الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
100 - باب منه أيضًا
ثنا قتيبة ثنا الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن فكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله".
قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن غريب صحيح وقد رَوَى عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي هذا الحديث عن ابن الزبير نحو حديث الليث بن سعد.
وروى أيمن بن نابل المكي هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر وهو غير محفوظ وذهب الشافعي إلى حديث ابن عباس في التشهد.
* الكلام عليه من وجوه:
الأول من حيث الإسناد: وكلا الحديثين مخرج في الصحاح، فأما حديث ابن مسعود فعند الجماعة كلهم من حيث أبي وائل عن عبد الله إلا الترمذي فذكره من حديث الأسود عنه ولفظه عن البخاري: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان وفلان فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله هو السلام فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". وللبخاري أيضًا قال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام". ولمسلم نحوه.
قال الترمذي: وقد روي عنه يعني عن ابن مسعود من غير وجه. وأخبرني أبو عمرو محمد بن محمد عن أبي الحسين بن السراج إجازة إن لم يكن سماعًا أنا ابن بشكوال أنا أبو محمد بن غياث أنا ابن عبد البر أنا الطلمنكي أنا محمد بن أحمد مفرج قال: قرأت على أبي الحسن محمد بن أيوب الصموت بمصر قلت: سمعت أحمد عمرو بن عبد الخالق البزار يقول: وسئل عن أصح حديث في التشهد؟ فقال: هو عندي والله أعلم حديث ابن مسعود وروي عنه نيف وعشرون طريقًا فمن ذلك ما روى بريدة عن عبد الله بن مسعود وعبيدة السلماني وأبو عبد الرحمن السلمي ومسروق بن الأجدع وعمرو بن ميمون والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس وأبو عبيدة وأبو معمر وأبو وائل وعمير بن سعد وأبو الأحوص؛ فرواه عن أبي وائل: منصور والأعمش وعاصم ومغيرة وحماد بن أبي سليمان وحصين بن عبد الرحمن وفضيل بن عمرو وجامع بن أبي راشد والحكم بن عتيبة هؤلاء رووه عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا أعلم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أشهر وأثبت من حديث عبد الله، ولا أصح أسانيد، ولا أشهر رجالًا، ولا أشد تظاهرًا بكثرة الأسانيد واختلاف طرقها، وإليه أذهب، وربما زدت.
وأما حديث ابن عباس فرواه مسلم في "صحيحه" وهو عند معرف بالألف واللام في السلام، وقد رواه الجماعة إلا البخاري واختلفوا في تعريف السلام.
وأما حديث ابن عمر فروينا من طريق أبي داود ثنا نصر بن علي حدثني أبي ثنا شعبة عن أبي بشر سمعت مجاهدًا يحدث عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: "التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته -قال: قال ابن عمر: زدت فيها وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله -قال ابن عمر: زدت فيها وحده لا شريك له- وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال أبو الفتح: رجاله متفق عليهم في الصحيحين وقد رواه عن ابن عمر أيضًا عبد الله بن دينار، رويناه من طريق الدارقطني (1) ثنا أبو بكر الشافعي ثنا محمد بن علي بن إسماعيل السكري ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة.
قال الدارقطني: وحدثني أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي أبو سعيد النيسابوري نا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة ثنا مغيث بن بديل ثنا خارجة بن مصعب عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد: "التحيات الطيبات الزاكيات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ ابن أبي عثمان.
قال الدارقطني: وموسى بن عبيدة وخارجة ضعيفان.
وقد رواه مالك عن نافع عن ابن عمر موقوفًا بلفظ آخر.
ولا علة لهذا الحديث تمنع من القول بصحته فيما أعلم إلا ما قيل في سماع أبي بشر جعفر بن أبي وحشية من مجاهد، وما يأتي ذكره من الخلاف على ابن عمر.
فأما الكلام على سماع أبي بشر من مجاهد، فقد ذكره ابن أبي حاتم (2) في "مراسيله" عن محمد بن حموية بن الحسن قال: سمعت أبا طالب قال: قال أحمد
(1)"السنن"(1/ 351).
(2)
"المراسيل"(25/ 72) وعنده قال يحيى بن سعيد: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد، قال: ما سمع منه شيئًا.
ابن حنبل قال يحيى ......... عن شعبة.
وقد روينا من طريق ابن عدي (1): ثنا عبد الوهاب بن أبي عصمة ثنا أبو طالب أحمد بن حميد: سألت -يعني أحمد بن حنبل- عن حديث شعبة عن أبي بشر قال: سمعت مجاهدًا يحدث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد: التحيات؟ فأنكره، وقال: لا أعرفه.
