المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(319) بابٌ: في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ

- ‌(320) بابٌ: في لَيْلَةِ الْقَدْرِ

- ‌(322) بَابُ مَنْ رَوَى أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ

- ‌(324) بَابُ مَنْ قَالَ: سَبْعٌ وَعِشْرُونَ

- ‌(325) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ في كُلِّ رَمَضَانَ

- ‌(326) بَابٌ: في كَمْ يُقْرأُ الْقُرْآنُ

- ‌(327) بَابُ تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ

- ‌(328) بَابٌ: في عَدَدِ الآيِ

- ‌(329) بَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ السُّجُودِ، وَكَمْ سَجْدَةً في الْقُرْاَنِ

- ‌(330) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ السُّجُودَ في الْمُفَصَّلِ

- ‌(331) بَابُ مَنْ رَأَى فِيهَا سُجُودًا

- ‌(332) بَابُ السُّجُودِ في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقرأ}

- ‌(333) بَابُ السُّجُودِ في {ص}

- ‌(334) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَهُوَ رَاكِبٌ

- ‌(335) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَجَدَ

- ‌(336) (بابٌ: فِيمَنْ يَقْرَأُ السَّجْدة بَعْدَ الصُّبْح)

- ‌(337) بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ

- ‌(338) بابٌ: فِيمَنْ لَمْ يُوتِرْ

- ‌(339) بَابٌ: كمِ الْوِتْرُ

- ‌(340) بَابُ مَا يُقْرَأُ في الْوِتْرِ

- ‌(341) بَابُ الْقُنُوتِ في الْوِتْرِ

- ‌(342) بَابٌ: في الدُّعَاءِ بَعْدَ الْوِتْرِ

- ‌(343) باب: في الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ

- ‌(344) بابٌ: في وَقْتِ الْوِتْرِ

- ‌(345) بَابٌ: في نَقْضِ الْوِتْرِ

- ‌(346) بابُ الْقُنُوتِ في الصَّلَوَاتِ

- ‌(347) بابٌ: في فَضْلِ التَّطوُّعِ في الْبَيْتِ

- ‌(348) بابٌ

- ‌(349) بَابُ الْحَثِّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ

- ‌(350) بابٌ: في ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

- ‌(352) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ مِنَ الطُّولِ

- ‌(353) بابُ مَا جَاءَ فِى آيَةِ الْكُرْسِىِّ

- ‌(354) بابٌ: فِى سُورَةِ الصَّمَدِ

- ‌(355) بابٌ: فِى الْمُعَوِّذَتَيْنِ

- ‌(356) (بَابٌ: كيْفَ يُسْتَحَبُّ التَّرْتيلُ في القِرَاءَةِ

- ‌(357) بابُ التَّشْدِيدِ فِيمَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ

- ‌(358) بابٌ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ

- ‌(359) باب الدُّعَاءِ

- ‌(360) باب التَّسْبِيحِ بِالْحَصَى

- ‌(361) بابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا سَلَّمَ

- ‌(362) بابٌ: فِى الاِسْتِغْفَارِ

- ‌(363) (بَابُ النَّهْي أَنْ يَدْعُوَ الإنْسَانُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ)

- ‌(364) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(365) بَابُ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ

- ‌(367) بَابٌ: في الاسْتِخَارَةِ

- ‌(368) بَابٌ: في الاسْتِعَاذَةِ

- ‌(3) كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌(1) بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

- ‌(2) بَابُ العُرُوضِ إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ

- ‌(3) بَابُ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ وَزَكَاةُ الْحَلْي

- ‌(4) بَابٌ: في زَكَاةِ السَّائِمَةِ

- ‌(5) بَابُ رِضَى الْمُصَدِّقِ

- ‌(6) بَابُ دُعَاءِ الْمُصَدِّقِ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ

- ‌(7) بَابُ تَفْسِيرِ أَسْنَانِ الإِبْلِ

- ‌(8) بَابٌ: أَيْنَ تُصَدَّقُ الأَمْوَالُ

- ‌(9) بَابُ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ صَدَقَتَهُ

- ‌(10) بَابُ صَدَقَةِ الرَّقِيقِ

- ‌(11) بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ

- ‌(12) باب زَكَاةِ الْعَسَلِ

- ‌(13) بَابٌ: في خَرْصِ الْعِنَبِ

- ‌(14) بَابٌ: في الْخَرْصِ

- ‌(15) بَابٌ: مَتَى يُخْرَصُ التَّمْرُ

- ‌(16) بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الثَّمَرَةِ في الصَّدَقَةِ

- ‌(17) بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌(18) بَابٌ: مَتَى تُؤَدَّى

- ‌(19) بَابٌ: كَمْ يُؤدَّى في صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌(20) بَابُ مَنْ رَوَىَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ

- ‌(21) بَابٌ: في تَعْجِيلِ الزَّكاةِ

- ‌(22) بَابٌ في الزَّكَاةِ تُحْمَلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ

- ‌(23) بَابُ مَنْ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ، وَحَدُّ الْغِنَى

- ‌(24) بَابُ مَنْ يَجُوزُ لهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيٌّ

- ‌(25) بَابٌ: كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنَ الزَّكَاةِ

- ‌(26) بَابُ كَرَاهِيةِ الْمَسْألَةِ

- ‌(27) بَابٌ: في الاسْتِعْفَافِ

- ‌(28) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ

- ‌(29) (بَابُ الفَقِيرِ يُهْدِي لِلْغَنِيِّ مِنَ الصَّدَقَةِ)

