الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
71 - باب ما جاء في فضل التأمين
حدثنا أبو كريب ثنا زيد بن حباب حدثني مالك بن أنس أنا الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمّن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
* الكلام عليه:
رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه".
وفي رواية الإمام أحمد: "فإن الملائكة تقول: آمين وإن الإمام يقول آمين".
وروي فيه عن أبي هريرة من غير وجه.
وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم وكلاهما عند ابن ماجه.
أما حديث عائشة فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين".
ورواه أيضًا الإمام أحمد بمعناه.
وأما حديث ابن عباس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين فأكثروا من قول آمين" أخرجه من حديث طلحة بن عمرو وقد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم.
وقال الشافعي: أنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال: كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعده يقولون: آمين ومن خلفهم آمين حتى إن للمسجد للجة.
وذكره البخاري في صحيحه تعليقًا: قال عطاء. وزعم بعض المتأخرين من الفضلاء أن مثل هذا التعليق من البخاري يقتضي الصحة وليس بشيء.
وفيه مسائل:
الأولى: لفظة (آمين) فيها لغتان مشهورتان أفصحهما آمين بالمد وتخفيف الميم.
قال:
ويرحم الله عبدًا قال آمينا
وبها جاءت الروايات في هذه الأحاديث.
الثانية: (آمين) بالقصر وتخفيف الميم حكاها ثعلب قال:
آمين فزاد الله ما بيننا بعدًا
وهي دون التي قبلها. وحكى الواحدي.
ثالثة: آمين بالإمالة والمد مخففة الميم ذكرها عن حمزة والكسائي.
ورابعة: آمين بالمد وتشديد الميم، قال: وروي ذلك عن الحسن البصري والحسين بن الفضل وقد جاء عن جعفر الصادق أن تأويله قاصدين إليك وأنت أكرم من يجيب قاصدًا.
وحكى لغة بالتشديد أيضًا القاضي عياض وأنكرها ابن السكيت وغيره وزعموا أنها من لحن العوام.
وقال القاضي حسين في "تعليقه": لا يجوز تشديد الميم، قال: وهذا أول لحن سُمع من الحسين بن الفضل حين دخل خراسان.
وقال صاحب "التتمة": لا يجوز التشديد فإن شدد بطلت صلاته.
وقال الشيخان أبو محمد الجويني ونصر المقدسي: التشديد لا تعرفه العرب وإن كانت الصلاة لا تبطل به لقصده الدعاء.
قال أهل العربية: آمين موضوعة موضع اسم الاستجابة كما أن صه موضوعة للسكوت، قالوا: وحق آمين الوقف لأنها كالأصوات فإن حركها محرك ووصلها بشيء بعدها فتحها لالتقاء الساكنين وإنما لم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء كما فتحوا أين وكيف.
واختلف العلماء في معناها، فقال الجمهور من أهل اللغة والغريب والفقه: معناه اللهم استجب، وقيل: ليكن كذلك، وقيل: افعل وقيل: لا تخيّب رجاءنا، وقيل: لا يقدر على هذا غيرك.
وقال آخرون: هو طابع الله على عباده يدفع به عنهم الآيات، وقيل: هو كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله إلا الله.
وقيل: هو اسم لله تعالى وهو ضعيف.
الثانية: فيه دليل على وجود الملائكة ودعائهم للمصلين كما قال: {ويستغفرون لمن في الأرض} .
الثالثة: فيه الترغيب في التأمين لما وعد به قائله من تأمين الملائكة على تأمينه وهو قَمِنَ بالإجابة وكما يستحسن من المصلي المثابرة على مساوقة الملائكة في التأمين رجاء الإجابة، فكذلك يستقبح منه الإعراض عن التعرض لتأمينهم معه لما
فيه من مظنة الإجابة.
وروى أبو داود من حديث الفريابي عن صبيح بن محرز حدثني أبو مصبح المقرائي قال: كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة فإذا دعا الرجل منا بدعاء، قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة. وذكر في ذلك خبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
صبيح بضم الصاد وثقه ابن حبان، وأبو مصبح وثقه أبو زرعة.
