الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَاب شَهْرِ رَمَضَانَ
(319) بابٌ: في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ
1371 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ - قَالَ الْحَسَنُ فِى حَدِيثِهِ: وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (1) قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ فِى قِيَامِ رَمَضَانَ
===
(بَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ)
(319)
(بابٌ: في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ)(2)
أي: في فضل قيام ليله
1371 -
(حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المتوكل قالا: نا عبد الرزاق، أنا معمر، قال الحسن في حديثه: ومالك بن أنس) أي وزاد حسن بن علي في سند حديثه مع معمر مالك بن أنس، (عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ) أي أصحابه (في قيام رمضان)
(1) ذكر المزي في "تحفة الأشراف"(9/ 51) رقم (12277) إسنادًا آخر لهذا الحديث، وعزاه إلى كتاب الصلاة والصوم: عن قتيبة، عن مالك، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، ولكن لم نقف عليه في المطبوع من "السنن".
(2)
الأولى في التراويح: البيوت إن لم تعطل المساجد، كذا في "الدسوقي"(1/ 315). (ش).
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ:«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ،
===
أي في قيام ليله في الصلاة (من غير أن يأمرهم (1) بعزيمة) أي بإيجاب (ثم يقول: من قام رمضان) أي في لياليه في الصلاة (إيمانًا) أي تصديقًا بوعد الله عليه بالثواب (واحتسابًا) أي طلبًا للأجر لا لقصد آخر من رياء ونحوه (غفر له) ظاهره يتناول الصغائر والكبائر، وبه جزم ابن المنذر.
وقال النووي (2): المعروف أنه يختص بالصغائر، وبه جزم إمام الحرمين، وعزاه عياض لأهل السنَّة، قال بعضهم: ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة.
(ما تقدم من ذنبه) زاد قتيبة عن سفيان عند النسائي: "وما تأخر"، وقد استشكلت هذه الزيادة من حيث إن المغفرة تستدعي سبق شيء يُغْفر، والمتأخر من الذنوب لم يأت، فكيف يغفر؟
والجواب عنه: قيل: إنه كناية عن حفظهم من الكبائر، فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك. وقيل: إن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة، وبهذا أجاب جماعة منهم الماوردي في الكلام على حديث صيام عرفة: وأنه يكفِّر سنتين: سنة ماضية وسنة آتية.
(فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)، هذا قول (3) الزهري، صرح به البخاري في "صحيحه"(4)(والأمر على ذلك) أي على ترك الجماعة الواحدة في التراويح،
(1) قلت: وقد أمرهم بذلك في حديث ابن عباس كما سيأتي في الصوم. (ش).
(2)
"شرح صحيح مسلم"(3/ 398).
(3)
يعني مدرج عنه، قلت: لكنه مختلف عند الرواة، فالبخاري ومالك أخرجاه عن الزهري وأبو داود والترمذي جعلاه متصلًا، كذا في "الأوجز"(2/ 510). (ش).
(4)
"صحيح البخاري"(2009).
ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِى خِلَافَةِ أَبِى بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رضى الله عنه".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا رَوَاهُ عُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَأَبُو أُوَيْسٍ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ» ، وَرَوَى عُقَيْلٌ:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ» . [خ 2014، م 759 -
760، ت 808، ن 2195، ط 1/ 113/ 2، ق 2/ 492، حم 2/ 241]
1372 -
حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ (1)، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ
===
بل يصلي الناس أوزاعًا متفرقين، يصلي الرجل نفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، (ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا) أي ابتداءً (من خلافة عمر رضي الله عنه أي في أول خلافته.
(قال أبو داود: وكذا) أي كما رواه معمر ومالك بن أنس عن الزهري (رواه عقيل ويونس وأبو أويس: من قام رمضان) أخرج البخاري (2) حديث عقيل عن ابن شهاب، وأما يونس فأخرج حديثه النسائي (3) في الصوم، وأما أبو أويس فلم أجد روايته فيما تتبعت من الكتب (4).
(وروى عقيل: من صام رمضان وقامه) وهذا إشارة إلى أن عقيلًا روى عن الزهري روايتين، روى مرة مقتصرًا على قيام رمضان، ومرة روى في الصيام والقيام جميعًا، ولم أجد رواية عقيل فيها ذكر من صام.