قلت: روى نصر بن علي عن أبيه (قال: سمعت مجاهدًا).
قال: قال يحيى: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد، قال: ما سمع منه شيئًا.
إنما (2) -ابن عمر يرويه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه علمنا [التشهد، ليس فيه النبي صلى الله عليه وسلم].
قال أبو الفتح: وقد ذكره أبو بكر بن في "مصنفه" كذلك قال: ثنا الفضل بن دكين عن سفيان عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر: أن أبا بكر كان يعلمهم التشهد على المنبر كما يعلم الصبيان في الكتاب: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
فأما سماع أبي بشر عن مجاهد فقد روى البخاري في كتاب البيوع في "صحيحه" حديث: "إن من الشجر شجرة كالرجل المؤمن
…
" عن أبي الوليد عن أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر الحديث، ففيه القول من البخاري
(1)"الكامل"(2/ 151) والزيادة منه، مكانها بياض في الأصل.
(2)
كان هنا كلمة مثل: (هذا). ولا يقابلها شيء في المطبوع.
بتصحيح حديث أبي بشر عن مجاهد.
وأما الخُلْف، فيجوز أن يكون ابن عمر روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عن أبي بكر، وحدث به على الوجهين، وقد قال الدارقطني (1) عقيب تخريجه إياه في "سننه" عن أبي بكر بن أبي داود عن نصر بن علي، كما أخرجه أبو داود: هذا إسناد صحيح، تابعه على رفعه ابن أبي عدي عن شعبة ووقفه غيرهما.
وقد روي من وجه آخر، قال ابن أبي حاتم في "علله" (2): سمعت أبي وذكر حديثًا به عن حيوة بن شريح عن بقية عن الزبيدي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين؟ فقال أبي: هذا حديث منكر.
وأما حديث جابر فروينا من طريق النسائي أنا محمد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر سمعت أيمن يقول: حدثني أبو الزبير عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: "بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار".
وأخرجه ابن ماجه أيضًا من حديث أيمن وقد رواه عن أيمن جماعة غير المعتمر والصحيح فيه أنه من رواية أبي الزبير من طريق ابن عباس فقد قال الدارقطني. في أيمن ليس بالقوي خالف الناس ولو لم يكن إلا حديث التشهد مع ما سبق فيه من قول الترمذي: غير محفوظ، ابن عساكر في "تاريخه" في ترجمة أيمن. قرأت بخط أبي عبد الرحمن النسائي: لا نعلم أحدًا تابع أيمن على هذا الحديث يعني حديث
(1)"السنن"(1/ 351) وفي نسخة السندي: ورفعه غيرهما.
(2)
"العلل" رقم (518)، ولم يتميز لي موطن الشاهد، والحديث رواه الطحاوي (1/ 268).
التشهد وخالفه الليث في إسناده، وأيمن لا بأس به والحديث خطأ وبالله التوفيق (1).
وقال الحاكم: حديث أيمن بن نابل المكي عن أبي الزبير جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في التشهد: "بسم الله وبالله" وأيمن بن نابل ثقة مخرج حديثه في صحيح البخاري فلم يخرج هذا الحديث إذ ليس له متابع على أبي الزبير من وجه يصح.
وقد توبع أيمن عليه فيما حكاه الدارقطني أيضًا في "علله" فقال: يرويه الثوري وابن جريج وأيمن بن نابل عن أبي الزبير عن جابر وخالفهم ليث بن سعد وعمرو بن الحارث روياه عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس. ورواه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي وزكريا بن خالد شيخ لأهل الكوفة يروي عنه قيس بن الربيع وغيره عن أبي الزبير عن طاوس وحده عن ابن عباس.
وحديث ابن عباس أشبه بالصواب من حديث جابر.
قول الدارقطني: عبد الرحمن بن حميد رواه عن أبي الزبير عن طاوس وحده مخالف لما ذكره الترمذي من قوله عن عبد الرحمن أنه رواه نحو حديث الليث وهو قد ساق حديث الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس ومن أثبت مقدم على من نفى إلا أن يكون الترمذي أراد بقوله نحو حديث الليث في أنه من طريق ابن عباس لا من طريق جابر.
وقد رواه مسلم كما قال الدارقطني: فقال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة يحيى بن
(1)"تاريخ دمشق"(10/ 50).
وفي "شرح علل الترمذي"(2/ 642): ذكر مسلم في كتاب "التمييز" أن زيادة التسمية في التشهد تفرد بها أيمن، وزاد في آخر التشهد: وأسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار.
وذكر أن الحفاظ رووه عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس بدون هاتين الزيادتين.
