الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
110 - باب ما جاء في وصف الصلاة
ثنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي أن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن جدّه رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يومًا قال رفاعة: ونحن معه يومًا إذ جاءه رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي: "وعليك فارجع فصلِّ فإنك لم تصلِ" فرجع فصلى ثم جاءه فسلم عليه فقال: "وعليك، ارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ"، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم على النبي ويقول النبي:"وعليك فارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ" فعاف الناس وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم يصلِّ فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ. فقال: "أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم فإن كان معك قرآنٌ فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعًا ثم اعتدل قائمًا ثم اسجد فاعتدل ساجدًا ثم اجلس فاطمئن جالسًا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئًا انتقصت من صلاتك".
قال: وكان هذا أهون عليهم من الأول أنه من انتقص من ذلك شيئًا انتقص من صلاته ولم تذهب كلها.
قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعمار بن ياسر.
قال أبو عيسى: حديث رفاعة حسن وقد روي عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه.
ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا عبيد الله بن عمر أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجلٌ فصلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فردّ عليه السلام فقال: "ارجع فصلِّ
فإنك لم تصلِّ" فرجع الرجل فصلى كما صلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ" حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني قال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا وافعل ذلك في صلاتك كلّها".
قال أبو عيسى: هذا حسن صحيح. وقد روى ابن نمير هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يذكر فيه: عن أبيه، ورواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله أصح، وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة وروى عن أبيه عن أبي هريرة.
وأبو سعيد القبري اسمه كيسان وسعيد القبري يُكنى أبا سعد.
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الحميد بن جعفر ثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي قال: سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة بن ربعي يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ما كنت أقدمنا له صحبة ولا أكثرنا له إتيانًا قال: بلى، قالوا: فاعرض فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه فإذا أراد أن يرفع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم قال: الله أكبر وركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع ووضع يديه على ركبتيه ثم قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلًا ثم أهوى إلى الأرض ساجدًا فقال: الله أكبر ثم جافى عضديه عن إبطيه وفتخ أصبع رجليه ثم ثنى رجله اليسرى
وقعد عليها ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه (1)[ثم نهض] ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حيث افتتح الصلاة ثم صنع كذلك حتى كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخّر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركًا ثم سلّم.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
قال: ومعنى قوله: ورفع يديه إذا قام من السجدتين يعني: قام من الركعتين.
حدثنا محمد بن بشار والحسن بن علي الخلال وسلمة بن شبيب وغير واحد قالوا: ثنا أبو عاصم ثنا عبد الحميد بن جعفر ثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبو قتادة بن ربعي فذكر نحو حديث يحيى بن سعيد بمعناه وزاد فيه أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر هذا الحرف قالوا: صدقت هكذا صلّى النبي صلى الله عليه وسلم.
* الكلام عليه:
حديث رفاعة بن رافع أخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلّاد عن عمه به.
وعن الحسن بن علي الحلواني عن هشام بن عبد الملك وحجاج بن المنهال عن همام عن إسحاق علي بن يحيى بن خلاد عن رفاعة بن رافع بهذه القصة.
وعن مؤمل بن هشام عن إسماعيل بن عليّة عن محمد بن إسحاق عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه رفاعة بهذه القصة.
وعن عباد بن موسى عن إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن
(1) هنا زيادة: معتدلًا، ثم هوى ساجدًا، ثم قال:"الله أكبر" ثم ثنى رجله وقعد، واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه.
خلاد بن رافع عن أبيه عن جدّه عن رفاعة بعض هذا الحديث ورواه النسائي وابن ماجه أيضًا.
وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وحديث أبي حميد أخرجه البخاري وأبو داود من غير وجه وفيه عند الترمذي وأبي داود رواية محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي قتادة.