1372 -
(حدثنا مخلد بن خالد وابن أبي خلف) المعنى (قالا: نا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة يبلغ به
(1) زاد في نسخة: "المعنى".
(2)
"صحيح البخاري"(2008)، وأيضًا أخرجه البيهقي (2/ 492).
(3)
"سنن النسائي"(2194)، وأيضًا أخرجه البيهقي (2/ 492)، وابن حبان (2546).
(4)
أخرج روايته الدارقطني في "العلل"(9/ 230)، والخطيب في "التاريخ"(6/ 116)، وأوردها ابن عبد البر في "التمهيد"(7/ 102).
النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . [خ 1901، م 759 - 760، ن 2202، جه 1326]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ.
1373 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِي، عن مَالِكٍ (1)، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِى الْمَسْجِدِ
===
النبي صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، قال أبو داود: كذا رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة) أخرج (2) حديثه النسائي ومسلم، ولم أجد (3) رواية محمد بن عمرو.
1373 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في المسجد) مع أن أفضل صلاة المرء في بيته، فلأجل أنه كان معتكفًا، أو أن السبب في كون صلاة التطوع في البيت أفضل لعدم شوبه بالرياء غالبًا، والنبي صلى الله عليه وسلم منزَّه عنه في بيته وفي غيره، وهذا عند من يقول بأفضلية التراويح في البيت، وإليه ذهب مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم، قاله النووي (4).
(1) زاد في نسخة: "ابن أنس".
(2)
قلت: أخرج حديث يحيى بن أبي كثير: البخاري (1901) أيضًا، كما أخرجه مسلم (760)، والنسائي (2206 - 2207).
(3)
قلت: وصلها الترمذي (683)، (ش). قلت: ووصل أيضًا ابن ماجه الطرف الأول (1326).
(4)
"شرح صحيح مسلم"(3/ 298).
فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ الَّذِى صَنَعْتُمْ، فَلَمْ (1) يَمْنَعْنِى مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ
===
وأما عند من يقول بأن الأفضل أن تكون صلاة التراويح جماعة في المسجد، وهو قول الشافعي، وجمهور أصحابه وأبي حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم أن الأفضل صلاتها جماعة في المسجد، كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه، فلا حاجة إلى التوجيه عنده.
(فصلى بصلاته) أي مقتديًا بصلاته (ناس) أي ذوو عدد، (ثم صلَّى من القابلة) أي من الليلة المقبلة (فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة)، وفي البخاري:"أو الرابعة"، ولأحمد من رواية ابن جريج عن ابن شهاب:"فلما أصبح تحدثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في المسجد من جوف الليل، فاجتمع أكثر منهم"، زاد يونس:"فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا معه، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كان الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله"، وله من رواية سفيان بن حسين عنه:"فلما كانت الليلة الرابعة غصَّ المسجد بأهله".
(فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم)، زاد أحمد في رواية ابن جريج:"حتى سمعت ناسًا منهم يقولون: الصلاة"، وفي رواية سفيان بن حسين:"ما شأنه"، وفي حديث زيد بن ثابت في الاعتصام (2):"ففقدوا صوته وظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم"، وفي حديثه في الأدب:"فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب".
(فلما أصبح) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: قد رأيت الذي صنعتم) أي علمت الذي فعلتم من رفع الصوت وحصب الباب، (فلم يمنعني من الخروج إليكم
(1) في نسخة: "ولم".
(2)
أي "كتاب الاعتصام" لـ "صحيح البخاري".
إِلَّا أَنِّي خَشِيْتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ"،
===
إلَّا أني خشيت أن تفرض عليكم) أي خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها، أي تشق عليكم فتتركوها مع القدرة عليها، وليس المراد العجز الكلي؛ لأنه يسقط التكليف من أصله.
ثم إن ظاهر هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم توقع ترتب افتراض الصلاة بالليل جماعة على وجود المواظبة عليها، وفي ذلك إشكال.
وأجاب المحب الطبري بأنه يحتمل أن يكون الله عز وجل أوحى إليه أنك إن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم، فأحب التخفيف عنهم فترك المواظبة.
قال: ويحتمل أن يكون ذلك وقع في نفسه كما اتفق في بعض القُرَب التي داوم عليها فافترضت.
