الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
65 - باب ما يقول عند افتتاح الصلاة
ثنا محمد بن موسى البصري نا جعفر بن سليمان الضبعي عن علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة كبر ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك"، ثم يقول:"الله أكبر الله أكبر" ثم يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه".
قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي وعائشة وعبد الله بن مسعود وجابر وجبير بن مطعم وابن عمر.
قال أبو عيسى: وحديث أبي سعيد أشهر في هذا الباب، وقد أخذ قوم من أهل العلم بهذا الحديث، وأما أكثر أهل العلم فقالوا: إنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" هكذا روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود.
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم، وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي.
وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث.
حدثنا الحسن بن عرفة ويحيى بن موسى قالا نا أبو معاوية (1) عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك".
قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحارثة قد تكلم فيه
(1) بالأصل أبو عوانة، وفي هامشه: الصواب: أبو معاوية، فأثبتناه كذلك.
من قبل حفظه.
وأبو الرجال اسمه محمد بن عبد الرحمن المديني.
* الكلام عليه من وجوه:
الأول: من حيث الإسناد:
حديث أبي سعيد رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
ومحمد بن موسى البصري هو ابن نفيع الحرشي، روى عن حماد بن زيد وأبي داود الطيالسي وجعفر الضبعي.
روى عنه الترمذي والنسائي وأبو حاتم، وسئل عنه، فقال: شيخ، ووثقه ابن حبان.
مات سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وجعفر بن سليمان أخرج له الشيخان وروى عنه ابن مهدي، وكان لا يحدث إلا عن ثقة عنده، ووثقه يحيى، وقال أحمد: لا بأس به، وقال ابن سعد: ثقة، وبه ضعف وكان يتشيع، ومات في رجب سنة ثمان وسبعين ومائة.
وقال ابن عدي: ولجعفر حديث صالح، وروايات كثيرة، وهو حسن الحديث، وهو معروف في التشيع وجمع الرقائق، جالس زهاد البصرة وأرجو أنه لا بأس به.
وعلي بن علي بن نجاد بن رفاعة الرفاعي البصري أبو إسماعيل، سمع الحسن البصري وأخاه سعيدًا.
روى عنه وكيع ووثقه وأبو نعيم وزيد بن الحباب وشيبان بن فروخ قال ابن سعد ثنا الفضل بن دكين وعفان قالا: كان علي بن علي الرفاعي يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أحمد بن حنبل: هو صالح، قيل: أكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كذا كان يقال.
وقال محمد بن عبد الله بن عفار: كان علي بن علي الرفاعي زعموا أنه يصلي كل يوم ستمائة ركعة، وكان تشبه عينيه بعيني النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان رجلًا عابدًا ما أرى أن يكون له عشرون حديثًا قيل له: أكان ثقة؟ قال: نعم.
وقال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: ليس به بأس، لا يحتج بحديته، انتهى.
وكان حسن الصوت بالقران، وكان فاضلًا في نفسه.
وقال يعقوب بن إسحاق: قدم علينا شعبة فقال: اذهبوا بنا إلى سيدنا وابن سيدنا علي بن علي الرفاعي.
روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وأبو المتوكل الناجي علي بن داود وقيل: ابن داود معروف مشهور، وثقه يحيى وابن المديني وأبو زرعة.
وقال أحمد: ما علمت إلا خيرًا.
قال البخاري: له نحو خمسة عشر حديثًا.
قال ابن قانع: مات سنة اثنتين ومائة.
وقال ابن حبان: سنة ثمان ومائة، والأول أصح.
وأما حديث عائشة فرواه ابن ماجه والدارقطني، ورواه أبو داود وقال: ليس بالمشهور.
وهو عند أبي داود عن عبد السلام بن حرب لم يروه إلا طلق بن غنام.
قال أبو داود: نا حسين بن عيسى عن طلق بن غنام عن عبد السلام بن حرب عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة.
قال الحافظ محمد بن عبد الواحد: وما علمت فيهم مجروحًا.
قال أبو الفتح: طلق بن غنام أخرج عنه البخاري في الصحيح، وعبد السلام بن حرب وثقه أبو حاتم وأخرج له الشيخان، وكذلك من فوقه إلى عائشة، وقد صححه الحاكم وذكر له شاهدًا عن عمرة عن عائشة.
