الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 - باب ما جاء في التثويب في الفجر
ثنا أحمد بن منيع نا أبو أحمد الزبيري نا أبو إسرائيل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تثوبن في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر".
قال: وفي الباب عن أبي محذورة.
قال أبو عيسى: حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي.
وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم، ويقال: إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم.
وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث.
وقد اختلف أهل العلم في تفسير التثويب، فقال بعضهم: التثويب أن يقول في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول ابن المبارك وأحمد.
وقال إسحاق في التثويب غير هذا قال: هو شيء أحدثه الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح قال: وهذا الذي قال إسحاق هو التثويب الذي قد كرهه أهل العلم والذي أحدثوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي فسّر ابن المبارك وأحمد أن التثويب أن يقول المؤذن في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم فهو قول صحيح ويقال له التثويب أيضًا.
وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه.
وروي عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم وروي عن مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجدًا وقد أذن ونحن يزيد أن نصلي فيه فثوب المؤذن فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع ولما يصل فيه. قال: وإنما كره عبد الله التثويب الذي أحدثه الناس بعد.
* الكلام عليه:
رواه الإمام أحمد وابن ماجه [ذكره المقدسي عنهما: ولفظه عنده أمرني رسول الله أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء](1) وفيه انقطاع في موضعين:
ذكر أحدهما: بين أبي إسرائيل والحكم.
والثاني: بين ابن أبي ليلى وبلال، فقد قال يحيى: لم يسمع منه. وهو ظاهر لأن مولده كما تقدم سنة سبع عشرة ووفاة بلال سنة عشرين أو إحدى وعشرين بالشام وكان بها مرابطًا قبل ذلك من أوائل فتوحها فهو شامي وابن أبي ليلى كوفي فكيف يسمع منه مع حداثة السن وتباعد الأقطار.
ففيه ضعيفان وهما أبو إسرائيل إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي العبسي الكوفي يروي عن الحكم وطلحة بن مصرف ومولاه سعد بن حذيفة وغيرهم.
وعنه وكيع وأبو أحمد الزبيري وأبو نعيم وغيرهم.
اختلف قول ابن معين فيه وضعفه النسائي والداقطني وقال ابن عدي: عامة ما يرويه يخالف فيه الثقات.
قال مطين: مات سنة تسع وستين ومائة.
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
روى له الترمذي وابن ماجه.
اختلف في اسم أبيه فقيل خليفة وقيل عبد العزيز.
والثاني: الحسن بن عمارة وهو واهٍ جدًّا، قال ابن يونس: مات سنة ثلاث وخمسين ومائة.
مع الانقطاع بين ابن أبي ليلى (1)، وعلى الذي ذكرناه.
وقد رواه الدارقطني من حديث عبد الرحمن بن الحسن الموصلي أبي مسعود الزجاج.
وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به.
تضمن التبويب التثويب في الفجر والحديث يقتضي ذلك وزيادة انفراده بذلك دون غيره.
فأما الأول ففيه أحاديث، في حديث عبد الله بن زيد في ذكر الأذان فكان بلالًا مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم.
قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين في صلاة الفجر. رواه الإمام أحمد.
وعن سعيد بن المسيب عن بلال: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل: هو نائم فقال الصلاة خير من النوم مرتين فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر
(1) أي وبلال.
على ذلك رواه ابن ماجه، وعن محمد بن سيرين عن أنس قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم.
رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن عثمان العجلي نا أبو أسامة عن ابن عون عن ابن سيرين.
ورواه الدارقطني من طريق محمد بن عثمان العجلي هذا بلفظ: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم،
وأخرجه البيهقي من طريق الدارقطني وقال: هو إسناد صحيح وعن نافع عن ابن عمر قال: كان في الأذان الأول بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم. رواه أبو العباس السراج في مسنده نا الحسن بن سلام وأبو عوف قالا نا أبو نعيم نا سفيان عن ابن عجلان عن نافع وهذا أيضًا إسناد صحيح ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم.
ومن طريق ابن ماجه عن محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهريّ عن سالم عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس، وفيه: فأري النداء، وفيه قال الزهريّ: وزاد بلال في نداء صلاة الغداة الصلاة خير من النوم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
محمد بن خالد تكلم فيه.
وقد روينا قول الزهريّ هذا عن ابن عمر من طريق ابن حيان.