وقيل: خشي أن يظن أحد من الأمة من مداومته عليها الوجوب، وإلى هذا الأخير نحا القرطبي فقال: قوله: "فتفرض عليكم" أي: تظنونه فرضًا، فيجب على من ظن ذلك، كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه فإنه يجب عليه العمل به.
قال: وقيل: كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا واظب على شيء من أعمال البر واقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم، انتهى.
وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم لما كان قيام الليل فرضًا عليه دون أمته، فخشي إن خرج إليهم والتزموا معه قيام الليل أن يسوي الله بينه وبينهم في حكمه، لأن الأصل في الشرع المساواة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته في العبادة.
وقد استشكل الخطابي أصل هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن الله تعالى قال: "هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي"، فإذا أمن التبديل فكيف يقع الخوف من الزيادة؟ وهذا يدفع في صدور الأجوبة التي تقدمت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقد أجاب عنه الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها - يعني عند المواظبة -، فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء به لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فتجب عليه، ولا يلزم من ذلك زيادة فرض في أصل الشرع.
قال: وفيه احتمال آخر، وهو أن الله فرض الصلاة خمسين، ثم حطَّ معظمها بشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم منه لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضًا عليهم، كما التزم ناس الرهبانية من قبل أنفسهم، ثم عاب الله عليهم التقصير فيها فقال:{فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (1)، فخشي صلى الله عليه وسلم أن يكون سبيلهم سبيل أولئك، فقطع العمل شفقة عليهم من ذلك.
وقد تلقى هذين الجوابين من الخطابي جماعة من الشراح كابن الجوزي، وهو مبني على أن قيام الليل كان واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى وجوب الاقتداء بأفعاله، وفي كل من الأمرين نزاع.
وأجاب الكرماني بأن حديث الإسراء يدل على أن المراد بقوله تعالى: {لا يبدل القول لدي} ، الأمن من نقص شيء من الخمس، ولم يتعرض للزيادة، انتهى. لكن في ذكر التضعيف بقوله:"هن خمس وهن خمسون"، إشارة إلى عدم الزيادة أيضًا، لأن التضعيف لا ينقص عن العشر.
ودفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان كان قابلًا للنسخ، فلا مانع من خشية الافتراض، وفيه نظر، لأن قوله:{لا يبدل القول لدي} خبر، والنسخ لا يدخله على الراجح.
(1) سورة الحديد: الآية 27.
وَذَلِكَ في رَمَضَانَ". [خ 1129، م 761، ن 1604، ق 2/ 492، حم 6/ 177، ط 1/ 113/ 1]
===
وقد فتح الباري بثلاثة أجوبة أخرى:
أحدها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل بالليل، ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت:"حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم"، فمنعهم عن التجميع في المسجد إشفاقًا عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم.
ثانيها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان، فلا يكون ذلك زائدًا على الخمس، بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها.
ثالثها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة، فقد وقع في حديث الباب أن ذلك كان في رمضان، وفي رواية سفيان بن حسين:"خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر"، فعلى هذا يرتفع الإشكال، لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة، فلا يكون ذلك قدرًا زائدًا على الخمس، وأقوى هذه الأجوبة الثلاثة في نظري الأول، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، قاله الحافظ في "الفتح"(1).
(وذلك في رمضان) أي وذلك الحال والأمر المتقدم وقع في رمضان، وهو كلام عائشة رضي الله عنها، ذكرته إدراجًا لتبين أن هذه القضية كانت في شهر رمضان.
(1)"فتح الباري"(3/ 13 - 14).
1374 -
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِى الْمَسْجِدِ فِى رَمَضَانَ أَوْزَاعًا، فَأَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبْتُ لَهُ حَصِيرًا، فَصَلَّى (2) عَلَيْهِ - بِهَذِهِ الْقِصَّةِ - قَالَتْ (3) فِيهِ: قَالَ (4) - تَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَمَا وَاللَّهِ مَا بِتُّ لَيْلَتِى هَذِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ غَافِلًا، وَلَا خَفِىَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ» . [حم 6/ 267]
===
1374 -
(حدثنا هناد، نا عبدة، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كان الناس يصلون في المسجد) أي صلاة التراويح (في رمضان أوزاعًا) بسكون الواو بعدها زاي، أي جماعة متفرقون، قال في "لسان العرب": ووزعه بين الناس أي فرقه وقسمه بينهم، وزعه يوزعه توزيعًا، ومن هذا أخذ الأوزاع، وهم الفرق من الناس، يقال: أتيتهم وهم أوزاع أي متفرقون، وفي حديث عمر رضي الله عنه: أنه خرج ليلة في شهر رمضان والناس أوزاع أي يصلون متفرقين غير مجتمعين على إمام واحد، أراد أنهم كانوا يتنفلون فيه بعد العشاء متفرقين، ولا واحد للأوزاع، انتهى.
(فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ببسط الحصير في المسجد (فضربت له حصيرًا) أي ألقيت، (فصلَّى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على الحصير (بهذه القصة) أي حدث بهذه القصة المتقدمة.
(قالت) عائشة (فيه) أي في الحديث: (قال- تعني النبي صلى الله عليه وسلم) حين قالوا: لعله صلى الله عليه وسلم نام: (أيها الناس، أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلًا، ولا خفي علي مكانكم) أي كونكم في المسجد، "ولكني خشيت" الحديث، وقد
(1) زاد في نسخة "ابن السري".
(2)
زاد في نسخة: "رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(3)
في نسخة: "قال".
(4)
في نسخة: "قالت".
1375 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِى هِنْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: "صُمْنَا مَعَ (1) رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِىَ سَبْعٌ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتِ (2) السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» .
===
أخرج محمد بن نصر هذا الحديث في "قيام الليل"(3) مطولاً (4) وفيه: "حتى خرج إليهم إلى الصبح، فقال: أيها الناس أما والله ما بت" الحديث.
1375 -
(حدثنا مسدد، نا يزيد بن زريع، نا داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا) أي في لياليه لصلاة التراويح (شيئًا من الشهر) بل كان إذا صلَّى الفرض دخل حجرته (حتى بقي سبع) أي سبع ليال، (فقام بنا) في الصلاة في الليلة السابعة مما بقي، وهي الثالثة والعشرون (حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة) مما بقي، وهي الرابعة والعشرون (لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة) مما بقي، وهي الخامسة والعشرون (قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا) أي زدتنا (قيام هذه الليلة) أي كلها لكان حسنًا.
(قال: فقال: إن الرجل إذا صلَّى) هذه الصلاة في رمضان (مع الإِمام حتى ينصرف) أي يفرغ الإِمام من الصلاة ويرجع (حسب له قيام ليلة) أي كاملة، وهذا يدل على أن هذه الصلاة مع الإِمام أفضل من الانفراد.
(1) زاد في نسخة: "يعني".
(2)
في نسخة: "كان".
(3)
(ص 35).
(4)
وأوله: "في رمضان بالليل أوزاعًا، يكون مع الرجل الشيء من القرآن، فيكون معه النفر الخمسة أو الستة، أو أقل من ذلك، أو أكثر يصلون فرادى". (ش).
قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ. قَالَ:
===
وقال القاري (1): وإذا صلَّى، أي الفرض مع الإِمام حتى ينصرف أي الإِمام اعتبر، وعُدَّ له قيام ليلة، أي حصل له قيام ليلة تامة، يعني الأجر حاصل بالفرض، وزيادة النوافل مبنية على قدر النشاط:"فإن الله لا يمل حتى تملوا"، والظاهر أن المراد بالفرض العشاء والصبح لحديث ورد بذلك، انتهى.
والأولى عندي أن يقال: إن المراد بالصلاة في قوله: "إذا صلَّى مع الإِمام" صلاة التراويح، فإنه إذا صلَّى فرض العشاء والصبح مع الإِمام يكون له ثواب ليلة كاملة ثواب صلاة الفرض، وههنا إذا صلَّى التراويح مع الإِمام حتى ينصرف يحصل له ثواب ليلة كاملة ثواب صلاة النفل.
وظاهر الكلام يؤيد ما قلنا، فإن أبا ذر سأله صلى الله عليه وسلم أن ينفل بقية الليلة، فأجاب أنه لا يحتاج إلى قيام بقية الليلة، لأن ثواب الليلة الكاملة يحصل بهذا القدر أيضًا.
وأيضًا يؤيده قوله: "حتى ينصرف"، فإن الانصراف في الفرض في أثناء الصلاة غير ممكن، بل الانصراف يحصل بعد ما ينصرف الإِمام، وأما في التراويح فالانصراف فيها قبل انصراف الإِمام ممكن، لأنها ترويحات متعددة، فيمكن أن ينصرف الرجل قبل أن يفرغ الإِمام من جميع الصلاة.
