الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
47 - باب ما جاء في فضل الجماعة
ثنا هناد نا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة".
وقال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي ومعاذ بن جبل وأبي لسعيد وأبي هريرة وأنس.
قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح.
وهكذا روى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة".
وعامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قالوا: خمسة وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: "بسبع وعشرين".
حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ثنا معن نا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده بخمس وعشرين جزءًا".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
* الكلام عليه:
حديث الباب من رواية ابن عمر وأبي هريرة عند البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجميع تفضل على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين ضعفًا كلها مثل صلاته". رواه الإمام أحمد.
وعن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا الصبح فقال: "أشاهد
فلان"؟ قالوا: لا. قال: "أشاهد فلان"؟ قالوا: لا. قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوًا على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملاكة ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل" رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وفي إسناده عبد الله بن أبي بصير يرويه عن أبي بن كعب، لم يرو عنه غير السبيعي، وقد وثقه ابن حبان.
وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده خمس وعشرين".
قرأته على ابن ساعد أخبركم ابن خليل أنا الطرسوسي وابن أبي زيد قالا أنا محمود الصيرفي أنا ابن فاذشاه أنا الطبراني نا محمد بن عبدوس بن كامل السراج ثنا محمد بن بكار نا عبد الحكيم بن منصور عن عبد اللك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ به.
عبد الحكيم بن منصور روى له الترمذي وقد تكلموا فيه.
وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة"، رواه البخاري. وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في جماعة تعدل خمسًا وعشرين صلاة فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة"، رواه أبو داود من طريق هلال بن ميمون.
وقال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: "صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة"، وساق الحديث قال ابن عدي: هلال بن
ميمون عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه.
وحديث أنس بن مالك وجدته عند أبي العباس السراج موقوفًا قال نا جعفر الصايغ نا عبيد الله بن محمد بن حفص نا حماد بن سلمة عن عاصم عن أنس موقوفًا أنه قال: تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل بضعًا وعشرين صلاة.
وسئل عنه الشيخ أبو الحسنن الدارقطني فقال: يرويه حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أبو داود الطيالسي موقوفًا عن حماد وهو الصحيح.
ورواه أيضًا شعيب بن الحبحاب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف عليه، فرواه
صالح بن عبد الكبير بن شعيب عن عمه عبد السلام عن أبيه شعيب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه أبو عتاب الدلال عن عبد السلام بن شعيب موقوفًا وهو أشبه بالصواب.
وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة.
روينا عن أبي العباس السراج في مسنده ثنا محمد بن بشار بندار نا يحيى بن سعيد نا عبد الرحمن بن عمار عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل في الجميع تفضل على صلاته وحده خمسًا وعشرين درجة".
عبد الرحمن بن عمار هذا هو ابن أبي زينب وثقة أحمد والنسائي.
وفي هذه الأحاديث مسائل:
الأولى: فضل الصلاة في الجماعة ولا نزاع في ذلك.
الثانية: استدل بها على صحة صلاة الفذ وأن الجماعة ليست بشرط وذلك أن لفظة أفعل تقتضي الاشتراك في الأصل مع ثبوت التفاضل في أحد الجانبين وذلك
يقتضي وجود فضيلة في صلاة الفذ، لأن ما لا يصح لا فضيلة فيه.
فإن قيل إن صيغة أفعل قد ترد من غير اشتراك في الأصل كما قيل في قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا وأحسن مقيلًا} .
فالجواب: أن مثل ذلك على قلته في الكلام إنما يكون عند الإطلاق وأما إذا حصل التفاضل بزيادة عدد معين اقتضى ولا بد أن يكون ثم جرْء معدود تزيد عليه أجزاء أخر كما إذ قلنا هذا العدد أزيد من ذاك بكذا وكذا فلا بد من وجود أصل العدد وجزء معلوم في الآخر.
ويزيد ذلك وضوحًا لفظ حديث أبي هريرة حيث قال: صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده. فإن ذلك يقتضي ثبوت شيء يزاد عليه.
وقد اختلف الناس في الجماعة هل هي سنة أو فرض كفاية أو فرض [عين] أو هي شرط في صحة الصلاة كما سنذكره في الباب بعد هذا.
ومن ادعى فرضية الصلاة في الجماعة يحمل لفظ الفذ هنا على الفذ العذور في التخلف عن الجماعة ولا يستقيم له ذلك، لأن الفذ معرف بالألف واللام فيعم الفذ المعذور وغيره، فإخراج غير المعذور تخصيص من غير مخصص.