قال مسلم: والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم.
آدم ثنا عبد الرحمن بن حميد حدثني أبو الزبير عن طاوس عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن.
وأما قول الترمذي في حديث ابن عباس: إنه غريب مع تصحيحه إياه، فالظاهر أن فكذلك هو في الكتب الخمسة وغيرها.
فقد كان هذا الاستغراب صحيحًا لولا أن الدارقطني ذكر أن عمرو بن الحارث تابع الليث عليه فيكون على هذا عزيزًا لا غريبًا، وهي رتبة الغرابة التي أشار إليها توهمه أن الليث انفرد به عن أبي الزبير بين الغريب والمشهور.
* وأما حديث أبي موسى فروينا من طريق مسلم ثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري ومحمد بن عبد الملك الأموي واللفظ لأبي كامل قالوا ثنا أبو عوانة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبركة والزكاة قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا فأرم القوم ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا فأرم القوم قال: لعلك يا حطان قلتها قال: ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني بها فقال رجل من القوم: أنا قلتها ولم أرد بها إلا الخير فقال أبو موسى: ما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك بتلك وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم فإن الله تعالى قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع
قبلكم" قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "فتلك بتلك، وإذا كان عند القعدة فليكم من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
وأما حديث عائشة فلم نره مرفوعًا وإنما روينا من طريق يحيى بن يحيى في "موطئه" عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول إذا تشهدت: التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم.
ورويناه بالإسناد المذكور إلى مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بعينه.
وفي الباب مما لم يذكره عن سمرة بن جندب روينا من طريق أبي داود قال ثنا محمد بن داود بن سفيان قال: ثنا يحيى بن حسان قال: ثنا سليمان بن موسى أبو داود قال: ثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدثني خُبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب: أما بعد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في وسط الصلاة أو حين انقضائها: "فابدأوا قبل التسليم فقولوا: التحيات والطيبات والصلوات والملك لله ثم سلموا على اليمين ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم".
قال أبو داود: سليمان بن موسى كوفي الأصل كان بدمشق وقد رواه الطبراني أيضًا من حديث محمد بن إبراهيم هو ابن خُبيب بن سليمان بن سمرة عن جعفر بن سعد فتابع محمد بن إبراهيم سليمان بن موسى وسليمان ثقة روى عنه مروان
ابن محمد الطاطري ووثقه وقال أبو حاتم: محله الصدق مستقيم الحديث صالح الحديث.
وفيه عن عمر بن الخطاب روينا عن الدارقطني ثنا عبد الله بن سليمان بن أبي (1) شعيب ثنا محمد بن وزير الدمشقي قال: ثنا الوليد بن مسلم أخبرني ابن لهيعة أخبرني جعفر بن ربيعة عن يعقوب بن الأشج أن عون بن عبد الله بن عتبة كتب لي في التشهد عن ابن عباس وأخذ بيدي فزعم أن عمر بن الخطاب أخذ بيده فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فعلمه التحيات لله الصلوات الطيبات المباركات لله.
قال الدارقطني: هذا إسناد حسن وابن لهيعة ليس بالقوي.
وذكر الطبراني في "معجمه الأوسط"(2) من حديث علي قال: نا إبراهيم يعني الوكيعي نا عبد الرحمن بن صالح الأزدي ثنا عمرو بن هاشم ثنا أبو مالك الجنبي عن عبد الله بن عطاء، قال: حدثني البهزي (3)، قال: سألت الحسين بن علي عن تشهد علي فقال: هو تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: حدثني بتشهد علي عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: "التحيات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والزاكيات والناعمات والسابغات الطاهرات لله".
(1) كذا، وفي "السنن" (1/ 351): بن الأشعث.
وراجعتُ "الإتحاف"(15472) فوجدته موافقًا للمطبوع.
والحديث رواه الحاكم (1/ 266) وصححه على شرط البخاري!!
(2)
"الأوسط"(2917)، وانظر "الكبير" له (2905)، قال الهيثمي (2/ 141): رجال الكبير موثقون.
قال الحافظ في "التلخيص"(1/ 267): إسناده ضعيف، وله طريق أخرى عن علي رواها ابن مردويه من طريق أبي إسحاق عن الحارث عنه ولم يرفعه.
(3)
في نسخة السندي: النهدي، وفي "التلخيص": الزهري!
قال: لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن عطاء إلا عمرو.
وذكر من حديث ابن الزبير: نا بكر -هو ابن سهل- نا عبد الله بن يوسف نا ابن لهيعة نا الحارث بن يزيد قال: سمعت أبا الورد يقول: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: إن تشهد النبي صلى الله عليه وسلم: "بسم الله وبالله خير الأسماء، التحيات لله الصلوات الطيبات، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم اغفر لي واهدني".