- ‌(30) بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا

- ‌(31) بَابٌ: في حُقُوقِ الْمَالِ

- ‌(32) بَابُ حَقِّ السَّائِلِ

- ‌(33) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ

- ‌(34) بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ

- ‌(35) بابُ الْمَسْأَلَةِ فِى الْمَسَاجِدِ

- ‌(36) بابُ كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهِ اللَّهِ عز وجل

- ‌(37) بَابُ عَطِيَّةِ مَنْ سَأَلَ بِاللهِ عز وجل

- ‌(38) بَابُ الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ

- ‌(39) بَابٌ في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(40) بَابٌ: في فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ

- ‌(41) بابٌ: فِى الْمَنِيحَةِ

- ‌(42) بَابُ أَجْرِ الْخَازِنِ

- ‌(43) بَابُ الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوجِهَا

- ‌(44) بَابٌ: في صِلَةِ الرَّحِمِ

- ‌(45) بَابٌ: في الشُّحِّ

- ‌(4) كِتَابُ اللُّقَطَةِ

الفصل: ‌(359) باب الدعاء

حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ (1): إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتكَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَؤُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا". [م 821، ن 939، حم 5/ 127، ق 2/ 384]

(359) باب الدُّعَاءِ

1479 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسَيْعٍ الْحَضْرَمِىِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدُّعَاءُ هي (2) الْعِبَادَةُ

===

ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يامرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف"، الحديث.

(حتى بلغ سبعة أحرف، قال) في الرابعة كما في مسلم: (إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك) القرآن (على سبعة أحرف) ظاهره أنه كان في الحديث ذكر المرة الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، فحذف في الاختصار، ولكن لم أر في رواية أحد ذكر المرة الخامسة والسادسة والسابعة (فأيما حرف قرؤوا عليه) من تلك الحروف (فقد أصابوا).

(359)

(بابُ الدُّعَاءِ)(3)، أي: في فضله وآدابه

1479 -

(حدثنا حفص بن عمر، نا شعبة، عن منصور، عن ذر) بن عبد الله، (عن يُسيع) مصغرًا، ويقال له: أسيع بن معدان (الحضرمىِ) ويقال: الكندي الكوفي، أخرجوا له حديثه عن النعمان: في الدعاء هي العبادة"، (عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: الدعاء هي العبادة) الحصر للمبالغة، فإن

(1) في نسخة: "فقال".

(2)

في نسخة: "هو".

(3)

وهل يجب أن يكون بالعربية؟ ذكر الاختلاف فيها في هامش "الحصن الحصين"(ص 21)(ش).

ص: 200

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} " [ت 2969، جه 3828، حم 4/ 267]

1480 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ، عَنْ أَبِى نُعَامَةَ،

===

الدعاء غاية التذلل، والتذلل بين يدي الله تعالى هو أصل العبادة وخلاصتها.

({وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}) إلى آخر الآية، فالاستدلال على كون الدعاء هي العبادة بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (1)، فإنه أطلق لفظ العبادة على الدعاء، معناه إن الذين لا يدعون الله ويتركون الدعاء استكبارًا فهم يستكبرون عن عبادة الله سبحانه وتعالى، فثبت بها أن الدعاء هي العبادة.

فإن قلت- قوله تعالى {ادْعُونِي} بصيغة الأمر الذي هو للوجوب، وقوله تعالى:{سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} إطلاق الوعيد يدل على فرضية، الدعاء ووجوبه، وأجمعت الأمة على عدم الوجوب.

قلت: إن الدعاء مفهومه يشمل جميع العبادات من الفرائض والنوافل، فبعض أفرادها فرض، وبمعضها نفل، فلا إشكال فيه، أو يقال: إن الأمر للاستحباب، والوعيد ليس على ترك الدعاء مطلقًا، بل على تركها استكبارًا.

1480 -

(حدثنا مسدد، نا يحيى، عن شعبة، عن زياد بن مخراق) بميم مكسورة وسكون معجمة وراء وقاف، المزني مولاهم، أبو الحارث البصري، قدم الشام، وشهد خطبة عمر بن عبد العزيز، قال الأثرم: سألت أحمد عنه فقال: ما أدري، قال: وقلت له: روى حديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون بعدي قوم يعتدون في الدعاء"، الحديث، فقال: نعم، لم يقم إسناده، وقال النسائي: ثقة، وكذا عن ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن أبي نعامة) قيس بن عباية بفتح أوله وتخفيف الموحدة ثم تحتانية،

(1) سورة غافر: الآية 60

ص: 201

عَنِ ابْنٍ لِسَعْدٍ قَالَ: "سَمِعَنِى أَبِى وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا وَكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ (1): يَا بُنَىَّ، إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِى الدُّعَاءِ» ،

===

الحنفي الرماني، وقيل: الضبي البصري، قال ابن أبي خيثمة: سألت ابن معين عن أبي نعامة الحنفي فقال: اسمه قيس بن عباية، بصري، ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قلت: وقال ابن عبد البر: هو ثقة عند جميعهم. وقال الخطيب: لا أعلم أحدًا رماه بكذب ولا ببدعة، قلت: فما قاله صاحب "العون": اسمه عيسى بن سوادة وكذا غيره في حواشي النسخ، فهو غلط محض.

