الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
48 - باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب
نا هناد نا وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد هممت أن آمر فتيتي أن يجمعوا حزم الحطب ثم آمر بالصلاة فتقام ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة".
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وابن عباس ومعاذ بن أنس وجابر.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديت حسن صحيح.
وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له.
وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد ولا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر.
قال مجاهد: وسئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد جمعة ولا جماعة، قال: هو في النار.
قال ثنا بذلك هناد نا المحاربي أنا هشيم عن ليث عن مجاهد.
ومعنى هذا الحديث أن لا يشهد الجماعة والجمعة رغبة عنها واستخفافًا بحقها وتهاونًا بها.
* الكلام عليه:
حديث الباب رواه البخاري ومسلم وفيه: "والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا أو مر ماتين حسنتين لشهد العشاء".
وعن عبد الله بن مسعود قال: من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفع بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف". وفي لفظ وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنهن الهدى وإن من سنهن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه، رواه مسلم.
وأما حديث أبي الدرداء فروينا عن أبي القاسم الطبراني في "المعجم الكبير" قال: نا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة نا أبي ح ونا ورد بن أحمد بن لبيد البيروتي ثنا صفوان بن صالح قالا نا الوليد بن مسلم عن هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن نسي عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من خمسة أبيات لا يجمعون الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان".
ورواه من وجه آخر عن السائب بن حبيش شيخ من أهل الشام عن معدان عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان".
[وأخرج حديث أبي الدرداء أبو داود والنسائي].
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر"، قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى".
رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجه وأبو حاتم بن حبان وهو عند الدارقطني.
وحديث معاذ بن أنس قرأت على ابن ساعد أخبركم ابن خليل أنا أبو جعفر الطرسوسي وابن أبي زيد قالا أنا محمود الصيرفي عن أبي الحسين بن فاذشاه -زاد الطرسوسي: وأنا أبو نهشل العنبري أنا ابن ريذة- قالا أنا الطبراني نا أبو يزيد القراطيسي نا أسد بن موسى قال نا ابن لهيعة عن زبّان بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي بالصلاة ويدعوا إلى الفلاح فلا يجيبه".
وزبّان بن فايد قال فيه أبو حاتم: صالح.
[وسهل بن معاذ] وثقه ابن حبان وتكلم فيهما غيرهما.
وابن لهيعة مشهور الحال.
وحديث جابر قال الدارقطني نا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي نا أبو السُكين الطائي زكريا بن يحيى وحدثنا محمد بن مخلد ثنا جنيد بن حكيم نا أبو السكين الطائي ثنا محمد بن سُكين الشَقَري المؤذن نا عبد الله بن بكير الغنوي عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: فقد النبي صلى الله عليه وسلم قومًا في الصلاة فقال: "ما خلَّفكم عن الصلاة؟ " قالوا: لحاء كان بيننا. فقال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد".
هذا لفظ ابن مخلد.
وقال أبو حامد: "لا صلاة لمن يسمع النداء ثم لم يأت إلا من عذر".
وذكر أيضًا من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد".
رواه عن يعقوب بن عبد الرحمن المذكر نا أبو يحيى العطار محمد بن سعيد بن غالب نا يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن داود اليمامي عنه.
أسانيده ضعيفة ولا يثبت مرفوعًا.
وفي الباب مما لم يذكره حديث ابن أم مكتوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجد فرأى في القوم رقة، فقال:"إني لأهم أن أجعل للناس إمامًا ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه". فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخلًا وشجرًا ولا أقدر على قائد كل ساعة أيسعني أن أصلي في بيتي؟ قال: "أتسمع الإقامة"؟ قال: نعم، قال:"فأتها". رواه الإمام أحمد، وهو عند أبي داود والنسائي وابن ماجه مختصر.
وفيه عن عائشة قال ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه وإنه ليهادي بين رجلين حتى دخل الصف، مخرج في الصحيح.
وروي عن ابن نمير عن أبي حسان عن أبيه عن الربيع بن خثيم أنه كان به مرض فكان يهادي بين رجلين إلى الصلاة فيقال له: يا أبا يزيد إنك إن شاء الله في عذر.