قال أبو عمر: لا يخلو قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ" من أحد ثلاثة أوجه:
إما أن يكون المراد بذلك صلاة النافلة أو يكون المراد بذلك من تخلف من عذر أو يكون المراد من تخلف من غير عذر.
وقد ثبت عن النبي عليه السلام: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة" فعلمنا بذلك أنه لم يرد بحديث الباب صلاة النافلة
وكذلك لما قال صلى الله عليه وسلم: "من كانت له صلاة بليل فغلبه عليها نوم كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة".
وقال عليه السلام: "إذا شغل العبد عن عمل كان يعمله مرض ابتلاه الله به كتب له أجر ذلك العمل ما دام في وثاق مرضه". فعلمنا بذلك أن من تخلف لعذر لم يدخل في معنى هذا الحديث، وإذا بطل هذان الوجهان صح أن المراد بذلك هو المتخلف عما نُدبَ إليه ووجب وجوب سنة عليه من غير عذر وعلمنا أن النبي عليه السلام لم يفاضل بينهما إلا وهما جائزان إلا أن أحدهما أفضل من الآخر.
الثالثة: اختلفوا في الجماعات هل يتفاوت فضلها بالقلة والكثرة أم لا؟ وإلى التفاوت ذهب الشافعي ومن قال بقوله، وإلى عدمه ذهب مالك في آخرين على المشهور عنه.
وقال ابن حبيب بل تفضل جماعة جماعة بالكثرة وفضيلة الإمام، وحجة الأول حديث أبي بن كعب: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل.
قال أبو عمر: ليس بالقوي ولا يحتج بمثله.
ولست أدري لم ذلك، فإن أبا داود رواه عن حفص بن عمر نا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبي بن كعب وليس في هؤلاء من يسئل عنه غير عبد الله بن أبي بصير ولم نقف فيه على جرح وقد وثقه ابن حبان وما قيل من أنه لم يرو عنه غير السبيعي ليس ضارًا مع وجود التوثيق.
وأجود من قول أبي عمر هذا قوله في موضع آخر: وقد رويت آثار مرفوعة منها حديث أبي كعب وذكره وهي آثار كلها ليست في القوة والثبوت والصحة كآثار هذا الباب على أن ابن حبان قد حكم بصحة حديث أُبي بن كعب هذا.
وأما من ذهب إلى عدم التفاوت فيقول دل الحديث على فضيلة صلاة الجماعة بالعدد المعين فيدخل تحته كل جماعة ومن جملة ذلك الجماعة الكبرى والجماعة الصغرى والتقدير فيهما واحد بمقتضى العموم.
وروى الحكيم بن عمير وكان صحابيًّا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنان فما فوقهما جماعة".
وروى ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون نا الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الاثنان فما فوقهما جماعة".
قال أبو عمر: واستدلوا أيضًا بما عليه أكثر العلماء فيمن صلى في جماعة اثنين فما فوقهما أنه لا يعيد في جماعة أكثر منها.
ومعلوم أن إعادة الفذ لما صلى وحده مع الجماعة إنما كان لفضل الجماعة على الانفراد. فإذا لم يعد من صلى مع اثنين أو ثلاثة في الجماعة الكبيرة دل على ما وصفناه انتهى.
أما من لم يرى لكثرة الجماعة مزية فضل فهو مستغن عن الإعادة.
وأما من يرى الفضل يتفاوت بالكثرة وهم أصحاب الشافعي فقالوا: من صلى إحدى الخمس في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى فهل يعيدها معهم؟ فيه وجوه:
ثالثها: إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الإمام أعلم أو أورع أو لكون الجماعة أكثر أو لكون المكان أفضل فتستحب الإعادة وإلا فلا، ورابعها يستحب إعادة الظهر والمغرب والعشاء دون الصبح والعصر لما روي في كراهية الصلاة بعد الصبح وبعد العصر.
وقد قيل نحوًا من ذلك إعادة المصلي منفردًا أيضًا.
وأما مالك رحمه الله فيرى أن من صلى في جماعة لا يعيد في أكثر منها إلا إن كان في أحد المساجد الثلاثة في الجماعة.
الرابعة: في حديث ابن عمر التفضيل بسبع وعشرين درجة وفي حديث أبي هريرة بخمس وعشرين جزءًا وفي بعض ألفاظه ببضع وعشرين.
