الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
108 - باب ما يقول إذا سلم من الصلاة
ثنا أحمد بن منيع ثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".
قال: وفي الباب عن ثوبان وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وقد روى خالد الحذاء هذا الحديث عن عبد الله بن الحارث نحو حديث عاصم وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد التسليم:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وروي عنه أنه كان يقول: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين".
حدثنا أحمد بن محمد بن موسى ثنا عبد الله بن المبارك أنا الأوزاعي حدثني شداد أبو عمار حدثني أبو أسماء الرحبي قال: حدثني ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: "أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".
قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح وأبو عمار اسمه شداد بن عبد الله.
* الكلام عليه:
حديث عائشة وحديث ثوبان رواهما مسلم.
وحديث ابن عمر: أن رجلًا رأى فيما يرى النائم قيل له: أي شيء أمركم
نبيكم عليه السلام، قال: أمرنا أن نسبح ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين فتلك مائة، قال: سبحوا خمسًا وعشرين، واحمدوا خمسًا وعشرين، وكبروا خمسًا وعشرين، وهللوا خمسًا وعشرين، فتلك مائة، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"افعلوا كما قال الأنصاري". رواه النسائي.
وحديث ابن عباس روى البخاري (1) ومسلم من حديث أبي معبد مولاه عنه أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا ذلك إذا سمعته، وفي رواية: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير.
روينا من طريق النسائي أنا علي بن حجر قال: أنا خصيف عن عكرمة ومجاهد عن ابن عباس قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم ولهم أموال يتصدقون وينفقون! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا صليتم فقولوا: سبحان الله ثلاثًا وثلاثين والحمد لله ثلاثًا وثلاثين والله أكبر ثلاثًا وثلاثين ولا إله إلا الله عشرًا، فإنكم تدركون بذلك من سبقكم وتسبقون من بعدكم".
وحديث أبي سعيد الخدري: ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ثنا هشيم عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة يقول في آخر صلاته عند انصرافه: "سبحان ربك رب العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين".
وقد ذكر الترمذي هذا المتن ولم يذكر راويه من الصحابة فلا أدري أهو الذي أشار إليه من حديث أبي سعيد أو لا.
(1)"صحيح البخاري"(841، 842) ومسلم (583).
وأما أبو هريرة فقد رويت عنه في ذلك روايات فمنها ما روينا من طريق البخاري: ثنا محمد بن أبي بكر ثنا معتمر عن عبيد الله عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضول أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون قال: ألا أحدثكم إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين"، فاختلفنا بيننا فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين فرجعت إليه فقال: تقول سبحان والحمد لله والله أكبر حتى تكون منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين.
وأخرجه مسلم وفيه: ويعتقون ولا نعتق، وفيه تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة.
قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا وفعلوا مثله فقال رسول الله: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
ومن طريقه أيضًا عن أبي هريرة قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم، قال:"كيف ذاك"؟ قال: صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال. قال: "أفلا أخبركم بأمر تدركون من كان قبلكم وتسبقون من جاء ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون في دبر كل صلاة عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبرون عشرًا".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين وحمد الله ثلاثًا وثلاثين وكبر الله ثلاثًا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون ثم
قال: تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". رواه مسلم.
وحديث المغيرة بن شعبة روينا من طريق البخاري قال: ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
وفي الباب مما لم يذكر: عن زيد بن ثابت؛ روينا من طريق النسائي أنا موسى بن حزام الترمذي قال: ثنا يحيى بن آدم عن أبي إدريس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال: أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين ويحمدوا ثلاثًا وثلاثين ويكبروا أربعًا وثلاثين فأري رجل من الأنصار في منامه قيل: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين وتحمدوا ثلاثًا وثلاثين وتكبروا أربعًا وثلاثين؟ قال: نعم قال: فاجعلوها خمسًا وعشرين واجعلوا فيها التهليل فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له قال: اجعلوها كذلك رواه الإمام أحمد وذكره الحاكم في المستدرك ثنا أحمد بن سلمان النجاد ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر عن هشام فذكره وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وحديث سعد بن أبي وقاص رويناه من طريق البخاري من حديث عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة "اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى
أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر" رواه عن آدم ثنا شعبة قال: وثنا ابن مثنى ثنا غندر ثنا شعبة وثنا فروة بن أبي المغراء قال: ثنا عبيدة وأحمد كلهم عن عبد الملك.