(عن ابن لسعد) بن أبي وقاص، وقال الإِمام أحمد: عن مولى لسعدٍ، أن سعدًا سمع ابنًا له يدعو (قال: سمعني أبي) أي سعد بن أبي وقاص (وأنا أقول: اللهُمَّ إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها) أي حسنها (وكذا وكذا) كناية عما في الجنة من المنازل والسرر والبسط والغرف وغيرها (وأعوذ بك من النار وسلاسلها) جمع سلسلة (وأغلالها) جمع غل وهو الطوق (وكذا وكذا) كناية عما فيها من أنواع العذاب.

(فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء) أي يتجاوزون الحد فيها، والاعتداء في الدعاء أن يدعو بما يستحيل شرعًا أو عادة، مثل طلب النبوة بعد خاتم النبيين، أو عدم وجود الآدميين، أو ما في معناه من نزول سماء وطلوع أرض وغيرهما.

وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يدعو الإنسان أن يطلع السماء، أو تحول الجبل الفلاني ذهبًا، أو يجيء له الموت، أو بأمر لا يعلم حقيقته ونحو ذلك، وقد فسر الاعتداء في الدعاء بتكلف السجع، وقال بعضهم: الاعتداء هو طلب مما لا يليق به كرتبة الأنبياء والصعود إلى السماء، وقيل: هو الصياح في الدعاء.

(1) في نسخة: "قال".

ص: 202

فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، إنك إِنْ (1) أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ (2) مِنَ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ".

[جه 3864، حم 1/ 172]

===

(فإياك) أي اتق نفسك (إن تكون منهم) أي من المعتدين في الدعاء (إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر)، قال الله تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} (3).

وقد أخرج الإِمام أحمد (4) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، ثنا شعبة، عن زياد بن مخراق، قال: سمعت أبا عباية، عن مولًى لسعد أن سعدًا رضي الله عنه سمع ابنًا له يدعو وهو يقول: اللهُمَّ إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها، ونحوًا من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال: لقد سألتَ الله خيرًا كثيرًا، وتعوذت بالله من شر كثير، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء"، وقرأ هذه الآية:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (5)، إنَّ بِحَسْبِك أن تقول: اللهُمَّ إني أسألك الجنة، وما قَرَّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار، وما قَرَّب إليها من قول أو عمل.

وقد أخرجه الطيالسي في "مسنده"(6): حدثنا شعبة، أخبرني زياد بن مخراق، سمعت أبا عباية (7)، شك أبو داود أن سعدًا سمع ابنا له يقول، الحديث.

(1) في نسخة: "إذا".

(2)

في نسخة: "أعذت منها يعني من النار".

(3)

سورة آل عمران: الآية 185.

(4)

"مسند أحمد"(1/ 172) رقم (1482).

(5)

سورة الأعراف: الآية 55.

(6)

(ص 28) رقم الحديث (200).

(7)

قال في حاشيته: هكذا، وفي "مسند الإِمام أحمد" (1/ 183) رقم (1584): سمعت قيس بن عباية يحدث عن مولى لسعد، انتهى. (ش).

ص: 203

1481 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِى أَبُو هَانِئٍ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ: أَنَّ أَبَا عَلِىٍّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو فِى صَلَاتِهِ، لَمْ يُمَجِّدِ (1) اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«عَجِلَ هَذَا» ، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ:«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ (2) رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّى عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ» . [ت 3476، ن 1284]

===

1481 -

(حدثنا أحمد بن حنبل، نا عبد الله بن يزيد) أبو عبد الرحمن المقرئ، (نا حيوة) بن شريح التجيبي، (أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ) الخولاني المصري، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الدارقطني: لا بأس به، ثقة.

(أن أبا علي عمرو بن مالك حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس الأنصاري الأوسي، أَوَّلُ ما شَهِدَ شهد أُحُدًا، ثم نزل دمشق وولي قضاءها (يقول: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته) أي في داخل صلاته أو بعدها (لم يمجد الله) في بدء دعائه (ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَجلَ هذا)، أي كان ينبغي له أن يبدأ بآداب الدعاء من التحميد والثناء على الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فعجل وتركها وبدأ بالطلب.

(ثم دعاه) أي الرجل (فقال له أو لغيره) ليسمع هو ويعمل به: (إذا صلَّى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه) هو من عطف العام على الخاص (ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو)، وفي روايه الترمذي: ثم ليصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع (بعد بما شاء) من خير الدنيا والآخرة.

(1) في نسخة: "يحمد".

(2)

في نسخة: "بتحميد الله"، وفي نسخة:"بتحميد ربه".

ص: 204

1482 -

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِى نَوْفَلٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ

===

قال الشوكاني (1): قيل: هذا الحديث موافق في المعنى لحديث ابن مسعود وغيره في التشهد، فإن ذلك متضمن للتمجيد والثناء، وهذا مجمل، وذلك مبين للمراد، وهو لا يتم إلَّا بعد تسليم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع الرجل يدعو في قعدة التشهد.

1482 -

(حدثنا هارون بن عبد الله، نا يزيد بن هارون، عن الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل) بن أبي عقرب البكري الكندي العريجي، قال في "التقريب": بفتح المهملة وكسر الراء والجيم، وفي "الخلاصة": العرنجي بفتح المهملتين وإسكان النون، وكلاهما غير صحيح.

