الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - باب ما جاء في الأذان بالليل
نا قتيبة نا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم".
قال: وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأنيسة وأنس وأبي ذر وسمرة.
قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح.
وقد اختلف أهل العلم في الأذان بالليل.
فقال بعض أهل العلم: إذا أذن المؤذن بالليل أجزأه ولا يعيد، وهو قول مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
قال بعض أهل العلم: إذا أذن بالليل أعاد وبه يقول سفيان الثوري.
وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: أن بلالًا أذن بليل فأمره النبي أن يناد إن العبد نام.
قال أبو عيسى: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم".
قال وروى عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع أن مؤذنًا لعمر أذن بليل فأمره عمر أن يعيد الأذان.
وهذا لا يصح لأنه عن نافع عن عمر منقطع.
ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث.
والصحيح رواية عبيد الله وغير واحد عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن
سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالًا يؤذن بليل".
قال أبو عيسى: فلو كان حديث حماد صحيحًا لم يكن لهذا الحديث معنى إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بلالًا يؤذن بليل. فإنما أمرهم فيما يستقبل، فقال إن بلالًا يؤذن بليل، ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل إن بلالًا يؤذن بليل.
قال علي بن المديني: حديث حماد بن سلمة [عن أيوب](1) عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير محفوظ وأخطأ فيه حماد بن سلمة.
* الكلام عليه:
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما [ورواه أيضًا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند البخاري وغيره](2).
وحديث ابن مسعود روى سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنعن أحدكم أو واحدًا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم وينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا. وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدهما عن يمينه وشماله.
رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
وأما حديث عائشة فروى ابن خزيمة من حديثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال"، وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر.
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
(2)
ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
قال: وليس هذا الخبر يُضاد خبر سالم عن ابن عمر، وخبر القاسم عن عائشة إذ جائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد كان جعل الأذان بالليل نوائب بين بلال وبين أم مكتوم فأمر في بعض الليالي بلالًا أن يؤذن أولًا بالليل فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم فأذن بعده بالنهار، فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ ابن أم مكتوم فأذن بليل فإذا نزل صعد بلال فأذن بعده بالنهار ثم ذكر كلامًا ثم قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس في كلا الوقتين أن أذان الأول منهما هو أذان بليل لا بنهار وأنه لا يمنع من أراد الصوم طعامًا ولا شرابًا وأن أذان الثاني إنما يمنع الطعام والشراب إذ هو بنهار لا بليل.
وأما حديث أنيسة فروى خُبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة بنت خُبيب قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أذن ابن مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا"، فإن كانت المرأة منا ليبقى عليها شيء من سحورها فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري.
رواه الإمام أحمد وأبو بكر بن خزيمة في صحيحه وابن حبان وقال ابن خزيمة: هذا خبر قد اختلف فيه يعني على حُبيب بن عبد الرحمن رواه شعبة عنه عن عمته أنيسة فقال: "ابن أم مكتوم أو بلالًا ينادي بليل"، وهو عند أحمد.
وحديث أنس عند الطحاوي [من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئًا".
وحديث أبي ذر عنده أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك تؤذن إذا كان الفجر ساطعًا وليس ذلك الصبح إنما الصبح هكذا" معترضًا في إسناده ابن لهيعة.
وحديث] (1) سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا العارض لعمود الصبح حتى يستطير" رواه مسلم.
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
وذكر الترمذي حديث حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالًا أذن بليل فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي إن العبد نام.
وحديث ابن أبي رواد عن نافع أن مؤذنًا لعمر، وردّهما.
وقال أبو داود في حديث حماد: لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة.
قال أبو عمر: تفرد به حماد بن سلمة دون أصحاب أيوب، وأصحاب أيوب يروونه عن أيوب قال: أذن بلال مرةً بليل [فذكره مقطوعًا هكذا ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب](1) وقال الأثرم: وأما حديث حماد بن سلمة فإنه خطأ معروف من خطأ حماد بن سلمة وإنما أصل الحديث عن نافع عن ابن عمر أن مؤذنًا لعمر، يقال له مسروح وقال بعضهم: مسعود أذن بليل فأمره عمر أن يرجع فينادي ألا إن مسروحًا نام.
وكذا قال الترمذي: لعل خبر مؤذن عمر هذا هو الذي أراد حماد بن سلمة.
وقال أبو داود نحوه، غير أن الترمذي رده بالانقطاع بين نافع وعمر وليس صريحًا من رواية نافع عن عمر عنده بل لعله من رواية نافع عن مؤذن عمر عن عمر.
وقد ذكره أبو عمر ورده بالانقطاع المذكور ثم قال: ولكن الدراوردي وحماد بن زيد قد رويا هذا الخبر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله. انتهى.
