبيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة. أخرجه أبو أحمد بن عدي في "كامله"(1) وقال: هذا الحديث يعرف برفدة بن قضاعة عن الأوزاعي قال: وقد روي عن أحمد بن أبي روح البغدادي وكان يسكن جرجان عن محمد بن مصعب عن الأوزاعي.
قال النسائي: رفدة ليس بالقوي.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث.
وقال الخلال: في "علله" عن مهنا: سألت أحمد ويحيى قلت: حدثوني عن رفدة بن قضاعة الغساني فذكر هذا الحديث فقال: ليس بصحيح ولا يعرف عبيد بن عمير يحدث عن أبيه شيئًا ولا عن جده ولا يعرف رفدة بن قضاعة.
وقال يحيى قد سمعت به وهو شيخ ضعيف ولو كان جاء بهذا رجل معروف
(1)(3/ 175)، والحديث صححه الشيخ عند ابن ماجه (861) وأحال على "صحيح السنن"(724)، وهناك قال: في أسانيدها مقال، وأحال على "التعليقات الجياد".
مثل هقل كان عسى (1).
وفي الباب مما لم يذكره عن ابن عباس روى ابن ماجه (1) عن أيوب بن محمد الهاشمي ثنا عمر بن رياح عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند كل تكبيرة.
عمر بن رِياح مكسور الراء يليها آخر الحروف.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قال أبو حفص الصيرفي: هو رد.
وفيه عن ابن عباس أيضًا روى أبو داود (2) ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن هبيرة عن ميمون المكي أنه رأى عبد الله بن الزبير يصلي بهم يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد وحين ينهض للقيام فيقوم فيشير بيديه، فانطلقت إلى ابن عباس فقلت: إني رأيت ابن الزبير يصلي صلاة لم أر أحدًا يصليها ووصفت له هذه الإشارة فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة ابن الزبير.
أبو هبيرة يحيى بن عباد روى له مسلم ووثقه ابن حبان، وابن لهيعة معروف الحال.
فيه رفع اليدين في التكبيرات في الصلاة وذلك عند أهل الحلم تعظيم لله وابتهال إليه واستسلام له وخضوع للموقوف بين يديه واتباع للسنة وقيل: استهوال لما دخل فيه وقيل لتمام القيام وقيل إشارة لطرح أمور الدنيا وراء ظهره وقيل غير ذلك هذا تعليل من يرى استحبابه.
(1)"السنن"(865).
قال البوصيري: عمر بن رياح اتفقوا على ضعفه.
وصححه الشيخ الألباني لغيره! فقارن مع حديث عمير الليثي، وقد سبق وأبو حفص هو عمرو بن علي الفلاس.
(2)
"السنن"(739) وصححه الألباني.
وقد اختلف العلماء في حكمه، فأما تكبيرة الإحرام فذهب الجمهور إلى أنه فيها سنة.
وحكي عن الأوزاعي والحميدي أنه فرض وكذلك قال أبو سليمان داود بن علي وأبو محمد بن حزم واختلف أصحاب داود في ذلك، فقال بعضهم: الرفع عند الإحرام والركوع والرفع من الركوع واجب، وقال بعضهم: لا يجب الرفع إلا عند الإحرام وقال بعضهم: لا يجب الرفع عند الإحرام ولا غيره فرضًا لأنه عليه السلام فعله ولم يأمر به. وقال بعضهم: هو كله واجب لقوله عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" حكاه عنهم أبو عمر.
قال الشيخ محيي الدين: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام واختلفوا فيما سواها ثم قال: وأجمعوا أنه لا يجب شيء من الرفع، ويرد عليه ما حكيناه عن الأوزاعي والحميدي على أنه قال: وحكي عن داود إيجابه عند تكبيرة الإحرام وبهذا قال الإمام أبو الحسن أحمد بن سيار السيّاري من أصحابنا أصحاب الوجوه انتهى.
وأما ما عدا تكبيرة الإحرام فقال الشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم: يستحب رفعهما أيضًا عند الركوع وعند الرفع منه وهو رواية عن مالك، وللشافعي قول إنه يستحب رفعهما في موضع رابع وهو إذا قام من التشهد الأول.
وقد صح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله رواه البخاري، وثبت من طريق أبي حميد الساعدي عند أبي داود الترمذي بأسانيد صحيحة وسيأتي.