والصواب ما قال السمعاني في "الأنساب"(2): بضم العين المهملة وفتح الراء وبعدها الياء الساكنة آخر الحروف وفي آخرها الجيم، هذه النسبة إلى العُرَيج، وهو اسم لجماعة، ولبطون من العرب، وهو عُرَيج بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، منهم أبو نوفل بن أبي عقرب العريجي البصري، وقال الحافظ في "الإصابة" (3) في ترجمة أبيه أبي عقرب: أبو عقرب البكري من بني عريج بمهملة وجيم مصغرًا، ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وصححه وصوبه في "أسد الغابة": قيل: اسمه مسلم بن أبي عقرب، وقيل: عمرو بن مسلم بن أبي عقرب، وقيل: معاوية بن مسلم بن أبي عقرب، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وسماه شعبة معاوية بن عمرو، قال: وكنت آتيه أنا وأبو عمرو بن العلاء فأسأله عن الفقه، ويسأله أبو عمرو عن العربية.

(عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب) أي يحب (الجوامع

(1)"نيل الأوطار"(3/ 125).

(2)

(4/ 184 - 185).

(3)

"الإصابة"(4/ 135) رقم الترجمة (775).

ص: 205

مِنَ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ". [حم 6/ 148]

1483 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ» . [خ 6339، م 2679، ت 3497، جه 3854، حم 2/ 243]

===

من الدعاء) أي الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وقيل: هي ما كان لفظه قليلًا ومعناه كثيرًا، كما في قوله تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1)، ومثل الدعاء بالعافية في الدنيا والآخرة، أو الجامعة للتحميد والصلاة وجميع آداب الدعاء، أو الجامعة لجميع المؤمنين بأن لا يخص نفسه (ويدع) أي يترك (ما سوى ذلك).

1483 -

(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقولن أحدكم اللهُمَّ اغفر لي إن شئت، اللهُمَّ ارحمني إن شئت) قيل: منع عن قوله: إن شئت، لأنه شك في القبول، والله تعالى كريم لا بخل عنده، فليتيقن بالقبول (ليعزم المسألة) أي ليطلب جازمًا من غير شك (فإنه لا مكره له) وفي رواية أنس عند البخاري (2):"لا مستكره له"، وهما بمعنى، أي لله تعالى على الفعل، أو لا يقدر أحد أن يكرهه على فعل أراد تركه بل يفعل ما يشاء، فلا معنى لقوله: إن شئت، لأنه أمر معلوم من الدين بالضرورة، فلا حاجة إلى التقييد به مع أنه موهم بعدم الاعتناء بوقوع ذلك الفعل، أو لاستعظامه على الفاعل على المتعارف بين الناس.

وقال الحافظ في "الفتح"(3): والمراد أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة

(1) سورة البقرة: الآية 201.

(2)

"صحيح البخاري"(6338).

(3)

"فتح الباري"(11/ 140).

ص: 206

1484 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِى» . [خ 6340، م 2735، ت 3387، جه 3853، حم 2/ 396]

===

ما إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه، ويعلم أنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلَّا برضاه، وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك، فليس للتعليق فائدة، وقيل: المعنى أن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه، والأول أولى.

1484 -

(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد) اسمه سعد بن عبيد، مولى ابن أزهر اسمه عبد الرحمن، (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب) أي يجاب (لأحدكم) أي دعاؤه (ما لم يعجل) ثم بينه بقوله: (فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي)، قال ابن بطال: المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء، فيكون كالمانِّ بدعائه، أو أنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة، فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء.

فإن قلت: إن قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، وقوله:{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ، وعد بإجابة مطلق الدعاء، وهذا الحديث يحكم بأنه إذا استعجل لا يستجاب له، فكيف التوفيق بينهما؟ .

والجواب عنه: أن الحافظ نقل عن الكرماني أنه دل الحديث على أن مطلق قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} مقيد بما دل عليه الحديث.

قلت: ويمكن أن يجاب بأن المراد من الإجابة الموعودة هو الأعم من تحصيل المطلوب بعينه، أو ما يقوم مقامه ويزيد عليه، وإلى ذلك أشار ابن الجوزي بقوله: اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوض بما هو أولى له عاجلًا أو آجلًا، فينبغي للمؤمن أن

ص: 207

1485 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ (1)، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ،

===

لا يترك الطلب من ربه، والأحاديث أيضًا تدل على أن دعوة المؤمن لا ترد، وأنها إما أن تعجل له الإجابة، وإما أن تدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن يدخر له في الآخرة خير مما سأل.

فإن قلت: إن الداعي لا يعرف ما قدر له، فدعاؤه إن كان على وفق المقدور، فهو تحصيل الحاصل، وإن كان على خلافه فهو معاندة.

والجواب عن الأول أن الدعاء من جملة العبادة لما فيه من الخضوع والافتقار، وعن الثاني أنه إذا اعتقد أنه لا يقع إلَّا ما قدر الله تعالى كان إذعانًا لا معاندة، وفائدة الدعاء تحصيل الثواب بامتثال الأمر، ولاحتمال أن يكون المدعو به موقوفًا على الدعاء، لأن الله خالق الأسباب ومسبباتها.

وحكى القشيري في "الرسالة" الخلاف في المسألة، فقال: اختلف أَيّ الأمرين أولى؛ الدعاء أو السكوت والرضا؟ فقيل: الدعاء، وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة، لما فيه من إظهار الخضوع والافتقار، وقيل: السكوت والرضا أولى لما في التسليم من الفضل، قاله الحافظ في "القتح"(2).

1485 -

(حدثنا عبد الله بن مسلمة، نا عبد الملك بن محمد بن أيمن) تقدم ذكره في "باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام"، وقال الحافظ (3) في ترجمته: روى له أبو داود حديثًا واحدًا منقطعًا، وضعفه.