والصحيح أنه لم يدرك أبا قتادة والصحيحُ أن أبا قتادة مات مع علي في حروبه، وممن رد الخبر بذلك: أبو جعفر الطحاوي، قال: ويزيد ذلك بيانًا أن عطاف بن خالد رواه عن محمد بن عمرو قال: حدثني رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلوسًا فذكرهُ.
عطاف وثقه أحمد ويحيى.
وأما عمار بن ياسر فروينا عنه من طريق النسائي قال ثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال ثنا حماد ثنا عطاء بن الساثب عن أبيه قال: صلّى بنا عمار بن ياسر صلاةً فأوجز فيها فقال له بعض القوم: لقد خففت أو أوجزت الصلاة قال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعواتٍ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث.
ثم قال: أنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد، قال: ثنا عمي قال: ثنا شريك عن أبي هاشم الواسطي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال: صلى عمار بن ياسر بالقوم صلاة أخفها فكأنهم أنكروها فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ قالوا: بلى قال: أما أني دعوت فيها بدعاءٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به
…
فذكرهُ.
لا أدري هل هذا حديث عمار الذي أشار إليه أو غيرة.
الوجه الثاني في شيءٍ من مفرداته:
قوله: (فعاف الناس) أي كرهوا، قال الجوهري: عاف الرجل الطعام والشراب
أي: كرهه فلم يشربه فهو عائف وقال (1):
إني وقتلي سُليكًا ثم أعقله
…
كالثور يُضرب لما عافت البقر
وذلك أن البقر إذا امتنعت من شروعها في الماء لا تضرت لأنها ذات لبن وإنما يضرب الثور لتفزع هي فتشرب.
(ما) وهي من ألفاظ العموم في قوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" ونحوه قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} وهي كذلك تصلح لأن يحتج بها من لا يشترط الفاتحة وسيأتي الكلام على ذلك.
وذكر أبو القاسم الراغب أنها تأتي على عشرة أضرب تكون في خمسة منها اسمًا، وفي خمسة حرفًا وليس هذا موضع الكلام في ذلك.
الثانية: الطمأنينة السكون قال الجوهري: اطمأن الرجل اطمئنانًا وطمأنينة أي: سكن وهو مطمئن إلى كذا وذلك مطمأن واطبأن [بالباء] مثله على الإبدال وتصغير مطمئن طميئن بحذف الميم من أوله وإحدى النونين من آخره وتصغير طمأنينة طميئنة بحذف إحدى النونين لأنها زائدة وطمأن ظهره وطأمن بمعنى، على القلب، وطأمنت به سكنت.
الثالثة: التصويب في قوله: (لم يصوب رأسه) الصوب نزول المطر كذا قال الجوهري: فأطلق وقيده الراغب فقال: وجعل الصوب لنزول المطر إذا كان بقدر ما ينفع قال: وإلى هذا القدر من المطر أشار بقوله تعالى: {نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} وقال الشاعر (2):
فسقى ديارك غير مفسدها
…
صوب الربيع وديمة تهمي
(1) عزاه ابن منظور لأنس بن مدرك الخثعمي. (ث ور)، (وج ع)، (ع ي ف).
(2)
عزي لطرفة بن العبد في "ديوانه".
وهو موجود عند المرقش الأصغر.
قال أبو الفتح: في هذا التقييد (1) نظر ولا دليل من الآية عليه لأنه لا ذكر فيها لصوب ولا صيب، وأما البيت فلو كان الصوب لا يطلق على المطر إلا إذا كان بقدر ما ينفع لاستغنى الشاعر بذلك عن قوله: غير مفسدها، وإنما مادته من النزول والصيب فيعل وهو السحاب ذو الصوب وصاب أي نزل قال الشاعر:
فلست لأنسى ولكني لملأك
…
تنزل من جو السماء يصوب
وصوب رأسه أي: خفضه قاله الجوهري.