هذا في الركعتين الأوليين.
قال: لا يروى هذا الحديث عن عبد الله بن الزبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة (1).
الوجه الثاني في غريبه، وفيه مسائل:
الأولى: سمي التشهد لما فيه من الشهادتين.
الثانية: التحيات جمع تحية قال الأزهري: عن الفراء هي الملك وقيل: البقاء الدائم وقيل السلامة وتقديره السلامة من الآفات لله قال: وقيل التحية العظمة (2) روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وقاله ابن المنذر وآخرون.
(1) قال الحافظ في "النتائج"(2/ 191): أخرجه البزار في "مسنده"(562 - كشف) والطبراني في "الكبير" وفي سندهما ابن لهيعة.
قال الهيثمي (2/ 141): ومداره على ابن لهيعة، وفيه كلام.
قلت: وقال البزار: أبو الورد لم يرو عنه إلا الحارث، روى عنه ابن لهيعة وغيره. (أي الحارث).
(2)
في الأصل كأنها: التعظمة، على وزن تفعلة.
قال ابن قتيبة: إنما قيل التحيات بالجمع لأنه كان لكل واحدٍ من ملوكهم تحية يحيى بها فقيل لنا قولوا التحيات لله أي الألفاظ التي تدل على الملك مستحقة لله تعالى وحده.
وقال يعقوب: التحية الملك قال زهير بن جناب الكلبي (1):
ولكل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية
يريد إلا الملك.
الثالثة: الصلوات قيل المراد به العبادات قاله الأزهري: وقيل الرحمة وقيل الأدعية حكاهما البغوي وقيل: المراد الصلوات الشرعية وقيل الصلوات الخمس وهو اختيار ابن المنذر في آخرين.
قال صاحب "المطالع": تقديره الصلوات لله ومنه أي هو المتفضل بها وقيل المعبود بها.
الرابعة: الطيبات قيل معناه الطيبات من الكلام الذي هو الثناء على الله تعالى حكي عن الأزهري وغيره وقال الخطابي: معناه ما طاب وحسن من الكلام فيصلح أن يثنى به عليه ويدعي به دون ما لا يليق وقال ابن بطال وغيره: معناه الأعمال الصالحة.
الخامسة: سلام عليك أيها النبي قال الأزهري: وفيه قولان: أحدهما: معناه
(1) نقله ابن عساكر (19/ 102): قال أبو حاتم: أخبرنا أبو زيد الأنصاري عن المفضل
…
فذكر أبياتًا منها هذا:
كل الذي نال الفتى
…
قد نلته إلا التحية
وذكر كما عندنا في "غريب الحديث"(1/ 112) ومعزوًا لزهير. وكذا عند ابن قتيبة (1/ 147).
اسم السلام أي: اسم الله عليك. والثاني: معناه سلم الله عليك تسليمًا وسلامًا ومن سلم الله عليه سلم من الآفات كلها.
السادسة: السلام علينا الضمير فيه يعود على الإمام والمأمومين والملائكة وغيرهم.
السابعة: وعلى عباد الله الصالحين العباد جمع عبد روينا عن القشيري في "رسالته" قال: سمعت أبا علي الدقاق يقول: ليس شيء أشرف من العبودية ولا اسم أتم للمؤمنين من الوصف بالعبودية ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وكانت أشرف أوقاته صلى الله عليه وسلم في الدنيا {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا} وقال تعالى: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} .
والصالحون جمع صالح قال أبو إسحاق الزجاج: هو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد.
الوجه الثالث في شيء من العربية وغيرها وفيه مسألتان:
الأولى: وقع في حديث ابن مسعود والصلوات الطيبات بواو العطف، ووقع في حديث ابن عباس بغير واو فقيل: الواو مراده محذوف وهو جائز نحو قوله: كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما يزرع الود في فؤاد الكريم يريد كيف أصبحت وكيف أمسيت ونحو قوله:
ضربًا طلخفا في الطلى سخيتا
يريد ضربًا طلخفا سخيتا، والطلخف الشديد، والسخيت دونه في الشدة.
وقال آخر:
ما لي لا أسقى على علاتي
…
صبائحي غبائقي قيلاتي (1)
يريد أقاتل عنهن كما أقاتل عن أمهاتي.
وهذا يجوز إذا فهم المعنى؛ هذه طريقة من أخذ بتشهد ابن عباس.