فاختلف في الجزء والدرجة هل مقدارهما واحد أم لا؟
فقيل: الدرجة أصغر من الجزء فكأن الخمسة وعشرين إذا جزئت درجات كانت سبعًا وعشرين.
وقيل: يحمل على أن الله تعالى كتب فيها أنها أفضل بخمسة وعشرين جزءًا ثم تفضل بزيادة درجتين وقيل إن هذا بحسب أحوال المصلين وقيل راجع إلى أعيان الصلوات ثم قيل بعد ذلك الزيادة لصلاة الصبح والعصر، وقيل لصلاة الصبح والعشاء، وقيل يحتمل أن يختلف باختلاف الأماكن بالمسجد وغيره.
الخامسة: هل هذه الدرجات أو الأجزاء بمعنى الصلوات فتكون صلاة الجماعة بمثابة خمس وعشرين، أو سبع وعشرين صلاة، أو يقال: إن لفظ الدرجة والجزء لا يلزم منهما أن يكون بمقدار الصلاة، وقد كان القول بهذا الثاني يمكن لكن يضعفه ما تشعر به لفظة تضاعف الواردة في كثير من طرق هذه الأحاديث من المساواة للصلاة الأولى في مقدار الفضل [والزيادة عليه](1) وأيضًا فألفاظ الأحاديث صرحت بذكر الصلاة، ففي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الجماعة تعدل خمسة وعشرين صلاة من صلاة الفذ" رواه السراج نا الفضل بن سهل نا القعنبي نا أفلح بن حميد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن سلمان الأغر عن أبي هريرة.
وهذا من أصح الأسانيد.
(1) ما بين معقوفتين استدركته من الحاشية.
وفي لفظة له: صلاة مع الإمام أفضل من خمسة وعشرين يصليها وحده.
إسناده كإسناد الذي قبله.
ومن حديث ابن مسعود بخمس وعشرين صلاة.
السادسة: حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة عند الترمذي تضمنا حصول التضعيف المذكور بالصلاة في الجماعة فقط من غير قيد آخر وحديث أبي هريرة الذي لفظه: "وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة
…
" الحديث.
وقد تقدم وهو مخرج في الصحيحين يقتضي ترتب الثواب على المجموع من الجماعة وإحسان الوضوء والخطا إلى المساجد وغير ذلك مما تضمنه لفظه لما يشعر به لفظه (وذلك) من التعليل كأنه يقول وهذا التضعيف المذكور شبيه كيت وكيت مما ذكره وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرًا منها وتنبني على ذلك مسألتان الأولى وهي:
السابعة: روي عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه ليس يتأدى فرض الجماعة بإقامتها في البيوت وهو نظر إلى لفظ الحديث الذي ذكرناه: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا"، ومأخذه أنها زيادة صحت فهي معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه.
الثانية وهي الثامنة: القائلون من أصحاب الشافعي بأن الجماعة فرض كفاية. قالوا: لو امتنع أهل بلدة، أو قرية من إقامتها قاتلهم الإمام ولا يسقط الحرج إلا إذا أقاموها بحيث يظهر هذا الشعار، ففي القرية الصغيرة يكفي إقامتها في موضع واحد وفي القرى الكبيرة والبلاد تقام في محالها ولو أطبقوا على إقامة الجماعة في البيوت، فعن أبي إسحاق المروزي أنه لا يسقط الفرض بذلك، لأن الشعار في البلد
لا يظهر به، ونازعه فيه بعضهم إذا ظهر ذلك في الأسواق.
ووجه الأولى أن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد وهذا وصف معتبر لا يتأتى إلغاؤه.
وهذه المسألة غير التي قبلها إذ الحكم في تلك متعلق بكل فرد من المصلين، والحكم في هذه متعلق بإقامة الشعار المسقط حكم القتال عن أهل البلد أو القرية إذا امتنعوا منه.
التاسعة: قال شيخنا الإمام أبو الفتح القشيري رحمه الله: قوله عليه السلام: "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه" يتصدى النظر هاهنا هل صلاته في المسجد في جماعة مفضل على صلاته في بيته وسوقه جماعة أو يفضل عليها منفردًا أما الحديث فمقتضاه أن صلاته في المسجد جماعة تفضل على صلاته في بيته وسوقه جماعة وفرادى بهذا القدر، لأن قوله:(صلاة الرجل في جماعة) محمول على الصلاة في المسجد لأنه قوبل بالصلاة في بيته وسوقه ولو جرينا على إطلاق اللفظ لم يحصل القابلة لأنه يكون قسيم الشيء قسيمًا منه وهو باطل.