الرابعة: قوله: (حتى إن للمسجد للجة) هو بفتح اللام وتشديد الجيم وهو اختلاط الأصوات.
الخامسة: التأمين سنة لكل مصل فرغ من قراءة الفاتحة سواء الإمام والمأموم والمنفرد: الرجل والمرأة والصبي والقائم والقاعد والمضطجع والمفترض والمتنفل في الصلاة، السرية والجهرية لا خلاف في شيء من هذا عند أصحابنا، ويستحب التأمين أيضًا لمن فرغ من قراءة الفاتحة وإن لم يكن في الصلاة، لكنه في الصلاة أشد استحبابًا وقد اختلف الناس في شيء من ذلك كما سيأتي.
السادسة: إن كانت الصلاة سرية أسر الإمام وغيره بالتأمين تبعًا للقراءة وإن كانت جهرية وجهر بالقراءة استحب للإمام الجهر بالتأمين.
السابعة: المنفرد قطع الجمهور بأنه يسن له الجهر بالتأمين كالإمام وقيل يسر به وهو شاذ ضعيف.
الثامنة: المأموم الأصح أنه يجهر به هذا إذا أمن الإمام، أما إذا لم يؤمن فيستحب للمأموم التأمين جهرًا بلا خلاف نص عليه في "الأم" واتفقوا عليه ليسمعه الإمام فيأتي به وسواء تركه الإمام عمدًا أو سهوًا.
التاسعة: يستحب أن يقع تأمين المأموم مع تأمين الإمام لقوله عليه السلام: "فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة" الحديث فينبغي أن يقع تأمين الإمام والمأموم والملائكة في حين واحد.
وأما قوله: "إذا أمن فأمنوا" فالمراد إذا أراد التأمين، يستفاد ذلك من الحديث الآخر:"إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين".
العاشرة: إذا لم يقل آمين لم يقضه إذا فاته ذلك بعد الفراغ من الفاتحة، قالوا: إذا اشتغل بغيره فات ولم يرجع إليه، وقال صاحب "الحاوي": فإن ترك التأمين ناسيًا فذكره قبل قراءة السورة أمّن، وإن ذكره في الركوع لم يؤمن وإن ذكره في القراءة فهل يؤمن؟ فيه وجهان مخرجان من القولين فيمن نسي تكبيرات العيد حتى شرع في القراءة.
الحادية عشرة: يستحب أن لا يصل لفظة (آمين) بقوله: ولا الضالين بل يفصل بسكتة لطيفة جدًّا ليعلم أن آمين ليست بقرآن.
ومن قال: يتبع التأمين القراءة فمحمول على أن مراده لا يفصل بين القراءة والتأمين بسكوت طويل.
الثانية عشرة: قال الشافعي: في "الأم": لو قال: آمين رب العالمين وغير ذلك من ذكر الله تعالى كان حسنًا ولا يقطع الصلاة شيء من ذكر الله تعالى.
الثالثة عشرة: في ذكر مذاهب السلف في شيء من هذه الفروع وقد ذكرنا استحباب التأمين للإمام والمأموم والمنفرد وأن الإمام والمنفرد يجهران به وكذا المأموم على الأصح.
وحكى القاضي أبو الطيب والعبدري الجهر به عن طاوس وأحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر وداود وهو مذهب ابن الزبير.
وقال أبو حنيفة والثوري يسرون بالتأمين، وكذا قال مالك في المأموم وعنه في الإمام روايتان:
إحداها: يسر به.
والثانية: لا يأتي به، وكذا المنفرد عنده.
واحتج الحنفيون برواية شعبة: خفض بها صوته وقد تقدم تعليلها.
وقال المالكيون: سنة الدعاء تأمين السامع دون الداعي وآخر الفاتحة دعاء فلا يؤمن الإمام لأنه داع فقاسوا الدعاء الخاص المأمور بالتأمين فيه من الداعي والسامع على الدعاء العام الذي ليس كذلك والشرع قد فرق بينهما.
* * *