المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(31) باب: في حقوق المال - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٦

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(319) بابٌ: في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ

- ‌(320) بابٌ: في لَيْلَةِ الْقَدْرِ

- ‌(322) بَابُ مَنْ رَوَى أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ

- ‌(324) بَابُ مَنْ قَالَ: سَبْعٌ وَعِشْرُونَ

- ‌(325) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ في كُلِّ رَمَضَانَ

- ‌(326) بَابٌ: في كَمْ يُقْرأُ الْقُرْآنُ

- ‌(327) بَابُ تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ

- ‌(328) بَابٌ: في عَدَدِ الآيِ

- ‌(329) بَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ السُّجُودِ، وَكَمْ سَجْدَةً في الْقُرْاَنِ

- ‌(330) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ السُّجُودَ في الْمُفَصَّلِ

- ‌(331) بَابُ مَنْ رَأَى فِيهَا سُجُودًا

- ‌(332) بَابُ السُّجُودِ في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقرأ}

- ‌(333) بَابُ السُّجُودِ في {ص}

- ‌(334) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَهُوَ رَاكِبٌ

- ‌(335) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَجَدَ

- ‌(336) (بابٌ: فِيمَنْ يَقْرَأُ السَّجْدة بَعْدَ الصُّبْح)

- ‌(337) بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ

- ‌(338) بابٌ: فِيمَنْ لَمْ يُوتِرْ

- ‌(339) بَابٌ: كمِ الْوِتْرُ

- ‌(340) بَابُ مَا يُقْرَأُ في الْوِتْرِ

- ‌(341) بَابُ الْقُنُوتِ في الْوِتْرِ

- ‌(342) بَابٌ: في الدُّعَاءِ بَعْدَ الْوِتْرِ

- ‌(343) باب: في الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ

- ‌(344) بابٌ: في وَقْتِ الْوِتْرِ

- ‌(345) بَابٌ: في نَقْضِ الْوِتْرِ

- ‌(346) بابُ الْقُنُوتِ في الصَّلَوَاتِ

- ‌(347) بابٌ: في فَضْلِ التَّطوُّعِ في الْبَيْتِ

- ‌(348) بابٌ

- ‌(349) بَابُ الْحَثِّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ

- ‌(350) بابٌ: في ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

- ‌(352) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ مِنَ الطُّولِ

- ‌(353) بابُ مَا جَاءَ فِى آيَةِ الْكُرْسِىِّ

- ‌(354) بابٌ: فِى سُورَةِ الصَّمَدِ

- ‌(355) بابٌ: فِى الْمُعَوِّذَتَيْنِ

- ‌(356) (بَابٌ: كيْفَ يُسْتَحَبُّ التَّرْتيلُ في القِرَاءَةِ

- ‌(357) بابُ التَّشْدِيدِ فِيمَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ

- ‌(358) بابٌ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ

- ‌(359) باب الدُّعَاءِ

- ‌(360) باب التَّسْبِيحِ بِالْحَصَى

- ‌(361) بابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا سَلَّمَ

- ‌(362) بابٌ: فِى الاِسْتِغْفَارِ

- ‌(363) (بَابُ النَّهْي أَنْ يَدْعُوَ الإنْسَانُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ)

- ‌(364) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(365) بَابُ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ

- ‌(367) بَابٌ: في الاسْتِخَارَةِ

- ‌(368) بَابٌ: في الاسْتِعَاذَةِ

- ‌(3) كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌(1) بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

- ‌(2) بَابُ العُرُوضِ إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ

- ‌(3) بَابُ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ وَزَكَاةُ الْحَلْي

- ‌(4) بَابٌ: في زَكَاةِ السَّائِمَةِ

- ‌(5) بَابُ رِضَى الْمُصَدِّقِ

- ‌(6) بَابُ دُعَاءِ الْمُصَدِّقِ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ

- ‌(7) بَابُ تَفْسِيرِ أَسْنَانِ الإِبْلِ

- ‌(8) بَابٌ: أَيْنَ تُصَدَّقُ الأَمْوَالُ

- ‌(9) بَابُ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ صَدَقَتَهُ

- ‌(10) بَابُ صَدَقَةِ الرَّقِيقِ

- ‌(11) بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ

- ‌(12) باب زَكَاةِ الْعَسَلِ

- ‌(13) بَابٌ: في خَرْصِ الْعِنَبِ

- ‌(14) بَابٌ: في الْخَرْصِ

- ‌(15) بَابٌ: مَتَى يُخْرَصُ التَّمْرُ

- ‌(16) بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الثَّمَرَةِ في الصَّدَقَةِ

- ‌(17) بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌(18) بَابٌ: مَتَى تُؤَدَّى

- ‌(19) بَابٌ: كَمْ يُؤدَّى في صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌(20) بَابُ مَنْ رَوَىَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ

- ‌(21) بَابٌ: في تَعْجِيلِ الزَّكاةِ

- ‌(22) بَابٌ في الزَّكَاةِ تُحْمَلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ

- ‌(23) بَابُ مَنْ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ، وَحَدُّ الْغِنَى

- ‌(24) بَابُ مَنْ يَجُوزُ لهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيٌّ

- ‌(25) بَابٌ: كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنَ الزَّكَاةِ

- ‌(26) بَابُ كَرَاهِيةِ الْمَسْألَةِ

- ‌(27) بَابٌ: في الاسْتِعْفَافِ

- ‌(28) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ

- ‌(29) (بَابُ الفَقِيرِ يُهْدِي لِلْغَنِيِّ مِنَ الصَّدَقَةِ)

- ‌(30) بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا

- ‌(31) بَابٌ: في حُقُوقِ الْمَالِ

- ‌(32) بَابُ حَقِّ السَّائِلِ

- ‌(33) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ

- ‌(34) بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ

- ‌(35) بابُ الْمَسْأَلَةِ فِى الْمَسَاجِدِ

- ‌(36) بابُ كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهِ اللَّهِ عز وجل

- ‌(37) بَابُ عَطِيَّةِ مَنْ سَأَلَ بِاللهِ عز وجل

- ‌(38) بَابُ الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ

- ‌(39) بَابٌ في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(40) بَابٌ: في فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ

- ‌(41) بابٌ: فِى الْمَنِيحَةِ

- ‌(42) بَابُ أَجْرِ الْخَازِنِ

- ‌(43) بَابُ الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوجِهَا

- ‌(44) بَابٌ: في صِلَةِ الرَّحِمِ

- ‌(45) بَابٌ: في الشُّحِّ

- ‌(4) كِتَابُ اللُّقَطَةِ

الفصل: ‌(31) باب: في حقوق المال

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّى بِوَلِيدَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ وَتَرَكَتْ تِلْكَ الْوَلِيدَةَ قَالَ:«قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ فِى الْمِيرَاثِ» . [م 1149، جه 1759، حم 5/ 359]

(31) بَابٌ: في حُقُوقِ الْمَالِ

1657 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عن عَاصِمِ بْنِ

===

نا عبد الله بن عطاء، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة: أن امرأة) لم أقف على تسميتها (أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت تصدقتُ على أمي بوليدة) أي جارية حديثة السنن (وإنها) أي أمي (ماتت ونركت تلكَ الوليدةَ، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد وجب) أي ثبت (أجرُكِ) في التصدق، (ورجعت) الوليدة (إليكِ في الميراث) فأنت تملكينها، ويجوز لكِ استخدامها.

وقد رواها الإِمام أحمد في "مسنده"(1) مطولًا من حديث إسحاق بن يوسف، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عبد الله بن عطاء المكي، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني تصدقت على أمي بجارية، فإنها ماتت ورجعت إلى بالميراث، قال:"قد آجركِ الله، وردَّ عليكِ في الميراث"، قالت: فإن أمي ماتت ولم تَحُجَّ، فيجزئها أن أَحُجَّ عنها؟ قال:"نعم"، قالت: فإن أمي كان عليها صوم شهر فيجزئها، قال:"نعم"، انتهى.