الرابعة: قوله: (ولم يقنع) قال الجوهري: قال أبو يوسف: أقنع رأسه إذا رفعه قال ومنه قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} وكذلك قول رؤبة:
أشرف روقاه صليفًا مقنعًا
يعني عنق الثور، وأقنع يديه في الصلاة إذا رفعهما في القنوت مستقبلًا ببطونهما وجهه ليدعو، وأقنعني هذا الأمر أرضاني، قال الراغب: القناعة الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها يقال: قنع يقنع قناعة وقنعانًا إذا رضي وقنع يقنع قنوعًا إذا سأل، قال تعالى:{وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} وقال بعضهم: القانع هو السائل الذي لا يلح في السؤال ويرضى بما يأتيه عفوًا، قال الشاعر: وهو الشماخ بن ضرار العقيلي:
لمال المرء يصلحه فيغني
…
مفاقره أعف من القنوع
قال الجوهري: القُنوع يعني مسألة الناس ثم قال: وقال بعض أهل العلم: إن القُنُوع قد يكون بمعنى الرضى والقانع بمعنى الراضي وهو من الأضداد وأنشد:
وقالوا قد زُهيتَ فقلت كلا
…
ولكني أعزني القنوع
(1) راجع للمقارنة "فيض القدير"(5/ 134)، و"شرح الزرقاني على الموطأ"(2/ 428).
وقال لبيد:
فمنهم سعيد آخذ بنصيبه
…
ومنهم شقي بالمعيشة قانع
وفي المثل: خير الغنى القُنوع وشر الفقر الخضوع قال: ويجوز أن يكون السائل سمي قانعًا لأنه يرضى بما يُعطى قل أو أكثر ويقبله ولا يرده فيكون معنى الكلمتين راجعًا إلى الرضى، وقال بعضهم: أصل هذه الكلمة من القناع وهو ما يغطى به الرأس، فقنع لبس القناع ساترًا لفقره كقولهم: خفي إذا لبس الخفاء وقنع إذا رفع قناعه كاشفًا رأسه للسؤال نحو خفا إذا رفع الخِفاء.
الخامسة: الهصر وهو هنا العطف والإمالة قال الجوهري: وهصرت الغصن إذا أخذت برأسه فأملته إليك قال امرؤ القيس:
هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
الوجه الثالث في الفوائد والمباحث:
وفيه مسائل:
قال القاضي أبو بكر بن العربي: فيه أربعون مسألة:
جلوس القاضي في المسجد.
وجلوس أصحابه معه وإن لم تكن لهم حاجة.
نقصان السلام حين قال: عليك ولم يقل: عليك السلام.
دنوه ومده له ليكون أثبت إذا بيَّن أو لعله لأن يفطن من قبل نفسه لما انتقص مما روي من فعل غيره.
نفي الصلاة عمن لم يكملها.
الإذن في الدنو من العالم، سؤال التعلم.
العمل بالتسليم للعالم والانقياد له.
التصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ.
الاعتراف بالتقصير.
الإحالة بالوضوء على القرآن دون ما زادته السنة وفي هذا دليل على أنّه أراد أن يبين له المفروض من الوضوء والصلاة خاصة وقيل: كما أمرك الله في دينه من كتاب وسنة.
وجوب الإقامة وبه أقول، وقد روى المدنيون ذلك عن مالك وجهل علماؤنا الوجوب فيها فقالوا: إن من السنن ما تعاد منه الصلاة وذلك جهل.
وجوب الذكر لمن لا يحفظ القرآن وبه قال بعض علمائنا.
وجوب الطمأنينة في الأركان والرفع عند انفصال الركوع من السجود والسجود من السجود.
فيه فهم الصحابة أن النقصان من العبادة لا يوهنها وقد بينا أنه إن كان نقصان فرض أذهبها كان كان نقصان فضل بقيت دونه والحديث لم يصح.
في قوله: (والذي بعثك بالحق) دليل على القسم بالله وصفاته وأفعاله إذا أخبر بها دون مجرد الأفعال ومن الحق أن يكون فعلًا ممدحًا.
جواز دعوى الاختصاص بالعلم في مسألة واحدة دون الناس يقول أبي حميد: أنا أعلمكم.