حديث ابن الزبير روينا من طريق مسلم ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ثنا هشام عن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول: في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. قال ابن الزبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة.
وحديث كعب بن عجرة روينا من طريق مسلم ئنا الحسن بن عيسى قال: ثنا ابن المبارك قال: ثنا مالك بن مغول قال: سمعت الحكم بن عتيبة يحدث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن: ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة في دبر كل صلاة".
وحديث علي بن أبي طالب روينا من طريق أبي داود ثنا ابن معاذ ثنا أبي قال ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليِ بن أبي طالب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت".
وحديث زيد بن أرقم روينا من طريق أبي داود ثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي وهذا حديث مسدد قالا ثنا المعتمر قال سمعت داود الطفاوي قال: حدثني
أبو مسلم البجلي عن زيد بن أرقم قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: وقال سليمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دبر صلاته: "اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمدًا عبدك ورسولك اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلني مخلصًا لك وأهلي في كل ساعة في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام اسمع واستجب الله أكبر الأكبر اللهم نور السماوات والأرض -قال سليمان بن داود: رب السماوات والأرض- الله أكبر الأكبر حسبي الله ونعم الوكيل الله أكبر الأكبر".
وحديث معاذ بن جبل روينا من طريق أبي داود ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا حيوة بن شريح قال: حدثني عقبة بن مسلم يقول حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك" فقال: "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وأوصى بذلك معاذ الصنابحي وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن.
وحديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ومن قال دبر صلاة الفجر" يأتي
عند الترمذي إن شاء الله تعالى.
وحديث أم سلمة روينا من طريق ابن ماجه ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شبابة ثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن مولى لأم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا طيبًا وعملًا متقبلًا".
وروينا من طريق الإمام أحمد عنها أن فاطمة جاءت إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم -
تشتكي إليه الخدمة فقالت: يا رسول الله والله لقد مجلت يداي من الرحى أطحن مرة وأعجن مرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يرزقك الله شيئًا يأتك وسأدلك على خير من ذلك إذا لزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثًا وثلاثين وكبري ثلاثًا وثلاثين واحمدي الله أربعًا وثلاثين فذلك مائة فهو خير لك من الخادم، وإذا صليت صلاة الصبح فقولي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير عشر مرات بعد صلاة الصبح وعشر مرات بعد صلاة المغرب فإن كل واحدة منهن تكتب عشر حسنات وتحط عشر سيئات وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل ولا يجد لذنبٍ كُسِبَ ذلك اليوم أن يكتبه إلا أن يكون الشرك وهو حرسك ما بين تقوليه إلى أن تقوليه عشية من كل شيطان ومن كل سوء". رواه الإمام أحمد في مسنده.
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما رجل مسلم إلا دخل الجنة"، فذكر التسبيح في دبر كل صلاة عشرًا عشرًا، سيأتي إن شاء الله عند الترمذي وصححه وقد أخرجه الحاكم في مستدركه.
وحديث عقبة بن عامر روينا من طريق أبي داود والنسائي واللفظ للأول قالا ثنا محمد بن سلمة المرادي قال: ثنا ابن وهب عن الليث بن سعد أن جبير بن أبي حكيم حدثه عن علي بن رباح اللخمي عن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وحديث أبي بكرة روينا من طريق النسائي قال: أنا عمرو بن علي قال: أنا يحيى عن عثمان الشحام عن مسلم بن أبي بكرة قال: كان أبي يقول في دبر
الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر" فكنت أقولهن.
قال أبي: بني عمن أخذت هذا؟ قلت: عنك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولهن في دبر الصلاة. قال الحاكم: هذا صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بإسناده سواء في حديث:"تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم" ولم يخرجاه.
وحديث صهيب روينا من طريق النسائي أنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو قال أنا ابن وهب قال أخبرني حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه: أن كعبًا حلف له بالذي فلق البحر لموسى إنا نجد في التوراة أن داود نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته قال: "اللهم أصلح ديني الذي جعلته لي عصمة، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي اللهم أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ يعني بعفوك من نقمتك وأعوذ بك منك لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
وحدثني كعب أن صهيبًا حدثه أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يقولهن عند انصرافه من صلاته.
وحديث جويرية بنت الحارث روينا من طريق النسائي أنا محمد بن بشار قال: ثنا محمد قال: ثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال: سمعت كريبًا عن ابن عباس عن جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليها وهي في الممسجد تدعو ثمّ مرَّ بها قريبًا من نصف النهار فقال لها: "ما زلت على حالك" قالت: نعم. قال: "ألا أعلمك يعني كلمات تقوليهن سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه ثلاث مرات سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات".
وفيه مسائل:
الأولى: قوله (أنت السلام ومنك السلام) فالأولى: اسم من أسماء الله تعالى كما قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} والثاني: السلامة كما قال: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} ومعناه أن السلامة من المعاطب والمهالك إنما تحصل لمن سلمه الله تعالى كما قال تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ} .
الثانية: قوله: (تباركت) تفاعلت من البركة وهي الكثرة والنماء، ومعناه: تعاظمت إذ كثرت صفات جلالك وكمالك.
الثالثة: قوله: (ذا الجلال) يريد ذا العظمة والسلطان وهو على حذف حرف النداء تقديره: يا ذا الجلال والإكرام يريد الإحسان وإفاضة النعم.
الرابعة: قوله: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، وقد تقدم الكلام فيه.
الخامسة: الدثور جمع دثر بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة وهو المال الكثير قال الهروي: يقال مال دثر ومالان دثر وأموال دثر وحكى أبو عمر المطرز أن الدثر بالثاء يثنى ويجمع وقال ابن السكيت: المال الدثر بكسر الدال الكثير وفي السيرة الهشامية في خبر النجاشي: دبر من ذهب بفتح الدال وكلاهما بالباء ثانية الحروف. قال ابن هشام: ويقال دبر وهو الحبل بلغة الحبشة.
السادسة: المعقبات قال الهروي: قال شمر: أراد تسبيحات بأعقاب الصلوات وقوله: (له معقبات) أي ملائكة يعقب بعضهم بعضًا.
السابعة: فيه استحباب الذكر بعد الصلوات وقد اتفق الأصحاب والشافعي وغيرهم على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ويستحب أن يدعو أيضًا بعد السلام.
قال القاضي أبو الطيب: ويستحب أن يبدأ من هذه الأذكار بحديث الاستغفار يعني حديث ثوبان.
الثامنة: المستحب للإمام إن كان في الجماعة نساء أن يثبت مكانه ومن خلفه من الرجال قدرًا يسيرًا يذكرون الله تعالى حتى ينصرف النساء بحيث لا يدرك المسارعون في الخروج من الرجال آخرهن، ومستحب لهن أن ينصرفن عقيب سلامه فإذا انصرفن انصرف الإمام وسائر الرجال، واستدل الشافعي والأصحاب لذلك بحديث أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حتى ينقضي تسليمه يمكث يسيرًا كي ينصرفن قبل أن يدركهن أحد من القوم .. الحديث رواه البخاري.
وإن لم يكن خلفه نساء فالمستحب أن يقوم في الوقت حتى إن كان في القوم من لم يسمع سلامه يعرف خروجه من الصلاة وإن دخل مسبوق لا يقتدي به، وفي قول عائشة: كان لا يقعد إلا مقدار إن يقول اللهم أنت السلام الحديث ما يشعر بذلك.
وقد استدل به بعض الفقهاء من المالكية على كراهيته للإمام المقام في موضعه الذي صلى فيه بعد سلامه خلافًا لمن أجاز ذلك وذكروا فيه أيضًا حديث أم سلمة الذي ذكرناه وقال ابن شهاب فيه: فنرى ذلك والله أعلم لكي ينفذ من ينصرف من النساء ووجه الدلالة منه أنهم اعتذروا عن المقام اليسير الذي صدر منه عليه السلام وبينوا وجهه فدل ذلك على أن الإسراع بالقيام هو الأصل والمشروع وأما القعود فإنما كان منه ليستوفي من الذكر ما يليق بالسلام الذي انفصل به من الصلاة ولينصرف النساء.
وقد روينا من طريق أبي داود ثنا مسدد ثنا يحيى عن سفيان عن يعلى بن
عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا انصرف انحرف.
وذكر عبد الرزاق ثنا ابن جريج قال: حدثت عن أنس قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم فكان ساعة يسلم يقوم ثم صليت وراء أبي بكر فكان إذا سلم وثب فكأنما يقوم عن رضفة.
التاسعة: في قوله عليه السلام في حديث أبي هريرة: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) ما يشعر بتفضيل الغنى على الفقر قال أبو العباس القرطبي: وهي مسألة اختلف الناس فيها على خمسة أقوال فمن قائل بتفضيل الغنى ومن قائل بتفضيل الفقر ومن قائل بتفضيل الكفاف ومن قائل رابع برد هذا التفضيل إلى أحوال الناس فإن منهم من لا يصلحه إلا الفقر ومنهم من لا يصلحه إلا الغنى ومن قائل خامس بالتوقف ولم يفضل أحدًا منهم على الآخر قال: والذي يظهر لي في هذا الحال أن الأفضل من ذلك ما اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولجمهور صحابته رضوان الله عليهم وهو الفقر غير المدقع، ويكفيك من هذا أن فقراء يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمس مائة عام وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار يسئلون عن فضول أموالهم.
كذا قال أبو العباس واستدلاله بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو عين ما استدل به من قال: بتفضيل الغنى وقد كان شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري رحمه الله يذهب إلى تفضيل الغنى ويحكيه عن شيخه الإمام أبي محمد بن عبد السلام السلمي آخذًا في ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل راقيًا في المقامات العلية إلى أن قبضه الله تعالى وأن الغنى كان آخر حاليه وكذا معظم أصحابه الذين فتحت عليهم الفتوح، وذاكرت بهذا الشيخ أبا عبد الله القروي فقال: إنما يقع الترجيح بين الغنى والفقر الاضطراري لا الفقر الاختياري فإن الفقر الاختياري غنى، وإن الغني الأعلى
عن الشيء لا به، والنبي صلى الله عليه وسلم خير بين أن يكون نبيًّا عبدًا ونبيًّا ملكًا ليلة المعراج قال:"فأشار إلي جبريل أن تواضع فقلت: بل نبيًّا عبدًا"، ثم قال بعد ذلك لعمر:"عرضت عليّ كنوز الأرض في عرض هذا الحائط".
وهذه مسألة أكثر الناس فيها ومن قال بتفضيل الفقر يحتاج إلى تأويل ما في هذا الخبر من قوله عليه السلام: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" وذكر القرطبي في ذلك تأويلًا لا أراه مجديًا قال: الإشارة في قوله ذلك راجعة إلى الثواب المترتب على الأعمال الذي به يحصل التفضيل عند الله فكأنه قال: ذلك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقه الإنسان بحسب الأذكار ولا بحسب إعطاء الأموال وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله أعلم.
العاشرة: اختلف السلف أيما أفضل رفع الصوت بالدعاء عقيب الصلوات أو إخفاؤه والأول محكي عن أبي محمد بن حزم أخذًا بحديث ابن عباس قال: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير وفي رواية: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونقل ابن بطال وآخرون أن الجمهور على استحباب الإسرار وعدم الجهر به.
قال الشافعي: أختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد السلام من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إمامًا يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يُرى أنه قد تعلم منه ثم يُسر فإن الله تعالى يقول: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} يعني والله أعلم الدعاء ولا تجهر تسمع ولا تخافت حتى لا تسمع نفسك.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} نزلت في الدعاء.
وعن ابن عباس أن الصلاة هنا هي الصلاة الشرعية وقيل: نزلت في أبي بكر وعمر كان أبو بكر يُسر بالقراءة يقول: أناجي ربي، وعمر يجهر بها يقول: أطرد
الشيطان وأرضي الرحمن وأوقظ الوسنان فنزلت الآية فقال عليه السلام لأبي بكر: "ارفع شيئًا" وقال لعمر: "اخفض شيئًا".
الحادية عشرة: استغفاره عليه السلام مع أنه مغفور له واستعاذته بها استعاذ منه وإن كان قد أمن قبل الاستعاذة مما استعاذ منه وأعطي قبل السؤال قال العلماء: وهو وفاء بحق العبودية وقيام بوظيفة الشكر وحق العبودية كما قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا، وليبين للمأمومين سنته فعلًا كما بينها قولًا في الدعاء والضراعة ليقتدى به عليه السلام في ذلك.
وقال الطبري في قول ابن عباس: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير، فيه الإبانة عن صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء يكبر بعد صلاته ويكبر من وراءه قال غيره: ولم أجد من الفقهاء من قال بهذا إلا ما ذكره ابن حبيب في "الواضحة" كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء تكبيرًا عاليًا ثلاث مرات وهو قديم من شأن الناس، وعن مالك هو محدث، قيل وذكر ابن عباس له يدل على ترك ذلك في وقته وإلا فليس كان يكون لقوله معنى.
الثانية عشرة: قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للإمام والمأموم المنفرد وهو مستحب عقيب الصلوات كلها بلا خلاف، وأما من خص ذلك بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له وإن كان قد أشار إليه صاحب "الحاوي" فقال: إن كانت صلاة لا يتنفل بعدها كالصبح والعصر استدبر القبلة واستقبل الناس ودعا وإن كانت مما يتنفل بعدها كالظهر والمغرب والعشاء فنختار أن يتنفل في منزله.
قال الشيخ محيي الدين: وهذا الذي أشار إليه من التخصيص لا أصل له بل الصواب استحبابه في كل الصلوات ويستحب أن يقبل على الناس ويدعو.
وأما المصافحة المعتادة بعد صلاتي الصبح والعصر فقد ذكر الإمام أبو محمد
ابن عبد السلام رحمه الله أنها من البدع المباحة ولا توصف بكراهة ولا استحباب.
قال النووي: وهذا حسن والمختار أن يقال: إن صافح من كان معه قبل الصلاة فمباح كما ذكر وإن صافح من لم يكن معه قبلها فمستحب لأن المصافحة عند اللقاء سنة.
الثالثة عشرة: قد ذكرنا أن المستحب للإمام أن يقوم عقيب الصلاة من مصلاه.
قال الأصحاب: فإن كانت الصلاة مما يتنفل بعدها فالسنة أن يرجع إلى بيته لفعل النافلة لأن فعلها في البيت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفصل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" رواه البخاري ومسلم من حديث زيد بن ثابت ورويا أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا".
وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى أحدكم صلاته في مسجد فليجعل لبيته من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا".
قال أصحابنا: فإن لم يرجع إلى بيته وأراد التنفل في المسجد يستحب أن ينتقل عن موضعه قليلًا لتكثر مواضع سجوده فإن لم ينتقل إلى موضع آخر فينبغي أن يفصل بين الفريضة والنافلة بكلام وذكروا في ذلك قول معاوية للسائب ابن أخت نمر: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج. رواه مسلم.
وروينا من طريق أبي داود ثنا مسدد قال: ثنا حماد وعبد الوارث عن ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيعجز أحدكم" قال غير عبد الوارث: "أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله" زاد في حديث حماد في "الصلاة" يعني في السبحة.
الحجاج بن عبيد قال أبو حاتم: مجهول.
وروينا من طريق أبي داود ثنا أبو توبة الربيع بن نافع ثنا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي ثنا عطاء الخراساني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي الإمام في الوضع الذي صلى فيه حتى يتحول" ورواه ابن ماجه، قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة.
قال أصحابنا: وإن صلى النافلة في المسجد جاز وإن كان أتى بخلاف الأفضل لما ثبت عن ابن عمر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة فأما المغرب والعشاء ففي بيته. رواه البخاري ومسلم.
وما وقع من ذلك في المسجد فلبيان الجواز وقال البخاري: وقال لنا آدم: ثنا شعبة عن أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة وفعله القاسم، ويذكر عن أبي هريرة رفعه:"لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح.
الرابعة عشرة: قد ذكرنا في المسألة قبلها أن المستحب للإمام أن يقوم عقيب الصلاة من مصلاه وقد روينا من طريق أبي داود ثنا ابن نفيل وأحمد بن يونس قالا: ثنا زهير قال: ثنا سماك قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيرًا فكان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام صلى الله عليه وسلم. وسيأتي الكلام عليه عند حديث الترمذي عن قتيبة عن أبي الأحوص عن سماك بمعناه إن شاء الله تعالى.