قلت: وقد تقدم في الباب المذكور حديثه بهذا السند عن محمد بن كعب القرظي قال: قلت له - يعني لعمر بن عبد العزيز-: حدثني عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث"، فهذا الحديث ثاني

(1) زاد في نسخة: "القعنبي".

(2)

انظر: "فتح الباري"(11/ 95 و 141).

(3)

انظر: "تهذيب التهذيب"(6/ 419).

ص: 208

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عن مُحَمَّدِ بْن كَعْبٍ الْقرَظِىِّ (1)، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

===

أحاديثه، وأما ما ادعى الحافظ من انقطاع السند فلم أقف على وجه انقطاعه، وفي أي محل من السند منقطع.

(عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق)، وقد تقدم ذكره فيما تقدم ذكر عبد الملك، وقال الحافظ في "التهذيب" (2): له عند أبي داود حديثه عمن حدثه عن محمد بن كعب عن ابن عباس في الصلاة خلف النائم.

قلت: وله عند أبي داود هذا الحديث الثاني أيضًا بعد الحديث المتقدم.

قال الحافظ: وأخرج له الترمذي حديثه عن ابن أبي الزناد بسنده إلى زيد بن ثابت في الاغتسال في الحج، ولم يذكر اسم جده، وقد توقف غير واحد هل الذي أخرج له الترمذي هو الذي أخرج له أبو داود أو غيره، وقال ابن القطان: أجهدت نفسي في التنقب عن حاله فلم أجد أحدًا ذكره، قال: ولا أدري أهو المذكور في حديث النهي عن الصلاة خلف النائم أو غيره، وقال ابن المواق: لا أراه إلَّا إياه، قلت: ويبعد ظنه بعد ما بينهما من الطبقة.

(عمن حدثه) قال في "التقريب"(3) في المبهمات: عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن محمد بن كعب يقال: هو أبو المقدام هشام بن زيد، وقال في "تهذيب التهذيب" (4) في المبهمات: عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه، في محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، الحديث مشهور برواية أبي المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب.

(عن محمد بن كعب القرظي، حدثني عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) زاد في نسخة: "قال".

(2)

(6/ 85).

(3)

(ص 1326).

(4)

(12/ 376).

ص: 209

قَالَ: "لَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ، مَنْ نَظَرَ في كِتَاب أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنَّمَا يَنْظُرُ في النَّارِ، وَسَلُوا الله بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا،

===

قال: لا تستروا الجدر) جمع جدار، أي لا تغطوها بالثياب، لأنه زي المتكبرين والمتنعمين.

و(من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه)، قال بعضهم: إنما أراد بالكتاب الذي فيه أمانة، أو شيء يكره صاحبه أن يطلع عليه أحد دون الكتب التي فيها علم، فإنه لا يحل منعه، ولا يجوز كتمانه، وقيل: عام في كل كتاب، لأن صاحب الشيء أولى بماله، وأحق بمنفعة ملكه، وإنما يأثم بكتمان العلم الذي يسئل عنه، فإما أن يأثم في منفعة كتاب عنده وحبسه عن غيره فلا وجه له.

(فإنما ينظر في النار) قال الخطابي (1): هو تمثيل، يقول كما يحذر النار فليحذر هذا الصنيع، إذ كان معلومًا أن النظر إلى النار والتحديق إليها يضر بالبصر، ويحتمل أن يكون أراد بالنظر إليها الدنو منها والصُّلِيُّ بها، لأن النظر إلى الشيء إنما يتحقق عن قرب المسافة والدنو منه، ويجوز أن يكون معناه كأنما ينظر إلى ما يوجب النار، فأضمره في الكلام.

(وسلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) قال القاري (2): قال ابن حجر: لأن اللائق لطالب شيء يناله أن يمد كفه إلى المطلوب، ويبسطها متضرعًا ليملأها من عطائه الكثير المؤذن به رفع اليدين إليه جميعًا، أما من سأل رفع شيء وقع به من البلاء، فالسنَّة أن يرفع إلى السماء ظهر كفيه اتباعًا له عليه الصلاة والسلام، وحكمته التفاؤل في الأول بحصول المأمول، وفي الثاني بدفع المحظور.

(1)"معالم السنن"(1/ 293 - 294).

(2)

"مرقاة المفاتيح"(5/ 20، 21).

ص: 210

فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ". [ق 2/ 212، ك 4/ 270، جه 3866]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: (1) رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عن مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَة،

===

(فإذا فرغتم) أي من الدعاء (فامسحوا بها) أي بأكفكم (وجوهكم) فإنها تنزل عليها آثار الرحمة فتصل بركتها إليها، وقول ابن عبد السلام: لا يسن مسح الوجه بهما، ضعيف، إذ ضعف حديث المسح لا يؤثر لما تقرر أن الضعيف حجة في الفضائل اتفاقًا.

ويخالف هذا الحديث بظاهره ما أخرجه مسلم في "صحيحه"(2) عن أنس "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلَّا في الاستسقاء، حتى يرى بياض إبطيه".

قال النووي (3): هذا الحديث يوهم ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إلَّا في الاستسقاء، وليس الأمر كذلك، بل قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء، وهي أكثر من أن تحصر، وقد جمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين أو أحدهما، وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من "شرح المهذب"(4)، ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلَّا في الاستسقاء، أو أن المراد: لم أره رفع، وقد رآه غيره رفع، فيقدم المثبتون في مواضع كثيرة وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك، ولا بد من تأويله لما ذكرناه، والله أعلم، انتهى.

