الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
75 - باب منه آخر
نا عبد الله بن منير المروزي قال: سمعت علي بن الحسن قال: أنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر وهو يهوي.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم قالوا: يكبر الرجل وهو يهوي للركوع والسجود.
* الكلام عليه:
حديث ابن مسعود رواه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى ومعاذ عن زهير عن أبي إسحاق بإسناده نحوه.
وعن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم ويحيى بن آدم عن زهير بإسناده نحوه.
وعن قتيبة عن أبي الأحوص نحوه وعن ابن مثنى عن معاذ عن زهير نحوه.
وحديث أبي هريرة احتج البخاري برواته وقال عن ابن منير: لم أر مثله، ووثقه النسائي.
وروى الجماعة عن علي بن الحسن بن شقيق إلا أبا داود.
وقد روينا من طريقي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدًا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد
الجلوس وهذا لفظ البخاري غير أنه قال مرة: من المثنى بعد الجلوس، وفيه عن أبي هريرة غير ما ذكرنا.
وحديث أنس روينا من طريق النسائي أنا قتيبة نا أبو عوانة عن عبد الرحمن الأصم قال: سئل أنس بن مالك عن التكبير في الصلاة فقال: يكبر إذا ركع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا قام من الركعتين فقال حُطيم: عمن تحفظ هذا؟ قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
حُطَيم بضم الحاء والطاء المهملتين شيخ يجالس أنسًا وهو غير منسوب.
وحديث ابن عمر روى الإمام أحمد والنسائي من طريق واسع ابن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الله أكبر كلما وضع وكلما رفع ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله على يمينه، السلام عليكم ورحمة الله على يساره.
وحديث أبي مالك الأشعري قيل: اسمه كعب بن عاصم، وقيل الحارث وقيل عبيد بن عمرو روى أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن كثير ثنا سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه جمع قومه فقال: اجتمعوا حتى أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا فصلى بهم صلاة الظهر فكبر بهم اثنتين وعشرين تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه وقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب أو قال: أم القرآن وأسمع من يليه.
وحديث أبي موسى روى ابن ماجه من حديث أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي موسى قال: صلى بنا علي يوم الجمل صلاة أذكرنا بها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود.
قال أبو موسى: فإما نسيناها وإمّا تركناها عمدًا رواه عن عبد الله بن عامر بن
زرارة عن أبي بكر بن عياش عنه.
وذكره أبو عمر من طريق أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن أبي موسى ولفظه: فكان يكبر كلما رفع وكلما وضع وكلما سجد، رواه عن عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا أبو نعيم ثنا إسرائيل عنه.
وفأما حديث عمران بن حصين فروى البخاري ومسلم من حديث مطرف قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما انصرفنا من الصلاة أخذ عمران بيدي ثم قال: لقد صلى بنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو قال: قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث وائل بن حجر فروى أبو داود من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه ثم أخذ شماله بيمينه فلما أراد أن يركع رفعهما كذلك ثم وضع يديه على ركبتيه فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك
…
الحديث.
ورواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث ابن عباس فروى البخاري عن عكرمة قال: صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عباس: إنه أحمق، فقال: ثكلتك أمك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.
وروي عنه أيضًا قال: رأيت رجلًا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع، فأخبرت ابن عباس قال: أوليس تلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا أم لك.
وفيه أيضًا مما لم يذكره عن فليح عن سعيد بن الحارث قال: اشتكى أبو هريرة
أو غاب، فصلى أبو سعيد الخدري فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع وبعد أن قال: سمع الله لمن حمده وحين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين حتى قضى صلاته على ذلك، فلما انصرف قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فخرج حتى قام عند المنبر فقال: أيها الناس إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أولم تختلف إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي. رواه الإمام أحمد نحوه.
وهكذا رواه البيهقي وقال: رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن صالح عن فليح .. قال أبو الفتح: وليس في لفظ البخاري وحين افتتح وحين رفع وبعد أن قال: سمع الله لمن حمده، وهذه زيادة حسنة ذكرها البيهقي بسند حسن.