وروينا من حديث عائشة قالت: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائمًا فقال: الصلاة خير من النوم فأقرت في صلاة الصبح رواه ابن حيان من حديث صالح بن أبي الأخضر عن الزهريّ عن عروة عن عائشة.
ومن طريق الأوزاعي عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن محمد بن إبراهيم
التيمي حدثه عن نعيم النحام قال: كنت مع امرأتي في مرطها في غداة باردة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فلما سمعت قلت: لو قال: ومن قعد فلا حرج قال: فلما قال الصلاة خير من النوم قال ومن قعد فلا حرج رواه البيهقي عن أبي نصر بن قتادة عن عبد الله بن أحمد بن سعد (1) الحافظ عن محمد بن إبراهيم البوشنجي عن هشام بن عمار عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين عنه.
وحديث أبي محذورة روينا من طريق ابن حيان ثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ومحمود بن أحمد الفرح ومحمد بن نصر قالوا: أنا إسماعيل بن عمرو البجلي.
ورويناه من طريق النسائي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك كلاهما عن سفيان وهو الثوري واللفظ للأول.
قال سمعت أبا جعفر الفراء يحدث عن أبي سلمان قال سمعت أبا محذورة يقول: كنت أؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فكنت أقول في الأذان إذا بلغت حي على الفلاح الصلاة خير من النوم فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فمسح يده علي رأسي.
ورواه النسائي أيضًا عن عمررو بن علي عن يحيى بن عبد الرحمن عن سفيان عن أبي جعفر عن أبي سلمان نحوه. وقال: ليس بأبي جعفر الفراء.
ورويناه عن ابن حيان نا محمد بن نصر نا أبو أيوب نا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع سمع أبا محذوة يقول: أذنت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا بلغت حي على الفلاح فقل: الصلاة خير من النوم".
وروى ابن قسيط عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يجعل في أذانه في الصبح الصلاة خير من النوم. ذكره ابن حيان وذكره من طريقه بلفظ آخر.
(1) في نسخة السندي: سعيد، والمثبت من الأصل، و"السنن الكبير"(1/ 423).
وأما المعنى الثاني وهو إفراد الفجر بالتثويب ففيه حديث الباب وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن حجاج عن عطاء عن أبي محذورة وعن طلحة عن سويد عن بلال أنهما كانا لا يثوبان إلا في الفجر.
وعن وكيع عن سفيان عن منصور عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة أنه أرسل إلى مؤذن له يقال له رباح: أن لا يثوب إلا في الفجر.
وروي عن بعض السلف التثويب في العشاء والفجر، فروى أبو بكر عن وكيع عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يثوبون في العشاء والفجر.
وعن وكيع عن أبي إسرائيل عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي قال: يثوب في العشاء والفجر.
قال نا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يثوبون في العتمة والفجر.
وكان مؤذن إبراهيم يثوب في الظهر والعصر فلا ينهاه.
وأما الرواية التي أشار إليها عن ابن عمر فقد ذكر ابن أبي شيبة نا عبدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في أذانه: الصلاة خير من النوم.
لكن لفظ الترمذي في صلاة الفجر.
وأما ما رواه عن مجاهد فعند أبي داود من طريق أبي يحيى القتات عنه قال: كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر فقال: اخرج بنا فإن هذه بدعة.
أخرجه عن محمد بن كثير عن سفيان عنه.
واسم أبي يحيى مسلم، وقيل: زاذان، وقيل: عبد الرحمن بن دينار.
وقد مس بتضعيف، وروي عن ابن معين توثيقه.
هذا لفظ أبي داود وإسناده جيد وضعف أبي يحيى قريب.
وفيه تقييد الصلاة المؤذن لها بأنها الظهر أو العصر وليس ذلك عند الترمذي فقد يكون التثويب لغير الصبح هو البدعة عند ابن عمر لا تثويبًا آخر غير المعروف. فليس في ألفاظ الحديث تثويب معين وإذا لم يكن فحمله على المشهور أولى والذي يظهر من كلام الترمذي أن مراد ابن عمر عنده التثويب الذي حكاه عن إسحاق من قول المؤذن إذا استبطأ القوم بين الأذان والإقامة قد قامت الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح.
وقوله في آخر الخبر: إنما كره عبد الله التثويب الذي أحدثه الناس اليوم يحتمل ما أحدث الناس في لفظ التثويب مما لم يكن.
ويحتمل التثويب لصلاة لم يكن يثوب لها احتمالًا على ........ (1)
…
والصلاة خير من النوم من رواية محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده عند ابن حيان من طريق ابن محيريز عن أبي محذورة؛ ثم أمران يقول في الأذان الأول من الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين، وهو أولى لكون الصلاة مذكورة في لفظ أبي داود فيقوى التعليل بها والتثويب غير مذكور عند واحد منهما فالتعليل به أضعف.
[وأما قوله: (وفي الباب عن أبي محذورة) فإن أراد بالمعنى الأول التثويب في صلاة الفجر فقد ذكرناه.
كان أراد بالمعنى الثاني أنه لا تثويب إلا في الفجر فقد وقفت على طرق شتى لحديث أبي محذورة ولم أجد ذلك، وإن أشار إلى المعنى الأول فقد كان ينبغي أن
(1) كلمة لم أستطع قراءتها: تحتمل: الهوى أو السوى.
وما بعده بياض قدر سطر وأكثر. وهو مذكور في حاشية الأصل لكنه غير واضح.
يذكر عن غير أبي محذورة أيضًا ممن ذكرناه والله أعلم] (1).
وأما معنى التثويب فذكر الخطابي أنه الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه وأصله أن يلوح الرجل لصاحبه بثوبه ينذره عند الأمر يرهبه من خوف أو عدو، ثم استعمل في كل إعلام تجهر به صوت وعلل أيضًا تسمية الإقامة تثويبًا بأنه إعلام بإقامة الصلاة والأذان إعلام بوقت الصلاة.
وحكى ابن عبد البر أن ابن الأنباري قال: إنما سمي التثويب تثويبًا وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم لأنه دعاء ثان إلى الصلاة والأول عنده حي على الصلاة حي على الفلاح.
والتثويب عند العرب العود.
وقال ابن سيده: التثويب الدعاء للصلاة وغيرها وأصله أن الرجل إذا جاء مستصرخًا لوح بثوبه فكان ذلك كالدعاء وقيل التثويب تثنية الدعاء.
والمشهور في كيفية التثويب الصلاة خير من النوم.
والكيفية الثانية محكية عن إسحاق وغيره.
وروينا من طريق أبي الشيخ ثنا محمد بن جعفر الشعيري نا الجراح بن مخلد نا محمد بن سعيد السراج نا محبوب بن محرز عن كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يعني بلالًا فإذا أذن أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله الصلاة يا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا رسول الله.
وقد رويت في ذلك أحاديث عن أبي هريرة وجابر بن سمرة في الاستئذان
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
على الإمام من المؤذن في أذانه.
والتثويب على الوجه الأول في صلاة الصبح سنة اتفق عليها أصحاب الشافعي وهو رواية في القديم ومكروه عنده في الجديد وعلل بعضهم الكراهة بأن أبا محذورة لم يحكه، وقد تقدم عن أبي محذورة صحيحًا بتصحيح ابن خزيمة وغيره.
والفتيا في هذه المسألة عند أصحاب الشافعي على القديم من قوليه وممن قال قال بالتثويب عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود ولم يقل أبو حنيفة بالتثويب على هذا الوجه واختلف السلف في محله فالمشهور أن محله صلاة الصبح وذكر عن النخعي أنه سنة في الصلوات كالصبح.
وحكى القاضي أبو الطيب عن الحسن بن صالح أنه مستحب في أذان العشاء أيضًا.
وقد ذكرنا عن الشعبي وغيره أنه مستحب (1) في العشاء والفجر.
والمروي عن أبي حنيفة أنه يمكث بعد الأذان بقدر عشرين آية ثم يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح وقال إنه التثويب.
قال الرافعي: المشهور في التثويب القطع بأنه ليس بركن في الأذان.
وقال إمام الحرمين: فيه احتمال عندي من جهة أنه يضاهي كلمات الأذان في شرع رفع الصوت به فكان أولى بالخلاف من الترجيع وإطلاقهم مشروعية التثويب في الأذان للصبح يشمل الأذان الأول والثاني لكن ذكر صاحب "التهذيب" أنه إذا أذن مرتين وثوب في الأول لا يثوب في الثاني على أصح الوجهي.
(1) في نسخة السندي: يستحب.