(قال أبو داود: روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية)، وقد روى هذا الحديث ابن ماجه (5): حدثنا محمد بن الصباح، ثنا عائذ

(1) زاد في نسخة: "قد".

(2)

"صحيح مسلم"(896).

(3)

"شرح صحيح مسلم"(3/ 458).

(4)

انظر: (3/ 487).

(5)

"سنن ابن ماجه"(3866).

ص: 211

وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا.

1486 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْبَهْرَانِيُّ قَالَ: قَرَأْتُهُ (1) في أَصْلِ إِسْمَاعِيلَ- يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ-:

===

ابن حبيب، عن صالح بن حسان، عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دعوت الله الحديث"، وفي سنده صالح بن حسان، وهو ضعيف.

وقد أخرج الحاكم في "مستدركه"(2) أيضًا هذا الحديث من طريق وهيب ابن خالد، عن صالح بن حسان، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث. وفي سنده أيضًا صالح بن حسان (3).

(وهذا الطريق) الذي أوردناه في الكتاب (أمثلها) قلت: لم أقف على وجه كون هذا الطريق أمثل، فإن فيه من حدثه مع جهالته، فلو كان هذا أبا المقدام فقد ضعَّفوه، حتى قال فيها بن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به. (وهو) أي هذا الطريق (ضعيف أيضًا) لأن في سنده مجهولًا.

1486 -

(حدثنا سليمان بن عبد الحميد) بن رافع، ويقال: ابن سليمان (البهراني) الحكمي، قال أبو حاتم: هو صديق أبي، كتبت عنه، وسمعت منه بحمص، وهو صدوق، وقال النسائي: كذاب ليس بثقه ولا مأمون، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(قال: قرأته) أي الحديث (في أصل إسماعيل، يعني ابن عياش)، وأصل إسماعيل هو الكتاب الذي جمع فيه مسموعاته، كأنه ليس له رواية عنه، ولكن قرأ في كتابه بخطه، وهذه صورة الوجادة، وهي وجدان الطالب صحيفة مكتوبًا

(1) في نسخة: "قرأت".

(2)

(4/ 270).

(3)

وأيضًا أخرجه الطبراني في "الكبير"(10/ 388) وقم (10779) وابن نصر في "قيام الليل"(137).

ص: 212

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فيها الأحاديث، وعرفانه أنها مكوبة بخط فلان من غير بينة على هذا، فلا يجوز التحديث بالوجادة إلَّا بشرط الإذن من الشيخ.

قال في "النخبة"(1): وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، وهي أن يجد بخط يعرف كاتبه فيقول: وجدت بخط فلان، ولا يسوغ في إطلاق أخبرني بمجرد ذلك، إلَّا إن كان له منه إذن للرواية عنه، وأطلق قوم ذلك فغلطوا.

وقال السيوطي في "تدريب الراوي"(2): القسم الثامن من أقسام التحمل: الوجادة، وهي مصدرٌ لِوَجَدَ مُوَلَّدٌ غير مسموع من العرب، وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها غير المعاصر له، أو المعاصر، ولم يلقه أو لقيه، ولم يسمع منه، أو سمع منه، لكن لا يرويها الواجد عنه بسماع ولا إجازة، فله أن يقول: وجدت، أو قرأت بخط قلان أو في كتابه بخطه "حدثنا فلان" ويسوق الإسناد والمتن، أو بخط فلان عن فلان، هذا الذي استمر عليه العمل قديمًا وحديثًا، وهو من باب المنقطع، ولكن فيه شوب اتصال، وقد تسهل بعضهم فأتى فيها بلفظ "عن" فقال: قال ابن الصلاح: وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه.

ووقع في "صحيح مسلم"(3) أحاديث مروية بالوجادة، وانتقدت بأنها من باب المقطوع، وأجاب الرشيد العطار بأنه رواها من طرق أخرى موصولة، قلت: وجواب آخر وهو: أن الوجادة المنقطعة أن يجد في كتاب شيخه لا في كتابه عن شيخه.

ثم قال: وأما العمل في الوجاده فنقل عن معظم المحدثين وفقهاء المالكيين وغيرهم أنه لا يجوز، وعن الشافعي ونظار أصحابه جوازه،

(1)(ص 100).

(2)

(2/ 60 - 63).

(3)

انظر: "صحيح مسلم" رقم الحديث (2439، و 2443 و 1422).

ص: 213

حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ، عن شُرَيْحٍ، نَا أَبُو ظَبْيَةَ أَنَّ أَبَا بَحْرِيَّةَ السَّكُونِيَّ

===

وقطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به، وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه في هذه الأزمان غيره، انتهى ملخصًا.

(حدثني ضمضم) بن زرعة، (عن شريح) بن عبيد، (نا أبو ظبية) بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية، ويقال: أبو طيبة بالمهملة وتقديم التحتانية على الموحدة، والأول أصح، السلفي، ثم الكلاعي، الحمصي، شهد خطبة عمر بالجابية، قال العسكري: لا يعرف اسمه، عن ابن معين: ثقة، وعن الأعمش: كانوا لا يعدلون به رجلًا إلَّا رجلًا صحب محمدًا صلى الله عليه وسلم.