اختياره في قوله: رفع اليدين بمحاذاة المنكبين.
التكبير في الرفع.
تمكين اليدين من الركبتين.
تفريج الأصابع فإنه أمكن للتمسك.
عطف الظهر عند الركوع معتدلًا حتى لو وضع كوز ماء على ظهر المصلي لم يمل.
وتعديل الرأس معه ولا يدبح تدبيح الحمار.
التكبير عند كل انتقال.
الاعتدال في كل فعل.
وضع الركبتين قبل اليدين في السجود وقد تقدم القول فيه وهذا صحيح من الحديث.
رفع الساعدين والمقعدتين من الأرض في السجود.
فتح أصابع الرجلين وكذلك يكون إذا مكنت من غير تكلف لذلك.
استقبال القبلة بباطنها وليهما لمن قدر ومن لم لم تكن منه لينة ردها مديدة.
تفريج الفخذين حتى لا يستقر عليهما البطن فإنه في الركوع ربما سقط، وفي السجود يكون معتمدًا على الفخذين خاصة ويسقط الاعتماد على سائر الأراب فتبطل الصلاة في السجود وتصح في الركوع.
السجود على الجبهة والأنف.
وضع الوجه بين الكفين.
الجلوس على الرجل اليسرى في السجود والجلسة الوسطى ولا يكون جفاء بالرجل ولكنه جلوس استيفاز فلم يتمكن فيه ولم ير ذلك مالك وإني لأراه مندوبًا مستحبًا وأنا أفعله في كل صلاة اقتداء بسيد البشر لصحة الخبر.
نهوضه على الركبتين.
تكبيره عند القيام من الجلسة الوسطى بعد الاستواء، رفع اليدين حينئذ.
قوله: (حتى إذا كانت الرابعة) رواه الترمذي والبخاري (أخر رجله اليسرى) ورواه أبو داود (قدم رجله اليسرى) وكلاهما معنى صحيح (أخر رجله اليسرى) عن هشام، (وقدمها إلى اليمنى فجمعهما وجلس على وركه) فصح اللفظان فيهما.
قوله: (ثم سلم) لم يذكر التحريم لأنه لم يذكر الأقوال إلا السلام وإنما اعتمد الأفعال.
فهذه أربعون مسألة، وهذه الفوائد التي ذكرها القاضي أبو بكر ليست كلها مستفادة من لفظ الحديث عند الترمذي بل من لفظه ولفظ البخاري وألفاظ وقعت عند أبي داود من غير طريق ولا يخلو بعضها من ضعف ولكنه ساق الخبر مساقًا طويلًا ولم يعزه إلى مكان فينظر فيه، وسنذكر في ذلك لفظ البخاري وأبي داود ليستفاد من ذلك ما عندهما من الزيادات، فأما لفظ البخاري فرويناه من طريقه: نا يحيى بن بكير نا الليث عن خالد بن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى وإذا جلس في الركعة الأخيرة جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته.
وأما أبو داود فروينا من طريقه ثنا أحمد بن حنبل ثنا أبو عاصم الضحاك بن
مخلد ح وثنا مسدد ثنا يحيى وهذا حديث أحمد قال: أنا عبد الحميد يعني ابن جعفر حدثني محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فلم، فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة قال: بلى قالوا: فاعرض قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم كبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلًا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل فلا يصب رأسه ولا يقنع ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلًا ثم يقول الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يسجد ثم يقول: الله أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة ثم يصنع ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركًا على شقه الأيسر قالوا: صدقت هكذا كان يصلي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو العامري قال: كنت في مجلس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذكروا صلاته صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد فذكر بعض هذا الحديث وقال: فإذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده وقال: فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى. ونصب اليمنى فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة.
حدثنا عيسى بن إبراهيم المصري ثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن يزيد بن محمد القرشي ويزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء نحو هذا قال: فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابعه القبلة.
