الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
53 - باب ما جاء في إقامة الصفوف
نا قتيبة نا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا فخرج يومًا فرأى رجلًا خارجًا صدره عن القوم فقال: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".
قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة والبراء وجابر بن عبد الله وأنس وأبي هريرة وعائشة.
قال أبو عيسى: حديث النعمان بن بشير حديث حسن صحيح وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تمام الصلاة إقامة الصف".
وروي عن عمر أنه كان يوكل رجالًا بإقامة الصفوف فلا يكبر حتى يخبر أن الصفوف استوت.
وروي عن علي وعثمان أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان: استووا.
وكان علي يقول: تقدم يا فلان تأخر يا فلان.
* الكلام عليه:
حديث النعمان رواه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عنه، فالبخاري عن أبي الوليد ومسلم عن ابن أبي شيبة وابن مثنى، وابن بشار كلهم عن غندر كلاهما عن شعبة ورواه مسلم من طرق منها نا قتيبة نا أبو عوانة عن سماك. والبخاري لا يحتج بسماك.
وعند أبي داود قال: قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم ثلاثًا والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم"، قال:
فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه.
وفي لفظ لأبي داود أيضًا فيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة فإذا استوينا كبر.
وحديث جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها"، فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأوّل ويتراصون في الصف"، رواه مسلم.
وحديث البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، الحديث تقدم في الباب قبل هذا.
وحديث جابر بن عبد الله أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وجبار بن صخر قال: فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه. رواه مسلم أطول من هذا.
روى عبد الرزاق عن معمر عن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من تمام الصلاة لإقامة الصف".
وحديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه.
وعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصفوف كأنها الحذف" رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
الحذف صغار الغنم.
وعن أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه
فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري فكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه"، رواه البخاري.
وعن محمَّد بن السائب صاحب المقصورة قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك يومًا فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟ فقلت: لا والله. قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ثمَّ التفت فقال: "اعتدلوا سووا صفوفكم" ثم أخذه بيساره فقال: "اعتدلوا سووا صفوفكم"، رواه أبو داود.
وروى الدارقطني من حديث حميد عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة قال هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ثم يقول: "استووا وتعادلوا".
وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة"، رواه مسلم.
وحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف" رواه الإمام أحمد وابن ماجه وزاد: "ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة".
وفي الباب أيضًا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشياطين ومن وصل صفًّا وصله الله ومن قطع صفًّا قطعه الله"، رواه أحمد وأبو داود.
وأما الرواية عن عمر رضي الله عنه فذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني نافع مولى ابن عمر قال: كان عمر يبعث رجلًا يقوم الصفوف ثم لا يكبر حتى يأتيه فيخبره أن الصفوف قد اعتدلت.
وروي أيضًا عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كان عمر لا يكبر حتى تعدل الصفوف يوكل بذلك رجالًا.
وعن مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا جاءوه فأخبروه أنها قد استوت كبر.
وعن الثوري عن عاصم عن أبي عثمان قال: رأيت عمر إذا تقدم إلى الصلاة ينظر إلى المناكب والأقدام.
وروى عبد الرزاق عن مالك عن أبي النضر عن مالك بن أبي عامر عن عثمان بن عفان أنه كان يقول في خطبته قل ما يدع أن يخطب به: إذا قام الإمام فاستمعوا وأنصتوا فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للمستمع المنصت فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف وحاذوا بالمناكب فإن اعتدال الصف من تمام الصلاة ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أنها قد استوت فيكبر.
وعن الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمران الجعفي عن سويد بن غفلة قال: كان بلال يضرب أقدامنا في الصلاة ويسوي مناكبنا.
والآثار في هذا الباب كثيرة عمن ذكرنا وعن غيرهم ولا يختلف فيه أنه من سنن جماعات الصلاة، وتسويته عليه السلام صفوفهم لتتم الاستقامة والاعتدال في ذلك، ولئلا تتخللهم الشياطين كما جاء في الحديث وتشبيهًا بالملائكة في صفوفها ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثت أنهم كانوا لا يصفون حتى نزلت: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} ولما في ذلك من هيئة الجماعة في الصلاة وحسنها وتأتي صلاتهم في صفوفهم دون أن يضيق بعضهم على بعض ولأن في ذلك مراعاة تمكنهم من صلاتهم مع تكثر جمعهم أكثر مما يكون مع الاختلاط ولئلا يشغل بعضهم بعضًا بالنظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلطين وفي الصفوف غابت وجوه بعضهم عن بعض وكثير من حركاتهم وإنما يلي بعضهم من بعض ظهورهم.