أما حديث ابن أبي رواد فإن أبا داود ذكره عن نافع عن مؤذن لعمر يقال له مسروح ثم قال: وقد رواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره.
قال أبو داود: وهذا أصح من ذلك.
وقد رواه الدارقطني من حديث عامر بن مدرك عن ابن أبي رواد عن نافع عن
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
ابن عمر أن بلالًا أذن قبل الفجر فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن ينادي إن العبد نام فوجد بلال وجدًا شديدًا. وقال: وهم فيه عامر بن مدرك والصواب عن شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن مؤذن عمر رضي الله عنه من قوله.
فيه مسائل:
الأولى: جوار الأذان بالليل لصلاة الصبح قبل دخول الوقت إذ لا أذان عند الجميع للنوافل بليل ولا غيره.
وقد اختلف العلماء في جواز الأذان لصلاة الصبح قبل دخول وقتها، فقال أكثرهم بجواز ذلك وممن أجازه مالك وأصحابه والأوزاعي والشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري وهو قول أبي يوسف القاضي.
وحجّتهم قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالًا ينادي بليل" وما سبق مما في معناه.
وفي قوله هذا إخبار منه أن شأن بلال أن يؤذن للصبح بليل يقول فإذا جاء شهر رمضان فلا يمنعكم أذانه من سحوركم فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم فإن من شأنه أن يقارب الصبح بأذانه.
وقال أبو حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن: لا يجوز الأذان لصلاة الفجر قبل دخول وقتها ومن أذن لها قبل الفجر لزمه إعادة الأذان وحجتهم ما رواه وكيع عن جعفر بن برقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا"، ومد يده عرضًا: رواه أبو داود، وقال: شداد مولى عياض لم يدرك بلالًا.
وقال غيره: وهو أيضًا مجهول.
وروى من حديث الحسن بن عمارة عن طلحة بن مصرف عن سويد بن غفلة
عن بلال كذا هو عند البيهقي.
والحسن بن عمارة متروك.
وروى البيهقي من طريق الحميدي عن سفيان نا سليمان التيمي عن أبي عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "لا تؤذن والفجر هكذا" وجمع سفيان أصابعه الثلاثة التي يأكل بها: "لا تؤذن حتى يقول الفجر هكذا" وصف سفيان بين السبابتين ثم فرق بينهما وهذا مرسل، أخرجه ورجال إسناده ثقات.
قال البيهقي: وروينا عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي مسعود رضي الله عنه ما دل على أذان بلال بليل وأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تأذينه بليل وذلك أولى بالقبول لكونه موصولًا وهذا مرسل.
واحتجوا أيضًا بما تقدم من حديث حماد بن سلمة عن أيوب وحديث الدراوردي عن مؤذن عمر وقد سبق تعليلهما، وبحديث حجاج عن عطاء عن أبي محذورة أنه أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر لا يؤذن حتى يطلع الفجر.
ضعفه الأثرم وكأنه يريد تضعيفه بحجاج، وأيضًا فلا يمنع أذان أبي محذورة بعد طلوع الفجر أذان بلال أو غيره قبيل ذلك.
وليس في التضعيف بحجاج بن أرطاة كبير أمر.
ونحا بعضهم في الاحتجاج نحو آخر فزعم أن أذان بلال قبل الفجر كان خطأ وذكر في ذلك حديث أنس الذي ذكرناه من طريق الطحاوي وفيه: "لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئًا".
وما روى البيهقي من جهة محمد بن بكر قال نا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك أبي محذورة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ما حملك على ذلك"؟ قال: استيقظت وأنا وسنان فظننت أن الفجر طلع فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي بالمدينة ثلاثًا إن العبد قد نام ثم أقعده إلى جنبه
حتى طلع الفجر.
وما ذكره أبو القاسم البغوي في معجمه من طريق حفص بن غياث عن أشعث عن أبي هبيرة عن جده شيبان قال: تسحرت ثم أتيت المسجد فاستندت إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتسحر فقال:"أبو يحيى"؟ فقلت: أبو يحيى، قال:"هلم إلى الغداء"، قلت: أنا أريد الصيام قال: "وأنا أريد الصيام ولكن مؤذننا هذا في بصره سوء أو شيء وإنه أذن قبل طلوع الفجر".
أخرجه عن داود بن رشيد عن حفص.
أشعث هذا هو ابن سوّار.
كذا رواه الطبراني من حديثه ونسبه، وهو الكوفي القاضي، كان ابن مهدي يخط على حديثه.
وضعفه أحمد ويحيى والنسائي والدارقطني.