حدثنا علي بن الحسين بن إبراهيم ثنا أبو بدر حدثني زهير أبو خيثمة ثنا الحسن بن الحر حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي المجلس أبو هريرة وأبو حميد الساعدي وأبو أسيد بهذا الخبر يزيد أو ينقص قال: فيه ثم رفع رأسه يعني: من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ورفع يديه ثم قال الله أكبر فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد ثم كبر فجلس فتورك ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد ثم كبر فقام ولم يتورك ثم ساق الحديث قال: ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض إلى القيام قام بتكبيرة ثم ركع الركعتين الأخريين ولم يذكر التورك في التشهد.
حدثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الملك بن عمرو أنا فليح حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله عن فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليها ووتر يديه فتجافى عن جنبيه قال: ثم سجد فأمكن جبهته وأنفه ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه حتى فرغ ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه.
وفي رواية عند أبي داود: وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه. هذه روايات ذكرناها لحديث أبي حميد تتضمن زيادة على ما عند الترمذي وهي المتضمنة من زيادات الأحكام ما ذكره ابن العربي ومع ذلك فوضع الساجد جبينه في سجوده بين كفيه لم أجده فيما ألفيته من الزيادات وقد تضمن الحديث بهذا الاعتبار أحكامًا أخرى هي عشرون حكمًا وهي: الأذان في قوله (تشهد ثم أقم) فالظاهر أن المراد بقوله: تشهد هنا الأذان.
الثاني: إعادة السلام المرة بعد المرة والقوم في مجلس واحد.
الثالث: قيام المنفرد بالأذان.
الرابع: فعل ذلك في مسجد أذن فيه وأقيم.
الخامس: استفتاح الصلاة بالتكبير.
السادس: وجوب القراءة في الصلاة على من يعرف شيئًا من القرآن.
السابع: تعين ما يأتي به من لا يحسن من البدل المذكور في الحديث وقد اختلفت فيه الآثار.
الثامن: تقديم تحية المسجد على تحية مَنْ به لأن سلامه على النبي عليه السلام كان بعد فراغه من صلاته والفرض في تحية المسجد قائم مقام الفعل لأن أمره عليه السلام المصلي بالإقامة قد تدل على فرضية صلاته.
التاسع: القول بأن الفاتحة ليست شرطًا لأن لفظة (ما) من ألفاظ العموم وقد أمره عليه السلام أن يقرأ ما تيسر من القرآن وهو في مقام التعليم وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
العاشرة: إعادة القراءة في كل ركعة وهو مما اختلف الناس فيه.
الحادي عشر: الركوع.
الثاني عشر: القيام منه.
الثالث عشر: قول سمع الله لمن حمده.
الرابع عشر: الجمع بين قوله سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد.
الخامس عشر: أن الطمأنينة في الرفع من الركوع قد لا تكون فرضًا وهو بحث ذكره إمام الحرمين قال: لأنه عليه السلام أمره في الأركان بالطمأنينة وقال في هذا (حتى تعتدل قائمًا) والاعتدال دون الطمأنينة وقد سبق الكلام فيه.
السادس عشر: السجود.
السابع عشر: الرفع منه للجلوس بين السجدتين فقد محمد القاضي أبو بكر الطمأنينة في الأركان من فوائد الحديث وأغفل عدد الأركان والأمر بها فيه وارد قبل الأمر بالطمأنينة فيها.
الثامن عشر: السجود على الركبتين وصدور القدمين.
التاسع عشر: تمكين الجبهة والأنف في السجود وقد يستفاد من تمكين الجبهة الرد على من أجاز السجود على كور العمامة.
الموفى عشرين: الجلوس للتشهد الأول.
الحادي والعشرون: الجلوس للتشهد الآخر.
الثاني والعشرون: التفرقة بين هيئة الجلستين بالافتراش في الأول والتورك في الثانية.
الثالث والعشرون: الإشارة بالمسبحة في التشهد وقد تقدمت هذه المسائل مبسوطة فلا حاجة إلى إعادتها هاهنا.