وأما حارثة بن أبي الرجال: ضعفه أحمد ويحيى والرازيان وابن عدي وابن حبان، وقال: بلغني عن أحمد أنه نظر في جامع ابن راهويه فإذا أول حديث فيه عن حارثة، فأنكره جدًّا.
وأما حديث علي فرواه مسلم ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من الشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعها لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك"، وإذا ركع قال:"اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي"، وإذا رفع قال:"اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد"، إذا سجد قال: "اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد
وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين" ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم:"اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت".
وحديث عائشة قد ذكره آخر الباب، وقد تقدم ذكر من خرجه أيضًا.
وأما حديث عبد الله بن مسعود فرواه ابن ماجه من حديثه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه".
قال: همزه: الموتة، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر.
رواه ابن ماجه وهذا لفظه والبيهقي، وفي روايته: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة، قال عطاء: فهمزه الموته وذكر باقيه.
وحديث جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال: "الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الحمد لله كثيرًا، الحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلًا ثلاثًا، أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه"، قال: نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة.
رواه الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له وابن ماجه.
وأما حديث جابر فروى النسائي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة كبّر ثم قال: "إن صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق ولا يقي سيئها إلا أنت".
ورواه الدراقطني وعنده: ومحياي ومماتي.
وأما حديث ابن عمر فروى مسلم عن ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل في القوم: الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من القائل كلمة كذا وكذا"؛ فأرمَ القوم، فقال:"أيكم المتكلم بها فإنه لم يقل بأسًا" فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها، فقال:"لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها أيهم يرفعها". رواه مسلم.
وروى عبدة عند مسلم عن عمر بن الخطاب أنه كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" قال الغساني: عبدة بن أبي لبابة لم يسمع من عمر.
وفيه عند الدارقطني: وقال للأسود: رأيت عمر حين افتتح الصلاة كبر ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره ثم يتعوذ، وهو الذي أشار إليه الترمذي.
وفي الباب مما لم يذكره عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبيرة وبين القراءة إسكاتة قال: أحسبه قال: هنيهة فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتتك بين التكبيرة وبين القراءة ما تقول؛ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" أخرجاه واللفظ للبخاري.
وفيه عن رجل أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث مرات ثم قال: "لا إله لا الله ثلاث مرات سبحان الله وبحمده" ثلاث مرات، ثم قال:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه"، رواه الإمام أحمد من طريق يعلى بن عطاء عن رجل، وفي رواية عن شيخ من أهل دمشق
أنه سمع أبا أمامة.
وفيه عن سمرة وسيأتي عند الترمذي في باب آخر.
وفيه عن أنس الحديث الذي سبق عن ابن عمر وكلاهما عند مسلم، وفيه عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبَّر ثم رفع يديه حتى يحاذي إبهاماه أذنيه ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك".
رواه الدارقطني عن ابن صاعد عن الحسين بن علي بن الأسود العجلي عن محمد بن أبي الصلت نا أبو خالد الأحمر عن حميد عنه.
وفيه عن عمر بن الخطاب مثل اللفظ المذكور في حديث أنس وفيه: فإذا تعوذ قال: "أعوذ بالله من همز الشيطان ونفخه ونفثه"، ووي أيضًا موقوفًا هو الصواب قاله الدارقطني.
الثاني: في شيء من مفرداته:
الأولى: سبحانك: قال الراغب: السبح المر السريع في الماء أو في الهواء والتسبيح تنزيه الله تعالى وأصله المر السريع في عبادة الله تعالى، وجعل التسبيح عامًّا في العبادة قولا كان أو فعلًا أو نية.
وسبحان أصله مصدر مثل غفران، قال الله تعالى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} ، وقال تعالى:{قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إلا مَا عَلَّمْتَنَا} ، وقول الشاعر:
وسبحان من علقمة الفاخر
قيل تقديره سبحان علقمة على طريق التهكّم فزاد فيه (من) ردًّا إلى أصله،
وقيل أراد سبحان الله من أجل علقمة، فحذف المضاف إليه، والسبوح والقدوس من أسماء الله تعالى وليس في كلامهم فعُّول سواهما وقد يفتحان نحو سَلوب وسَمور، والسبحة التسبيح، وقد يقال في الخرزات التي يسبح بها: السبحة.