فيقول: أجل ولكني أسمع المؤذن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح فمن سمعها فليأتها ولو حبوا ولو زحفًا.
وعن سعيد بن المسيب قال: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد.
ذكر حفص بن سليمان عن معاوية بن قرة قال: كان حذيفة إذا فاتته الصلاة في مسجد قومه يعلق نعليه ويتبع المساجد حتى يصليها في جماعة.
وعن إبراهيم عن الأسود أنه كان إذا فاتته الصلاة في مسجد قومه ذهب إلى مسجد غيره.
فيه فوائد:
الأولى: اختلف العلماء في الصلاة التي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إحراق بيوت المتخلفين عنها ما هي؟
فقيل هي صلاة العشاء روى ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لينتهين رجال ممن حول المسجد لا يشهدون العشاء أو لأحرقن حول بيوتهم بحزم الحطب".
وذكر ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: كانت الصلاة التي أراد النبي عليه السلام أن يحرق على من تخلف عنها صلاة العشاء.
وقيل هي العشاء أو الفجر قال أبو بكر نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال: "هي العشاء أو الفجر".
هكذا رواه مرفوعًا على الشك.
وقال آخرون: بل هي صلاة الجمعة رواه ابن أبي شيبة نا الفضل بن دكين عن زهير عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي عليه السلام قال: "هي الجمعة" هكذا ذكره أيضًا مرفوعًا.
ثم روى عن عتاب نا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن نحوه.
وقال يحيى بن معين: هو في الجمعة لا في غيرها واحتج بحديث عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".
وقال آخرون: هي كل صلاة وذكروا في ذلك حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر بالصلاة" الحديث، وفيه: فسئل يزيد بن الأصم: أفي الجمعة هذا أم في غيرها؟
فقال: ما سمعت أبا هريرة ذكر جمعة ولا غيرها.
الثانية: إذا قلنا إنها الجمعة ففيه مشروعية فرضيتها على الأعيان كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
الثالثة: وإن كان المراد بها كل صلاة كما ذهب إليه بعضهم ويشهد له ظاهر حديث الباب، فقد احتج به من قال وجوب الجماعة فرضًا على الأعيان كما ذهب إليه عطاء بن أبي رباح وأحمد بن حنبل وأبو ثور وأهل الظاهر وجماعة.
واختلف القائلون بذلك، فقال بعضهم: هي شرط في صحة الصلاة روي عن داود وقيل عن أحمد وقال بعضهم هي فرض عين غير شرط قالوا: لأنها إن كانت فرض كفاية فقد تأدى بفعله عليه السلام وفعل من معه، وإن كانت سنة فلا يقتل تارك السنة.
ذكر أبو محمد الظاهري عن أبي هريرة أنه رأى إنسانًا خرج من المسجد بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن أبي حصين عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى الأشعري قال: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له.
وعن ابن مسعود مثله.
وعن ابن عمر أنه صلى ركعتين من المكتوبة في منزله فسمع الإقامة فخرج إليها.
قال أبو محمد: لو أجزأت ابن عمر صلاته في بيته لما قطعها.
وعن أبي هريرة: لأن تمتليء أذنا ابن آدم رصاصًا مذابًا خير له من أن يسمع المنادي فلا يجيبه.
وعن عائشة: من سمع النداء فلم يأته فلم يُرد خيرًا ولم يُرَد به.
وعن علي بن أبي طالب: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.
فقيل له: ومن جار المسجد؟ قال: من سمع الأذان.
وعن ابن عباس: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر، وقد تقدم عنه مرفوعًا.
وعن عطاء: لا رخصة له في ذلك.
وعن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرخص في ترك الصلاة في الجماعة إلا لمريض أو خائف.
فلما اختلفت ألفاظ المروي في هذا الباب كما سبق، ففي حديث أبي هريرة:(لا يشهدون الصلاة) وفي حديث ابن مسعود: (صلاة الجمعة) اقتضى رأي من لم يرى الجماعة فرض عين تقييد مطلق حديث أبي هريرة في الصلاة بحديث ابن مسعود في صلاة الجمعة، نظرًا إلى أن ذلك كله حديث واحد حمل فيه المطلق على المقيد.