وإذا حمل على صلاته في المسجد، فقوله عليه السلام:(صلاته في بيته وسوقه) عام يتناول الانفراد والجماعة وقد أشار بعضهم إلى هذا بالنسبة إلى المسجد والسوق من جهة ما ورد أن الأسواق موضع الشياطين، فتكون الصلاة فيها ناقصة الرتبة كالصلاة في الموضع المكروه لأجل الشياطين كالحمام وهذا الذي قاله وإن أمكن في السوق ليس يطرد في البيت فلا ينبغي أن تتساوى فضيلة الصلاة في البيت جماعة مع فضيلة الصلاة في السوق جماعة في مقدار الفضيلة الذي لا يؤخذ إلا بالتوقيف، فإن الأصل أن لا يتساوى ما ؤجد فيه مفسدة معينة مع ما لم توجد فيه
تلك المفسدة. هذا ما يتعلق بمقتضى اللفظ ولكن الظاهر مما يقتضيه السياق أن المراد تفضيل صلاة الجماعة في المسجد على صلاته في بيته وسوقه منفردًا فكأنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردًا وبهذا يرتفع الإشكال الذي قدمناه من استبعاد تساوي صلاته في البيت مع صلاته في السوق جماعة فيهما.
وذلك لأن من اعتبر معنى السوق مع إقامة الجماعة فيه وجعله سببًا لنقصان الجماعة فيه عن الجماعة في المسجد يلزمه تساوي ما وجدت فيه مفسدة معتبرة مع ما لم توجد فيه تلك المفسدة في مقدار التفاضل، وأما إذا جعلنا التفاضل بين صلاة الجماعة في المسجد وصلاتها في البيت والسوق منفردًا فوصف السوف هاهنا ملغى غير معتبر فلا يلزم تساوي ما فيه مفسدة مع ما لا مفسدة فيه من مقدار التفاضل والذي يؤيد هذا أنهم لم يذكروه والسوق في الأماكن المكروهة للصلاة وبهذا فارق الحمام المستشهد بها.
العاشرة: حيث تقدمت الإشارة في المباحث السابقة في معنى حديث أبي هريرة إلى أن الأوصاف التي يظهر ترتب الثواب المذكور عليها منها ما يحتمل أن يكون ملغى، ومنها ما ليس كذلك، فليقع النظر في تمييز ما هو معتبر منها مما يمكن أن يكون ملغى فنقول:
أما وصف الرجولية فحيث يجوز للمرأة الخروج إلى المسجد ينبغي أن يتساوى مع الرجل لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعًا، وسنذكر أحكام المرأة في الجماعة بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وأما الوضوء في البيت فوصف كونه في البيت غير داخل في التعليل.
وأما الوضوء فمعتبر مناسب، لكن هل المقصود منه مجرد كونه طاهرًا أو فعل
الطهارة؟ فيه نظر ويترجح الثاني بأن تجديد الطهارة مستحب، لكن الأظهر أن قوله عليه السلام:"إذا توضأ" لا يتقيد بالفعل إنما خرج مخرج الغلبة أو ضرب المثال؛ لأنه لو كان على طهارة متقدمة خرج بها إلى صلاة سابقة لكان حكمه في التضعيف المذكور حكم من توضأ لصلاته الحاضرة بعينها.
وأما إحسان الوضوء فمعتبر، وأما خروجه إلى الصلاة فيشعر بأن الخروج لأجلها وقد ورد مصرحًا به في حديث آخر "ولا ينهزه إلّا الصلاة" وهذا وصف معتبر.
وأما الجماعة فبالضرورة لا بد من اعتباره، وأما تضعيف الصلاة في الجماعة على الصلاة في السوق والبيت فقد سبق ما فيه.
وأما كثرة الخطا وانتظار الصلاة فثوابه غير الثواب الأول من تعدد الحسنات بتعدد الخطا من صلاة الملائكة على من هو بهذه المثابة.
الحادية عشرة: الخَطوة بفتح الحاء هي الفَعلة وبضم الخاء ما بين قدمي الماشي وفي هذا الموضع هي مفتوحة الخاء لأن المراد فعل الماشي والله أعلم.
* * *