ولا تسامح البيهقي من نسبتها لتخريج البخاري فيها تسامح به أصحاب الأطراف والمتكلمون على مخارج الحديث وطرقه، لأن مقصوده الاستدلال بالألفاظ واستنباط الأحكام منها، فكان سبيله أن يقول: وأصل الحديث عند البخاري أو ما في معناه والله أعلم.
وقد تقدم الكلام في حديث سعيد بن سمعان عن أبي هريرة: كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، على حكم تكبيرة الإحرام وكثير من مسائل هذا الباب، وأُخّر الكلام على ما عدا تكبيرة الإحرام من التكبير إلى هذا الموضع، وفي (1) أحاديث الباب أن حكم الصلاة أن يكبر في كل خفض ورفع منهما وأن ذلك سنتها وهو قول مجمل لأن رفع الرأس من الركوع ليس فيه تكبير، إنما هو التحميد بإجماع، فمعناه أنه يكبر كلما خفض ورفع إلا في رفع رأسه من الركوع، لأنه لا خلاف في ذلك.
وفي أحاديث أبي هريرة ما يشعرنا بأن الناس كلهم لم يكونوا يفعلون ذلك
(1) في نسخة السندي. فمن.
لقوله: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقوله: في حديث سعيد بن سمعان عنه: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس وذكر: وكان يكبر كلما رفع وخفض.
وفي قوله في حديث أبي هريرة: كان يكبر وهو يهوي، أن التكبير في زمن الهوي وسيأتي الكلام على ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.
وفي حديث أنس قول حُطَيم: عمن تحفظ هذا؟ وفي حديث أبي موسى: أن عليًّا صلى بهم صلاة أذكرهم بها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك في حديث عمران بن حصين علي بن أبي طالب، وكذلك في حديث عكرمة وقوله لابن عباس: إنه أحمق حيث كبر بهم ثنتين وعشرين تكبيرة حتى قال له ابن عباس: تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلفت الأحاديث والآثار في ذلك وبحسب اختلافها اختلف فيه العلماء كما سنذكره.
فروينا من طريق الإمام أحمد وأبي داود اللفظ له أنا محمد بن بشار وابن المثنى قالا: ثنا أبو داود نا شعبة عن الحسن بن عمران قال ابن بشار: الشامي، قال أبو داود: أبو عبد الله العسقلاني عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير. وفي لفظ للإمام أحمد: يعني إذا خفض ورفع.
ورواه محمود بن غيلان عن أبي داود عن شعبة بسنده إلى ابن أبزى وفيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يكبر إذا خفض يعني بين السجدتين. ورواه بندار عن أبي داود عن شعبة عن الحسن بن عمران عن ابن أبزى عن أبيه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير وصليت مع عمر بن عبد العزيز فلم يتم التكبير.
وروى الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: ما يمنعك أن تتم التكبير وهذا عاملك عبد الحميد بن عبد الرحمن يتمه، قال: تلك الصلاة الأولى وأبي أن يقبل مني.
قال أبو عمر: وقد روي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقتادة أنهم كانوا لا يتمون التكبير.
ومن ذلك حديث أبي هريرة ورفاعة بن رافع جميعًا عن النبي عليه السلام أنه رأى رجلًا دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم فقال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل
…
" الحديث، وفيه: ما أحسن غير هذا فعلمني فقال: "إذا أردت الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن
…
" الحديث، ولم يأمره ببقية التكبيرات.
وذكر ابن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: أول من نقص التكبير زياد.
وقال إسحاق بن منصور: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده. قال: وكان قتادة يكبر إذا صلى وحده.
قال أحمد: وأحب إليّ أن يكبر من صلى وحده في الفرائض، فأما التطوع فلا، قال إسحاق: قلت لأحمد: ما الذي نقصوا من التكبير؟ قال: إذا انحط إلى السجود من الركوع وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة.
قال إسحاق بن منصور: وقال إسحاق بن راهويه: نقصان التكبير هو إذا انحط إلى السجود فقط ذكره أبو عمر وقال: قد روي عن ابن عمر مسندًا ما يرد قول من قال عنه: إنه كان لا يتم التكبير لأنه محال أن يكون عنده في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ويخالفه ولو كان مباحًا ولا سيما ابن عمر، انتهى.