(أن أبا بحرية) بفتح الموحدة وسكون المهملة وتشديد المثناة التحتانية، عبد الله بن قيس الكندي الحمصي (السكوني) التراغمي، اختلف في ضبطه، قال في "التقريب" (1): بمثناة ثم معجمة، وفي "المغني" (2): التراغمي بمضمومة وخفة راء وكسر غين معجمة، منسوب إلى تراغم بن كدا، وفي "الخلاصة": اليزاغمي بفتح التحتانية والمعجمة الأولى وكسر الثانية، وفي "الأنساب" (3): بفتح التاء ثالث الحروف والراء بعدها الغين المكسورة وفي آخرها الميم، نسبة إلى التراغم، ونقل في حاشية "تهذيب التهذيب" عن "لب اللباب" في ترجمة سلمة التراغمي: بفتحتين وكسر المعجمة، نسبة إلى التراغم، بطن من السكون.

وقال في "جامع الأصول"(4) في ترجمة سلمة بن نفيل (5): والتراغمي بضم التاء فوقها نقطتان، وتخفيف الراء، وبالغين المعجمة، شهد خطبة عمر بالجابية، وذكر أبو الحسن بن سميع أنه أدرك الجاهلية، وثَّقه ابن معين والعجلي وابن عبد البر، مات زمن الوليد بن عبد الملك.

(1)(ص 536).

(2)

(ص 51).

(3)

(1/ 455).

(4)

(14/ 192).

(5)

وقع في الأصل: "سلمة بن فضيل"، وهو تحريف.

ص: 214

حَدَّثَهُ، عن مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ السَّكُونِيَّ ثُمَّ الْعَوْفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِذَا سَأَلْتُمُ الله فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفكُمْ، وَلَا تَسأَلُوهُ بِظُهُورِهَا".

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ: لَهُ عِنْدَنَا صُحْبَةٌ - يَعْيي مَالِكَ بْنَ يَسَارٍ -.

1487 -

حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:"رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو هَكَذَا بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ وَظَاهِرِهِمَا".

===

(حدثه) أي أبو بحرية أبا ظبية (عن مالك بن يسار السكوني ثم العوفي) صحابي، قال سليمان بن عبد الحميد شيخ أبي داود: لمالك بن يسار عندنا صحبة. وفي نسخة من "السنن": ما لمالك عندنا صحبة بزيادة ما النافية، وقال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث، ولا أدري له صحبة أو لا، والعوفي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالفاء، كذا في "جامع الأصول".

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها) تقدم شرحه (قال أبو داود: قال سليمان بن عبد الحميد: له عندنا صحبة، يعني مالك بن يسار).

1487 -

(حدثنا عقبة بن مكرم، نا سلم بن قتيبة) مصغرًا، الشعيري بفتح المعجمة، أبو قتيبة الخراساني، نزيل البصرة، قال في "التقريب": صدوق، (عن عمر بن نبهان) بفتح النون وسكون الموحدة، العبدي، ويقال: الغبري بضم المعجمة وفتح الموحدة الخفيفة، البصري، خال محمد بن بكر البرساني، له عند أبي داود في الدعاء ببطون كفيه وظاهرهما، ضعيف، (عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما) أي مرة

(1) ذكر الكبيري الدعاء على أنحاء أربعة: دعاء رغبة، ورهبة، وتضرع، وابتهال، وكذا في "الشامي"(2/ 264). (ش).

ص: 215

1488 -

حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِىُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى - يَعْنِى ابْنَ يُونُسَ -، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ - يَعْنِى ابْنَ مَيْمُونٍ صَاحِبَ الأَنْمَاطِ -، حَدَّثَنِى أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا» . [ت 3556، جه 3865، ك 1/ 497، ق 2/ 211]

1489 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا وُهَيْبٌ - يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ -،

===

يدعو ويجعل باطن كفيه إلى السماء، وأخرى يجعل ظاهرهما إلى السماء، وهذا الثانية في الاستسقاء، والأولى في غيره.

1488 -

(حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني، نا عيسى - يعني ابن يونس-، نا جعفر - يعني ابن ميمون صاحب الأنماط -) التميمي، أبو علي، ويقال: أبو العوام، يياع الأنماط، قال في "التقريب": صدوق يخطئ، (حدثني أبو عثمان) النهدي، (عن سلمان) الفارسي (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم حيي) فعيل أي مبالغ في الحياء، وفسر في حق الله سبحانه بما هو الغرض والغاية، وغرض الحيي من الشيء تركه والإباء منه، لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان عن تخوف ما يعاب ويذم بسببه، وهو محال على الله تعالى، لكن غايته فعل ما يسر وترك ما يضر، أو معناه عامل معاملة المستحيي (كريم) وهو الذي يعطي من غير سؤال (يستحيي من عبده) المؤمن (إذا رفع يديه إليه) أي للسؤال (أن يردهما صفرًا) بكسر (1) الصاد وسكون الفاء أي خاليتين عن الرحمة، يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع، قاله القاري (2).

1489 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا وهيب - يعني ابن خالد -،

(1) وفتحها وضمها. (ش).

(2)

"مرقاة المفاتيح"(5/ 22).

ص: 216

حَدَّثَنِى الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَالاِبْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا".

1490 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ:"وَالاِبْتِهَالُ هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَجَعَلَ (1) ظُهُورَهُمَا مِمَّا يَلِى وَجْهَهُ".

===

حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب) الهاشمي المدني، قال في "التقريب": ثقة، (عن عكرمة، عن ابن عباس قال: المسألة) بحذف المضاف أي أدب السؤال (أن ترفع يديك حَذْوَ منكبيك أو نحوهما) أي قريبًا منهما (والاستغفار) أي أدبه (أن تشير بأصبع واحدة) قال القاري (2): قال الطيبي (3): الإشارة بالسبابة سبَّا للنفس الأمَّارة، والشيطان، والتعوذ منهما أدب الاستغفار، وقيده بواحدة، لأنه يكره الإشارة بالأصبعين (والابتهال) أي التضرع والمبالغة في الدعاء في دفع المكروه عن النفس أدبه (أن تمد يديك جميعًا) أي حتى يرى بياض إبطيك.

