الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
49 - باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة
حدثنا أحمد بن منيع أنا هشيم عن يعلى بن عطاء ثنا جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فقال: "عليَّ بهما"، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال:"ما منعكما أن تصليا معنا"؟ فقالا: يا رسول الله إنا كنا صلينا في رحالنا. قال: "فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة".
قال: وفي الباب عن محجن ويزيد بن عامر.
قال أبو عيسى: حديث يزيد بن الأسود حديث حسن صحيح.
وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق.
قالوا: إذا صلى الرجل وحده ثم أدرك الجماعة فإنه يعيد الصلوات كلها في الجماعة وإذا صلى الرجل المغرب وحده ثم أدرك الجماعة قالوا: فإنه يصليها معهم ويشفع بركعة والتي صلى وحده هي المكتوبة عندهم.
* الكلام عليه:
حديث الباب أخرجه أبو داود والنسائي.
ورواه شعبة عن يعلى بن عطاء بإسناده مثله.
وجابر بن يزيد بن الأسود السوائي الخزاعي سمع أباه.
روى عنه يعلى بن عطاء، قال ابن المديني: لم يرو عنه غيره.
روى له أبو داود والنسائي، ووثقه وابن ماجه.
وحديث محجن روى مالك في موطئه عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الديل يقال له: بسر بن محجن عن أبيه محجن أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم رجع ومحجن في مجلسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم؟ ".
قال: بلى يا رسول الله ولكن قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت".
لفظ يحيى بن يحيى عن مالك.
ورواه النسائي عن قتيبة عن مالك.
وبسر، بضم الباء وسكون السين المهملة، كذا يقول مالك عن زيد بن أسلم، وغيره.
والثوري وآخرون يقولون فيه: بشر بكسر الباء، والشين المعجمة ساكنة، وكان أبو نعيم يصوب قول مالك، وذكر أحمد بن صالح أنه سأل جماعة من ولده ومن رهطه فما اختلف منهم اثنان أنه (بشر) بالمعجمة، كما قال الثوري.
وحديث يزيد بن عامر قال: جئت والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى يزيد جالسًا فقال: "ألم تسلم يا يزيد؟ " قال: بلى يا رسول الله قد أسلمت.
قال: "فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ ".
قال: إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال:"إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة"، لفظ أبي داود.
وفي الباب (1) مما لم يذكره الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري ذكر مالك في "الموطأ" عن عفيف بن عمرو السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل أبا أيوب الأنصاري فقال: إني أصلي في بيتي ثمَّ آتي المسجد فأجد الإمام يصلي أفأصلي معه؟
فقال أبو أيوب: نعم صل معه فإن من صلى ذلك فإن له سهم جمع أو مثل سهم جمع.
رواه أبو داود في "سننه" مرفوعًا فقال عن أبي أيوب: سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "فذلك له سهم جمع".
قال أبو زرعة: إنما هو عفيف بن عمرو بن المسيب السهمي: أن رجلًا من بني أسد سأل أبا أيوب عن ذلك، فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم.
وفسر ابن وهب قوله: سهم جمع أي يضاعف له الأجر كأنه يعني أن له أجر الصلاة مرتين.
وفسر غيره الجمع بالجيش من قوله: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} يريد أن له أجر المغازي والأول أولى.
وقد ذكر الزبير بن بكار (2) عن عمه مصعب قال: كان في وصية المنذر بن الزبير بن العوام أن لفلان بغلتي الشهباء ولفلان عشرة آلاف ولفلان سهم جمع.
(1) في هامش السندي.
وفي الباب أيضًا: عبد الله بن سرجس عند الطبراني.
وابن أبي الخريف عن أبيه عن جده، أيضًا في "الكبير" قال الهيثمي: وابن أبي الخريف وأبوه لا أدري من هما. انتهى. محمد عابد.
(2)
الأصل: الزبير بن أبي بكر.
قال مصعب: فسألت عبد الله بن المنذر بن الزبير ما يعني بسهم جمع؟ قال: نصيب رجلين.
وفي الحديث فوائد:
الأولى: ترعد فرائصهما، الفرائص جمع فريصة، قال ابن سيده: والفريصة لحمة عند نغض الكتف في وسط الجنب عند منبض القلب وهما فريصتان ترتعدان عند الفزع.
الثانية: النافلة قال ابن سيدة: أيضًا النافلة الغنيمة والنافلة العطية والنافلة ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه وفي التنزيل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} والنافلة ولد الولد وهو من ذلك.
الثالثة: قال ابن العربي: فيه دليل على أن الوالي إذا دعا أحدًا فزع من دعائه له، ولا يدرك الوالي أيضًا حرج منه إذا كان عدلًا.
الرابعة: فيه أن من أقر بالصلاة وبعملها وإقامتها فإنه يوكل إلى ذلك إذا قال: إني أصلي لقولهما: إنا كنا صلينا في رحالنا وقبول ذلك منهما.
وأشار أبو عمر إلى أنه لا حجة فيه لن قال: إني مؤمن بالصلاة مقر بها غير أني لا أصلي أن ذلك يحقن دمه لأن الجواب إنما كان بأن الصلاة قد وقعت منهما لا بأنهما مقران بالصلاة هذا معنى كلامه على حديث بسر بن محجن عن أبيه الذي سبق ذكره.
الخامسة: وفيه أن من صلى في رحله ثم دخل المسجد فأقيمت عليه تلك الصلاة أنه يصليها مع جماعة المسجد وسواء أكان صلاها في رحله فردًا أو في جماعة لما تضمنه الجواب من العموم وترك الاستفصال منه عليه السلام هل كانت صلاتهما في رحالهما جماعة أو لا.
وقد اختلف العلماء فيمن صلى جماعة ثم أدرك الصلاة تقام لجماعة أخرى هل يعيد تلك الصلاة معهم أم لا؟
فيه وجوه أصحها عند عامة الأصحاب أنه يعيد كالمنفرد لإطلاق الخبر.
الثاني: وهو الأصح عند الصيدلاني والغزالي أنَّه لا تستحب الإعادة لأن فضيلة الجماعة قد حصلت فلا معنى للإعادة والأول مروي عن أبي موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وصلة بن زفر والشعبي والنخعي أن الصلاة يعيدها في جماعة من كان صلاها في جماعة وبه قال حماد بن زيد وسليمان بن حرب وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي.
قال أحمد: لا يجوز له أن يخرج من المسجد حتى يصليها وإن كان قد صلى في جماعة.
واحتج بقول أبي هريرة في الذي خرج من المسجد عند الإقامة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
وإلى الثاني ذهب مالك وأبو حنيفة وجمهور الفقهاء ويحتج لذلك بما روى أبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار قال: أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين". وقالوا: معنى هذا الحديث أن من صلى في جماعة لا يعيد في جماعة.
وقال أحمد وإسحاق: بل معناه أن من صلى الفريضة لا يقوم فيصليها ينوي بها الفريضة معتقدًا ذلك، فأما إذا صلاها مع الإمام على أنها سنة تطوع فليس بإعادة الصلاة.
الوجه الثالث: أنه إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الإمام أورع
أو أعلم أو لكون الجمع أكثر أو لكون المكان أفضل فتستحب الإعادة وإلا فلا.
قال مالك: ومن صلى في جماعة ولو مع واحد فإنه لا يعيد تلك الصلاة إلا أن يعيدها في مسجد النبي عليه السلام أو في المسجد الحرام أو بيت القدس.
الوجه الرابع: يستحب إعادة الظهر والمغرب والعشاء ولا يستحب إعادة الصبح والعصر.
السادسة: اختلف الناس فيما يعاد من الصلوات في الجماعة فقيل كلها وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ويروى عن الحسن والزهري عملًا بظاهر الحديث وعمومه.
وقال آخرون: تعاد كلها إلا المغرب وبه قال إبراهيم ومالك والثوري ويروى عن أبي مجلز لأنها وتر النهار وبالتكرار تصير شفعًا ولضيق وقتها.
وقال مالك: أدركت عمل أهل المدينة على ذلك.
وقال آخرون: إن أعاد المغرب شفعها بركعة رواه قتادة عن سعيد بن المسيب، وهو وجه في مذهب الشافعي، ويروى عن حذيفة وعطاء وإبراهيم ومسروق، ورواه الحارث عن علي، وأنكره بعض أهل العلم، قال أبو عمر. وقد كان جماعة من العلماء ينكرون أشياء من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب منها هذا.
وقال أبو ثور: يعيدها كلها إلا الفجر والعصر إلا أن يكون بمسجد فتقام الصلاة فلا يخرج حتى يصليها، ويحتج لهذا بنهيه عليه السلام عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وذكر الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى وحده، ثم أدرك الجماعة فليصل إلا الفجر والعصر" رواه سهل بن صالح نا الأنطاكي وكان ثقة عن يحيى القطان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.
وخالفه الفلاس عن يحيى فوقفه، وتابعه ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.
وكذلك قال مالك والليث عن نافع عن ابن عمر من قوله.
وإليه ذهب الحسن فيما روى ابن أبي عروبة عنه.
وعن الحكم تعاد إلا الفجر.
وقالت طائفة: لا تعاد شيء من الصلوات، روي عن عمر وابن عمر، قال عمر: لا تعاد الصلاة، وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلى صلاة في يوم مرتين" وقد تقدم.
وقال آخرون: تعاد كلها إلا الصبح والمغرب قاله ابن عمر والنخعي والأوزاعي، وقد سبق تعليل الإعادة في المغرب وأما الصبح فللنهي عن الصلاة بعدها وبعد العصر وفرقوا بينهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين وجاء عن جماعة من السلف أنهم كانوا يتطوعون بعد العصر ما كانت الشمس بيضاء نقية ولم يجيء ذلك عن واحد منهم في الصلاة بعد الصبح.
وقال آخرون: تعاد الصلوات إلا الصبح والعصر والمغرب، أما المغرب فلما تقدم، وأما الصبح والعصر فللحديث الثابت في النهي عن الصلاة بعدهما يحكى ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه وقد اعترض بعض العلماء على القول بالمنع من الإعادة بعد الصبح وبعد العصر أن النهي عن الصلاة بعدهما إنما هي عن صلاة بعدهما غيرهما فأما هما فتصليان في وقت النهي يكرران في الجماعة لأنه لا يصح من هذا اللفظ دخولهما تحت الخطاب إذ المراد النهي عن الصلاة بعد فعل هذين الصلاتين لا بعد دخول وقتهما وإعادتهما إنما هي من تمامهما.
السابعة: إذا قلنا بالإعادة في حق المنفرد وفي حق من صلى في جماعة
فأيهما الفرض؟ الجديد عندنا وبه قال أحمد وأبو حنيفة أن الفريضة هي الأولى لحديث الباب وبه قال ابن عمر والحسن وإبراهيم، والقديم أن الفريضة إحداهما لا بعينها والله يحتسب ما شاء منهما وربما قيل يحتسب بأكملهما ويروى هذا القول عن "الإملاء" وبه قال مالك ويروى عن ابن عمر وسعيد بن المسيب ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء وقد تأوله أبو عمر بالقبول أي إن الله يتقبل أيتهما شاء فقد يقبل الفريضة أو النافلة أو يقبلهما معًا، وقد لا يقبل واحدة منهما.
وقد كان بعض الصالحين يقول: طوبى لمن تقبلت منه صلاة واحدة.
وذكر هشام بن عمار نا هشام بن يحيى الغساني عن أبيه قال: جاء سائل إلى ابن عمر فقال لابنه: أعطه دينارًا، فقال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه. فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم واحد لم يكن غائب أحب إلي من الموت أتدري ممن يتقبل الله إنما يتقبل الله من المتقين، وقد تأول هذا التأويل ابن الماجشون.
وذكر صاحب "التتمة" أن بعض الأصحاب صار إلى أنهما جميعًا يقعان عن الفرض، وعن الشيخ أبي محمد أن بعضهم قال فيما إذا صلى منفردًا أن الفريضة هي الثانية لكمالها بالجماعة وقد تقدم في حديث يزيد بن عامر من طريق أبي داود قوله عليه السلام:"فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة" وهو ظاهر في الاحتجاج بهذا المذهب وبه قال سعيد بن المسيب في رواية عنه، وهو قول عطاء.
الثامنة: إذا فرّعنا على الجديد فهل ينوي بالثانية الفرض فيه وجهان قال الصيدلاني في الصحيح أنه ينوي الفرض وبه قال الأكثرون واستبعده الإمام وقال كيف ينوي الفرض مع القطع بأن الثانية ليست بفريضة بل الوجه أن ينوي الظهر والعصر ولا يتعرض للفريضة ويكون ظهره نفلًا كظهر الصبي.