فقال خصمه: بل هما حديثان أحدهما عند ابن مسعود في الجمعة، والآخر عند أبي هريرة في الصلوات مطلقًا.
ولما لم يقم على الأول دليل كان القول بالثاني أولى لأنه قد روي عن أبي هريرة أنها العشاء، وروي عنه أنها: العشاء أو الفجر، فلم يبق فيه إطلاق يقبل
التقييد بحديث ابن مسعود وتبين أنه غيره، وإذا ثبت ذلك في العشاء ثبت في غيرها إذ لا فارق بينها وبين غيرها في ذلك.
وقال آخرون: هي فرض كفاية منهم ابن سريج وأبو إسحاق المروزي وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي.
وذكر المحاملي وجماعة أن هذا ظاهر المذهب.
والوجه الثاني: أنها سنة وهو أظهر الوجهين عند أبي حامد الغزالي وصاحب "التهذيب"، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة.
وأجاب بعضهم عن حديث الباب أنه فيمن يتخلف عن الجمعة كما سبق أو في المنافقين لقوله عليه السلام: "لو يعلم أحدهم أنه يجد عظمًا سمينًا
…
" الحديث.
قال: ومعاذ الله أن تكون هذه صفات المؤمنين من الصحابة رضي الله عنه قال أبو عمر: معلوم أنه لا يتخلف عن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم من غير عذر إلا من كان منافقًا صحيح النفاق.
قالوا: ولأنه عليه السلام همّ ولم يفعل.
وقال القاضي عياض: ولأنه لم يخبرهم أن من تخلف عن الجماعة فصلاته غير مجزئة وهو موضع البيان (1).
ويرد على الأول أنه عليه السلام لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله.
وعلى الثاني: أن البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة، ولما قاله عليه
(1) فيه علامة من الشارح تدل على وجود حاشية ينبغي أن تلحق بالأصل المخطوط ولم أتمكن من قراءتها لرداءة الخط.
السلام: "لقد هممت
…
" إلى آخره، دل على وجوب الحضور عليهم لصلاة الجماعة.
هذا حكم الرجال وأما النساء فليست عليهن فرض عين ولا فرض كفاية.
وقال أصحابنا: ويستحب لهن، ولكن فيه وجهان ذكرهما القاضي الروياني:
أحدهما: أن استحبابها لهن كاستحبابها للرجال لعموم وأظهرهما الذي ذكره المعظم أنه لا يتأكد في حقهن تأكده في حق الرجال.
وقال أبو حنيفة ومالك: يكره لهن أن يصلين جماعة وبه قال أحمد في رواية والأصح عنده مثل مذهبنا وجماعتهن في البيوت أفضل، فإن أردن حضور المسجد في جماعة الرجال كره ذلك للشواب لخوف الفتنة ولم يكره للعجائز.
قال الحافظ أبو محمد: وقد صح في الأثر كون نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن لم يخرجن إلى المساجد.
وقد روى مسلم من حديث ابن عمر مرفوعًا: "إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها".
وعنده من حديثه: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله".
وعنده عنه أيضًا: "لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل".
وعنده عن زينب امرأة ابن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا".
وفي حديث لأبي هريرة عنه عليه السلام: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولا يخرجن إلا وهن تفلات".
الرابعة: وعلى القول بأن الجماعة سنة ففيه جواز المقاتلة على ترك السنن
الظاهرة، قال القاضي: اختلف في التمالؤ على ترك ظاهر السنن؛ هل يقاتل عليها تاركيها إلى أن يجيبوا إلى فعلها أم لا؟ والصحيح قتالهم لأن التمالؤ عليها إماتتها، بخلاف ما لا يجاهر به منها كالوتر، ونحوها.
وقد أطلق بعض شيوخنا القتال على المواطأة على ترك السنن من غير تفصيل والأول أبين.
الخامسة والسادسة: وإذا جوزنا المقاتلة على ترك السنن ففيه عند من يقول بأن الجماعة فرض كفاية أو فرض على الأعيان جواز المقاتلة على فروض الكفايات وفروض الأعيان من باب أولى.