وأما من أخذ بحديث ابن مسعود فيقول: واو العطف تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناء مستقلًا، وإذا سقطت واو العطف كان ما عدا اللفظ الأول صفة له فتكون جملة واحدة في الثناء والأول أبلغ فكان أولى وزاد بعضهم في تقريره بأن قال: لو قال: والله الرحمن والرحيم، لكانت أيمانًا متعددة، تتعدد بها الكفارة، ولو قال: والله الرحمن الرحيم لكانت يمينًا واحدة وتعدد الثناء في هذا صريح وليس هو في الأول كذلك فهو أولى.
الثانية: السلام اسم من أسماء الله تعالى الحسنى وهو السالم من النقائص وصفات الحدث وقيل: المسلِّم عباده وقيل المسلم عليهم في الجنة كما قال {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} ومعناه في قوله: السلام عليك أيها النبي وفي سلام الصلاة السلامة والنجاة فيكون مصدرًا كاللذاذ واللذاذة كما قال تعالى: {فسلام لك من أصحاب اليمين} وقيل السلام عليك أي الانقياد إليك والتسليم لأمرك، قال تعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما} .
اختلف الأصوليون في العموم هل له صيغة أم لا فذهب الشافعي وغيره إلى الأول خلافًا للمرجئة وآخرين.
(1) انظر "اللسان"(غ ب ق).
وفي مادة (ق ي ل): لا أبكي على علاتي ....
ولعله أظهر في المعنى.
أو يمكن أن تكون أشقى، بالشين، كما قرأها من نسخ المخطوط قبلي.
وعباد الله جمع معرف الإضافة وقد دل هنا على العموم لقوله عليها السلام: "فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح لله في السماء أو في السماء والأرض" فأدخل فيه الكل حتى الملائكة فاقتضى أن للعموم صيغة وأن هذا الجمع من صيغته خلافًا لمن منع من ذلك.
الوجه الرابع في الفوائد والمباحث:
وفيه مسائل:
الأولى: أصح الأحاديث الوادرة في التشهد حديث عبد الله بن مسعود كما تقدم وإلى القول به ذهب الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والكوفيون وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وأهل الحديث. قال أبو عمر: كان أحمد بن خالد بالأندلس يختاره ويميل إليه ويتشهد به.
وذهب آخرون إلى حديث ابن عباس منهم الليث والشافعي والذي اختاره مالك من ذلك ما رويناه من طريق يحيى بن يحيى في "موطئه" عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله. وكلها حسن عند أهل العلم متفق على جوازه وممن نقل الإجماع على الجواز في الكل القاضي أبو الطيب الطبري وإنما اختلفوا في الأفضل كما ذكرنا أو التسوية فقد كان أبو عمر يقول الاختلاف في التشهد وفي الأذان الإقامة وعدد التكبير على الجنائز وما يقرأ وما يدعا به (1) فيها وعدد التكبير في العيدين ورفع الأيدي في ركوع الصلوات وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وسدل اليدين
(1) رسمت عند السندي: وبدعائه فيها.
وفي القنوت وتركه وما كان مثل هذا كله اختلاف مباح كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثًا إلا أن فقهاء الحجاز والعراق الذين تدور عليهم وعلى أتباعهم الفتوى يتشددون في الزيادة على أربع تكبيرات على الجنائز ويأبون من ذلك وهذا لا وجه له لأن السلف كبروا سبعًا وثمانيًا وستًّا وخمسًا وأربعًا وثلاثًا وقال ابن مسعود: كبر ما كبر إمامك، وبه قال أحمد بن حنبل وهم يقولون أيضًا إن الثلاث أفضل من الواحدة السابغة (1)، وكل ما وصفت لك قد نقلته الكافة من الخلف عن السلف ونقله التابعون عن السابقين نقلًا لا يدخله غلط ولا نسيان لأنها أشياء ظاهرة معمول بها في بلدان الإسلام زمنًا بعد زمن يعرف ذلك علماؤهم وعوامهم من عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى هلم جرًّا، فدل على أن ذلك مباح كله وسعة ورحمة وبخير والحمد لله.
قال أبو الفتح: وبلغني عن بعض من أدركته من الفضلاء ممن ينتحل مذهب الشافعي رحمه الله نحوًا من كلام أبي عمر هذا ويرى أن الكلف مخير في نحو ما ذكرناه وكان كثيرًا ما يقنت في الوتر وربما قنت في الصبح وكذلك كان يفعل في كثير مما يجري هذا المجرى.
الثانية: في الترجيح بين ما ذكرناه من أنواع التشهد والذي اختاره الكوفيون حديث ابن مسعود كما ذكرنا لصحته الراجحة على صحة غيره ولما تقدم من زيادة الثناء، والذي اختاره الشافعي ومن نرع منزعه الأخذ بحديث ابن عباس زعموا لما فيه من زيادة: المباركات وتأنسوا في ذلك بموافقتها لقوله تعالى: {تحية من عند الله مباركة طيبة} ولقوله فيها (كما يعلمنا السورة من القرآن) ورجحه البيهقي بأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ابن عباس وأقرانه من أحداث الصحابة فيكون متأخرًا على تشهد ابن مسعود وأقرانه ويلزمهم في ذلك ترجيح ما رجحه مالك من وجه تعليم عمر ذلك
(1) أي في الوضوء.
الناس على المنبر بحضرة الصحابة ولم ينكر، ومثل هذا لا يكون إلا بتوقيف وهو بيقين بعد تعليم ابن عباس فتأخر التعليم فيما ذهب إليه مالك أظهر وزيادة المباركات يقابلها عند مالك (الزاكيات)، إلا أن أصحابنا تمسكوا بالحديث المرفوع الثابت وأصحاب مالك تمسكوا بأثر عن عمر غير أنه جارٍ على أصل مالك في ترجيحه عمل أهل المدينة لكن لم يسلم له عمل أهل المدينة في ذلك، لما ذكر ابن أبي شيبة: نا الفضل بن دكين عن سفيان عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر: أن أبا بكر كان يعلمهم التشهد على المنبر كما يعلم الصبيان في الكتاب: التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وهذا يوافق بحديث ابن مسعود، فترجح بكل اعتبار، ويشهد له في عمل أهل المدينة ما ذكر (1) عن ابن علية عن أبي المتوكل: سألنا أبا سعيد عن التشهد، فذكر نحوه سواء، قال أبو سعيد: كنا لا نكتب شيئًا إلا القرآن والتشهد.
وحكى الرافعي وجهًا غريبًا في مذهب الشافعي أن الأفضل أن يقول التحيات المباركات الزاكيات والصلوات الطيبات لله ليكون جامعًا لها كلها.
الثالثة: وقع في حديث جابر الذي ذكرناه: باسم الله وبالله في أول التشهد وقد صححه الحاكم ولا وجه لتصحيحه لما سبق (2) وقد ذكر أن عليًّا وابن عمر ذهبا لذلك حكاه الشيخ أبو حامد قال: ولم يقل به غيرهما يعني من المتقدمين وقد ذكر ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر قال: في التشهد باسم الله وعن
(1)"المصنف" لابن أبي شيبة (2991)، وانظر "تقييد العلم"(93).
(2)
علق عليه السندي بقوله:
قوله (لما سبق) قد [سبق] للشارح تصحيحه لتوثيق أيمن، وإيراد المتابع له، فلعله غفل عما سلف
له، فافهم. اهـ.
وكيع عن إسحاق بن يحيى عن المسيب بن رافع قال: سمع ابن مسعود رجلًا يقول في التشهد: بسم الله فقال: إنما يقال هذا على الطعام وهذا موافق لما سبق عن ابن مسعود.
وروى وكيع عن مسعر عن حماد عن سعيد بن جبير أنه كان يقول في التشهد باسم الله.
وقال أبو علي الطبري وغيره من الأصحاب: يستحب أن يقول في أوله بسم الله وبالله. وقطع الجمهور بأنه لا يستحب التسمية ولم ينقل عن الشافعي لعدم ثبوت الحديث فيها.
الرابعة: وأما أقل التشهد فقال الشافعي وأكثر الأصحاب: أقله التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وقال جماعة: وأن محمدًا رسوله نقله الرافعي عن جماعة، وقال البغوي: وأشهد أن محمدًا رسوله، قال: ونقله ابن كج والصيدلاني فأسقطا قوله (وبركاته) وقالا: وأشهد أن محمدًا رسول الله، وقد وجد في نص الشافعي في كتاب "الأم" كذلك. وقال ابن سريج: أقله: التحيات لله سلام عليك أيها النبي سلام على عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسوله. وأسقط بعضهم في حكاية عن ابن سريج لفظ السلام الثاني وأسقط بعضهم الصالحين فقال: السلام عليك أيها النبي وعلى عباد الله، واختار الحليمي والصحيح الأول لأنه تكرر في الأحاديث ولم يسقط في شيء من الروايات الصحيحة فيجب الإتيان به، ولهذا قال الشافعي والأصحاب يتعين لفظ التحيات لثبوتها في جميع الروايات بخلاف المباركات وما بعدها.
ومما سقط منه لفظة (وأشهد) رواية أبي موسى فيقرب الحال في إسقاطها للمقتصر على الأقل وأما إسقاط الصالحين لأن الشرع فيه لم يرد بالسلام على كل العباد بل خص الصالحين.
وكذلك إسقاط (علينا) لاحتمال عدم دخول التشهد في الصالحين. وحاصل ما ذكرناه أن في قوله (ورحمة الله وبركاته) ثلاثة أوجه أصحها وجوبهما والثاني حذفهما والثالث وجوب الصالحين دون الثاني.
وفي علينا والصالحين ثلاثة أوجه: أصحها وجوبهما، والثاني حذفهما، والثالث وجوب الصالحين دون علينا.
وفي الشهادة الثانية ثلاثة أوجه أحدها وأشهد أن محمدًا رسول الله والثاني وهو الأصح وأن محمدًا رسول الله والثالث وأن محمدًا رسوله.
هذا مذهب الشافعي، وقد خالفه في هذا الاقتصار على بعض ألفاظ التشهد غيره، وهو عند أصحاب الشافعي معلل بأن هذا القدر المقتصر عليه هو الثابت في جميع الروايات، ويرد عليه: أن الزائد في بعضها زيادة ثقة فيجب قبولها لتوجه الأمر إليها، والعمل بها لثبوتها.
الخامسة: اختلف النقل من رواة الحديث والفقه من أصحاب الشافعي في تعريف السلام في الموضعين أو (1) تنكيره في الموضعين أو تعريفه في الأول وتنكيره في الثاني واتفق الأصحاب على أن جميع هذا جائز لكن الألف واللام أفضل لكثرته في الأحاديث والمنقول عن الشافعي ولزيادته فيكون أحوط ولموافقته سلام التحلل من الصلاة قال شيخنا الحافظ أبو الفتح القشيري رحمه الله: السلام معرف في تشهد ابن مسعود، ومنكر في حديث ابن عباس، والتعريف أعم. قال أبو الفتح اليعمري:
(1) في نسخة السندي: وتنكيره.
قد ثبت التعريف في حديث ابن عباس أيضًا في الصحيح.
السادسة: اختلف العلماء في وجوب التشهد وفي حكم صلاة من لم يتشهد في صلاته، فقال الشافعي (1) فيما حكاه عنه أبو عمر: من ترك التشهد الأخير ساهيًا أو عامدًا فعليه إعادة الصلاة إلا أن يكون الساهي قريبًا فيعود إلى تمام صلاته ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويغني التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة عن التشهد قبله ولا يغني عنه ما كان قبله من التشهد فالتشهد الأخير فرض عندنا وكذلك الجلوس له وفيه خلاف بين العلماء سنذكره فيما يأتي إن شاء الله في باب ما جاء في الرجل يحدث في التشهد فذلك الموضع أمسُّ به من هذا.
ومن الحجة لأصحابنا ما رويته عن أبي الحسن الدارقطني في سننه قال: ثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال: ثنا أبو عبيد الله المخزومي سعيد بن عبد الرحمن ثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش ومنصور عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفرض التشهد السلام على الله السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تقولوا هكذا فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
قال الدارقطني: هذا إسناد صحيح وكذلك قال البيهقي أيضًا (2).
واستدل أصحابنا من هذا الحديث بوجهين:
الأول: قوله قبل أن يفرض التشهد فدل على أنه فرض.
(1) وانظر "الأم"(1/ 118).
(2)
وصححه الحافظ (2/ 312).
والثاني: قوله قولوا ولم يعارضه مثله والله أعلم.
قال أبو عمر: لم يقل أحد في حديث ابن مسعود هذا بهذا الإسناد ولا بغيره قبل أن يفرض التشهد إلا ابن عيينة.
السابعة: قال أصحابنا يكره أن يزيد في التشهد الأول على لفظ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والآل ........ (1) فيكره أن يدعو فيه أو يطوله بذكر آخر وستأتي أحكام هذه المسألة في باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين.
الثامنة: والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فرض في التشهد الأخير عندنا، وفي وجوبها على الآل وجهان حكاهما إمام الحرمين والغزالي قولين الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور من الأصحاب لا يجب والثاني يجب.
فأما وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فمنقول عن عمر وابن عمر وابن مسعود وأبي مسعود البدري وأبي أسيد وأبي حميد الساعدي.
ورواه البيهقي وغيره عن الشعبي وهو أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل.
وقال مالك وأبو حنيفة وأكثر العلماء: هي مستحبة لا واجبة حكاه ابن المنذر عن مالك وأهل المدينة وعن الثوري وأهل الكوفة وأهل الرأي وجماعة من أهل العلم.
قال ابن المنذر: وبه أقول، وقال إسحاق: إن تركها عمدًا لم تصح صلاته وإن تركها سهوًا رجوت أن تجزئه واحتج لكل طائفة بما سنذكره عند الكلام على حديث كعب بن عجرة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقيب التشهد الأول، ففيه قولان مشهوران: القديم لا تشرع، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وحكي عن عطاء والشعبي
(1) كلمة وأكثر غير واضحة، ظهر منها: إذ، أو: إذا.
ولعلها وما بعدها: إذ استثنى ها هنا.
والنخعي والثوري.
والجديد الصحيح تشرع.
وحكى المحاملي طريقين أحدهما هذا والثاني تسن.
وأما الصلاة على الآل فيه ففيها طريقان: أحدهما: لا يشرع.
والثاني: أنه مبني على وجوبها في التشهد الأخير؛ فإن لم يوجبها لم يشرع هنا، وإلا فقولان كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
التاسعة: فيما يستحب من ذلك وأقل ما يجزئ منه، فأما ما يستحب من ذلك فقال الشافعي والأصحاب: الأفضل أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
قال بعضهم: وينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة من ذلك فيقول: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وأما أقل الصلاة فقال الشافعي والأصحاب: هو أن يقول: اللهم صل على محمد فلو قال صلى الله على محمد فوجهان حكاهما صاحب "الحاوي" قال: هما كالوجهين في قوله: (عليكم السلام) والصحيح أنه يجزئه ونص الشافعي في "الأم" على أنه لو قال: (صلى الله على رسول الله) أجزأه.
قال صاحب "التهذيب": وفي هذا دليل على أنه لو قال: اللهم صل على النبي أو على أحمد أجزأه وكذا قطع الرافعي بأنه لو قال صلى الله على رسوله أجزأه
قال: وفي وجه يكفي أن يقول صلى الله عليه والكناية ترجع إلى قوله في التشهد وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وقال القاضي حسين في "تعليقه": لا يجزئه أن يقول: اللهم صلّ على أحمد أو النبي بل تسميته محمدًا صلى الله عليه وسلم واجبة ويشترط أن يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، وأما الصلاة على الآل فأقل ذلك أن يقول وآله.
العاشرة: بيان آل النبي صلى الله عليه وسلم المأمور بالصلاة عليهم وفيهم ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصحيح في المذهب أنهم بنو هاشم وبنو المطلب وهذا هو الذي نص عليه الشافعي.
والثاني: أنهم عترته الذين ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم وهم أولاد فاطمة رضي الله عنهم ونسلهم أبدًا حكاه الأزهري وآخرون وهو الصحيح.
والثالث: أنهم كل المسلمين التابعين له صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة حكاه القاضي أبو الطيب الطبري عن بعض الأصحاب واختاره الأزهري وآخرون وهو قول سفيان الثوري وغيره من المتقدمين ورواه البيهقي عن جابر بن عبد الله واحتج القائلون بهذا بقول الله تعالى: {أدخلوا آل فرعون} والمراد جميع أتباعه كلهم.
واحتج الأولون بقوله عليه السلام: "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" وسيأتي الكلام عليه في كتاب الزكاة أبسط من هذا إن شاء الله تعالى.
الحادية عشرة: لفظ التشهد متعين فلو أبدله بمعناه لم تصح صلاته وإن كان قادرًا على لفظه بالعربية، فإن عجز أجزأته ترجمته وعليه التعلم، وحكى القاضي أبو الطيب وجهًا أنه لو قال أعلم أن لا إله إلا الله بدل أشهد أجزأه لأنه بمعناه والصحيح المشهور أنه لا تجزئه كسائر الكلمات وينبغي أن يأتي بالتشهد مرتبًا فإن ترك الترتيب نظر، إن غيره تغييرًا مبطلًا للمعنى لم تصح بلا خلاف وتبطل صلاته وإن لم يغير
فطريقان المذهب صحته وهو المنصوص في "الأم" والثاني في صحته وجهان وقيل قولان.
الثانية عشرة: وتكره القراءه في التشهد لأنه ركن لم تشرع فيه القراءة كالركوع والسجود.
الثالثة عشرة: والدعاء عقيب التشهد الآخر عندنا مستحب وله أن يدعو بما أحب من أمور الدنيا والآخرة من الأدعية المأثورة وغيرها ويكفي من ذلك قوله عليه السلام: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه". رواه البخاري ومسلم في حديث ابن مسعود.
قال أصحابنا: والدعاء بأمور الآخرة أفضل، وقال الشافعي: أحب ذلك لكل مصلٍّ، وأرى أن تكون زيادته إن كان إمامًا أقل من قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه قليلًا للتخفيف عمن خلفه وإن لم يزد على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كرهت ذلك ولا إعادة عليه ولا سجود سهو.