وقال ابن حبان: هو فاحش الخطأ كثير الوهم.
وروى عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن إسماعيل بن مسلم قلت للحسن البصري: يا أبا سعيد الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس فغضب وقال: علوج فُرّاغ، لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجع جنوبهم، من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيه.
وعن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يؤذن قبل الفجر.
وعنه قال: سمع علقمة بن قيس مؤذنًا بليل فقال: لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نام على فراشه لكان خيرًا له.
وروي من طريق زبيد اليامي عن إبراهيم النخعي قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل
قالوا له: اتق الله وأعد أذانك.
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن الأسود بن يزيد قال: قلت لعائشة أم المؤمنين: متى توترين؟ قالت: بين الأذان والإقامة وما كانوا يؤذنون حتى يصبحوا.
وروى يحيى القطان نا عبيد الله نا نافع قال: ما كانوا يؤذنون حتى يطلع الفجر.
وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -أولى أن يرجع إليه من جميع ما ذكرناه من الآثار والأحاديث المعلولة.
قالت طائفة: يجوز أن يؤذن قبل الفجر إن كان يؤذن بعده حكاه ابن المنذر.
قال الفقهاء من أصحاب الشافعي: والسنة أن يؤذن للصبح مرتان إحداهما قبل الفجر والأخرى عقيب طلوعه للحديث في ذلك، قالوا: وجاز أن يكون بعض الكلمات قبل الفجر وبعضها بعده، فإن اقتصر على أذان واحد فالأفضل أن يكون بعد الفجر على ما هو المعهود في سائر الصلوات، قال ابن عبد البر: والذي أحبه أن يكون مؤذن آخر بعد الفجر، وهذا محمول عندهم على الأفضلية لا على الوجوب كما حكيناه عمن ذكره عنه ابن المنذر، وأما غيرها من الصلوات فلا يصح الأذان لها قبل وقتها بإجماع نقله ابن جرير وغيره.
الثانية: القائلون بجواز الأذان للصبح قبل وقتها من أصحابنا اختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه من الليل على خمسة أوجه:
فقول أكثرهم، وبه قطع معظم العراقيين: يدخل وقت أذانها من نصف الليل.
الثاني: قبيل طلوع الفجر في السحر وبه قطع البغوي، وصححه القاضي حسين والمتولي وهذا يعضده ما ثبت في الباب من حديث عائشة وقولها: لم يكن
بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا.
الثالث: يؤذن في الشتاء لسبع يبقى من الليل وفي الصيف لنصف سبع نقله إمام الحرمين وآخرون من الخراسانيين ورجحه الرافعي وذكروا فيه حديثًا ضعيفًا لا تقوم به حجة عن سعد القرظ قال: أذنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بقباء وفي زمن عمر بالمدينة فكان أذاننا للصبح في الشتاء لسبع ونصف يبقى من الليل وفي الصيف لسبع يبقى منه، رواه الشافعي في القديم وهو مع ضعفه مخالف لقول صاحب هذا الوجه.
الرابع: أنه يؤذن بعد وقت العشاء المختار وهو ثلث الليل في قول ونصفه في قول، حكاه القاضي حسين وصاحبا "الإبانة" و"التتمة" وغيرهم.
الخامس: جميع الليل وقت لأذان الصبح حكاه إمام الحرمين وصاحبا "العدة" و"البيان" وهو في غاية الضعف، بل غلط، قال إمام الحرمين: لولا علو قدر الحاكي له وهو الشيخ أبو علي وأنه لا ينقل إلا ما صح وتنقح عنده لما استجزت نقل هذا الوجه وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء إلى المغرب والسرف في كل شيء مطرح.
الثالثة: فيه دليل على اتخاذ مؤذنين في مسجد واحد وقد استحب ذلك أصحاب الشافعي وأما الاقتصار على مؤذن واحد فغير مكروه. وفرق بين أن يكون الفعل مستحبًا وأن يكون تركه مكروهًا وأما الزيادة على مؤذنين فليس في الحديث تعرض له ونقل عن بعض أصحاب الشافعي أنه يكره الزيادة على أربعة. قالوا: قد اتخذ عثمان رضي الله عنه أربعة من المؤذنين ولم تنقل الزيادة عن أحد من الخلفاء الرشدين على أكثر من هذا العدد.
وجوزه بعضهم من غير كراهة، قالوا: إذا جازت الزيادة لعثمان على ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للضرورة جازت الزيادة لغيره عليه وهو ظاهر.
قال أبو عمر: وإذا جاز اتخاذ مؤذنين جاز أكثر من هذا العدد إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له (1).
