الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
68 - باب ما جاء في افتتاح القراءة بـ: الحمد لله رب العالمين
ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.
قال الشافعي: إنما معنى هذا الحديث أن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين معناه أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، ليس معناه أنهم كانوا لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وكان الشافعي يرى أن يبدأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تجهر بها.
* الكلام على هذه الأبواب:
فلما كانت هذه الأبواب الثلاثة تتعلق بالإتيان بالبسملة قبل الفاتحة جهرًا أو إسرارًا أو بعدم الإتيان بها، رأينا أن يكون الكلام عليه في باب واحد لأخذ بعض الكلام فيها بأطراف بعض، فأما ما يتعلق بالأحاديث الواردة في الأبواب الثلاثة والكلام عليها من حيث الإسناد فنقول بالله التوفيق:
أما حديث ابن مغفل فرواه النسائي أيضًا وهو مشهور من حديث سعيد الجريري غريب عمن فوقه فيما تفرد به الجريري عن أبي نعامة قش بن عباية وهما ثقتان إلا أن الجريري اختلط بآخره، وقيل تفرد به أبو نعامة عن ابن مغفل وقد توبع الجريري عليه وهو من أفراد ابن مغفل وعليه مداره، وذكر أن اسمه يزيد وهو مجهول لا يعرف روى عنه إلا أبو نعامة المذكور، وقد روي من وجوه كما ذكر الترمذي عن
سعيد الجريري عن قيس بن عباية.
ورواه معمر عن الجريري قال: أخبرني من سمع ابن عبد الله بن مغفل ورواه إسماعيل بن مسعود عن خالد بن عبد الله الواسطي عن عثمان بن غياث عن أبي نعامة لم يذكر الجريري، إسماعيلُ بن مسعود.
إسماعيل بن مسعود هذا هو الجحدري أخو الصلت بن مسعود.
قال: أبو حاتم صدوق.
رواه عنه النسائي فعثمان بن غياث متابع للجريري على روايته عن أبي نعامة.
وعثمان بن غياث وثقه أحمد ويحيى، روى له البخاري ومسلم.
ورواية معمر عن الجريري أخبرني من سمع ابن بريدة يحتمل أن يكون أبا نعامة وأن يكون غيره وقد حسن الترمذي هذا الحديث، وقال ابن خزيمة: هو غير صحيح، وقال ابن عبد البر: ابن عبد الله بن مغفل مجهول والمجهول لا تقوم به حجة، وقال الخطيب وغيره: ضعيف.
قال النووي: ولا يَرِدُ على هؤلاء الحفاظ قول الترمذي إنه حسن. انتهى.
والحديث عندي ليس معللًا بغير الجهالة في ابن مغفل وهي جهالة حالية لا عينية للعلم بوجوده، فقد كان لعبد الله بن مغفل سبعة أولاد سمّى هذا منهم يزيد وما رمي بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا أبو نعامة فحكمه حكم المستور، وأما الترمذي فإنه لما عرف بالحسن عنده قال: هو الذي لا يتهم رواية بكذب وليس في رواة هذا الخبر من يتهم بكذب فهو جارٍ على رسم الحسن عنده، وأما تعليله بجهالة ابن عبد الله بن مغفل فما أراه يخرجه عن رسم الحسن عند الترمذي ولا غيره إذ الجهالة كما ذكرنا، وأما قول من قال: غير صحيح، فكل حسن كذلك.
وفيه حديث أنس الذي ذكره الترمذي وصححه وهو أيضًا مخرج في الصحيح، وقد رواه الدارقطني وفيه: فلم أسمع أحدًا منهم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رواه سفيان الثوري وغيره عن خالد الحذاء عن أبي نعامة الحنفي عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قال سفيان: كانوا يسرون بها، وهكذا رواية أبي قلابة والحسن وعائذ بن شريح عن أنس، وكذلك رواه جماعة من أصحاب قتادة عن قتادة عن أنس.
وفيه عن عائشة رضي الله عنها من طريق ابن أبي عروبة عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. رواه مسلم إلا أن أبا الجوزاء يقال: لا يعرف له سماع من عائشة.
وفيه عن أبي هريرة من وجوه منها ما رواه بشر بن رافع أبو الأسباط الحارثي يمامي قال حدثني ابن عم أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. أخرجه ابن ماجه من حديث بشر، وبشر ضعفه غير واحد وأحاديثه عندهم غير مقبولة يكنى أبا الأسباط الحارثي.
وعند يحيى بن معين والنسائي أن أبا الأسباط غيره، قال الحافظ عبد الغني المقدسي: وإن كانا اثنين فإن أحاديث بشر بن رافع أنكر من أحاديث أبي الأسباط.
وقال: ابن عدي هو مقارب الحديث لا بأس بأخباره ولم أجد له حديثًا منكرًا.
وابن عم أبي هريرة اسمه عبد الرحمن بن الصامت الدوسي، روى عنه أبو الزبير المكي، روى له أبو داود والنسائي وثقه ابن حبان.
ومنها ما رواه عبد الواحد بن زياد عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نهض في الثانية استفتح بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت، والحديث عند أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الواحد وغيره عن عمارة، وليس عند أبي داود إلا السكتة في الركعة الأولى وذكر دعاء الاستفتاح فيها وكذلك هو عند ابن ماجه بلفظ أبي داود وعند النسائي من هذا الوجه عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له سكتة إذا افتتح الصلاة.
ومنها حديث العلاء بن عبد الرحمن روى مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه سمعه يقول: سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا: يقول العبد. الحمد لله رب العالمين يقول الله عز وجل: حمدني عبدي يقول العبد: الرحمن الرحيم يقول الله تعالى: أثنى علي عبدي يقول العبد: مالك يوم الدين يقول الله: مجّدني عبدي يقول العبد: إيّاك نعبد وإياك نستعين فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، ويقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل".
رواه مسلم وهو مشهور من حديث العلاء بن عبد الرحمن مختلف عليه فيه فكرواية مالك رواه ابن جريج ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان والوليد بن كثير والليث بن سعد عنه عن أبي السائب عن أبي هريرة إلا أن الليث قال: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أيّما رجل صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج غير تمام".
قال: فقلت: إني لا أستطيع أن أقرأ مع الإمام، قال: اقرأ بها في نفسك، فإن الله عز وجل يقول: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين
…
" وذكر تمام الخبر، فلم يرفع منه إلا قوله (خداج غير تمام)، ومالك أحفظ وزيادته مقبولة وقد تابعه عليها من ذكرناه.
ورواه سفيان الثوري وابن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، فأبدلوا أبا السائب بأبي العلاء بن عبد الرحمن وكلاهما ثقة فلا يضر هذا الخلف، وأيضًا فقد جمع بينهما أبو أويس فرواه عن العلاء عن أبيه وأبي السائب جميعًا عن أبي هريرة أخرجه الترمذي في التفسير كذلك من حديثه عنهما، وتابعه عباد بن صهيب على ذلك وهو أضعف منه، ومتابعتهما هذه وإن كانت مستغنى عنها فلا تخلو مع ضعفها من تقوية ما للحديث فلم تأت إلا بأمر محتمل وقد تقدم الكلام على العلاء بن عبد الرحمن بما يغني عن الإعادة هاهنا.