وقوله: (أو ليخالفن الله بين وجوهكم) يحتمل أن يريد المخالفة الخلقية كما في
الحديث الآخر: "أن يحول الله صورته صورة حمار" فيخالف بصفتهم إلى غيرها من مسخ، ويحتمل أن يكون المراد بالمخالفة بين الوجوه تغير القلوب وتنكر وجه من أقام الصف لمن لم يقمه، إذ تغير الوجوه ناشيءٌ عن تغير القلوب. والتواد والألفة أمر مطلوب فيفوتهم ذلك وقد تقدم في حديث النعمان عند أبي داود:"أو ليخالفن الله بين قلوبكم".
وفي حديث البراء: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، والحمل على الثاني أولى لوجهين:
الأول: ما يقتضيه لفظ البينية في قوله: (بين وجوهكم) إذ لو أراد الأول لقال ليخالف الله وجوهكم.
الثاني: هذه المخالفة إنما هي في أمر مستحب فعله مندوب إلى وقوعه فلا يبلغ الوعيد عليها مبلغ التغيير والمسخ.
هذا ما ذهب إليه الجمهور وسيأتي قول من قال بخلافه.
وقوله: (فرأى رجلًا خارجًا صدره عن القوم) وكذلك قوله: (يمسح صدورنا ومناكبنا) وقوله: (فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه)، فيه التنبيه على كيفية التسوية وأن القدر اليسير من الاختلاف بها غير محتمل وتسوية الصفوف عندهم اعتدال القائمين بها على سمت واحد وقد تدل تسويتها أيضًا على سد الفرج وكلاهما مطلوب وقد تقدم في حديث عائشة. "ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة"، وفي حديث ابن عمر:"وسدوا الخلل"، وقد روي عن ابن عمر من قوله: لأن تخر ثنيتاي أحب إليّ من أن أرى في الصف خللًا فلا أسده.
وقوله: (فإن تسوية الصف من تمام الصلاة أو من حسن الصلاة) دليل على أن
تعديل الصفوف غير واجب وأنه سنة مستحبة وإليه ذهب الجمهور إذ تمام الشيء أمر زائد على وجود حقيقته، ويرد عليه رواية من روى:"فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة" كذا هو عند البخاري وغيره.
وإلى فرضيته ذهب أبو محمد الظاهري محتجًا بهذا اللفظ، قال: وإذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض، لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض.
والجواب: أن الحديث ثبت بلفظ: الإقامة، وثبت بلفظ التمام، ولا يتم له الاستدلال إلا بِرَدّ لفظ التمام إلى لفظ الإقامة، وليس ذلك بأولى من العكس.
وأما قوله: وإقامة الصلاة فرض، فإقامة الصلاة مطلق، ويراد به فعل الصلاة، ويراد به الإقامة للصلاة التي تلي التأذين لها، وليست إرادة الأول -كما زعم- بأولى من إرادة الثاني، إذ الأمر بتسوية الصفوف بعقب الإقامة، وهذين فعل الإمام، أو من يوظفه الإمام، وهو مقيم الصلاة غالبًا.
وأما قوله: وما كان من الفرض فهو فرض، المعلوم أن .... الفرض .... ، وأن الصلاة فرض، وأن .... فرض، وهو قد استعمل كل منهما على ما هو فرض، وما ليس فرضًا.
ثم لو سلم ما أراده في لفظ: (من إقامة الصلاة) لأورد عليه لفظ: (من تمام الصلاة)، وهو صحيح أيضًا؛ كيف له أن يجيب بأن تمام الشيء قد ينطلق بحسب الوضع على ما لا تتم الحقيقة إلا به.
وما ذهب إليه الجمهور أولى، ويحمل لفظ الإقامة فيه على الإقامة التي تلي التأذين أو يقدر له محذوف، تقديره: من تمام إقامة الصلاة وينتظم به إجمال الألفاظ الواردة في ذلك كلها، وذلك أولى من إكمال بعضها وإلغاء بعض.
وقد ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن إقامة الصلاة من حسن الصلاة".
وفي حديث أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا
…
" الحديث، دليل على جواز الكلام بين الإقامة والصلاة وقد أجازه الأكثرون ومنعه بعضهم، وفرق آخرون بين الكلام لمصلحة الصلاة فرأوا جوازه، أو في غير ذلك فرأوا المنع ومن حجة المجيزين قول أنس: أقيمت .... إلخ.
* * *