الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
54 - باب ما جاء ليليني منكم أولو الأحلام والنهى
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا يزيد بن زريع نا خالد الحذاء عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق".
قال: وفي الباب عن أبي بن كعب وأبي مسعود وأبي سعيد والبراء وأنس.
قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن غريب.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه.
قال: وخالد الحذاء هو خالد بن مهران يكنى أبا المنازل.
قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن خالدًا الحذاء ما حذا نعلًا قط إنما كان يجلس إلى حذاء فنسب إليه، قال: وأبو معشر اسمه زياد بن كليب.
* الكلام عليه:
حديث الباب رواه مسلم نا نصر بن حبيب وصالح بن حاتم بن وردان قالا نا يزيد بن زريع فهو صحيح لثقة رواته وكثرة الشواهد له كما سيأتي ولذلك حكم بصحته مسلم وأما غرابته فليست تنافي الصحة في بعض الأحيان (1) كما سبق فلأنه عن يزيد بن زريع اشتهر فرواه أبو داود عن مسدد والنسائي عن حميد بن مسعدة كلاهما عن يزيد بن زريع كما سبق.
(1) في نسخة السندي: الأخبار.
وأما الغرابة التي أشار إليها فقد قال الدارقطني: تفرد به خالد بن مهران الحذاء عن أبي معشر زياد بن كليب. انتهى. فهو على هذا غريب من حديث أبي معشر وكذلك هو عند أبي معشر عن إبراهيم، وبهذا التفرد يوجه القول بتحسينه وسيأتي لهذا مزيد بيان عند الكلام على ترجمة أبي معشر.
وحديث أبي بن كعب رواه الإمام أحمد من حديث قيس بن عباد قال: قدمت المدينة للقاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما كان بينهم رجل ألقاه أحب إليّ من أبي هو ابن كعب فأقيمت الصلاة فخرج عمر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت في الصف الأول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري فنحاني وقام في مكاني فما عقلت صلاتي فلما صلى قال: يا بني لا يسوءك الله إني لم آت الذي أتيت بجهالة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "كونوا في الصف الذي يليني"، وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك ثم حدّث، فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوجهًا إليه قال: فسمعته يقول: هلك أهل العقدة ورب الكعبة ألا لا عليهم آسى ولكن آسى على من يُهلكون من المسلمين، وإذا هو أبيّ، رواه النسائي، وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" واللفظ لأحمد.
متحت أعناقها: بتاءين ثالث الحروف وحاء مهملة، أي: مدّت.
وأهل العُقدة بضم العين المهملة وسكون القاف يريد البيعة المعقودة للولاية.
وحديث أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم"، قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافًا. رواه مسلم.
وحديث أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرًا
…
الحديث، تقدم في باب فضل الصف الأول.
وحديث البراء لعله قوله: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حببت أن أكون عن يمينه. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي وهذا لفظه.
وحديث أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه. رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه.
وقول الترمذي وفي الباب عن فلان وفلان وأنس ثم ذكر بعده: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه يشير إلى أنه غير ما تقدم عن أنس.
ومما لم يذكره: رويناه في "المعجم الكبير" للطبراني من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليقم الأعرابي خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة".
رواه عن محمَّد بن هارون بن محمَّد بن بكار عن أبيه عن جده.
وعن الحسن بن إسحاق التستري نا مخلد بن مالك نا محمَّد بن سليمان بن أبي داود الحراني قالا: عن سعيد بن بشير به.
قال: وخالد الحذاء هو خالد بن مهران يكنى أبا المنازل البصري القرشي مولاهم وقيل مولى بني مجاشع، رأى أنس بن مالك وسمع أبا عثمان النهدي وأبا المتوكل الناجي والحسن البصري ومحمد وأنسًا ابني سيرين وأختهما حفصة وسعيد بن أبي الحسن وعطاء بن أبي رباح وأبا قلابة وعبد الرحمن بن أبي بكرة وعمارًا مولى بني هاشم وعطاء بن أبي ميمونة وعبد الله بن شقيق وأبا المليح والحكم بن الأعرج وابن أشوع وأبا المنهال سيار بن سلامة وأبا معشر زياد بن كليب.
سمع منه محمد بن سيرين والأعمش ومنصور بن المعتمر وروى عنه ابن جريج والثوري وشعبة والحمادان وابن علية وبشر بن المفضل وهشيم وخالد بن عبد
الله وعبد الوهاب الثقفي ووهيب بن خالد ويزيد بن زريع وأبو إسحاق الفزاري ومعتمر بن سليمان وعبد العزيز بن المختار وعبيد الله العنبري.
قال أحمد بن حنبل: ثبت.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال محمد بن سعد: هو مولى لآل عبد الله بن عامر بن كريز، ولم يكن بحذاء ولكن كان يجلس إليهم.
وقال فهد بن حيان: لم يَحْذُ خالد قط وإنما كان يقول: احذوا على هذا النحو فلقب الحذاء، قال: وكان خالد ثقة رجلًا مهيبًا لا يجتريء عليه أحد وكان كثير الحديث.
وقال: ما كتبت شيئًا قط إلا حديثًا طويلًا فلما حفظته محوته، وكان قد استعمل على القبة (1) ودار العشور بالبصرة، وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور، وقال ابن المثنى عن قريش بن أنس: مات سنة ثنتين وأربعين أو أكثر.
وقال الخطيب: حدث عن خالد: ابن سيرين وعبد الوهاب الثقفي وبين وفاتيهما ست وتسعون سنة روى له الجماعة.
وأبو معشر زياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفي روى عن إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وفضيل بن عمرو.
وروى عنه قتادة وأيوب السختياني ويونس بن عبيد وخالد الحذاء وأبو بشر
(1) كذا في الأصول، وذكر د. بشار معروف أنه هكذا وجده بخط المزي، قال: وفي المطبوع من "طبقات ابن سعد": القتب.
انظر "الطبقات"(7/ 259).
وهو عند الذهبي في "الميزان" و "السير": القبة.
جعفر بن أبي وحشية وهشام بن حسَّان وسعيد بن أبي عروبة ومغيرة بن مقسم وشعبة.
قال أبو حاتم: هو من قدماء أصحاب إبراهيم وهو أحب إليّ من حماد بن أبي سليمان ليس بالمتين في حفظه قيل: هو ثقة، قال: صالح، وقال أحمد بن عبد الله: كان ثقة في الحديث قديم الموت، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين انتهى.
فيتوجه على ما وصف به ابن حبان أبا معشر من الحفظ والإتقان تصحيح حديثه فيما تفرد به، وعلى ما قال أبو حاتم الرازي تحسينه وعلى كلا التقديرين فهو صحيح غريب أو حسن غريب من هذا الوجه، وأما بانضمام الشواهد له من حديث أبي مسعود وغيره كما تقدم فهو صحيح والله أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثمَّ الذين يلونهم) الأحلام النهي بمعنى واحد وهي (1) العقول واحدها نهى والنهية بالضم واحدة النهي وهي العقول لأنها تنهى عن القبح والنهى بالكسر الغدير في لغة نجد، وغيرهم يقوله بالفتح والجمع نهاء وأنهاء وقيل سمي نهيًا لأن الماء ينتهي إليه.
وقال بعضهم: المراد بأولي الأحلام البالغون وبأولي النهي العقلاء فعلى الأول يكون العطف فيه من باب أقوى وأقفر بعد أم الهيثم.
ونحو فألفى (2) قولها كذبًا ومينًا، وهو أن تغاير اللفظ قام مقام تغاير المعنى وهو كثير في الكلام وعلى الثاني يكون لكل لفظ معنى مستقل.
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا رأى صبيًّا في الصف أخرجه.
(1) في نسخة السندي: وهو.
(2)
في نسخة السندي: في أنعى.
وعن زر بن حبيش وأبي وائل مثل ذلك.
وقد وجه بأحد أمرين:
إما أن يكون الصبي لا يؤمن لهوه ولعبه، وإما أن يكون كره له التقدم في الصف لمنعه الشيوخ من ذلك الموضع وذكر عن أحمد بن حنبل أنه كان يذهب إلى كراهة ذلك قال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل كره أن يقوم مع الناس في المسجد خلف الإمام إلا من قد احتلم وأنبت وبلغ خمس عشرة سنة فقلت له: أو أثنتي عشرة سنة أو نحوها قال: ما أدري فقلت له: فكأنك تكره ما دون هذا السن فذكرت له حديث أنس: واليتيم وراءنا، قال: ذلك في التطوع.
فيه تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو ما لا يتفطن له غيره ولأنهم أمسّ بضبط صفة الصلاة وحفظها ونقلها وتبليغها الناس وليقتدي بأفعالهم من وراءهم.
ويؤخذ من التقديم في هذا المحل التقديم فيما أشبهه من الإمامة ومواقف القتال ومجالس القضاء والعلم والتدريس وما يجري مجرى ذلك فيكون الناس في كل الأمور على طبقاتهم من المعرفة والعلم والدين والعقل والشرف.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم.
قوله عليه السلام: (وإياكم وهيشات الأسواق) بفتح الهاء وإسكان الياء آخر الحروف وبعدها شين معجمة أي: اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها. وقد تقدم الكلام على قوله: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) في الباب قبل هذا.