وقد روى منصور بن أبي مزاحم ثنا أبو أويس عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وأما الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ففيه حديث ابن عباس المخرج عند الترمذي وقد أعله ورواه الدارقطني ورواه إسحاق بن راهويه عن المعتمر عنه وذكره الساجي عن يحيى بن حبيب بن عربي عن معتمر أيضًا كما رواه الترمذي مرفوعًا.
وإسماعيل بن حماد بن أبي سليمان راويه عند الترمذي وثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وأبو خالد الوالبي اسمه هرمز وقيل هرم سمع ابن عباس وأبا هريرة وجابر بن سمرة، روى عن علي مرسلًا.
روى عنه منصور بن المعتمر والأعمش وفطر بن خليفة وإسماعيل بن حماد بن
أبي سليمان.
قال أبو حاتم: صالح الحديث، قال أبان بن عثمان: مات سنة مائة، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.
قال أبو عمر: الصحيح في هذا الحديث أنه روي عن ابن عباس من فعله لا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. روى وكيع عن سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنه كان يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
ورواه عمرو بن دينار وعكرمة وغيرهما عن ابن عباس كذلك، وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح وليس له علة.
وفيه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية، ذكره النووي بهذا اللفظ وقال: صححه ابن خزيمة، وروي من حديث عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة ذكرت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين عند أبي داود عن سعيد بن يحيى الأموي، وعند الترمذي في القراءة عن علي بن حجر كلاهما عن يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة ولم يذكر الترمذي التسمية وقال: غريب وليس إسناده بمتصل، لأن الليث روى شيئًا منه عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مالك به، ذكره الترمذي في فضائل القرآن وصححه هناك من ذلك الوجه وليس فيه التسمية.
وفيه حديث نعيم الجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال: آمين وقال الناس آمين الحديث، وفيه: ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه النسائي في الصلاة عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم به، وهؤلاء
إلى خالد بن يزيد كلهم من أهل الثقة والعلم والفتوى، وكان خالد من أهل الفتوى ثقة ومن أجلّ أصحاب مالك.
وسعيد بن أبي هلال ونعيم المجمر ثقتان مخرج لهما في الصحيح، وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: على شرط البخاري ومسلم، والبيهقي قال: صحيح الإسناد، وله شواهد.
وأبو بكر الخطيب قال فيه: ثابت صحيح لا يتوجه عليه تعليل وذكره أبو عمر من طرق متعددة كلها يرجع إلى سعيد بن أبي هلال وقال: حديث سعيد هذا يعارض حديث العلاء (اقرأ بها في نفسك) وليس سعيد الذي يدور عليه هذا الحديث بدون العلاء.
وفيه ما روى الدارقطني (1): نا أبو طالب الحافظ نا أحمد بن محمد بن منصور بن أبي مزاحم نا جدي نا أبو أويس.
ونا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي نا عثمان بن خرزاذ نا منصور بن أبي مزاحم من كتابه ثم محاه بعد: نا أبو أويس عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال أبو هريرة: هي اية من كتاب الله، اقرؤوا إن شئتم فاتحة الكتاب فإنها الآية السابعة. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمّ الناس قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات (2)، وقد تقدم ذكر حديث منصور بن أبي مزاحم هذا من هذا الطريق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ومن عند أبي عمر أورده مقطوعًا ولا يعارضه لأنه ليس فيه نفي [ذكر]
(1)"السنن"(1/ 306).
(2)
لم أجد هذا القول في "السنن" ولا في "الإتحاف"(19289)، وسيأتي التنبيه عليه.
البسملة وإنما تضمن نفي الجهر بها وقد أطلق الدارقطني على رجاله الثقة ومنهم أبو أويس وهو عبد الله بن عبد الله الأصبحي، اختلفت الروايات عن ابن معين فيه بتضعيفه وتوثيقه، وفي رواية عنه: صالح ولكن ليس حديثه بذاك الجائز، ووقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفًا، وقال عمرو بن علي: فيه ضعف وهو عندهم من أهل الصدق، وتكلم فيه غيرهم.
وقال الدارقطني: في بعض حديثه عن الزهري شيء.
وقال ابن عدي: يكتب حديثه.
قال ابن قانع: مات سنة ست وسبعين ومائة (1).
روى له الجماعة إلا البخاري.
وقول الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات لم أجده في أصل العتيق من "سننه" وإنما نقلته من كلام النووي وليس داخلًا في سماعي، وللشيخ أبي الحسن كتاب في الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يمكن أن يكون ذلك فيه لكنه عزاه إلى "سننه" فهو ثابت في غير طريقنا.
وفيه من طريق أبي هريرة أيضًا قال الدارقطني نا يحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن مخلد قالا: نا جعفر (2) بن مكرم حدثنا أبو بكر الحنفي نا عبد الحميد بن جعفر أخبرني نوح بن أبي بلال عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إنها أم
(1) كذا، والذي عند المزي: سبع وستين.
بل وقال ابن حبان تسع وستين، نقله بشار معروف في حاشيته.
(2)
كذا الأصل، والسنن المطبوع، وفي "الإتحاف": عقبة بن مكرم، وصوبه محققه، ولم يتبين لي لماذا اعتمده!
القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحداها (1) ".
قال أبو بكر الحنفي: ثم لقيت نوحًا فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله ولم يرفعه. انتهى.
قال أبو الفتح: جميع رواته ثقات.
جعفر بن مكرم، قال ابن أبي حاتم: صدوق.
وأبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد روى له البخاري ومسلم ووثقه غير واحد.
وعبد الحميد بن جعفر وثقه ابن معين وابن سعد، وقال أحمد والنسائي: لا بأس به، روى له مسلم.
ونوح بن أبي بلال وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم الرازي، وقال أبو زرعة والنسائي: لا بأس به.
فلم يبق فيه إلا تردد نوح بن أبي بلال فيه ووقفه إياه أخيرًا (2).
وفيه عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذكرها الدارقطني من طرق تدور على جابر
(1) كذا هنا، وفي "السنن" المطبوع، وفي "الإتحاف": إحدى آياتها.
(2)
قال الحافظ ابن حجر في "الإتحاف"(18441): رواه أبو علي بن السكن في "صحاحه" عن ابن صاعد هكذا، ونوح ثقة، وعبد الحميد بن جعفر صدوق وفيه مقال، وأبو بكر الحنفي متفق على الاحتجاج به، والموقوف، أصح، والله أعلم.
وقد صحح عبد الحق في "أحكامه" المرفوع، ونقضه أبو الحسن بن القطان مع أنه يرى أنه إذا تعارض الوقف والرفع كان الحكم للرافع، لكن استند في هذا إلى أن مدار الحديث على نوح، وقد حقق لأبي بكر أنه إنما رواه لعبد الحميد موقوفًا. والله أعلم.
الجعفي وإبراهيم بن الحكم بن ظهير وغيرهما ممن لا يعول عليه لا حاجة إلى ذكرها.
وفيه عن ابن عمر من طرق أحدها ما رواه الشيخ أبو الحسن قال: نا عمر بن الحسن بن علي الشيباني نا جعفر بن محمد بن مروان ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
عمر بن الحسن الشيباني يعرف بالأشناني القاضي وثقه بعضهم وتكلم فيه آخرون.
وجعفر بن محمد بن مروان لا أدري من هو.
وأبو الطاهر أحمد بن عيسى ذكره ابن أبي حاتم ونسبه إلى محمد بن عمر بن أبي طالب العلوي، روى عن ابن أبي فديك وابنه، روى عنه أبو يونس المدني (1)، وبقية من في الإسناد معروفون.