السابعة: التحريق بالنار وقد ذكر بعضهم الإجماع على منع العقوبة بتحريق البيوت إلا في المتخلف عن الصلاة ومن غل في الغنائم، ففيه اختلف العلماء، قال الباجي: ويحتمل أن يكون تشبيه عقوبتهم بعقوبة أهل الكفر في تحريق بيوتهم وتخريب ديارهم.
الثامنة: فيه العقوبة بالمال أشار إليه المازري.
وقال القاضي عياض في قوله: (ثم يحرق بيوتًا على من فيها) إن العقوبة ليست قاصرة على المال.
التاسعة: فيه دليل على قتل تارك الصلاة تهاونًا وقد تقدم.
العاشرة: فيه جواز أخذ أهل الجرائم والجنايات على غرّة لقوله: (ثم أخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) ومعنى أخالف هنا أي: أتخلف عن الصلاة بعد إقامتها لعقوبتهم وجاء خالف بمعنى تخلف ومنه: خالف عنا علي والزبير أي تخلفا أو يكون أخالف بمعنى آتيهم من خلفهم وأخذهم على غرّة أو معناه أخالف فعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة فأتركها وأسير إليهم لأحرقهم أو أخالف
ظنهم في أَني في الصلاة بقصدي إليهم.
الحادية عشرة: استدل به البخاري على إخراج أهل المعاصي من بيوتهم وترجم بذلك عليه يريد أن من طلب منهم واختفى أخرج من بيته بما يقدر عليه كما أراد النبي عليه السلام إخراج هؤلاء بإلقاء النار عليهم في بيوتهم وذلك فيمن عرف واشتهر بذلك منهم.
الثانية عشرة: فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يجوز له أن يستخلف من يصلي بالناس، لأنه عليه السلام إنما همَّ بإتيانهم بعد إقامة الصلاة. لأن ذلك الوقت يتحقق تخلفهم عن الصلاة فيتوجه اللوم عليهم.
الثالثة عشرة: فيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر لأنه عليه السلام إنما همّ بالتوجه إليهم بعد إقامة الصلاة.
الرابعة عشرة: فيه إمامة المفضول بحضرة الفاضل إذا دعت إلى ذلك مصلحة عامة.
الخامسة عشرة: ذكر أبو عمر من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وفيه: "والذي نفسي بيده لقد هممت" الحديث وقال: فيه من الفقه معرفة يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يحلف على ما يريد بالله وفي ذلك رد لمن قال لا يحلف بالله صادقًا ولا كاذبًا وفي قوله عليه السلام: "من كان حالفًا فليحلف بالله" كفاية.
السادسة عشرة: فيه الإنذار والتهديد والوعيد قبل الفعل وهذا الوعيد منه عليه السلام كسائر ما جاء من الوعيد في الكتاب والسنة وليس من لم ينفذه مخلفًا ولكنه محسن ذو عفو محمود على ذلك، قال بعضهم يتمدح بمثل ذلك:
وإني وإن أوعدته لمخلف
…
إيعادي ومنجز موعدي
السابعة عشرة: قوله عليه السلام: "لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا".
العَرْق -مفتوح العين ساكن الراء المهملتين وبعدهما قاف-: العظم عليه اللحم، ويقال له العُراق أيضًا وفي بعض ألفاظ الحديث: عظمًا سمينًا أو مرماتين، والمِرماة بكسر الميم المشهور فيها وذكر بعضهم فتحها وقد اختلف فيهما فقال ابن حبيب: هما السهمان، وقال الأخفش: المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنصال محددة يرمونها في كوم من تراب فأيهم أثبتها في الكوم غلب وهي المرماة والمدحاة والجمع مَرامٍ ومداح.
وقال أبو عبيد: المرماة ما بين ظلفي الشاة، قال: وهذا حرف لا أدري ما هو ولا ما وجهه إلا أن هذا تفسيره انتهى.
وهو مثل ضربه عليه السلام أن أحد هؤلاء المتخلفين عن الجماعة لو علم أنه يدرك الشيء الحقير والنزر اليسير من متاع الدنيا أو لهوها لبادر إلى حضور الجماعة إيثارًا لذلك على ما أعده الله له من الثواب على شهود الجماعة وهي ضعة لا يليق بغير المنافقين والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *