الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
46 - باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس
ثنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر".
قال: وفي الباب عن جابر وأنس وحنظلة الأسيدي (1).
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
* الكلام عليه:
حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم من هذا الوجه وغيره.
وحديث جابر قرأت على الحافظ أبي العباس بن الطاهر أخبركم ابن اللتي أنا أبو الوقت أنا الداودي أنا ابن حمويه أنا عيسى بن عمر السمرقندي أنا الدارمي أنا يعلى بن عبيد نا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الصلوات المكتوبة كمثل نهر جار عذب على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" رواه مسلم من حديث الأعمش.
وحديث أنس أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر عذب جار أو غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ما يبقى عليه من درنه" رواه عن زكريا بن يحيى الواسطي نا داود بن الزبرقان عنه.
وحديث حنظلة رواه الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث سعيد بن أبي
(1) في هامش نسخة السندي: الأسيدي بضم الهمزة وفتح السين، وآخر الحروف مكسورة مشددة
…
نسبة إلى أسيد بطن من تميم يقال له: سيد ...... تميم.
عروبة عن قتادة عن حنظلة الأسيدي وكان يقال له كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حافظ على الصلوات الخمس والصلاة المكتوبة على وضوئها وعلى مواقيتها وركوعها وسجودها يراه حقًّا حرم الله عليه النار. أخرجه عن عبيد بن غنام ومحمد بن عبيد الله الحضرمي قالا نا أبو بكر بن أبي شيبة قال: وثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا عثمان بن أبي شيبة قالا: نا محمد بن بشر نا سعيد بن أبي عروبة.
وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال أبو العباس السراج في مسنده نا أبو يحيى نا الهيثم بن خارجة نا يحيى بن حمزة عن عتبة بن أبي حكيم حدثني طلحة بن نافع حدثني أبو أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة وأداء الأمانة كفارات لما بينها". فقلت: وما أداء الأمانة؟ قال: "غُسل الجنابة فإن تحت كل شعرة جنابة".
وروى مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه من طرق أحدها قال عثمان: ثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله عليه فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات لما بينهن" تقدم الكلام على شيء من معاني هذا الحديث، وتكفير الذنوب بالطهارة للصلاة وأن الذنوب التي يكفرها الوضوء هي الصغائر دون الكبائر في باب ما جاء في فضل الطهور، في قوله عليه السلام: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء
…
" الحديث.
قال أبو عمر: قال بعض المنتسبين إلى العلم الكبائر والصغائر تكفر بالصلاة والطهارة واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: "فما ترون ذلك يبقي من درنه"، وما في معناه.
قال: وهذا جهل وموافقة للمرجئة فيما ذهبوا إليه من ذلك وكيف يجوز لذي
لب أن يحمل هذه الآثار على عمومها وهو يسمع قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا} وقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون} في آي كثير من كتابه، ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفرة للكبائر لما كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنى، ولا كان من توضأ وصلى مشهودًا له بالجنة بإثر سلامه من صلاته وإن ارتكب ما شاء من الموبقات الكبائر وهذا لا يقوله أحدٌ ممن له فهم صحيح.
وقد أجمع المسلمون أن التوبة على المذنب فرض، والفرض لا يصح أداء شيء منه إلا بقصد ونية، فأما أن يصلي وهو غير ذاكر لما ارتكب من الكبائر ولا نادم على ذلك، وحكمه حكم التائب محال، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"الندم توبة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لا بينهن ما اجتنبت الكبائر".
وأسند في ذلك حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة المذكور في الباب، وحديث الحسن عن عمران بن الحصين وحديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قوله، وعن طارق بن شهاب سمع سلمان الفارسي يقول:"حافظوا على الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراح، ما لم تصب المقتلة".
وذكر من طريق ابن أبي شيبة حديث إبراهيم عن علقمة عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أحدثكم عن يوم الجمعة لا يتطهر رجل ثم يأتي الجمعة فيجلس وينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت كفارة لا بين الجمعة إلى الجمعة ما اجتنبت المقتلة".
ومن طريق إسماعيل القاضي حديث الحسن عن أبي هريرة: "ما اجتنبت الكبائر"، وذكر قول الله عز وجل:{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية.
فإن مات صاحب الكبيرة عن غير توبة فمصيره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وإن تاب قبل حضور الموت ومعاينته وندم واعتقد أن لا يعود واستغفر ووجل كان كمن لم يذنب. وبهذا كله الآثار الصحاح عن السلف قد جاءت وعليه جماعة علماء المسلمين. انتهى كلام أبي عمر.
وقول سلمان في حديثه ما اجتنبت المقتلة عبر بالمقتلة عن الكبائر، كما عبر بالجراح عن الصغائر فهو في معنى غيره من أحاديث الباب لا أنه أراد القتل والجراح المعروفة فتلك حقوق الآدميين لا يكفرها وضوء ولا صلاة، وفي رد أبي عمر على هذا القائل في معنى الأحاديث التي لا ذكر للكبائر فيها بالأحاديث التي فيها ذكر الكبائر.
والمقتلة تسليم لكون تلك الأحاديث تقتضي ما ادعاه وليس كذلك، وإنما اقتضت تكفير خطايا أعضاء الوضوء المذكورة فيه من الوجه واليد والرجل عمّا اجترحه كل عضو بانفراده لا ما أمد بعضها فيه بعضًا واشتركت فيه. وقوله بعد ذلك:(حتى يخرج نقيًّا من الذنوب) فحمل الألف واللام هنا على العهد والمراد به الذنوب الصادرة من الأعضاء الذكورة لا كل الذنوب عمومًا.