وفيه عن ابن عمر أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام في الصلاة فأراد أن يقرأ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ذكره أبو عمر من طريق علي بن حجر ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم الجزري عن أبي الزبير عن عبد الله بن عمر فذكره ثم قال: وقد رواه غيره أيضًا عن ابن عمر ولا يثبت فيه إلا أنه موقوف على ابن عمر من فعله، كذا رواه سالم ونافع ويزيد الفقير وذكره عن غيرهم أيضًا.
وفيه عن أم سلمة بنحو مما تقدم قال الدارقطني (2) نا محمد بن القاسم بن زكريا نا عباد بن يعقوب نا عمر بن هارون ونا عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا
(1) قال العظيم أبادي في "التعليق المغني"(1/ 305): قال فيه الدارقطني: كذاب، وكذا كذبه أبو حاتم وغيره.
(2)
"السنن"(1/ 307).
إبراهيم بن هانئ ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ثنا عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقطعها آية آية وعدها عد الأعراب وعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية ولم يعد عليهم.
رواته موثقون (1)، فالبغوي معروف وابن هانئ قال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، وابن الأصبهاني روى عنه البخاري، وعمر بن هارون وثق فيه مقال، وقد تقدم عن الترمذي من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج وهو أوثق من عمر بن هارون، لكن لم يذكر فيه التسمية فلذلك ذكرته من هذا الوجه، وفيه ما سبق من الإعلال بالانقطاع.
وفيه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة"؟ قلت: أقرأ الحمد لله رب العالمين، قال:"قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" رواه الشيخ أبو الحسن عن أبي بكر النيسابوري ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا إسماعيل بن عيسى نا عبد الله بن نافع الصايغ ثنا الجهم بن عثمان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.
الجهم بن عثمان ذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عنه فقال: مجهول.
وإسماعيل بن عيسى في هذه الطبقة رجل بغدادي يقال له العطار ذكره ابن أبي حاتم ولم يعرض له بجرح ولا تعديل وذكره الخطيب فوثقه وقال: مات سنة اثنتين وثلاثين وماثتين.
(1) نقله الشوكاني في "النيل"(2/ 225).
وفيه عن سمرة قال الدارقطني: ثنا إبراهيم بن حماد ثنا جعفر بن محمد بن شاكر نا عفان نا حماد بن سلمة عن الحسن عن سمرة قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم سكتتان سكتة إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وسكتة إذا فرغ من القراءة. فأنكر ذلك عمران بن الحصين فكتبوا إلى أبي بن كعب فكتب: أن صدق سمرة.
هذا إسناد جيد وفيه الحسن عن سمرة والكلام فيه معروف غير أن هذا الحديث من هذه الطريق عند الترمذي وأبي داود وغيرهما ولفظه: سكتة حين يفتتح الصلاة وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية قبل أن يركع، وفي رواية: سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وكما ذكره الدارقطني ذكره أبو عمر بلفظه من حديث قاسم بن أصبغ نا جعفر بن محمد بن شاكر به، رواه عن عبد الوارث بن سفيان عن قاسم وهو إسناد صحيح.
وفيه عن أنس عند الدارقطني من جهة المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وعنده من طريق محمد بن أبي السري عن المعتمر عن أبيه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في معناه أخرجه الحاكم في مستدركه. وأخرج الحاكم من حديث شريك عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قال: رواته كلهم ثقات.
وفيه عن علي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ببسم الله في صلاته. أخرجه الدارقطني، وقال: هذا إسناد علوي لا بأس به ثم ذكر عن عبد خير عن علي أنه سئل عن السبع المثاني فقال: الحمد لله رب العالمين قيل: إنما هي ست، فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إسناده كلهم ثقات.
وفيه عن عائشة من طريق القاسم بن محمد عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رواه عن القاسم: الحكم بن عبد الله بن سعد، وقد تكلم فيه غير واحد.
وفيه عن بريدة بن الحصيب من طريق جابر الجعفي وليس بشيء، ومن طريق أخرى فيها سلمة بن صالح الأحمر وهو ذاهب الحديث.
وفيه عن الحكم بن عمرو وغيره من طرق لا يعول عليها لم أر لذكرها وجهًا.
وأما أحاديث افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، فإن من لا يجهر بالبسملة، اختلفوا في عدم الإتيان بها مطلقًا أو في عدم الإتيان بها جهرًا وأن يأتوا بها سرًّا على مذهبين لاختلاف ألفاظ الأحاديث الواردة في عدم الجهر بها كما سيأتي وقد سبق في أول الباب حديث عبد الله بن مغفل وما يقرب منه وسنذكر شيئًا مما يمكن أن يستدل به لكل من المذهبين مما لم يسبق له هناك ذكر.
فمن ذلك ما روى مالك في "الموطأ" عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي فلما فرغ من صلاته لحقه فوضع رسول الله يده على يده وهو يريد أن يخرج من باب المسجد فقال: "إني أرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلّم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها". قال أبي: فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله السورة التي وعدتني قال: "كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة"؟ قال: فقرأت عليه الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هي هذه السورة والسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت".
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ثنا غندرعن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي لسعيد بن المعلى قال: كنت أصلي فرآني النبي عليه السلام -
فدعاني فلم آته حتى صليت فقال: ما منعك أن تأتي؟ قلت: كنت أصلي! قال: "ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} " ثم قال: "ألا أعلمك سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد"، قال: فذهب النبي ليخرج فأدركته فقال: "الحمد لله رب العالمين وهي السبع الثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته".
وفيه من حديث أنس بغير اللفظ السابق قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. رواه مسلم، وفي لفظ له: فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها.
وروى الطبراني (1) ثنا .... ثنا محمد بن أبي السري ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، رواه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن .... (2).
قال الراوي عنه: الثقة المأمون، عن عبد الله بن وهيب بإسناده.
وقد اختلفت ألفاظ الناقلين لحديث قتادة عن أنس الصحيح الثابت رفعه عن قتادة عنه [عمن] ذكر فيه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان، فبعضهم يذكر عثمان وبعضهم يسقطه وبعضهم يقول: يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، منهم أيوب بن أبي تميمة وهشام الدستوائي من رواية مسلم بن إبراهيم ومن
(1) في "المعجم الكبير"(1/ 255) عن عبد الله بن وهيب الغزي عن محمد بن أبي السري.
ومن طريقه الضياء في "المختارة"(1878).
قال العراقي: رجاله ثقات.
وعزاه الزيلعي (1/ 351) لابن خزيمة!
(2)
كلمة غير واضحة. رسمها الأدرباي.
طريق يحيى بن سعيد عنه أيضًا وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة ووكيع وأبي عوانة والأوزاعي.
وأما شعبة عنه فقال بعد ذكر عثمان: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هكذا في رواية غندر عنه وفي رواية علي بن الجعد عن شعبة وشيبان عن قتادة: فلم أسمع أحدًا منهم يجهر.
وفي رواية لوكيع: فلم أسمعهم يجهرون، وكذلك رواه الأسود بن عامر وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي عن شعبة، ورواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فلكهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، كذا رواه محمد بن كثير عن الأوزاعي عن إسحاق، وزاد الوليد عن الأوزاعي: لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول السورة ولا في آخرها.
ورواه أبو قلابة الجرمي عن أنس من حديث الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة: لا يجهرون كذا رواه يحيى بن آدم عن الثوري وعبيد الله الأشجعي عن الثوري، ورواه الفريابي عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي نعامة عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال سفيان: يعني لا يجهرون بها.
وهذا الخلف على سفيان لا يضر لثقة كل من أبي قلابة وأبي نعامة، ويمكن أن يكون خالد الحذاء سمعه منهما فحدث به الثوريّ مرة عن أبي قلابة ومرة عن أبي نعامة، ورواه مالك بن دينار عن أنس: فكانوا يفتتحون، ورواه يزيد الرقاشي عن أنس؛ فلم نسمع أحدًا منهم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
ورواه النسائي من حديث منصور بن زاذان عن أنس: صلى بنا رسول الله
- صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلّى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما، وروي عن الحسن عن أنس.
فبعض أصحاب الحسن يقول عنه: فلم أسمعهم يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبعضهم يقول فيه عن الحسن عن أنس: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وأبو بكر وعمر.
ورواه عائذ بن شريح عن أنس فقال: فلم يجهروا.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وكان المشركون يقولون: تراه يدعو إلى إله أهل اليمامة يعنون مسيلمة، وكانوا يسمونه الرحمن، وكانوا يهزؤون فنزلت:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بعد.
وقد اختلف في تأويل هذه الآية.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال. ما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة مكتوبة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولا أبو بكر ولا عمر، رواه محمد بن جابر اليمامي عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عنه.
ابن جابر ضعيف وإبراهيم لم يسمع من ابن مسعود.
وسئل الدارقطني بمصر حين صنف كتاب الجهر بالبسملة فقال: لم يصح في الجهر بها حديث.
وأما اختلاف الآثار في ذلك مما ذكره ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ووكيع في مصنفاتهم بأسانيدهم وغيرهم عن الصحابة والتابعين، فمنها ما روي عن عمر بن الخطاب، قال أبو عمر: من وجوه ليست بالقائمة أنه قال: يخفي الإمام أربعًا: التعوذ وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وآمين وربنا لك الحمد.
وروى إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله (1) قال: ثلاث يخفيهن الإمام: الاستعاذة وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وآمين.
وعن إبراهيم قال: يسر الإمام أربعًا: الاستعاذة وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وآمين وربنا لك الحمد، رواه حصين وحماد ومغيرة ومنصور عنه.
وروى الثوري عن منصور عنه: خمس يجهر بها (2) الإمام لسبحانك اللهم وبحمدك والتعوذ وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وآمين وربنا لك الحمد.
ذكر وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن الأسود: صليت خلف عمر سبعين صلاة فلم يجهر فيها ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وذكر ابن أبي شيبة ثنا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم قال؛ الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بدعة. هذه طريقة علماء الكوفة ومن شايعهم.
وممن رأى الإسرار بها عمر وعلي وعمار، وقد اختلف عن بعضهم فروي عنه الجهر بها، وممن لم يختلف عنه أنه كان يسر بها عبد الله بن مسعود، وبه قال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين والحسن وابن سيرين، وروي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير، وروي عنه فيه الجهر بها، وروي عن علي أنه كان لا يجهر بها.
وعن سفيان: ثم اقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في نفسك، وإليه ذهب الحكم وحماد والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وأبو عبيد وحكي عن النخعي.
وأما من يجهر بها من السلف فقد روي ذلك عن عمر وابن عمر وابن الزبير
(1) قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(1/ 458): روى الكوفيون عن عمرو وابن مسعود مثل ذلك بأسانيد ليست بالقوية.
(2)
كذا، وصوابه: يخطيهن كما في "المصنف"(8849)، ولابن أبي شيبة وعبد الرزاق (2597)، وقارن مع "الدراية"(1/ 131).
وابن عباس وعلي بن أبي طالب وعمار بن ياسر، وعن عمر فيها ثلاث روايات أنه لا يقرؤها وأنه يقرؤها سرًّا وأنه جهر بها، وكذلك اختلف عن أبي هريرة في جهره بها وإسراره.
وذكر الشافعي ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ثنا ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر بن سعد أخبره أن أنس بن مالك أخبره قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة جهر فيها بالقراءة، فلم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولم يكبر في الخفض والرفع، فلما فرغ ناداه المهاجرون والأنصار: يا معاوية نقصْتَ الصلاة أين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وأين التكبير إذا خفضت ورفعت؟ فكان إذا صلى بهم بعد ذلك قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وكبر.
أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم فقد احتج بعبد المجيد وسائر رواته متفق على عدالتهم.
وذكره الخطيب عن أبي بكر الصديق وعثمان وأبي بن كعب وأبي قتادة وأبي سعيد وأنس وعبد الله بن أبي أوفى وشدّاد بن أوس وعبد الله بن جعفر والحسين بن علي ومعاوية.
قال الخطيب: وأما التابعون ومن بعدهم ممن قال بالجهر بها فهم أكثر من أن يذكروا وأوسع من أن يحضروا، منهم سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء ومجاهد وأبو وائل وسعيد بن جبير وابن سيرين وعكرمة وعلي بن الحسين وابنه محمد بن علي وسالم بن عبد الله بن عمر ومحمد بن المنكدر وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن كعب ونافع مولى ابن عمر وأبو الشعثاء وعمر بن عبد العرْيز ومكحول وحبيب بن أبي ثابت والزهري وأبو قلابة وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه والأزرق بن قيس وعبد الله بن معقل بن مقرن.
وممن بعد التابعين عبيد الله العمري والحسن بن زيد وزيد بن علي بن حسين ومحمد بن عمر بن علي وابن أبي ذئب والليث بن سعيد وإسحاق بن راهويه.
وزاد البيهقي في التابعين: عبد الله بن صفوان ومحمد بن الحنفية وسليمان التيمي، ومن تابعيهم المعتمر بن سليمان.
وزاد أبو عمر: هو قول جماعة أصحاب ابن عباس طاوس وعكرمة وعمرو بن دينار وقول ابن جريج ومسلم بن خالد الزنجي وسائر أهل مكة وهو أحد قولي ابن وهب وروى أبو عمر عن أصبغ بن الفرج قال: كان ابن وهب يقول بالجهر ثم رجع إلى الإسرار وحكاه غيره عن ابن المبارك وأبي ثور.
وذكر البيهقي في "الخلافيات": اجتمع آل محمد على الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثم حكاه عن أبي جعفر الهاشمي، وذكر الخطيب عن عكرمة أنه كان لا يصلي خلف من يجهر بالبسملة وعن أبي جعفر الهاشمي مثله.
فصل يتعلق بشيء من العربية
الباء في (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) متعلقة بمحذوف، وهو عند البصريين مبتدأ، والجار والمجرور خبره، تقديره: ابتدائي ببسم الله، أو: أبدأ. فالجار والمجرور في موضع نصب بالمحذوف، وهل المحذوف المقدر: البدأة دائمًا أو غير ذلك مما يناسب ما يلي البسملة كمن أكل وشرب إذا قال: بسم الله، هل المقدر: أكلت، أو: أكلي بسم الله، أو: شربي بسم الله، وجهان، هذا إذا وقع الابتداء بالبسملة.
وأما قول الراوي: (لا يجهرون، أو لا يقرأون، أو لا يذكرون بسم الله) مما تقدم عامله. فأما ما يتعدى بالباء مثل جهر فلا كلام فيه.
وأما ما لا يتعدى بالباء ففيه وجهان:
إن شئت قدرت في الكلام محذوفًا يتعلق بالبداءة، فتكون الباء في موضع نصب على الحال، تقديره: يقرأون مبتدئين بسم الله.
الثاني: أن تكون زائدة على حدها في قول الشاعر:
سود المحاجر لا يقرأن بالسور
أي: لا يقرأن السور.
ومن رواة هذا الحديث من أتى بباءين، فقال:(لا يجهرون، أو: لا يقولون ببسم الله) فهي على هذا جملة محكية، دخلت عليها الباء.
فصل في ذكر المذاهب في هذه المسألة مختصرًا
ذهبت طائفة إلى الإتيان بالبسملة في الفرائض والنوافل عند قراءة الفاتحة فرض ولا تصح الصلاة إلا بها كباقي آيات الفاتحة، ويسن الجهر بها في الصلاة الجهرية في الفاتحة والسورة وهذا لا خلاف فيه عند الشافعي وسائر الأصحاب.
وروى يحيى بن يحيى عن عبد الله بن نافع، قال: لا أرى لأحد أن يترك قراءة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في فريضة ولا نافلة.
وقال آخرون: يذكر سرًّا لا جهرًا، ورأى بعضهم الجهر بها بدعة كما حكيناه.
وقال آخرون: لا تذكر سرًّا ولا جهرًا.
وقال طاوس: تذكر في فاتحة الكتاب ولا تذكر في السورة بعدها، وخالفه في ذلك أصحاب ابن عباس وعطاء وغيره فقالوا: تذكر في الموضعين ونقل عن مالك قراءتها في النوافل في فاتحة الكتاب وفي سائر سور القرآن، وهو قول محمد بن الحسن، ومذهب أحمد بن حنبل في ذلك كمذهب الكوفيين أنه لا يجهر بها إلا أن أحمد يراها واجبة في كل ركعة لأنها عنده من الفاتحة، وأبو حنيفة يرى أنها سنة
ويقال أنه لا يأمر بها إلا في الركعة الأولى كالتعوذ.
قال أحمد: إلا في رمضان في غير فاتحة الكتاب بين السورتين، فإنه من فعل ذلك فلا بأس عليه يعني الجهر بها ..... مالك والأوزاعي ومحمد بن جرير، حكاه أبو عمر.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: يقرأ الرجل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول كل سورة في قيام رمضان والذي يقرأ القرآن يختم كما في المصحف يعجبني ذلك.
وقال القاضي أبو الطيب الطبري: عن أبي ليلى والحكم أن الجهر والإسرار بها سواء، وقال ابن حبان: هذا عندي من الاختلاف المباح والجهر أحب إليَّ.
وأما كونها من القرآن وما حكمها في ذلك فمذهبنا أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية كاملة من أول فاتحة الكتاب بلا خلاف وليست في أول براءة بإجماع المسلمين هكذا ذكروا الإجماع وقد ذكر أرباب علم القراءات في كتبهم أنه يروى عن يحيى بن آدم وغيره عن أبي بكر عن عاصم أنه كان يثبت بين الأنفال وبراءة التسمية، ويروى ذلك عن زر عن عبد الله بن مسعود فإنه أثبته في مصحفه، وأما الذي نقله أصحابنا فتمسكوا فيه بمصحف عثمان وهو الذي انعقد عليه الإجماع.
وأما باقي السور غير الفاتحة وبراءة ففي كونها آية من أول كل سورة ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون أصحها وأشهرها أنها آية كاملة والثاني أنها بعض آية والثالث أنها ليست بقرآن في أوائل السور غير الفاتحة والمذهب الأول.
ثم هل هي في الفاتحة وغيرها قرآن على سبيل القطع كسائر القرآن أم على سبيل الحكم لاختلاف العلماء فيها؟ فيه وجهان مشهوران حكاهما المحاملي وصاحب
الحاوي والبندنيجي أحدهما على سبيل القطع بمعنى أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها في أول الفاتحة ولا يكون قارئًا لسورة غيرها بكمالها إلا إذا ابتدأ بالبسملة، والصحيح أنها على سبيل الحكم إذ لا خلاف بين المسلمين أن نافيها لا يكفر ولو كانت قرآنًا قطعًا لكفر كمن نفى غيرها، فعلى هذا يقبل في إثباتها خبر الواحد كسائر الأحكام وإذا قلنا هي قرآن على سبيل القطع لم يقبل في إثباتها خبر الواحد كسائر القرآن.
وإلى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة غير براءة، ذهب ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وطاوس وعطاء ومكحول وابن المبارك وطائفة.
وذهب آخرون إلى أنها آية من الفاتحة يحكى ذلك عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد وجماعة أهل الكوفة ومكة وأكثر العراقيين وحكاه الخطابي عن أبي هريرة وسعيد بن جبير ورواه البيهقي في الخلافيات بإسناده عن علي بن أبي طالب والزهري وسفيان الثوري، وفي السنن الكبير عن ابن عباس ومحمد بن كعب.
وذهب آخرون إلى أنها ليست آية [كاملة] في الفاتحة ولا في أوائل السور يحكى ذلك عن مالك والأوزاعي وأبي حنيفة وداود وهو أيضًا رواية عن أحمد وقد تقدم عنه غيرها.
وقال أبو بكر الرازي وغيره من الحنفية: هي آية بين كل سورتين غير الأنفال وبراءة وليست من السور بل هي قرآن مستقل كسورة قصيرة وحكي هذا عن داود وأصحابه أيضًا وهو رواية عن أحمد.
وقال محمد بن الحسن: ما بين دفتي المصحف قرآن وأجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها بخلاف ما لو نفى حرفًا مجمعًا عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد فإنه يكفر بالإجماع، وهذا في البسملة التي في أوائل السور غير براءة، وأما البسملة التي في أثناء سورة النمل {إنه من سليمان
وإنه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقرآن بالإجماع فمن جحد منها حرفًا كفر بالإجماع.
واحتج من لم يثبتها قرآنًا في أوائل السور -الفاتحة وغيرها- بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وبحديث أبي هريرة:"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"، ولا ذكر في الحديث للبسملة وهو صحيح رواه مسلم.
وبحديث أبي هريرة: "من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك"، رواه أبو داود الترمذي وقال: حديت حسن، وصححه ابن حبان، وأجمع القراء على أنها ثلاثون آية سوى البسملة.
وبحديث إتيان جبريل النبي عليه السلام وقوله: اقرأ باسم ربك الذي خلق الحديث، رواه البخاري ومسلم.
وبحديث أنس: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رواه مسلم، قالوا: ولو كانت قرآنًا لكفر جاحدها وأجمعنا أنه لا يكفر، ولأن أهل العدد مجمعون على ترك عدّها آية من غير الفاتحة، واختلفوا في عدّها في الفاتحة، وبعمل أهل المدينة في افتتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وبقوله عليه السلام لأبي بن كعب:"كيف تقرأ أم القرآن"؟ فقال: الحمد لله رب العالمين، وما في معناه من الأحاديث السابقة.
واحتج من أثبتها بما ثبت في المصاحف منها بغير تمييز كما ميزوا أسماء السور وعدد الآي بالحمرة أو غيرها مما يخالف صورة المكتوب قرآنًا.
فإن قيل: لعلها ثبتت للفصل بين السور، فقد أجيب عنه من وجوه:
الأول: هذا تغرير ولا يجوز ارتكابه لمجرد الفصل.
الثاني: لو كان للفصل لكتب بين براءة والأنفال ولما كتب في أول الفاتحة.
الثالثة: أن الفصل كان ممكنًا بتراجم السور كما حصل بين براءة والأنفال.
وعن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول الفاتحة في الصلاة وعدّها آية.
وعن ابن عباس في قوله: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} قال: الفاتحة.
قيل: فأين السابعة؟ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. رواهما ابن خزيمة في صحيحه.
وعن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "أنزلت عليّ آنفًا سورة" فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إنا أعطيناك الكوثر} السورة، رواه مسلم.
وعنه أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مدّا ثم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يمد بسم الله ويمد الرحمن الرحيم. رواه البخاري.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السور حتى ينزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رواه الحاكم وصححه على شرطهما.
ومن رواية عمرو بن دينار وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن النبي كان إذا جاءه جبريل فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ علم أنها سورة.
وفيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السور حتى ينزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وبه: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صححها كلها الحاكم.
وذكر البيهقي في "سننه" عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم أن الفاتحة هي السبع المثاني وهي سبع آيات وأن البسملة هي الآية السابعة.
وخرّج الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحدى آياتها (1) ".
وقال: رجال إسناده كلهم ثقات، وروي موقوفًا.
فهذه الأحاديث محصلة للظن القوي كونها قرآنًا مع ثبوتها في المصحف والمطلوب هنا الظن لا القطع خلافًا لابن الباقلاني وأنكر عليه الغزالي وتأول القاضي: كان عليه السلام لا يعرف ختم السورة حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بأنه ليس كل منزل قرآنًا.
قال الغزالي: وما منصف إلا يستبرد هذا التأويل واعترف بأن البسملة كتبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل السور وأنها منزلة، وهذا يوهم كل أحد أنها قرآن، فترك بيان أنها ليست قرآنًا دليل قاطع أو كالقاطع أنها قرآن.
فإن قيل: لو كانت قرآنًا لبينها.
فالجواب أنه عليه السلام اكتفى بقوله إنها منزلة وبإملائها على الكاتب وبأنها تكتب بخط القرآن كما لم يبين عند كل آية أنها قرأن اكتفاءً بعلم ذلك من قرينة الحال.
فإن قيل: قوله: لا يعرف فصل السور، دليل على أنها للفصل.
قلنا: موضع الدلالة قوله: حتى تنزل فأخبر بنزولها وهذه صفة كل القرآن،
(1) سبق، وإنها: إحداها، أو: أحد آياتها.
وتقديره لا يعرف الشروع في سورة أخرى إلا بالبسملة فإنها لا تنزل إلا في السورة.
وقال الغزالي في آخر كلامه: الغرض بيان أن المسألة ليست قطعية بل ظنية، فإن الدلالة وإن كانت معارضة فجانب الشافعي فيها أرجح وأغلب.
والجواب عن قولهم لا يثبت القرآن إلا بالتواتر من وجهين:
الأول: إن إثباتها في المصحف في معنى التواتر.
الثاني: أن التواتر إنما يشترط فيما ثبت قرآنًا على سبيل القطع، فأما ما ثبت قرآنًا على سبيل الحكم فلا، والبسملة قرآن على سبيل الحكم على الصحيح كما سبق.
وأما الجواب عن حديث: "قسمت الصلاة" فمن وجوه:
أحدهما: أن البسملة إنما لم تذكر لاندراجها في الآيتين بعدها.
الثاني: أن يقال: معناه فإذا انتهى العبد في قراءته إلى الحمد لله رب العالمين فحينئذ تكون القسمة.
الثالث: أن يقال المقسوم يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة واحترز بالكاملة عن قوله: {وقيل الحمد لله رب العالمين} وعن قوله: {وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} .
وأما البسملة فغير مختصة.
الرابع: لعله قاله قبل نزول البسملة.
الخامس: قد ورد للبسملة في القسمة ذكر عند الدارقطني والبيهقي في حديث نصه فإذا قال العبد: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يقول الله: ذكرني عبدي. لكن في إسناده ضعف.
فإن قيل أجمعوا على أن الفاتحة سبع آيات، واختلفوا في السابعة، فمن جعل البسملة آية قال: السابعة من (صراط الذين أنعمت عليهم) إلى آخر السورة.
ومن نفاها قال: صراط الذين أنعمت عليهم سادسة وإلى آخر السورة سابعة.
قالوا: ويترجح هذا لأن به تحصل حقيقة التنصيف، فيكون لله تعالى ثلاث آيات ونصف وللعبد مثلها وموضع التنصيف نستعين، فلو عدت البسملة آية ولم تعد غير المغضوب عليهم صار لله تعالى أربع آيات ونصف وللعبد آيتان ونصف وهذا خلاف ما في الحديث، فالجواب من أوجه:
الأول: منع إرادة حقيقة التنصيف بل هو على حد قول الشاعر:
إذا مت كان الناس نصفان شامت
…
وآخر مثن بالذي كنت أصنع
فيكون المراد أن الفاتحة قسمان، فأولها لله تعالى وآخرها للعبد.
الثاني: أن المراد بالتنصيف قسمة الثناء والدعاء من غير اعتبار الآيات.
الثالث: أن الفاتحة إذا قسمت باعتبار الحروف والكلمات والبسملة منها كان التنصيف في شطريها أقرب مما إذا قسمت بحذف البسملة.
ولعل المراد قسمتها باعتبار الحروف، فإن قيل بترجح جعل الآية السابعة غير المغضوب عليهم لقوله: إذا قال العبد اهدنا الصراط إلى آخر السورة. قال: فهؤلاء لعبدي، فلفظة هؤلاء جمع يقتضي ثلاث آيات وعلى قول الشافعي ليس للعبد إلا آيتان؟
فالجواب: إن أكثر الرواة رووه: فهذا لعبدي كذا هو عند مسلم، أو تكون الإشارة بهؤلاء إلى الكلمات أو الحروف أو إلى اثنتين ونصف من قوله: وإياك نستعين إلى آخر السورة.
ومثل هذا الجمع كقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} والمراد شهران وبعض
الثالث أو إلى اثنين فحسب، وذلك يطلق اسم الجمع عليه باتفاق، ولكن اختلفوا هل هو حقيقة أو مجاز والأكثرون على أنه مجاز في الاثنين حقيقة في الثلاثة.
وهذا إن سلمنا أن التنصيف متوجه إلى آيات الفاتحة وهو ممنوع، وإنما التنصيف متوجه إلى الصلاة قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإن قيل المراد قراءة الصلاة قلنا بل قسمت ذكر الصلاة وهو ثناء ودعاء فالثناء منصوف إلى الله ما وقع من القراءة وما وقع في الركوع والسجود وغيرهما.
والدعاء منصرف إلى العبد كذلك ولا يشترط التساوي في ذلك لما سبق.
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد إخباره تقسيمه أذكار الصلاة أمرًا آخر وهو ما يقوله الله تعالى عند قراءة العبد هذه الآيات التي هي من جملة المقسوم، لأن ذلك تفسير لكل مقسوم.
فإن قيل: بترجيح كونه تفسيرًا له لذكره عقيبه.
قلنا: ليس كذلك، لأن قراءة الصلاة غير منحصرة في الفاتحة فحمل الحديث على قسمة الذكر أعم وأكثر فائدة.
وأما الجواب عن حديث: "شفاعة تبارك"، فهو أن المراد ما سوى البسملة لأنها غير مختصة بغير السورة.
ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول البسملة.
وأيضًا فراوي هذا الحديث أبو هريرة وهو ممن يثبت البسملة فهو أعلم بتأويله.
وأما الجواب عن حديث مبدأ الوحي اقرأ باسم ربك فهو أن البسملة نزلت بعد ذلك.
وأما ما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما ألقى عليّ جبريل بسم الله
الرحمن الرحيم ونقله الواحدي في أسباب النزول عن الحسن وعكرمة فلا يثبت شيء من ذلك.
وأما الجواب عن حديث أنس عند مسلم فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ويستطرد الكلام عليه الكلام على مسألة الجهر والإسرار بالبسملة. فقال بعضهم: هذه رواية للفظ الأول بالمعنى الذي فهمه الراوي وعبّر عنه على قدر فهمه، فإن اللفظ الأول الذي اتفق الحفاظ عليه: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين كذا هو عند البخاري وأبي داود والترمذي، والمراد به اسم السورة كما سبق ورواه الدارقطني فقال: فكانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر به، وقال: هذا صحيح وهو صريح لتأويلنا فقد ثبت الجهر بالبسملة عن أنس وغيره كما سبق فلا بد من تأويل ما ظاهره خلاف ذلك، قال الشيخ أبو محمد المقدسي: ثم للناس في تأويله والكلام عليه خمس طرق:
الأولى: وهي التي اختارها ابن عبد البر أنه لا يجوز الاحتجاج به لاضطرابه واختلاف ألفاظه مع تغاير معانيها، قال مرة: يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، ومرة: لا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ومرة: لا يقرؤونها، ومرة: لم يسمعهم يقرؤونها، ومرة قال وقد سئل عن ذلك: كبرت ونسيت، فحاصل هذه الطريقة أنا نحكم بتعارض الروايات ولا نجعل بعضها أولى من بعض فنسقط الجميع.
ونظير ما فعلوا في رد حديث أنس هذا ما نقله الخطابي في "معالم السنن" عن أحمد بن حنبل أنه رد حديث رافع في المزارعة بالاضطراب.
الثانية: أن يرجح بعض ألفاظ هذه الروايات على باقيها ويرد ما خالفها إليها وإذا فعلنا ذلك فلا نجد الرجحان إلا للرواية التي على لفظ حديث عائشة: أنهم كانوا يفتتحون بالحمد أي السورة وهذه طريقة الشافعي ومن تبعه، لأن أكثر الرواة على هذا
اللفظ، فكأن أنسًا أخرج هذا الكلام مستدلًا به على من يجوّز قراءة غير الفاتحة ويبدأ بغيرها، ثم افترقت الرواة عنه، فمنهم من أداه بلفظة فأصاب ومنهم من فهم منه حذف البسملة فعبر عنه بقوله كانوا لا يقرؤون أو: فلم أسمعهم يقرؤون البسملة، ومنهم من فهم الإسرار فعبر به، فإن قيل: إذا اختلفت ألفاظ حديث قضي بالمبين منها على المجمل فإن سلم أن رواية يفتتحون بالحمد مجملة فرواية لا يجهرون تبين المراد.
قلنا: ورواية بأم القرآن تعين المعنى الآخر فاستويا وسلم لنا ما سبق من الأحاديث المصرحة بالجهر عن أنس وغيره، وتلك لا تحتمل تأويلًا، وهذه أمكن تأويلها بما ذكرناه، فأولت وجمع بين الروايات وألفاظها.
الثالثة: ليس في هذه الروايات ما ينافي أحاديث الجهر الصحيحة السابقة، أما الرواية المتفق عليها فظاهرة، وإما لا يجهرون فيحمل على نفي الجهر الشديد الذي نهى الله تعالى عنه بقوله:{ولا تجهر بصلاتك} ، فنفى أنس الجهر الشديد بدليل أنه هو روى الجهر، وأما رواية يسرون فلم يُرد راويها حقيقة الإسرار وإنما أراد التوسط فيه وهو اختيار ابن خزيمة، وهذا معنى ما روي عن ابن عباس: الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قراءة الأعراب أراد الجهر الشديد لجفائهم لأنه ممن يرى الجهر.
الرابعة: ورجحها ابن خزيمة أن ترد جميع الروايات إلى معنى أنهم كانوا يسرون بالبسملة دون تركها، وقد ثبت الجهر بها بالأحاديت السابقة عن أنس، فكأن أنسًا بالغ في الرد على من أنكر الإسرار بها فقال: أنا صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه فرأيتهم يسرون بها أي وقع ذلك منهم مرة أو مرات لبيان الجواز ولم يرد الدوام بدليل ما ثبت عنه من الجهر روايةً وفعلًا كما سبق.
الخامسة: أن يقال نطق أنس بكل هذه الألفاظ المروية في مجالس متعددة
بحسب الحاجة إليها في الاستدلال والبيان.
فإن قيل فهلا حملتهم حديث أنس على أن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الجهر بدليل أنه حكى ذلك عن الخلفاء بعده.
قلنا: منع من ذلك أن الجهر مروي عن أنس من فعله، وما كان ليختار لنفسه إلا ما هو آخر الأمرين.
ولنرجع إلى ما كنا فيه من الرد على من قال ليست البسملة في غير سورة النمل من القرآن.
وأما قولهم لو كانت قرآنًا لكفر جاحدها، فنقول لو لم تكن قرآنًا لكفر مثبتها.
الثاني: أن التكفير لا يكون بالظنيات بل بالقطعيات، والبسملة ظنية.
وأما قولهم أجمع أهل العدد أنها لا تعد آية، فجوابه من وجهين:
الأول: ليس أهل العدد كلّ الأمة، فيكون إجماعهم حجة، بل هم طائفة من الناس عدوا كذلك، أمّا لأنه مذهبهم في نفي البسملة وإما لاعتقادهم أنها مفردة ليست من السور، بل قرآن مستقل، وإمّا لاعتقادهم أنها بعض آية وأنها مع أول السورة آية.
الثاني: أنه معارض بما ورد عن ابن عباس وغيره: من تركها فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية.
وأما الجواب عن نقل إجماع أهل المدينة، فلا نسلم إجماعهم، بل قد اختلف أهل المدينة في ذلك كما سبق الخلاف عن الصحابة فمن بعدهم من أهل المدينة وغيرهم، فكيف بدعوى الإجماع وقد أنكر المهاجرون والأنصار على معاوية تركها حين صلى بهم.
قال أبو عمر: الخلاف في البسملة موجود قديمًا وحديثًا، قال: ولم يختلف أهل مكة أن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أول آية من الفاتحة ولو ثبت إجماع أهل المدينة لم يكن حجة مع وجود الخلاف لغيرهم هذا مذهب الجمهور.
وأما قولهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: "كيف تقرأ أم القرآن فقال: الحمد لله رب العالمين"، فجوابه أن هذا غير ثابت وإنما لفظه في كتاب الترمذي:"كيف تقرأ في الصلاة"، فقرأ أم القرآن وهذا لا دليل فيه، وفي سنن الدارقطني عكس ما ذكروه، وهو أنه عليه السلام قال لبريدة:"بأي شيء تستفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة"؟ قال: قلت: ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وعن علي وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.