الثانية: اللهم: قيل معناه يا الله فأبدل من الياء الواقع في أوله الميمان في آخره وخصّ بدعاء الله تعالى، وقيل تقديره يا الله أمّنا بخير فركبا تركيب حيّهلا.
الثالثة: الحمد هو الثناء على الممدوح بصفاته الجميلة وأفعاله الحسنة، والشكر يتعلق بالإحسان الصادر منه، وقد تكلموا في العموم والخصوص بينهما مع أن المدح يعمهما معًا، والذي يتحرر أن الشكر يطلق على الفعل والقول جميعًا.
قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} وقال عليه السلام لما قام حتى تفطرت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا"!
وقال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
…
يدي ولساني والضمير المحجبا
فهذا أعم بهذا الاعتبار.
والحمد يخص القول، فإذا نظرنا إليهما بالنسبة إلى القول خاصة كان الحمد أعم في هذا المحل لأنه يحمد على صفاته الجميلة وعلى الإحسان الصادر منه، يقال: حمدته على الشجاعة وعلى الإحسان، والشكر محله الإحسان.
وقال الخطابي: سألت الزجاج عن قوله: {سبحانك اللهم وبحمدك} ؛ فقال: سبحانك وبحمدك سبحتك.
الرابعة: تبارك اسمك: والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى:
{لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة ويسمى محبس (1) الماء بِركة، والمبارك ما فيه ذلك الخير، وقوله تعالى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} ، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كل ذلك تنبيه على اختصاصه بالخيرات المذكورات مع تبارك وتبارك اسمك إشارة إلى اختصاص اسمائه تعالى بالبركات.
الخامسة: الجَدّ: قال أبو القاسم الراغب: الجد قطع الأرض المستوية ومنه جد في سيره يجد جدًّا وكذلك جد في أمره وأجد صار ذا جد، وتصور، ومنه جددت الأرض القطع الجرد فقيل جددت الثوب إذا قَطعته على جهة الإصلاح، وثوب جديد أصلة المقطوع ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه قال تعالى:{بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} إشارة إلى الرجعة الثانية وذلك قولهم: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} وسمى الفيض الإلهي جدّا قال تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} أي فيضه وقيل عظمته وهو يرجع إلى المعنى الأول وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" أي لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة بالجد إنما يتوصل إليه بالجد في الطاعة، قال تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} انتهى.
وقوله عليه السلام: "وتعالى جدك" هو {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} فما قيل هنالك مقول هنا.
السادسة: الهمز وقع في الحديث تفسير بماذا، ولم يقع تفسير الهمز ما هو؟
قال الراغب: الهمز كالعصر يقال همزت الشيء في كفي ومنه الهمز في
(1) هذا ما ظهر لي من قراءة هذه الكلمة.
والبركة: الحوض، أو مستنقع الماء، كما في "القاموس".
الحروف، وهمز الإنسان اغتابه، قال عز وجل:{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} يقال: رجل هامز وهمّاز وهمزة، قال تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} وقال الشاعر:
وإن أغيب فأنت الهامز اللمزة
وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} وأما تفسير الهمز والنفث والنفخ الذي وقع بالموتة والشعر والكبر كما تقدم غير منسوب إلى قائله، فقد روينا الخبر عن أبي سعيد الخدري بذلك من طريق الدارمي أنا زكريا بن عدي أنا جعفر بن سليمان به ثم قال عند تمامه قال جعفر: وفسره مطر: همزه الموتة ونفثه الشعر ونفخه الكبر.
وقال الراغب: والمُوتة شبه الجنون كأنه من موت العلم والعقل ومنه رجل موتان القلب وامرأة موتانة.
السابعة: النفث: قذف الريق القليل، وهو أقل من التفل ونفث الراقي والساحر أن ينفث في عُقَده، قال تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} ومنه الحية تنفث السمّ وقيل: لو سألته نفاثة سواك ما أعطاك أي: ما بقي في أسنانك فنفثت ودم نفثت نفثه الجرح وفي المثل: لا بد للمصدور أن ينفث.
الثامنة: النفخ: نفخ الريح في الشيء، قال تعالى:{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} وقال {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} ومنه نفخ الروح في النشأة الأولى، قال تعالى:{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} ويقال انتفخ بطنه ومنه استعير انتفخ النهار إذا ارتفع ورجل منفوخ أي سمين. انتهى.
وتفسير الهمز والنفث والنفخ بما فسر به من باب المجاز.
الوجه الثالث في الفوائد والمباحث:
فيه مسائل:
الأولى: اختلف الناس في استحباب أدعية الافتتاح في الصلاة، فقال بالاستحباب جمهور العلماء أخذًا بأحاديث الباب، وقال مالك: لا يأتي بدعاء الاستفتاح، ولا بشيء من القراءة والتكبير أصلًا بل يقول: الله أكبر الحمد لله رب العالمين إلى آخر الفاتحة، وله: حديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وحديث المسيء صلاته حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أردت الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وكلاهما صحيح.
ويمكن أن يجاب عن الأول بأن المراد افتتاح القراءة وكذلك في بعض ألفاظه: يفتتحون الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين.
وأما حديث المسيء صلاته فبأن النبي عليه السلام إنما علمه الفرائض فقط، وهذا ليس منها، وأدعية الافتتاح ثابتة لا يُعارَض ثبوتها بسكوت من لم يذكرها ولا بنفي من نفاها، على أنه ليس في الخبرين ما يقتضي نفيها، ولو كان لكان من أثبت حجة على من نفى، وافتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يدخل تحته الدعاءُ قبل القراءة، لأن مسمّى القراءة غير مسمى الدعاء، فقد كان عليه السلام يفتتح الصلاة بالتكبير، ثم يذكر ما صح عنه من الذكر، ثم يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، فالذكر هنا زيادة على تلك الأخبار جاءت عن ثقات ولا سبيل إلى ردها إلا بمعارض ينهض بذلك، وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين والعلماء، منهم عمر وابن مسعود وعلي بن أبي طالب عليه السلام وابن عمر وطاوس، وهو قول الأوزاعي وسفيان وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.
الثانية: قال أصحابنا: يستحب لكل مصل من إمام ومأموم ومنفرد وامرأة وصبي ومسافر وقائم وقاعد ومضطجع، من مفترض أو متنفل أن يأتي به عقيب تكبيرة الإحرام، فلو تركه عمدًا أو سهوًا حتى شرع في التعوذ لم يعد إليه، وقال الشيخ أبو حامد في "تعليقه": يعود إليه من التعوذ، والمذهب الأول، لكن لو خالف فأتى به لم تبطل صلاته.
لأنه ذكر والذكر لا يقطع الصلاة، ولو أحرم مسبوق فأمن الإمام عقيب إحرامه أمن من معه ثم أتى بالاستفتاح، لأن التأمين يسير، ولو أدركه في التشهد لا يأتي به قاعدًا لفوات محله.
الثالثة: هذا الذي ذكرناه من حكم دعاء الاستفتاح، تدخل فيه النوافل المطلقة والمرتبة والعيد والكسوف والاستسقاء وغيرها ويستثنى منه موضعان:
أحدهما: صلاة الجنازة، فيه وجهان:
أحدهما: لا يشرع لأنها مبنية على الاختصار، الثاني: يستحب كغيرها.
الثاني: المسبوق إذا أدرك الإمام في غير القيام لا يأتي به كما سبق في المسالمة قبل هذا، وله فروع ليس هذا موضعها.
الرابعة: اختلف القائلون بالاستفتاح في الدعاء المستفتح به ما هو؟
فذهب سفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي إلى ما رويناه عن عمر بن الخطاب وابن مسعود.
وذهب الشافعي إلى ما روي عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه في الجنة)، حكاه ابن المنذر وقال: وأنا إلى حديث علي أميل وأي ذلك قال يجزئه.
الخامسة: قال بعض الظاهرية: ولا يقولها المأموم يعني أدعية الافتتاح لأن فيها
شيئًا من القرآن، وقد نهى النبي عليه السلام أن يقرأ خلف الإمام إلا أم القرآن فقط، قال: فإن دعا بعد قراءة أم القرآن في حال سكتة الإمام بما روي عن النبي فحسن. انتهى.
أما قوله: لأن فيها شيئًا من القرآن فليس ذلك إلا فيما روي عن علي.
وأما ما روي عن أبي سعيد وما روي عن عائشة وما روي عن عمر وابن مسعود من قولهما فليس في ذلك كله شيء من القرآن، وأما تأخيره ذلك إلى أن تنقضي قراءة الفاتحة فتأخير له عن محله وكيف يكون افتتاحًا وقد افتتح بغيره.
* * *