فقد قال عليه السلام: "العينان تزنيان واليدان تزنيان والفم يزني يصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه". وليس للفرج في الأعضاء المذكورة مدخل فيكون الوضوء مكفرًا لكبيرة الزنا.
وكذلك خطيئة الرجل هي أن يمشي بها إلى خطيئة أخرى كبيرة أو صغيرة وما يمشي بها إليه غير المشي الذي هو من كسبها وكذا ما انفردت به اليد من الخطايا غير الحقوق البشرية في تلك الأعضاء كلها من القتل والسرقة والغيبة وما أشبه ذلك فالأمر في تلك مبني على المشاحة ويزيد ذلك بيانًا أنه لما كانت أحاديث الوضوء تقتضي تكفير الذنوب عن أعضاء مخصوصة والأحاديث في كفارة ما بين الصلاتين
أو الجمعتين لا يقتضي أعضاء مخصوصة احتيج إلى استثناء الكبائر في ذلك ولم يحتج إليه هاهنا وإذا انتفى التكفير عما فيه شائبة الحقوق البشرية من القتل والعقوق والسرقة والتولي يوم الزحف المؤدي إلى خذلان من تجب نصرته والغيبة والنميمة وما أشبه ذلك وعن ما ليس من كسب الأعضاء المذكورة كالزنا وعن ما اشتركت فيه الأعضاء وأمد بعضها بعضًا كتعاطي المحرمات من حضور مجالس اللهو وشرب الخمر وغير ذلك فخليق بأن لا يرد التكفير إلا على الصغائر بل ليس كل الصغائر داخلًا في ذلك إذ منها ما يشترك فيه الأعضاء المذكورة مع غيرها ومنها ما ليس من كسبها كالظن والعزم المستمر على المعصية وأنواع الترك وما أشبه مما خرج عن التكفير بالوضوء فداخل ذلك فيما تكفره الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة فيكون الوضوء مكفرًا لبعض الصغائر والصلاة التي هي أكبر وسيلة تأتي على ما لم يأت عليه الوضوء من الصغائر.
وقد قال أبو العباس القرطبي وغيره من المتأخرين: لا بعد في أن يكون بعض الأشخاص تكفر له بذلك الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص ويرد عنه من الإحسان والآداب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقد اختلفت ألفاظ الحديث ففي بعضها ما اجتنبت الكبائر وفي بعضهما ما اجتنبت المقتلة وفي بعضها ما لم تغش الكبائر والمراد منها أن بهذه الطاعات تكفر الصغائر دون الكبائر لا أن الصغائر لا تكفر إلا بشرط اجتناب الكبائر وإن كان السابق إلى الذهن معنى الشرطية فيه وأن المعنى الآخر لا يأباه اللفظ وعليه المعنى وإلا لامتنع التكفير بالصلوات والجمعة ورمضان غالبًا إذ التنزه عن كل كبيرة عزيز جدًّا وقد أورد على هذا إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة والجمعة ورمضان وما أشبه ذلك من صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء وقوله: "من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"؟
وأجيب بأن كل واحد من هذه صالح للتكفير فإن وجد ما يكفره كفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتب به حسنات ورفع به درجات.
قال النووي: وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر انتهى.
ويمكن أن يقال أيضًا إذا تقرر أن الصلاة تكفر ما لا يكفره الوضوء كما سبق فكذلك الجمعة إلى الجمعة ربما كفرت ما لم تكن الصلاة في غير الجمعة مكفرة له، وكذلك رمضان إلى رمضان ربما كفر ما لم تكن الجمعة إلى الجمعة تكفره، ولما كانت الصغائر متفاوتة كالكبائر فكذلك مكفراتها.
ويمكن أن يقال أيضًا أن تكفير مجموع الصغائر مترتب على الإتيان بجميع الطاعات المذكورات، وكذلك هو في "صحيح مسلم" نصًّا في خبر واحد:"الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" فترد الأحاديث التي لم تأت بهذا التمام إليه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ومن أتى بالزيادة حجة على من لم يأت إذا كان ثقة.
فلا يرد هذا السؤال فإنه إنما يرد على تقدير أن يكون كل من هذه الطاعات مستقلًا بالتكفير وإنما المراد أن كلها مكفرات إذا اجتمعت لا أن كلًّا منها مستقل بالتكفير إذا انفرد.
وأما صوم يوم عرفة وعاشوراء ففي قوة ما يكفر صغائر صائمه لسنة أو سنتين إن وجد ذلك بمعنى أن توابه بهذه المثابة وأجر صائمه في هذه الرتبة إن لم يجد ما يكفره.
وأما قول الشيخ محيي الدين رحمه الله: رجونا أن يخفف من الكبائر ففيه نظر من وجهين:
الأول: أن تكفير الذنوب والثواب المرتب على الطاعات أمر توقيفي ليس للظن فيه مجال.
الثاني: أن النص الوارد باجتناب الكبائر يرده، فمعلوم أن الثواب على الإتيان بالمفترضات أعظم من الثواب على التطوعات فكيف يقال في صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء وموافقة تأمين المصلي تأمين الملائكة وليس شيء من ذلك فرضًا أنه يخفف من الكبائر مع قيام النص المقيد باجتناب الكبائر في الفرائض من الخمس والجمعة ورمضان والذي نقله المحققون أن الكبائر لا تكفرها إلا التوبة.
* * *