وقال أبو سليمان الخطابي: وأما ما روي في حديث أبي حميد الساعدي من رفع اليدين عند النهوض من التشهد فهو حديث صحيح وقد شهد له بذلك غيره من
الصحابة منهم أبو قتادة الأنصاري وقد قال به جماعة من أهل الحديث ولم يذكره الشافعي والقول به لازم على أصله في قبول الزيادات وكذلك ذكر البيهقي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه كان إذا قام من الركعتين رفع يديه ثم قال بعد ذلك: ورفع اليدين عند القيام من الركعتين سنة وإن لم يذكره الشافعي فإن إسناده صحيح والزيادة من الثقة مقبولة، ثم روى عن الشافعي: إذا وجدتم في كتابي بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت. رواه عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن الربيع بن سليمان الرادي عن الشافعي، وقال ابن المنذر وأبو علي البري من أصحابنا وبعض أهل الحديث نستحبه أيضًا في السجود.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من علماء الكوفة: لا يستحب في غير تكبيرة الإحرام وهو رواية ابن القاسم عن مالك، وقد رُوي عنه الرفع عند الافتتاح والركوع والرفع منه وهي مشهورة عنه، وروي عنه: لا رفع في أول الصلاة ولا في شيء منها ذكره ابن شعبان وغيره وهي أضعف الروايات وأشذها عنه.
وقال الأثرم عن أحمد: سمعته غير مرة سئل عن رفع اليدين عند الركوع وإذا رفع رأسه؟ قال: ومن يشك في ذلك كان ابن عمر إذا رأى من لا يفعل ذلك حَصَبَه.
فأما الكوفيون ومن سلك سبيلهم فاحتجوا بحديث يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي أذنيه ثم لا يعود.
يزيد بن أبي زياد فيه مقال والحديث عند أبي داود وقال: ليس بصحيح.
ورواه الإمام أحمد وذكر الخطيب هذه الزيادة (ثم لا يعود) في "المدرج" وقال:
أنها لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لقنها يزيد في آخر عمره فتلقنها: وقد حدث به عن يزيد بإسقاطها الثوري وشعبة وإبراهيم وأسباط بن محمد وخالد الطحان وغيرهم من الحفاظ وذكر أحاديثهم بذلك.
وبحديث عبد الله بن مسعود قال: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فصلى فرفع يديه في أول مرة. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
وقد روي عن ابن المبارك أنه قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود ونقل تضعيفه عن أحمد بن حنبل ويحيى بن آدم والبخاري، وضعفه بعد هؤلاء الدارقطني والبيهقي وذكروا عن علي أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى من الصلاة ثم لا يرفع في شيء منها ذكره البيهقي.
وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل الشمس اسكنوا في الصلاة"، رواه مسلم.
وعن ابن عباس: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: في افتتاح الصلاة وفي استقبال الكعبة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وجمع وفي المقامين عند الجمرتين.
فأما حديث علي فضعفه البخاري ونقل عن سفيان تضعيفه، وقد صح عن علي رفع اليدين في الركوع والرفع منه والقيام من الركعتين مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث جابر بن سمرة فلا تعلق له برفع اليدين في التكبير ولكنه ذكر للرد على قوم كانوا يرفعون أيديهم في حالة السلام من الصلاة ويشيرون بها إلى الجانبين مسلمين على من حولهم فنهوا عن ذلك، وقد وقع صريحًا كذلك في رواية عند مسلم: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علام
تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخديه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله".
قال البخاري في ذلك: إنما كان في الرفع عند السلام لا في القيام ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم.
وأما ما روي عن ابن عباس: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن فذكر البخاري أنه ضعيف ومرسل وقد ثبت الرفع في غير السبعة.
وقد روينا عن ابن عباس من طريق ابن ماجه في هذا الباب مرفوعًا ما يرد على ذلك والحجة فيما روى لا فيما رأى، وكل هذه الآثار نافية، وما سبق في طرق الرفع مثبت وهو مقدم على من نفى.
وقد ذكر البخاري أن الرفع يروي عن سبعة عشر من الصحابة: أبو قتادة وأبو أسيد ومحمد بن مسلمة وسهل بن سعد وابن عمر وابن عباس وأنس وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو وابن الزبير ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأبو موسى الأشعري وأبو حميد الساعدي.
قال: وقال الحسن وحميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم فلم يستثنِ منهم أحدًا.
وقال: لم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه.
ثم ذكر عن آخرين منهم سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز والنعمان بن أبي عياش والحسن وابن سيرين وطاوس ومكحول وعبد الله بن دينار ونافع وعبيد الله بن عمر والحسن بن مسلم وقيس بن سعد، ويروي عن أم الدرداء: أنها كانت ترفع يديها.
وذكره البيهقي عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي وجابر وعقبة بن عامر وعبد الله بن جابر البياضي وذكره عن غيرهم من التابعين فمن بعدهم.