فصل
وأمّا الاحتجاج للمذاهب السابقة من الجهر بها أو الإسرار بها أو عدم الإتيان بها:
فأما من رأى الإسرار بها فيحتج بحديث أنس: فلم أسمع أحد منهم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقد تقدمت طرقه.
وحديث ابن مسعود: ما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة مكتوبة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحديث وما في معناهما مما سبق.
قالوا: ولأن الجهر بها منسوخ وذكروا في ذلك حديث ابن عباس: أنه كان بمكة فكان المشركون يقولون: يدعو إلى رحمن اليمامة فتركه.
وما ذكرناه من قول الدارقطني: لم يصح في الجهر بها حديث وبقول بعض التابعين: بدعة كما تقدم.
وقالوا: قياسًا على التعوذ، وقالوا: لو كان الجهر بها ثابتًا لنقل نقلًا متواترًا
لوروده في سائر القراءة.
واحتج أصحابنا على الجهر بها بالأحاديث والآثار السابقة في ذلك، قالوا: ولم يرد تصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي عدم الجهر بها إلا في روايتين عن ابن مغفل وأنس وقد سبق تضعيف الأولى وتعليل الثانية.
ومنهم من استدل بحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"، ولا حجة فيه للإسرار، وإنما يمكن أن يحتج به لمذهب مالك كما سيأتي.
واحتجوا على الجهر بها بحديث أبي هريرة: لا صلاة إلا بقراءة، فما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنّاه وما أخفى أخفيناه، وكان ممن يجهر بالبسملة، فصار ذلك عن أبي هريرة رأيًا ورواية وهو في الصحيح، ومثله عن أبي هريرة حديث: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم؛ صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وتقدم عن أبي هريرة في ذلك عدة أحاديث.
وبحديث قتادة عن أنس: كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كانت مدًّا ثم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قال الحازمي: هذا حديث صحيح لا نعلم له علة وفيه دلالة على الجهر مطلقًا فيتناول الصلاة وغيرها، لأن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اختلفت في الجهر بين حالتي الصلاة وغيرها لبينها، ولمَّا أطلق الجواب دل على أن القراءة كانت كذلك في الصلاة وغيرها.
وأما ما حكي عن الدارقطني: لا يصح فيها حديث فلا يصح هذا عن الدارقطني لأنه صحح في "سننه" في ذلك عدة أحاديث، وقد ذكرنا شيئًا منها.
وأما قول بعض التابعين بدعة فلا حجة فيه إن ثبت عنه لأنه أخبر عن
اعتقاده كما قال أبو حنيفة العقيقة بدعة وصلاة الاستسقاء (1) بدعة، وقول واحد لا يكون حجة على الأكثرين.
وأما قياسهم ذلك على التعوذ فجوابه أن البسملة من الفاتحة ولم يقل أحد في التعوذ بذلك ومرسومة في المصحف بخلاف التعوذ أيضًا.
وأما قولهم لو كان الجهر بها ثابتًا لنقل متواترًا فلا يلزم، لأنه ليس كل حكم متواترًا.
وأما ما ذهب إليه من حكينا عنه أنه لا يأتي بها جهرًا ولا سرًّا كمالك رحمه الله ومن ذكر هناك معه فيحتجون بحديث ابن مغفل وبكثير من ألفاظ حديث أنس فكانوا لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أو لا يقرؤون أو ما في معنى ذلك.
والجواب عن كلا الحديثين أن من أثبت حجة على من نفى مع ما سبق من إعلال الخبرين المذكورين، وقد سبق الجواب عن حديث أنس من وجوه، منها حمل الألفاظ المختلفة فيه من: لا يقرؤون ولا يجهرون وغير ذلك على رواية روى: يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وتأويل هذا اللفظ على أن المراد به البداءة بالفاتحة يعني قبل السورة.
وزعم بعضهم أن ما ورد في الحديث من قوله لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها من تفسير بعض رواة الحديث [عن أنس](2) أو عمن دونه على حسب فهمه وليس فهمه حجة على غيره، وليس من كلام أنس لسقوطه عن جل رواة هذا الخبر، فيكون عنده من المدرج.
والمدرج عندهم على أنواع، منها ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام
(1) في نسخة السندي: الكسوف!
(2)
ما بين المعقوفتين، من الأصل فقط، ولعل الصواب حذفها.
بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو من بعده عقب ما يرويه من الحديث كلامًا من عند نفسه فيرويه مَنْ بعده موصولًا بالحديث غير فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال ويتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو الفتح: والكلام في هذه المسألة طويل، وقد أفرد لها جماعة من أكابر العلماء تصانيف أودعوها من صحيح الخبر وسقيمه و ......... الرأي وقويه أفانين جمعوا بين أوجها وحضيضها وأجلبوا بقضها وقضيضها، لم أضمن هذه الأوراق من مختارها إلا النزر اليسير ولا أودعتها من خلاصتها إلا القليل من الكثير.
وقد رأيت أن أختم الكلام في هذا الفصل بما رأيته عن بعض العلماء من الظاهرية قال ما معناه: إن القراءات السبع متواترة كلها إجماعًا، والبسملة ثابتة في بعضها يقينًا آية من الفاتحة وساقطة في بعضها كذلك وفرض الإتيان بالفاتحة بكمالها في الصلاة ثابت مع القدرة عندنا، فمن قرأ في صلاته برواية عاصم أو الكسائي أو ابن كثير أو غيرهم ممن يراها آية من الفاتحة ففرض عليه الإتيان بها لا تتم صلاته إلا بذلك، لأنه إن لم يأت بها لم يكن مكملًا لقراءة الفاتحة من غير عذر، ومن قرأ في صلاته برواية أبي عمرو أو ابن عامر أو غيرهما ممن لا يراها آية من الفاتحة فهو مخير بين الإتيان بها وعدمه.
ولم يسبق حكاية هذا مذهبًا لأحد ممن حكينا مذاهبهم ولمن أوجبها مطلقًا أن يقول: ثبت حكمها بالأخبار الثابتة حيث لم تثبت قراءة، إذ ليست فرائض الصلاة ولا .... كلها تثبت بالقرآن.
وأما قول الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى: واعلم أن مسألة الجهر ليست مرتبة على إثبات مسألة البسملة، لأن جماعة ممن يرى الجهر لا يعتقدونها قرآنًا، لأنها من السنن كالتعوذ والتأمين وجماعة ممن يرى الإسرار بها يعتقدونها قرآنًا.
وإنما أسروا بها وجهر أولئك لما ترجح عند كل فريق من الأخبار والآثار، فنقول هنا مسألتان:
الأولى: الإتيان بها وعدمه وهذا هو المهم في الفرض الذي لا تتم الصلاة إلا به عند من رآه.
ولا شيء أحسن ولا أقوى من بناء ذلك على كونها قرانًا بالإجماع بطريق التواتر أولًا، وتصريف الحكم فيها على ذلك.
الثانية: مسألة الجهر بها أو الإسرار إنما تنبني على مسألة الإتيان بها.
وأكثر ما فيه خلاف في مستحب أو مسنون، وليس شيء من ترك الجهر يقدح في الصلاة ببطلان، فمن بنى قوله في الجهر بها أو الإسرار على ما ترجح عنده من السنن والآثار في ذلك المعارضة بما ليس عنده في درجتها فلا حرج عليه في ذلك.
* * *