(قال) أبو ذر: (فلما كانت الرابعة) أي من الباقية، وهي السادسة والعشرون، وقال ابن حجر: وهي ليلة السابع والعشرين، ولعله سهو قلم (لم يقم) بنا (فلما كانت الثالثة) وهي الليلة السابعة والعشرون (جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال) جبير بن نفير:
(1)"مرقاة المفاتيح"(3/ 372).
قُلْتُ: (1) مَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ. ثُمّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيةَ الشَّهْرِ". [ت 806، ن 1364، جه 1327، دي 1777، ق 2/ 494، حب 2547، حم 5/ 159]
1376 -
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ وَدَاوُدُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَبِى يَعْفُورٍ - وَقَالَ دَاوُدُ (2): عَنِ ابْنِ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ -، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ،
===
(قلت: ما الفلاح؟ قال) أبو ذر: (السحور) أي المراد بالفلاح السحور (ثم لم يقم بنا بقية الشهر) أي: في الثامنة والعشرين، والتاسعة والعشرين.
وحديث أبي ذر هذا يخالف ما روته عائشة رضي الله عنها من صلاة الليل في رمضان، فإن ظاهره يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت في الليالي الموصولة، وفي هذا تصريح بأن صلاته عليه الصلاة والسلام كانت في الليالي المفصولة، فإما أن يحمل على تعدد القصة، أو يؤول حديث عائشة رضي الله عنها بأنه ليس فيه ذكر الوصل صريحًا، بل هو محمول على الانفصال كحديث أبي ذر.
1376 -
(حدثنا نصر بن علي وداود بن أمية) بمضمومة وخفة ميم مفتوحة وشدة تحتية، الأزدي، ثقة (أن سفيان) بن عيينة (أخبرهم عن أبي يعفور- وقال داود: عن ابن عبيد بن نسطاس-، عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح، (عن مسروق، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر) أي العشر الأخير من رمضان (أحيا الليل) أي: أكثره، أي سهره فأحياه بالطاعة، أو أحيا نفسه بسهره فيه، لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعاً (وشدَّ المئزر) أي اعتزل النساء، وبذلك جزم عبد الرزاق، عن الثوري، واستشهد بقول الشاعر:
(1) زاد في نسخة: "و".
(2)
زاد في نسخة: "ابن أمية".
وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ". [خ 2024، م 1174، ن 1639، جه 1768]
(1)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو يَعْفُورَ اسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاس.
1377 -
حَدَّثَنَا أَحْمد بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ،
===
قوم إذا حاربوا شَدُّوا مآزرهم
…
عن النساء ولو باتت بأطهار
وذكر ابن أبي شيبة، عن أبي بكر بن عياش نحوه، وقال الخطابي (2): يحتمل أن يريد به الجد في العبادة كما يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي تشمرت له، ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معًا، ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز، كمن يقول: طويل النجاد، لطويل القامة، وهو طويل النجاد حقيقة، فيراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل وشمر للعبادة، قلت: وقد وقع في رواية عاصم بن ضمرة: "شد مئزره واعتزل النساء"، فعطفه بالواو فيتقوى الاحتمال الأول.
(وأيقظ أهله) للصلاة (قال أبو داود: أبو يعفور اسمه: عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس).
1377 -
(حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، نا عبد الله بن وهب، أخبرني مسلم بن خالد) الزنجي المكي الفقيه، أبو خالد، مولى بني مخزوم، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال مرة: ثقة، قال الساجي: كثير الغلط، قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال البخاري: منكر الحديث، وضعفه أبو داود، وقال ابن المديني: ليس بشيء، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وهو حسن الحديث، وقال الأزرقي: كان فقيهًا عابدًا يصوم
(1) زاد في نسخة: "و".
(2)
انظر: "فتح الباري"(4/ 269).
عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أُنَاسٌ (1) فِى رَمَضَانَ يُصَلُّونَ فِى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ:«مَا هَؤُلَاءِ؟ » ، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ نَاسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ، وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّى، وَهُمْ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «أَصَابُوا، وَنِعْمَ مَا صَنَعُوا". [ق 2/ 459]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: (2) لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالقَوِيِّ، مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ (3) ضَعِيفٌ.