والذي ذهب إليه أصحابنا في تكبيرات الانتقالات كلها أنها سنة، قال ابن
المنذر: وبهذا قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وجابر وقيس بن عباد والشعبي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وسعيد بن عبد العزيز وابن جابر وعامة أهل العلم.
وقال آخرون: لا تشرع إلا تكبيرة الإحرام فقط يحكى ذلك عن عمر بن الخطاب وقتادة وعن سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري قالوا: ولا يكبر المصلي غيرها، ونقله ابن المنذر أيضًا عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر ونقله ابن بطال عن جماعة أيضًا منهم معاوية بن أبي سفيان وابن سيرين.
وقال أحمد في رواية عنه: جميع التكبيرات واجبة.
وقال البغوي في "شرح السنة": اتفقت الأمة على هذه التكبيرات يريد أنها سنة.
فإما أن يكون هذا الخلاف ما بلغه، وإما أن يريد الإجماع بعد عصر التابعين كما هو المختار عند كثير من الأصوليين أن الإجماع بعد الخلاف رافع للخلاف ذكر معناه الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله بعد أن حكى خلاف أحمد وقوله بالوجوب.
وقد ذكرنا خلاف إسحاق بن راهويه فيما عدا الانحطاط إلى السجود قال أبو عمر (1): قال قوم من أهل العلم: إن التكبير إنما هو إذن بحركات الإمام وشعار الصلاة وليس بسنة، إلا في الجماعة، وأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر، وقال أحمد: وأحب إليّ أن يكبر إذا صلى وحده في الفرض، وأما في التطوع فلا، وروي عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده، وعن قتادة أنه كان يكبر إذا صلى وحده فما ذكره البغوي من الإجماع ليس بشيء وكذلك الجواب عنه.
فأما ما ذهبنا إليه فحجتنا فيه أحاديث الباب وأما من قال: لا يشرع إلا في
(1) انظر "التمهيد"(7/ 81) و"الاستذكار"(1/ 416).
تكبيرة الإحرام كما ذكرناه عن سعيد بن جبير وغيره فيحتجون بحديث ابن أبزى في إسناده الحسن بن عمران قال أبو زرعة: شيخ ووثقه ابن حبان.
عن ابن أبزى قيل: عبد الله وقيل: سعيد قال أبو داود الطيالسي: هذا أصح، وسعيد بن عبد الرحمن ابن أبزى وثقه النسائي وروى له الجماعة، وعبد الله وثقه ابن حبان وكلاهما معروف.
وقد روي من طريق سعيد، يسمى هكذا، من حديث شعبة عنه من غير وجه.
وأما القول عن أحمد بوجوبها فيرد عليه أن النبي عليه السلام لما علم الرجل المسيء صلاته الصلاة لم يأمره بغير تكبيرة الإحرام، وهو قد علمه الفرائض، فلو كانت تكبيرات الانتقال فرضًا لدخلت فيما نص عليه مما علمه إياه، لكنها لم تدخل فليست فرضًا، ويجاب عن حديث ابن أبزى بوجوه منها: أن من أثبت حجة على من نفى ولا ينعكس.
الثاني: أن رواة التكبير أكثر وهو أشهر وقد قلنا إنه سنة فلعل هذا كان مرة لبيان الجواز.
الثالث: أن فيما ذكرناه في طرق حديثه من جهة محمود بن غيلان أنه كان لا يكبر إذا خفض بين السجدتين وهذا مفسر لمجمل (لا يتم) في الرواية الأخرى وهو قريب مما ذكرناه عن إسحاق بن راهويه وليس ذلك في سائر التكبيرات كما ذهب إليه من تمسك به فيما عدا تكبيرة الإحرام، ويتعلق به بعد ذلك مسائل:
الأولى: الجهرية أو خفض الصوت به قال أصحابنا: وليس للإمام الجهر بتكبيرات الصلاة كلها ويقول: سمع الله لمن حمده ليعلم المأمومون انتقاله فإن كان ضعيف الصوت استحب أن يجهر به المؤذن أو غيره من المأمومين جهرًا يسمع به
الناس، قد روى البخاري من حديث سعيد بن الحارث قال: صلى لنا أبو سعيد فجهرنا بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه البيهقي بإسناد جيد وقال: فجهر بالتكبير حين افتتح وحين ركع وبعد أن قال: سمع الله لمن حمده وحين رفع رأسه من السجود، وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين حتى قضى صلاته على ذلك وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي.