وأما كيفية الرفع فقال أصحابنا: يستحب أن تكون كفه إلى القبلة، قال البغوي: والسنة كشف اليدين عند الرفع، قالوا: والمرأة كالرجل في هذا.
قال القاضي عياض: واختلف أصحابنا في صفة رفعهما فقيل قائمتان كما جاء في الحديث (يمدهما مدًّا) وهو مذهب العراقيين من أصحابنا وقيل منتصبتان بطونهما إلى السماء وذهب قوم إلى نصبهما قائمتين لكن تكون أطراف الأصابع منحنية قليلًا، وقيل غير هذا.
وأما حيث ينتهي رفع اليدين في الصلاة، فلما اختلفت ألفاظ الأحاديث في ذلك ففي بعضها: حتى يحاذي منكبيه، وفي أخرى: حتى يحاذي أذنيه، وفي أخرى: حتى يحاذي فروع أذنيه، وكلها في الصحيح، وعند غير مسلم: فوق أذنيه مدًّا مع رأسه، وفي رواية: إلى صدره، اختلفت المذاهب في ذلك بحسب اختلاف الألفاظ.
فقال الشافعي: يرفع حذو منكبيه، فيه عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه. رواه البخاري ومسلم.
الثاني: حذو الأذنين نقل عن الشافعي وهو غريب عنه وإنما هو معروف عن أبي حنيفة، وفيه عن مالك بن الحويرث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وفي رواية: فروع أذنيه يعني أعلاهما، وفرع كل شيء أعلاه.
وعن وائل بن حجر نحوه رواهما مسلم، وفي رواية لأبي داود في حديث وائل: رفع يديه حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه وهي من رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه ولم يسمع منه؛ وُلِدَ بعدَه.
ونقل الغزالي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: الرفع إلى حذو المنكبين.
الثاني: إلى أن تحاذي رؤوس أصابعه أذنيه.
الثالث: أن تحاذي أطراف أصابعه أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وكفاه منكبيه وبهذا الثالث جمع الشافعي بين الروايات فاستحسن منه ولا تعرف حكاية هذه الأقوال الثلاثة لغير الغزالي وذكر معناه الرافعي.
قال القاضي عياض: وقال بعضهم: هو على التوسعة، وذهب الحاوي إلى اختلاف الحالات في ذلك، فإلى صدره وحذو منكبيه أيام البرد: وأيديهم تحت أكسيتهم، ومع آذانهم وفوق رؤوسهم عند إخراجهما، وفي غيره دون ذلك.
وكذلك اختلفت الآثار في زمن الرفع فاختلفت المذاهب بحسب اختلافها، ففي بعضها: كان إذا كبر رفع يديه، وفي بعضها: إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وفي أخرى: إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ثم يكبر، وفي حديث مالك بن الحويرث: إذا صلى كبر ثم رفع يديه.
وفي وقت استحباب الرفع عندنا خمسة أوجه:
الأول: ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير، وانتهاؤه مع انتهائه قال الشافعي: إن أثبت يديه بعد انقضاء التكبير مرفوعتين قليلًا لم يضره ولا آمره به.
الثاني: يرفع بلا تكبير ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وينهيه مع انتهائه.
الثالث: يرفع بلا تكبير ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير.
الرابع: يبتدئهما معًا وينهي التكبير مع انتهاء الإرسال.
الخامس، وهو الذي صححه الرافعي: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء فإن فرغ من أحدهما قبل الآخر أتمَّ الآخر وإن فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع وصحح البغوي الثالث من هذه الوجوه، وصحح الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" الأول.
وأما أقطع اليد فيرفع من الساعد فإن قطع من المرفق رفع العضد على أصح الوجهين؛ والثاني لا يرفع لأن العضد لا يرفع في حال الصحة، وجزم المتولي برفع العضد ولو لم يمكنه الرفع إلا بزيادة على المشروع أو نقص منه فعل الممكن، فإن قدر على الزيادة والنقص ولم يقدر على المشروع أتى بالزيادة لما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
وفيه عن أبي هريرة معلل سئل الدارقطني عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة: أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة ويقول: لو قطعت يدي لرفعت ذراعي ولو قطعت ذراعي لرفعت عضدي. فقال: هذا رواه رفدة بن قضاعة الغساني عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة كذلك، وخالفه مبشر بن إسماعيل وغيره فرووه عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة: رأيت أبا هريرة يكبر لم يذكر الرفع، وفي آخره: إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهذا هو الصواب.
* * *