الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
61 - باب ما جاء إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف
ثنا قتيبة ثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أَمَّ أحدكم النّاس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصلي كيف شاء".
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عدي بن حاتم وأنس وجابر بن سمرة ومالك بن عبد الله وأبي واقد وعثمان بن أبي العاص وأبي مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم، اختاروا أن لا يطيل الإمام الصلاة مخافة المشقة على الضعيف والكبير والمريض.
وأبو الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المديني ويكنى أبا داود.
حدثنا قتيبة نا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة في تمام.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
* الكلام عليه:
حديث أبي هريرة هذا متفق عليه.
وحديث عدي بن حاتم قال ابن أبي شيبة في "مسنده": نا زيد بن الحباب عن يحيى بن الوليد بن الميسر قال: أخبرني محل عن عدي بن حاتم قال:
من أمنا (1) فليتم الركوع والسجود فإن فينا الضعيف والكبير والمريض والعابر سبيل وذو الحاجة، وكذا كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يحيى بن الوليد؛ قال النسائي: ليس به بأس.
ومحل، سمع عدي بن حاتم (2) ..... ، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وأخرج له البخاري.
وحديث أنس، روى ابن ماجه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجز ويتم الصلاة.
رواه عن أحمد بن عبدة وحميد بن مسعدة قالا: أنا حماد بن زيد عنه رواه مسلم في "صحيحه"، ورواه البخاري عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها، وفي رواية: يوجز الصلاة ويتم.
وروى الإمام أحمد عن أنس قال: كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله، فدخل المسجد مع القوم، فلما رأى معاذًا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك قال: إنه لمنافق يعجل عن الصلاة من أجل سقي نخله، قال: فجاء حرام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ عنده فقال: يا نبي الله إني أردت أن أسقي نخلًا فدخلت المسجد لأصلي مع القوم، فلمّا طوّل تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: "أفتّان أنت، لا تطول بهم اقرأ بسبح اسم
(1) صورته في نسخة السندي: أومى! وليس واضحة في تصوير الأصل، والحديث رواه ابن أبي شيبة (4663) وعنه أحمد وابنه (4/ 257).
قال الهيثمي (2/ 71): رجاله ثقات.
(2)
في نسخة السندي: سمع أبي بن حاتم، وهو خطأ لا معنى له.
وعدي جده كما في "التهذيب".
ربك الأعلى، والشمس وضحاها ونحوهما".
وحديث جابر بن سمرة قال الطبراني نا معاذ بن المثنى نا مسدد وحدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي نا أبو الوليد الطيالسي قالا: نا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات نحوًا من صلاتكم ويؤخر العتمة بعد صلاتكم شيئًا وكان يخف الصلاة.
وذكر عن محمود بن علي الأصبهاني ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود نا قيس عن سماك عن جابر حديثًا ثم قال عطفًا عليه: وعن سماك يعني بهذا الإسناد، قال: قلت لجابر بن سمرة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كانت خطبته قصدًا وصلاته قصدًا (1).
وذكر عبد الرزاق في "مصنفه": أنا إسرائيل عن سماك بن حرب أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم ولكن كان يخفف، كانت صلاته أخف من صلاتكم كان يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور.
وحديث مالك بن عبد الله وهو الخزاعي روينا عن الطبراني (2) قال: ثنا محمد بن الحسن كيسان المصيصي ثنا معلي بن أسد العمي. وحدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال نا عفان ونا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال نا عبد الرحمن بن المبارك العيشي قالوا نا عبد الواحد بن زياد عن منصور بن حيان عن سليمان الخزاعي عن خاله مالك بن عبد الله قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما صليت خلف إمام قوم أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) رسمت في السندي: قسطًا، والحديث رواه مسلم (866)!!
(2)
في "المعجم الكبير"(19/ 651) التالي برقم (652)، ورواه الإمام أحمد (5/ 226) وابن أبي عاصم في "الآحاد"(2311، 2771)، وقال الهيثمي (2/ 70): رجاله ثقات.