===
الدهر، وقال إبراهيم الحربي: كان فقيه أهل مكة، قاله الذهبي في "الميزان"(4).
(عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى المسجد (فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال: ما هؤلاء؟ ) أي: ما بالهم مجتمعين؟ (فقيل: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن) أي: لا يحفظون القرآن (وأبي بن كعب يصلي) أي إمامًا (وهم يصلون) مقتدين (بصلاته، فقال النبي: أصابوا) أي بلغوا الصواب (ونعم ما صنعوا).
(قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقوي، ومسلم (5) بن خالد ضعيف) ولكن قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(6): ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان من فقهاء الحجاز، ومنه تعلم الشافعي الفقه قبل أن يلقى مالكًا،
(1) في نسخة: "الناس".
(2)
زاد في نسخة: "و".
(3)
زاد في نسخة: "الزنجي".
(4)
"ميزان الاعتدال"(4/ 102).
(5)
قلت: وثقه جماعة، وهو مؤيد بالروايات العديدة كما في "الأوجز"(2/ 511)، منها حديث أبي سلمة عن عائشة المتقدم من أنهم كانوا يصلون أوزاعًا. (ش).
(6)
(10/ 129).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وكان مسلم بن خالد يخطئ أحيانًا، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن محرز: سمعت، يحيى بن معين يقول: كان مسلم بن خالد ثقة صالح الحديث، وقال الدارقطني: ثقة حكاه ابن القطان.
وقد أخرج الشيخ النيموي في "آثار السنن"(1) عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي هذا الحديث، وقال: رواه البيهقي في "المعرفة" وإسناده جيد، وقال في "تعليقه": فإن قلت: ثعلبة هذا تابعي على ما قاله العجلي، قلت: قال البيهقي بعد ما أخرجه: وثعلبة بن أبي مالك قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيما زعم أهل العلم بالتاريخ، انتهى.
وقال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة"(2): ثعلبة بن أبي مالك أبو يحيى القرظي، إمام بني قريظة، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وله رؤية، وطال عمره.
واعلم أنهم اختلفوا في عدد ركعات التراويح، ولم يقع فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأها ثلاث ليالي عدد ركعاته بطريق صحيح، ولكن وقع ذكر عدد التراويح فيما صلاها بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم فقد أخرج الشيخ النيموي (3) عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرأون بالمئين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام، قال: رواه البيهقي (4) بإسناد صحيح.
وعن يزيد بن رومان أنه قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، رواه مالك وإسناده مرسل قوي.
(1)(2/ 49).
(2)
(1/ 69).
(3)
"آثار السنن"(2/ 53).
(4)
"السنن الكبرى"(2/ 496).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر رجلًا يصلي بهم عشرين ركعة، رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(1) وإسناده مرسل قوي.
وعن عبد العزيز بن رفيع قال: كان أبي بن كعب يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويوتر بثلاث، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" وإسناده مرسل قوي.
وعن عطاء قال: أدركت الناس وهم يصلون ثلاثًا وعشرين ركعة بالوتر رواه ابن أبي شيبة، وإسناده حسن.
وعن أبي الخصيب قال: كان يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان فيصلي خمس ترويحات عشرين ركعة، رواه البيهقي، وإسناده حسن.
وعن نافع بن عمر قال: كان ابن أبي مليكة يصلي بنا في رمضان عشرين ركعة، رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وإسناده صحيح.
وعن سعيد بن عبيد أن علي بن ربيعة كان يصلي بهم في رمضان خمس ترويحات ويوتر بثلاث، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"، وإسناده صحيح.
قال النيموي: وفي الباب روايات أخرى أكثرها لا تخلو عن وهم، لكن بعضها يقوي بعضًا، هذا مما ذهب إليه الحنفية.
ووافقنا فيه الشافعية، فقال في "التوشيح": والثالث صلاة التراويح، وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات، في كل ليلة من رمضان، وجملتها خمس ترويحات، وينوي الشخص بكل ركعتين التراويح أو قيام رمضان، فلا تصح بنية مطلقة، ولو صلَّى أربع ركعات أو أكثر منها بتسليمة واحدة لم تصح، انتهى.
(1)(2/ 393).