الرابعة: إذا قلنا بجواز اتخاذ مؤذنين فصاعدًا إلى أربعة أو أكثر من ذلك عند من يقول به من غير كراهة فالمستحب أن يتعاقبوا واحدًا بعد واحد كما اقتضاه الحديث إن اتسع الوقت لذلك كصلاة الفجر.
وأما في المغرب فلم ينقل فيها مؤذنان، فإن تنازعوا في البداية أقرع بينهم لقوله عليه السلام:"لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاسْتهموا" الحديث [وقد أقرع سعد بن أبي وقاص بين المتشاحنين في الأذان إذ قتل المؤذن يوم القادسية].
وإن ضاق الوقت فإن كان المسجد كبيرًا أذنوا متفرقين في أقطار المسجد فإنه أبلغ في الإسماع وإن كان صغيرًا وقفوا معًا وأذنوا وهذا إذا لم يؤد اختلاف الأصوات إلى تشويش، فإن أدى لم يؤذن إلا واحد فإن أذنوا على الترتيب فالأول أولى بالإقامة.
وقد سبق تفرج مسألة الإقامة في باب من أذن فهو يقيم.
الخامسة: فيه دليل على جواز أذان الأعمى. قال أبو عمر: وذلك عند أهل العلم إذا كان معه مؤذن آخر يهديه للأوقات وقد نقل عن السلف خلاف في ذلك،
(1) حاشية للسندي.
…
بما أخرجه البخاري
…
مالك في "الموطأ": أن عمر رضي الله عنه كان إذا جلى على المنبر يوم الجمعة بين يديه أناس
…
دفعة واحدة، وذلك
…
عند البخاري (6830) صريحًا: (فلما) سكت المؤذنون قام يخطب، وذكر فيه قصة،
…
، كرواية الرجم
…
(الكلالة)، وفي "موطأ مالك" (233) قصة أخرى فيه أيضًا: فلما سكت المؤذنون.
فتنبه، محمد عابد.
ذكر ابن أبي شيبة بسنده عن ابن مسعود: لا أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، قال: حسبته قال: ولا قراؤكم.
وعن ابن عباس أنه كره إقامة الأعمى.
وعن ابن الزبير أنه كان يكره أن يؤذن المؤذن وهو أعمى.
وعن منصور قال: كان مؤذن إبراهيم أعمى.
ولعل الكراهة في ذلك عند من قال بها إذا لم يجد المؤذن دليلًا على معرفة الوقت أو كان منفردًا بالأذان وأما إذا معه غيره فلا كراهة. وقال أصحابنا: يكره أن يكون الأعمى مؤذنًا وحده.
السادسة: وإذا كان كذلك ففيه جواز تقليد الأعمى للبصير في الوقت أو جواز اجتهاده فيه، فإن ابن أم مكتوم لا بد له من طريق يرجع إليه في طلوع الفجر، وذلك إما سماع من بصير أو اجتهاد وقد جاء في الحديث:"وكان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت" فهذا يدل على رجوعه إلى البصير ولو لم يرد ذلك لم يكن في هذا اللفظ دليل على جواز رجوعه إلى الاجتهاد بعينه، لأن الدال على أحد الأمرين مبهمًا لا يدل على واحد منهما معينًا.
السابعة: قال أبو عمر: وفيه دليل على جواز شهادة الأعمى على ما استثبته من الأصوات، ألا ترى أنه إذا قيل له: أصبحت قبل ذلك وشهد عليه، ولخصمه أن يقول هذا من باب الخبر ليس من باب الشهادة التي يتوجه القضاء بها على معين وإنما أخبره بالوقت من سكنت نفسه لأخباره فأخبر هو به مستندًا إلى ذلك.
الثامنة: فيه إطلاق الشيء على ما قاربه، قال ابن شهاب: وكان ابن أم مكتوم رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت قال أبو عمر: معناه المقاربة أي قاربت الصبح، والعرب تسمى الشيء باسم ما قرب منه ومنه قول الله عز
وجل {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} الآية. وهذا على القرب عند الجميع لا على البلوغ الحقيقي لأن الأجل لو انقضى وهو انقضاء العدة لم يجز لهم إمساكهن وهذا إجماع لا خلاف فيه فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر أصحابه أن يأكلوا ويشربوا حتى يؤذن من لا يؤذن إلا وقد أصبح.
التاسعة: وفيه استمرار وقت السحور إلى تبين الفجر الصادق.
وسيأتي في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى.
العاشرة: في قول ابن شهاب: وكان ابن أم مكتوم رجلًا أعمى، وكذلك في الصحيح من حديث ابن عمر: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى، جواز وصف الإنسان بعيب فيه للتعريف به أولمصلحة تترتب عليه لا لقصد التنقيص وهذا أحد وجوه الغيبة المباحة وهي ستة مواضع.
* * *