حدثنا عبيد بن غنام قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة قال نا مروان بن معاوية عن منصور بن حيان قال نا سليمان بن بُسر الخزاعي عن خاله مالك بن عبد الله قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أصل خلف إمام كان أخف صلاة في المكتوبة منه.
منصور بن حيان وثقه ابن معين والكوفي (1) وغيرهما وسليمان بن .......... (2).
وحديث أبي واقد الليثي واسمه الحارث بن عوف ويقال الحارث بن مالك ويقال عوف بن مالك ويقال الحارث بن عوف، روى الطبراني من حديث عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن نافع بن سرجس قال: عُدنا أبا واقد البكري في وجعه الذي مات فيه فسمعته يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة على الناس وأطول الناس صلاة لنفسه.
قال نا الدبري أنا عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، تابع ابن جريج على روايته عن ابن خثيم زائدة وداود بن عبد الرحمن العطار وإسماعيل بن عياش ووهيب وكلها عند الطبراني بأسانيد جيدة، وفي بعضها: كان من أخف الناس صلاة للناس وفي بعضها: بالناس.
ابن خثيم روى له مسلم ووثقه ابن معين والعجلي.
ونافع بن سرجس سمئل عنه أحمد بن حنبل فقال: لا أعلم إلا خيرًا.
(1) كذا. وقد ذكر المزي في ترجمته توثيق العجلي والنسائي له أيضًا. وأن أبا حاتم الرازي قال: كان من أثبت الناس، وحمده أبو داود وذكره ابن حبان في الثقات، وروى له مسلم.
(2)
كذا بياض في الأصول. وسليمان بن بسر، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وانظر "تعجيل المنفعة".
وحديث عثمان بن أبي العاص الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أمّ قومك" قال: قلت يا رسول الله: إني أجد في نفسي شيئًا. قال: "ادنه". فأجلسني بين يديه ثم وضع كفه في صدري بين ثديي ثم قال: "تحول" فوضعها في ظهري بين كتفي ثم قال: "أمّ قومك، فمن أَمّ قومًا فليخف، فإن فيهم الكبير وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة، فإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء". رواه مسلم.
وفي رواية: "فإذا أممت قومًا فأخف بهم الصلاة".
وفي رواية عن عثمان عند مسلم: آخر ما عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أممت قومًا فأخف بهم الصلاة".
وحديث أبي مسعود أن رجلًا قال: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا منه يومئذ، ثم قال:"أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية للبخاري:"فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة".
وحديث جابر بن عبد الله قال: أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذًا يصلي، فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ فقرأ بسورة البقرة والنساء، فانطلق الرجل وبلغه أن معاذ نال منه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكى إليه معاذًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أفتان أنت أو أفاتن أنت ثلاث مرار، فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة"، رواه البخاري وهذا لفظه ومسلم.
وحديث ابن عباس ذكر أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" قال: نا وكيع عن
سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العُرني عن ابن عباس قال: ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا؟ ولكنا نقرأ.
الحسن بن عبد الله العُرني هذا وثقه أبو زرعة وابن معين إلا أن ابن معين قال: يقال لم يسمع من ابن عباس، وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه وروى له البخاري مقرونًا بغيره.
وفي الباب مما لم يذكره حديث حزم بن أبي كعب الأنصاري عند أبي داود عن موسى بن إسماعيل عن طالب بن حبيب قال سمعت عبد الرحمن بن جابر عن حزم بن أبي كعب الأنصاري: أنه أتى معاذًا بن جبل وهو يصلي بقوم صلاة المغرب، وفي هذا الخبر قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ لا تكن فتّانًا، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر".
طالب بن حبيب هذا يعرف بالضجيعي كان جده ضجيع حمزة بن عبد المطلب أنصاري مدني، سمع عبد الرحمن ومحمدًا ابني جابر، روى عنه موسى بن إسماعيل وأبو داود الطيالسي.
قال البخاري: فيه نظر، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
وفيه عند الإمام أحمد (1) من طريق عمرو بن يحيى المازني عن معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة يقال له سُليم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا (2) بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فيُنادي بالصلاة، فنخرج إليه فيُطول علينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ بن جبل
(1) في "المسند"(5/ 74).
قال الهيثمي (2/ 72): ومعاذ بن رفاعة لم يدرك الرجل الذي من بني سلمة لأنه استشهد بأحد، ومعاذ تابعي. قال الحافظ في "تعجيل المنفعة": صورته مرسل.
(2)
في الأصل المخطوطة: يمايتنا. والمثبت من المصادر المطبوعة.
لا تكن فتّانًا، إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك".
أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع، لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدرك هذا الذي شكا إلى رسول الله لأن هذا الشاكي قتل يوم أحد.
وفيه عن بريدة قال: إن معاذ صلى بأصحابه صلاة العشاء، فقرأ فيها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ، فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال له معاذ قولًا شديدًا، فأتى الرجل النبي فاعتذر إليه، فقال: إني كنت أعمل في نخلي وخفت على الماء فقال رسول الله: "صل بالشمس وضحاها ونحوها من السور".
رواه الإمام أحمد (1)، قال الحافظ ضياء الدين المقدسي: وهذا يدل على أن قصة معاذ كانت غير واحدة.
وفيه عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات. رواه النسائي.
وفيه حديث أبي قتادة عن النبي عليه السلام قال: "إني لأدخل في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه". رواه البخاري.
في هذه الأحاديث مسائل:
الأولى: أمر الأئمة بالتخفيف، وترك التطويل لعلل قد بانت في قوله عليه السلام:"فإن فيهم السقيم والكبير وذا الحاجة".
قال أبو عمر: التخفيف لكل إمام أمر مجتمع عليه مندوب عند العلماء إليه،
(1)"المسند"(5/ 355)، قال الهيثمي (2/ 119): رجاله رجال الصحيح.
وصحح إسناده الشوكاني في "النيل"(3/ 177).
إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال وأما الحذف والنقصان فلا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن نقر الغراب، ورأى رجلًا يصلي ولم يتم ركوعه وسجوده فقال له:"ارجع فصل فإنك لم تصل"، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا ينظر الله عز وجل إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده"، وقال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام.
ورأى حذيفة رجلًا يصلي لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما انصرف دعاه فقال: مذ كم صليت هذه الصلاة؟ قال: صليتها منذ كذا وكذا، قال: فقال حذيفة: ما صليت أو قال: ما صليت لله قال: وأحسبه قال: وإن متَّ متّ على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي: أقل ما يجزئ من عمل الصلاة أن يحرم ويقرأ بأم القرآن إن أحسنها ويركع حتى يطمئن راكعًا ويرفع حتى يعتدل قائمًا ويسجد حتى يطمئن ساجدًا على الجبهة، ثم يرفع حتى يعتدل جالسًا ثم يسجد الأخرى كما وصفت ثم يقوم بفعل ذلك في كل ركعة ويجلس في الرابعة ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم تسليمة يقول السلام عليكم، فإذا فعل ذلك أجزأته صلاته، وقد ضيع حظ نفسه فيما ترك.
قال أبو عمر: وأقل ما يجزئ من القراءة فاتحة الكتاب بقراءة تفهم حروفها.
وقال ابن القاسم عن مالك: في الركوع إذا أمكن يديه من ركبتيه وإن لم يسبح فهو مجزئ عنه وكان لا يوقت تسبيحًا.
قال أبو عمر: لا أعلم بين أهل العلم خلافًا في استحباب التخفيف لكل من أمّ قومًا على ما شرطنا من الإتمام بأقل ما يجزئ والفريضة والنافلة إذا صليت جماعة عند جميعهم في ذلك سواء إلا ما جاء في صلاة الكسوف على سنتها.
وقد روي عن عمر بن الخطاب ضي الله عنه أنه قال: لا تبغِّضوا الله إلى عباده يطوّل أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه.
الثانية: أنه إذا أحس الإمام بداخلٍ إلى الصلاة وهو راكع استحب له أن ينتظره، وهي مسألة اختلف فيها، قال الخطابي: كان له أن ينتظره راكعًا ليدرك فضيلة الركعة في الجماعة، لأنه إذا كان له أن يحذف من طول الصلاة لحاجة إنسان في بعض أمور الدنيا كان له أن يزيد فيها لعبادة الله بل هو أحق بذلك وأولى وقال بعض المالكية: لا دليل فيه نظرًا إلى أن الاختصار والحذف من الصلاة أحق من الزيادة فيها والانتظار زيادة وعمل.
الثالثة: قوله: (وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) في الأركان التي يستحب فيها الإطالة من القيام والركوع والسجود والتشهد دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين كما سيأتي.
الرابعة: وفيه جواز التأخير عن صلاة الجماعة إذا علم من حال الإمام التطويل الكثير قاله النووي، وفيه نظر، لأن الجواز الذي أشار إليه إنما يؤخذ عنده من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقر عليه السلام ذلك، بل أنكر على الإمام ذلك وغضب أشد الغضب وإنكاره على الإمام إنما هو لما أضاعه من حق المأموم ومن تأخره عن الجماعة، ففيه تأكد طلبية الجماعة ثم التنبيه على فضلها.
الخامسة: وفيه جواز ذكر الإنسان بمثل هذا في معرض الشكوى والاستفتاء.
السادسة: فإن قيل الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا وقد تضمن الحديث التنبيه على علة الحكم بالأعذار المذكورة من الضعف والمرض وغيرهما، فينبغي إذا انتفت العلة أن ينتفي المعلول وإذا علم الإمام من أحوال المأمومين طلب الإطالة والقدرة عليها حرصًا على الخير أن يطيل، فالجواب من وجهين:
الأول: أن الأحكام تناط بالغالب ولا تتبع الصور النادرة كقصر الصلاة في السفر معللًا بالمشقة وإن كان في المسافرين من لا مشقة عليه لكن الغالب المشقة
فاطرد اعتبارها.
الثاني: أنه لا يؤمن من دخل في الصلاة مريدًا لإطالتها متمكنًا من ذلك أن يحدث عليه وهو في الصلاة ما يحول بينه وبين تلك الإرادة والتمكن من عارض حاجة أو آفة حدث بول وما أشبه ذلك، ولذلك فرق بين الإمام والمصلي لنفسه، فإن المصلي لنفسه يعلم من أحوال نفسه في الشروع والاستمرار ما لا يمكنه أن يعلمه من أحوال غيره، فكان التخفيف هو المطلوب مطلقًا لمن أمّ الناس علم قوتهم أو لم يعلم.
وقد نقل عن بعض الفقهاء أن الإمام إذا علم من المأمومين إيثار التطويل طول كما لو اجتمع قوم لقيام الليل، فإن ذلك وإن شق عليهم فقد آثروه ودخلوا عليه نظرًا إلى انتفاء العلة والأول أولى.
السابعة: تضمن الحديث تخفيف الإمام وإطالة المصلي لنفسه ما شاء من غير تحديد في الأول ولا الثاني، ويمكن أن يقال في تحديد الأول مع ما سبق من أنه لا ينقص عن أقل الكمال ما رويناه بالأسانيد الصحيحة من طريق أبي داود والنسائي من حديث حماد بن سلمة أنا سعيد الجريري عن أبي العلاء مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص قال: قلت يا رسول الله: اجعلني إمام قومي قال: "أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على الأذان أجرًا".
فهذا حد حسن للتخفيف وهو أن ينظر إلى ما يحتمله أضعف من خلفه فيصلي على حسبه.
وأما حد إطالة المصلي لنفسه فما لم يخرج وقت الصلاة التي تلي الصلاة التي هو فيها لقوله عليه السلام: "إنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى" فالإطالة في صلاة حتى ينتهي وقتها ويدخل وقت التي تليها وينتهي؛ مُوقع في التفريط فهو حرص على خير على زعم فاعله شغل عما هو خير منه من أداء فرض
الثانية في وقتها فلا خير فيه.
الثامنة: فيه الرد على من زعم أن صلاة الجماعة فرض عين كما سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى.
لأنه عليه السلام أنكر على معاذ الإطالة ولم ينكر على الرجل الذي فارق الجماعة وصلى وحده فعله ذلك كما تقدم في حديث بريدة، ونحو من ذلك حديث حزم بن أبي كعب ولو كانت الجماعة فرض عين لما أقرَّ عليه السلام المنفرد على انفراده ولكان أجدر بالإنكار عليه.
التاسعة: في حديث عثمان بن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله إني أجد في نفسي، قيل يخشى الكبر والإعجاب لتقدمه بالناس إمامًا، وقيل يريد الوسواس وأي ذلك كان فقد أذهبه الله تعالى ببركة كف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
العاشرة: في حديث أبي مسعود: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة أشد غضبًا منه يومئذ، فيه الغضب في الموعظة، قال شيخنا القشيري رحمه الله تعالى: وذلك إما لمخالفة الموعوظ لما علمه وإما للتقصير في تعلمه.
قوله رحمه الله: لمخالفة الموعوظ لما علمه، يتوقف على تقدم الموعظة بذلك وعلم الموعوظ له بها، ونحوه التقصير في التعلم أيضًا إلا أن يكون ذلك مستفادًا من أمر عام من طلب الرفق بالمسلم أو ما أشبه إن كان ذلك قد كان وقع، وأقرب من ذلك أن يكون ما ظهر من صورة الغضب لإرادة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه رضي الله عنهم وأن يكونوا من سماعه وتلقيه منه عليه السلام على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله ثانيًا.
الحادية عشرة: قوله: "أفتّان أنت أو فاتن أنت" الأولى أن يكون الشك من الراوي لا من باب الرواية بالمعنى كما زعم بعضهم لما تحلت به صيغة فعّال من
المبالغة التي خلت منها صيغة فاعل.
الثانية عشرة: في حديث الباب من الأعذار المقتضية للتخفيف والصغر والكبر والضعف والمرض وهي جارية مجرى الأمثال لا تخص ما ذكر بل يأتي عليه وعلى من في معناه، ففي حديث عدي بن حاتم: والعابر سبيل، وفي حديث حزم بن أبي كعب: والمسافر، وفي حديث أنس: أن حرامًا كان يريد أن يسقي نخله، وفي حديث سُليم: نكون في أعمالنا بالنهار، وفي حديث أبي مسعود: وذا الحاجة، وهذا كله يوضح ما ذكرناه.
الثالثة عشرة: في حديث أبي قتادة: (فأسمع بكاء الصبي
…
) الحديث، فيه ما كان عليه السلام عليه من الرفق بأمته والرأفة بهم ومراعاة مصالحهم وتقديم حظهم من ذلك على حظ نفسه لإيثاره التخفيف عند سماعه بكاء الصبي بعد أن شرع مريدًا للإطالة التي فيها حظه صلى الله عليه وسلم.
الرابعة عشرة: فيه أن من شرع مريدًا للإطالة ثم عرض له ما يقتضي التخفيف أن التخفيف له جائز وإذا جاز هذا في مثل هذا الأمر القريب من بكاء الصبي فلأن يكون حين دعاء الحاجة إليه أقوى أولى.
الخامسة عشرة: فيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المساجد.
وقد ثبت فيه: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" رواه البخاري ومسلم وقد روى أبو داود عن ابن مسعود عن النبي قال: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها".
السادسة عشرة: فيه جواز إدخال الصبيان إلى المساجد مع أن الصبي لا يؤمن منه الحدث، وقد روى ابن مسعود عن النبي عليه السلام:"جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" حكاه عبد الحق عن البزار، وفيه أيضًا من حديث مكحول
عن واثلة وأبي الدرداء وأبي أمامة قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" الحديث ولا يثبت شيء من ذلك وزعم ابن القطان أن الأول ليس في "مسند البزار" قال: وقد يكون عنده في غير مسنده.
فأمّا حديث مكحول فعند ابن عدي وفيه العلاء بن كثير الدمشقي وفي الأول موسى بن عمر وكلاهما ضعيف جدًّا.
* * *