وعند مسلم من حديث جابر في صلاته عليه السلام وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره وكذلك في حديث عائشة في صلاته عليه السلام في مرضه وأبو بكر يسمعهم التكبير. رواه البخاري ومسلم بمعناه.
وأما خفض الصوت به، فروى أشهب عن مالك أنه سمعه يحدث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يكبر كلما خفض ورفع ويخفض بذلك صوته. انفرد به أشهب بهذا الإسناد موقوفًا وذكره الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري عن يونس عن ابن شهاب.
هكذا كله حكم الإمام، وأما المأموم والمنفرد فسنتهما الإسرار به وأدناه أن يسمع نفسه وإن لم يكن صحيح السمع فبحسب ذلك لا يجزئه غيره.
الثانية: اختلف الفقهاء في التكبير فيما عدا الإحرام هل يكون مع العمل أو بعده.
فذهب الشافعي والثوري وأبو حنيفة وجمهور العلماء إلى أن التكبير في القيام من اثنتين وغيرهما سواء يكبر في حال الخفض والرفع والقيام والقعود على ظاهر حديث ابن مسعود: يكبر كلما خفض ورفع.
وذهب مالك وأصحابه إلى أن التكبير يكون في حال الرفع والخفض حين
ينحط إلى الركوع وإلى السجود وحين يرفع منها إلا في القيام من اثنتين من الجلسة الأولى، فإن الإمام وغيره لا يكبر حتى يستتم قائمًا فإذا اعتدل قائمًا كبَّر ولا يكبر إلا واقفًا كما لا يكبر في الإحرام إلا واقفًا ما لم يكن ضرورة، وروي نحو ذلك عن عمر بن عبد العزيز. وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي عن تكبيرة السجدة التي بعد سمع الله لمن حمده فقال: كان مكحول يكبرها وهو قائم ثم يهوي إلى السجود.
وكان القاسم بن مخيمرة يكبرها وهو يهوي إلى السجود فقيل للقاسم: إن مكحولًا لا يكبرها (1) وهو قائم قال: وما يدري مكحولًا ما هذا.
الثالثة: مدّ التكبير: اختلف أصحابنا في تكبيرات الانتقالات قالوا: ويسن أن يكبر للركوع ولا يصل تكبيرة الركوع بالقراءة، بل يفصل بينهما بسكتة لطيفة، قالوا: ويبتديء التكبير قائمًا ويرفع يديه مع ابتداء التكبير فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى ويمد التكبير إلى أن يصل حد الراكعين نص عليه في "الأم"، وقطع به العراقيون وحكى جماعة من الخراسانيين قولين: أحدهما: هذا قالوا: وهو الجديد، والثاني، وهو القديم: لا يديم التكبير بل يسرع به. والقولان جاريان في جميع تكبيرات الانتقالات هل يحذف أم يمد حتى يصل إلى الذكر الذي بعدها؟
والصحيح المد ليشغل المصلي زمنه بالذكر.
الرابعة: قد مضى القول في الترجمة عن تكبيرة الإحرام بغير اللغة العربية وأنه لا يجوز للقادر خلافًا لأبي حنيفة، والذي نذكره هنا تكبيرات الانتقالات، أما ما عدا الألفاظ الواجبة من تكبيرة الإحرام والتشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة على الآل إذا أوجبناها فقسمان دعاء وغيره، أما الدعاء المأثور ففيه ثلاثة
(1) كذا وصوابها: لا يكبر إلا.
وهذا ما ظهر لي من الأصل، والسياق يدل عليه.
أوجه أصحها: يجوز الترجمة عنه للعاجز دون القادر، والثاني: يجوز لهما، والثالث: لا يجوز لواحد منهما لعدم الضرورة إليه.
وأما غير الدعاء كالتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والقنوت والتسبيح في الركوع والسجود وتكبيرات الانتقالات، فإن جوزنا الدعاء بالعجمية فهاهنا أولى وإلا ففي جواز ذلك للعاجز ثلاثة أوجه أصحها يجوز والثاني لا والثالث يترجم لما يجبر بالسجود دون غيره.
وقال أبو الحسن الماوردي: في "حاويه" إذا لم يحسن الأذكار بالعربية أتى بها بالعجمية وإن كان يحسنها أتى بها بالعربية فإن خالف وقالها بالفارسية أساء في غير الواجب، وأجزأه ولم يجزئه في الواجب منها.
الخامسة: واختلف في اللغات المترجم بها عن العربية فقيل كلها سواء وقيل الترجمة بالسريانية والعبرانية أولى من غيرهما، لأن بعض الكتب الإلهية نزلت بهما دون غيرهما.
السادسة: من ترك شيئًا من هذه التكبيرات المشروعة للانتقالات هل يسجد للسهو أم لا.
أما مذهبنا فلا، وللصلاة عند أصحابنا أركان وأبعاض وسنن، فأما الأركان فلا تنجبر بالسهو، وأما الأبعاض فيجبرها بالسجود من سها عن شيء منها، وأما من تعمد تركها ففيه وجهان أحدهما لا وبه قال أبو حنيفة وأحمد: وأصحهما يجبر لأن الخلل مع السهو أكبر فيكون أحق بالجبر.
وأما السنن فلا تجبر بالسجود خلافًا لأبي حنيفة حيث رآه في بعضها ولمالك حيث قال: يسجد لترك كل مسنون ذكرًا كان أو عملًا، وذكر عن الشافعي قول في
القديم كذلك وهو مرجوع عنه.
وذكر أن الداركي ذكره وجهًا فيمن نسي التسبيح في الركوع والسجود.
وعن أحمد بن حنبل: أنه لا يسجد لترك تكبيرات العيد والسورة، وعنه في تبديل الجهر بالإسرار وعكسه روايتان أصحهما أنه لا يسجد.
وقال: في تكبيرات إلا نتقالات وتسبيح الركوع والسجود والتسميع والتحميد فيسجد لتركها.
وقال أبو عمر: فيمن ترك تكبيرات الانتقالات ساهيًا أنه يسجد للسهو عند غير الشافعي.
وقال ابن القاسم: فيمن نسي ثلاث تكبيرات فصاعدًا من صلاته وحده أنه يسجد قبل السلام فإن لم يفعل أعاد الصلاة، وإن نسي واحدة أو اثنتين سجد أيضًا قبل السلام فإن لم يفعل فلا شيء عليه.
وقد روي عنه أن التكبيرة ليس على من نسيها سجود سهو ولا شيء وخالفه أصبغ وابن عبد الحكم فقالا لا إعادة على من نسي التكبير كله إذا كان قد كبر لإحرامه وإنما عليه سجدتا السهو فإن لم يسجدهما ناسيًا فلا حرج عليه وعلى هذا فقهاء الأمصار وأئمة الفتوى.
قال أبو الفتح: اعترض ابن العربي على الترمذي في التبويب حيث قال: باب التكبير للركوع وحديث الباب تضمن التكبير للركوع وما بعده، وقال: قلت: باب التكبير لانفصال أفعال الصلاة بعضها من بعض ويجاب عنه بأن التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام وقد تقدمت عنده والثانية بعدها تكبيرة الركوع وهي المباينة لما قبلها في الفريضة والموافقة لما يليها في النفلية فبوب بذكرها إذ هي أول ما يأتي به من
التكبيرات ولاستوائهن حكمًا ولما حَسُن تسمية السورة وغيرها بأول كلمة منها كما تقول: قرأت سورة طه، ورويت حديث الأعمال بالنيات، وسمعت قصيدة قفا نبك، فكذلك هنا حسن التبويب بأول فعل ولو كان الترمذي بوب على ذلك بأن يقول باب التكبير في كل خفض ورفع لكان أجود من وجهين: الأول: السلامة من هذا الاعتراض، والثاني: الإتيان بلفظ الحديث الذي بوب عليه كما هو المعهود في ذلك.
* * *