(31)

(بابٌ: في حُقُوقِ المْال)

من الزكاة المفروضة وغيرِها من التطوعات

1657 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا أبو عوانة، عن عاصم بن

(1)"مسند أحمد"(5/ 359).

ص: 511

أَبِي النَّجُودِ، عن شَقَيقٍ، عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:"كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَارِيَةَ الدَّلْوِ وَالْقِدْرِ"[السنن الكبرى للنسائي 11701]

1658 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّى حَقَّهُ إلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ، وَجَنْبُهُ، وَظَهْرُهُ،

===

أبي النجود، عن شقيق، عن عبد الله قال: كنا نعد الماعون) المذكور في قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (1)(2)(على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر) وغيرهما من أشباه ذلك، وقال علي رضي الله عنه: هي الزكاة، وهو قول ابن عمر وقتادة والحسن والضحاك، وقال عكرمة: أعلاها الزكاة، وأدناها عارية المتاع، وقيل: الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار.

1658 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح، (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من صاحب كنز) أي ذهب وفضة (لا يودي) منها (حقه) أي زكاته (إلَّا جعله الله يوم القيامة يحيى عليها) بصيغة المجهول، وتأنيثُ الضمير لكون الكنز عبارةً عن الدراهم والدنانير، أو بتأويل الأموال (في نار جهنم، فَتُكوى بها جبهتُه وجنبُه وظهره) قيل: لأنه ازْوَزَّ عن الفقير، وأعرض عنه، وعبس له وجهه وبشره، وولاه عند الإلحاح ظهره، فتكوى بماله أعضاؤه التي آذى الفقير بها، وقيل: لأنها أشرف

(1) سورة الماعون: الآية 7.

(2)

فيه وجهان: أحدهما أنه فاعول من المعن، وهو الشيء القليل، وقيل: مفعول من العون أصله معون من معوون، قدمت عينها قبل فائها فصار موعون، ثم قلبت الواو ألفًا، وقيل: اسم جامع لمنافع البيت، كذا في "تفسير الجمل"(4/ 593، 594). (ش).

ص: 512

حَتَّى يَقْضِىَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ.

وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّى حَقَّهَا إلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ،

===

الأعضاءِ الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة التي هي الدماغ والقلب والكبد، وقيل: المراد الجهات الأربع التي هي من مقاديم البدن ومؤخره وجنباه.

(حتى يقضي الله بين عباده في يوم) وهو يوم القيامة (كان مقداره خمسين ألف سنة) أي على الكافرين، ويطول على بقية العاصين بقدر ذنوبهم، وأما المؤمنون الكاملون فهو على بعضهم كركعتي الفجر، وأشار إليه بقوله عز وجل:{يوم عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} (1) حتى يقضي أي يحكم بين العباد، وفيه إشارة إلى أنه في العذاب، وبقية الخلق في الحساب (مما تعدون، ثم يرى سبيله) وفيه إشارة إلى أنه مسلوب الاختيار يومئذ، مقهور لا يقدر أن يروح إلى النار فضلًا عن الجنة حتى يعين له أحد السبيلين (إما إلى الجنة) إن لم يكن له ذنب، وكان العذاب تكفيرًا له (وإما إلى النار) إن كان على خلاف ذلك.

(وما من صاحب غنم لا يؤدي حقَّها إلَّا جاءت يوم القيامة أوفر) أي أكثر عددًا، وأعظم سمنًا، وأقوى قوة ليكون أثقلَ لوطئها (ما كانت، فيُبطَح) أي يُلقى على وجهه (لها) أي لتلك الغنم (بقاعٍ) أي في أرض واسعة مستوية (قَرْقَرٍ) أي أملس، وقيل: مستوٍ فيكون تأكيدًا (فتنطحه) بفتح الطاء وتكسر، في "القاموس": نطحه كمنعه وضربه: أصابه بقرنه (بقرونها) تأكيد أو تجريد، (وتطؤه) أي صاحبَ الغنم (بأظلافها) جمع ظلف، وهو للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس (ليس فيها عقصاءُ) ملتوية القرن، (ولا جَلْحاءُ) التي لا قرن لها،

(1) سورة المدثر: الآية 10.

ص: 513

كُلَّمَا مضَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ.

وَمَا مِن صَاحِبِ إبلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كانتْ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا،

===

(كلما مضت أُخْراها رُدَّتْ عليه أُولاها) فيكون مرورُها عليه بطريق الدائرة، وفي رواية لمسلم (1) عن زيد بن أسلم عن أبي صالح:"كلما مرَّ عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها".

قال النووي (2): هكذا هو في جميع الأصول في هذا الموضع، قال القاضي عياض: قالوا: هو تغيير وتصحيف، وصوابه ما جاء بعده في الحديث الآخر من رواية سهيل عن أبيه، وما جاء في حديث المعرور بن سويد، عن أبي ذر:"كلما مر عليه أخراها ردَّ عليه أولاها"، انتهى.

وقال القاري (3): وتوجيه ما في الكتاب أنه مرت الأولى على التتابع، فإذا انتهى إلى الأخرى إلى الغاية ردت من هذه الغاية، وتبعها ما كان يليها فما يليها إلى أولها، فيحصل الغرض من الاستمرار والتتابع على طريق الطرد والعكس، فهو أولى من العكس.

(حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وما من صاحب إبلٍ لا يؤدي حقَّها إلَّا جاءت يوم القيامة أوفر) أي: أعظم وأسمن (ما كانت) أي الحالة التي كانت في الدنيا، (فيُبطَح لها بقاعٍ قَرْقَرٍ فتطؤه بأخفافها)

(1)"صحيح مسلم"(24/ 987).

(2)

"شرح صحيح مسلم"(4/ 76).

(3)

"مرقاة المفاتيح"(4/ 264).

ص: 514

كُلَّمَا مَضَتْ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّه بَيْنَ عِبَادِهِ، في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". [م 987، حم 2/ 383، ق 4/ 81]

1659 -

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، قَالَ فِى قِصَّةِ الإِبِلِ بَعْدَ قَوْلِهِ:«لَا يُؤَدِّى حَقَّهَا» قَالَ: «وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا» . [انظر سابقه]

===

أي بأرجلها، (كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها)، والمراد به التتابع واستمرار العذاب (حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).

1659 -

(حدثنا جعفر بن مسافر، نا ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل، (عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) أي نحو حديث سهيل، (قال) أي زيد بن أسلم (في قصة الإبل بعد قوله:"لا يؤدي حقها" قال) تأكيد لقال المتقدم، أو يقال: قال زيد بسنده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن حقها) أي الإبل، والمراد الحق المندوب إليه (حلَبُها) قال النووي (1): بفتح اللام هي اللغة المشهورة (2)، وهو غريب ضعيف وإن كان هو القياس (يومَ وِرْدَها) قيل: الورد الإتيان إلى الماء، أو نوبَة الإتيان إلى الماء، قال: الإبل تأتي الماء في كل ثلاثة أو أربعة، وربما تأتي في ثمانية.

قال الطيبي (3): ومعنى حلبها يوم وردها: أن يسقي ألبانَها المارَّةَ.

(1)"شرح النووي على مسلم"(4/ 75).

(2)

كذا في الأصل، وفي "شرح النووي": هو بفتح اللام على اللغة المشهورة، وحكي إسكانها، وهو غريب ضعيف.

(3)

"شرح الطيبي على المشكاة"(4/ 8).

ص: 515

1660 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى عُمَرَ الْغُدَانِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ، فَقَالَ لَهُ - يَعْنِى لأَبِى هُرَيْرَةَ -: فَمَا حَقُّ الإِبِلِ؟ قَالَ: "تُعْطِى الْكَرِيمَةَ، وَتَمْنَحُ الْغَزِيرَةَ، وَتُفْقِرُ الظَّهْرَ،

===

وقال ابن الملك (1): وحصر يوم الورد لاجتماعهم غالبًا على المياه، وهذا على سبيل الاستحباب.

واعلم أن ذكره وقع استطرادًا وبيانًا لما ينبغي أن يعتني به من له مروءة، لا لكون التعذيب يترتب عليه أيضًا، لما هو مقرر أن العذاب لا يكون إلَّا على ترك واجب أو فعل محرم، اللهم إلا أن يحمل على وقت القحط، أو حالة الاضطرار، أو على زمان وجوب ضيافة المال، وقيل: يحتمل أن التعذيب عليهما معًا تغليظ.

1660 -

(حدثنا الحسن بن علي، نا يزيد بن هارون، أنا شعبة، عن قتادة، عن أبي عمر)، هكذا في النسخ، وفي "التهذيب" في ترجمة أبي عمر: أبو عمر الغداني، وقيل أبو عمرو، حديثه في المصريين، ذكره ابن حبان في "الثقات"، قلت: روى حديثَه الحاكم في "المستدرك"، وقال: إن اسمه يحيى بن عبيد البهراني، وقال في "التقريب": ووهم من قال: اسمه يحيى بن عبيد (الغداني) بضم المعجمة، وتخفيف الدال: نسبة إلى غدانة بن اليربوع، (عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوَ هذه القصة) المذكورة في الحديث المتقدم.

(فقال) أي العباس كما هو مصرح في "المستدرك"(2) و"تلخيصه"(له - يعني لأبي هريرة -: فما حق الإبل؟ قال: تعطي الكريمة، وتمنح الغزيرةَ) بتقديم المعجمة على المهملة أي الكثيرة اللبن، (وتفقر الظهر) من الإفقار أي بعيره للركوب، مأخوذ من فقار الظهر، وهي خرازته، والواحد فقارة

(1) انظر: "مرقاة المفاتيح"(4/ 263).

(2)

"المستدرك مع هامش التلخيص"(1/ 403).

ص: 516

وَتُطَرِّقُ الْفَحْلَ، وَتَسْقِي اللَّبَنَ". [ن 2442، حم 2/ 383، خزيمة 2322]

1661 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ (1): قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الإِبِلِ؟ فَذَكَرَ نَحْوَهُ زَادَ: «وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا» . [م 988، دي 1618]

===

(وتُطَرِّق الفحل) أي تعيره للضراب، ولا تأخذ عليها أجرًا (وتسقي اللبن) أي ذا الحاجة، وحديث أبي عمر الغداني هذا أخرجه الحاكم في "مستدركه" (2) وقال: وأبو عمر الغداني يقال: إنه يحيى بن عبيد البهراني.

1661 -

(حدثنا يحيى بن خلف، نا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد، (عن ابن جريج قال: قال أبو الزبير: سمعت عبيد بن عمير قال: قال رجل: يا رسول الله! ما حق الإبل؟ فذكر نحوه) أي نحو الحديث المتقدم (زاد) في هذا الحديث: (وإعارةُ دلوِها) يحتمل أن يكون المراد بالدلو دلوها الذي يسقى بها الماء، فيعير ذلك الدلو ليسقي به الماء إبله، وقيل: المراد بالدلو الضرعُ، فحينئذ المراد إعارتها لِيَسقي لبنها. والحديث مرسل.

وقد أخرج مسلم هذا الحديث في "صحيحه"(3) من طريق عبد الرزاق، أنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقَّها إلَّا جاءت". الحديث، ثم قال في آخره: قال أبو الزبير: سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القولَ، ثم سألنا جابر بن عبد الله عن ذلك، فقال مثلَ قولِ عبيدِ بنِ عميرٍ، وقال أبو الزبير: سمعت عبيدًا يقول: قال رجل: يا رسول الله! ما حق الإبل؟ قال: "حَلَبُها على الماء، وإعارةُ فحلِها، وَمَنِيْحَتُها، وحملٌ عليها في سبيل الله"، انتهى، وليس فيما روى مسلم عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير لفظ: إعارة دلوها.

(1) في نسخة: "يقول".

(2)

سبق تخريجه.

(3)

"صحيح مسلم"(37/ 988).

ص: 517

1662 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِىُّ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:"أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مِنْ كُلِّ جَادٍّ (1) عَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ، بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ فِى الْمَسْجِدِ لِلْمَسَاكِينِ". [حم 3/ 359 - 360، خزيمة 2469]

1663 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِىُّ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِّفُهَا يَمِينًا وَشِمَالًا،

===

1662 -

(حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحَرَّاني، حدثني محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر (2) من كل جادٍّ) بالدال المهملة في النسخ الموجودة، والجد: القطع، والمعنى أمر من كل مجدود (عشرةِ أوسقٍ من التمر بقنو) أي بعذق (يعلَّق في المسجد للمساكين) أي ليأكل منه مساكين الصحابة الذين كانوا يسكنون صفة المسجد، وقال في "الدرجات": بجيم، فألف، فشد ذاله، قال إبراهيم الحربي: أي قدرًا من نخل يجذ منه عشرة أوسق فجاذ مجذوذ فاعل مفعول.

1663 -

(حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي وموسى بن إسماعيل قالا: نا أبو الأشهب) جعفر بن حيان، (عن أبي نضرة) منذر بن مالك، (عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ جاء رجل على ناقة له) أي للرجل، (فجعل يصرفها يمينًا وشمالًا)، قال في "فتح الودود": الأقرب أن

(1) في نسخة: "جاذ".

(2)

ذهب بعض أهل الظاهر إلى وجوبه، والجمهور إلى ندبه؛ لأنه ليس في كتب الصدقات، كذا في "المنهل"(9/ 305). (ش).

ص: 518

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ» ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِى الْفَضْلِ". [م 1728، حم 3/ 34]

1664 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ، نَا أَبِي، نَا غَيْلَانُ، عن جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عن مُجَاهِدٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} (1) قَالَ:

===

الناقة أعجزها السير فأراد أن يري النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيعطيه غيرها، وكتب في النسخة المكتوبة لمولانا الشيخ أحمد علي المحدث السهارنفوري تحت قوله:"فجعل يصرفها يمينًا وشمالًا"، أي فخرًا، ونسبه لمولانا، والمراد به حضرة الشيخ مولانا محمد إسحاق الدهلوي، ثم المهاجر المكي، نَوَّر الله مرقده، ثم نقل هذا القول في النسخ المطبوعة المنقولة عنها.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان عنده فضل ظهر) أي مركوب فاضل عن الحاجة (فَلْيَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد) أي زاد فاضل عن الحاجة (فليعد به) من العود أي فليقبل به وليُحْسِن على من لا زاد له (على من لا زاد له، حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل).

1664 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا يحيى بن يعلى المحاربي)، هو يحيى بن يعلي بن الحارث بن الحرب بن جرير بن عبد الحارث المحاربي، أبو زكريا الكوفي، قال أبو حاتم: ثقة، (نا أبي) يعلي بن الحارث، (نا غيلان) بن جامع بن أشعث المحاربي، أبو عبد الله الكوفي، قاضيها، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن معين، وابن المديني، ويعقوب بن شيبة، وأبو داود: ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ، (عن جعفر بن إياس، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} إلى آخر الآيتين (قال) ابن عباس:

(1) سورة التوبة: الآية 34.

ص: 519

كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ، فَانْطَلَقُوا (1) فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِكَ هَذ الآيَةُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَ الله لَمْ يَفْرِضِ (2) الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وإنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ"،

===

(كبر) أي شقَّ (ذلك) أي نزولُ الآية (على المسلمين)؛ لأنها تشتمل على الوعيد الشديد على الكنز، ولا يخلو رجل عنه، بل لا بد لكل واحد أن يكنز شيئًا منها.

(فقال عمر: أنا أفرج عنكم) أي أزيل هذه الشدة عنكم، (فانطلقوا، فقالوا) وفي نسخة: "فانطلق، فقال" على الانفراد (يا نبي الله! إنه كبر على أصحابك هذه الآيةُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يفرض الزكاة إلَّا ليطيب) من التفعيل أي ليطهِّر (ما بقي) بعد أداء الزكاة (من أموالكم)، ولعل في الآية في قوله تعالى:{وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (3) إشارة إليه بأن المراد بالاتفاق إعطاء الزكاة لا إنفاق المال كله.

(وإنما فرض المواريثَ لتكون) أي الأموال بالميراث (لمن بعدكم) هكذا في النسخ التي بأيدينا من نسخ أبي داود، ونقل في "مشكاة المصابيح"(4) هذه الرواية عن أبي داود، ولفظه:"وإنما فرض المواريث- وذكر كلمة- لتكون لمن بعدكم".

قال القاري (5): قوله: "وذكر كلمة" من كلام الراوي، يعني: ابنَ عباس، أي وذكر صلى الله عليه وسلم كلمة أخرى في هذا المقام لا أضبطها، والجملة معترضة بين الفعل وعلته، انتهى.

وأخرجها السيوطي في "الدر المنثور"(6) وعزاه إلى "مسند ابن أبي شيبة"،

(1) في نسخة: "فانطلق، فقال".

(2)

في نسخة: "إنه ما فرض".

(3)

سورة التوبة: الآية 34.

(4)

انظر: "المشكاة" حديث (1781).

(5)

"مرقاة المفاتيح"(4/ 278).

(6)

"الدر المنثور"(4/ 178).

ص: 520

قَالَ: فَكَبَّرَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ (1):"أَلَا أُخْبِرُكَ (2) بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ: إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ". [ك 4/ 408، 409، ق 4/ 83]

===

وأبي داود، وأبي يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم (3)، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس ولفظه: قال: لما نزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحد منا لولده ما لا يبقى بعده، فقال عمر رضي الله عنه: أنا أفرج عنكم، فانطلق عمر رضي الله عنه واتبعه ثوبان رضي الله عنه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال:"إن الله لم يفرض الزكاة إلَّا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم"، فكبر عمر رضي الله عنه، الحديث.

وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم المواريث بعد الزكاة ليكون أدل على أن جمع الأموال وكنزها ليس بممنوع شرعًا؛ لأنه لو كان ممنوعًا لما شرع الميراث؛ لأن الميراث لا يجري إلا في الأموال المخزونة الباقية.

(قال: فكبر عمر) فرحًا على كشف المعضلة (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لعمر: (ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ ) أي الرجل، أي بأفضل ما يقتنيه ويتخذه لعاقبته (المرأةُ الصالحة) أي الجميلة ظاهرًا وباطنًا، قال الطيبي (4): المرأة مبتدأ، والجملة الشرطية خبره، ويجوز أن يكون خبرَ مبتدأ محذوف، والجملة الشرطية بيان (إذا نظر) أي الرجل (إليها) أي المرأة الصالحة (سرته) أي جعلته مسرورًا بجمال صورتِها وحسنِ سيرتِها وحصولِ حفظِ الدين بها، (وإذا أمرها) بأمر شرعي أو عرفي (أطاعته) وخدمته، (وإذا غاب عنها حفظته) أي حقوقَه في نفسِها ومالِه.

(1) زاد في نسخة: "رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(2)

في نسخة: "إنا أخبرك".

(3)

وصححه، كما نقله السيوطي.

(4)

"شرح الطيبي على المشكاة"(4/ 19).

ص: 521