1490 -

(حدثنا عمرو بن عثمان، نا سفيان، حدثني عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس بهذا الحديث) المتقدم (قال) سفيان (فيه: والابتهال هكذا، ورفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه) أي رفع يديه رفعًا كلِّيًّا حتى يرى بياض الإبطين جميعًا، وصارت كفاه محاذيتين لرأسه، قال الطيبي (4): أواد بالابتهال دفع ما يتصوره من مقابلة العذاب، فيجعل يديه الترس

(1) في نسخة: "واجعل ظهورهما مما يلي وجهك".

(2)

"مرقاة المفاتيح"(5/ 28).

(3)

"شرح الطيبي"(4/ 318).

(4)

انظر: "شرح الطيبي"(4/ 318)، و "مرقاة المفاتيح"(5/ 28).

ص: 217

1491 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ (1) ، عَنْ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

1492 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عن حَفْصِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،

===

ليستره عن المكروه، والفرق بين حديث سفيان وحديث وهيب بن خالد أن في حديث وهيب بيان الابتهال بالقول، وفي حديث سفيان بالفعل.

1491 -

(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، نا إبراهيم بن حمزة) بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوام المدني، أبو إسحاق، قال في "التقريب": صدوق، (نا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي، (عن العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس، عن أخيه إبراهيم بن عبد الله) بن معبد بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات" في طبقة أتباع التابعين، وقد أخرج البخاري في "التاريخ" بعد أن روى حديثه عن ميمونة حدث نافع عنه عن ابن عباس عن ميمونة، قال البخاري: ولا يصح فيه ابن عباس، فهذا مشعر لصحة روايته عن ميمونة عند البخاري، وقد علم مذهبه في التشديد في هذه المواطن، قلت: فعلى هذا يكون داخلًا في التابعين.

(عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكر نحوه)، أي نحو الحديث المتقدم، ولعل الغرض من إيراد هذا السند تأييد حديث خالد بأن فيه تعليمًا قوليًّا.

1492 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا ابن لهيعة) عبد الله، (عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص) الزهري، قال الذهبي في "الميزان" (2): لا يدرى

(1) في نسخة: "العباس".

(2)

"ميزان الاعتدال"(1/ 569).

ص: 218

عن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عن أَبِيهِ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ".

1493 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عن مَالِكِ بْنِ مِغْولٍ،

===

من هو، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (1): روى له أبو داود هذا الحديث الواحد، عن قتيبة عنه، وقال رشدين بن سعد: عن ابن لهيعة، عن حفص، عن خلاد بن السائب، عن أبيه، وتابعه يحيى بن إسحاق في الإسناد، لكن قال: عن حبان بن واسع بدل حفص بن هاشم، وحفص مجهول، لم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم، قلت: أظن الغلط فيه من ابن لهيعة، لأن يحيى بن إسحاق السيلحيني من قدماء أصحابه، وقد حفظ عنه حبان بن واسع، وأما حفص بن هشام فليس له ذكر في شيء من كتب التواريخ، ولا ذكر أحد أن لابن عتبة ابنًا يسمى حفصًا، انتهى.

(عن السائب بن يزيد، عن أبيه) هو يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود الكندي، صحابي، أسلم يوم الفتح، قال الزهري عن سعيد بن المسيب: ما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم قاضيًا ولا أبو بكر ولا عمر حتى كان في وسط خلافته، قال ليزيد ابن أخت نمر: اكفني بعض الأمور، يعني صغارها واستقضاه.

(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا) أي أراد الدعاء (فرفع يديه مسح وجهه بيديه) إذا فرغ من الدعاء، قال الطيبي (2): دل على أنه إذا لم يرفع يديه في الدعاء، لم يمسح، وهو قيد حسن لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو كثيرًا، كما في الصلاة والطواف وغيرهما من الدعوات المأثورة دبر الصلاة، وعند النوم، وبعد الأكل، وأمثال ذلك، ولم يرفع يديه لم يمسح بهما وجهه.

1493 -

(حدثنا مسدد، نا يحيى، عن مالك بن مغول،

(1)(2/ 420).

(2)

انظر: "شرح الطيبي"(4/ 317)، و"مرقاة المفاتيح"(5/ 27).

ص: 219

نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عن أَبيهِ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، أَنّي أشْهَدُ أَنَّكَ (1) أَنْتَ اللَّه لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ الله بِالاسْمِ الّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ". [ت 3475، جه 3457، ك 1/ 504]

===

نا عبد الله بن بريدة، عن أبيه) بريدة:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا) وهو أبو موسى الأشعري كما يدل عليه حديث أحمد في "مسنده"(يقول: اللهُمَّ إني أسألك أني) وفي رواية الترمذي وأحمد "بأني"(أشهد أنك أنت الله لا إله إلَّا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال) رسول صلى الله عليه وسلم للرجل: (لقد سألت الله بالاسم) وفي رواية أحمد والترمذي: "والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم"(الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب).

وأخرج الإِمام أحمد هذا الحديث في "مسنده"(2) مطولًا من طريق عثمان بن عمر، أنا مالك، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: خرج بريدة عِشاءً، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده فأدخله المسجد، فإذا صوت رجل يقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تراه مرائيًا؟ "، فأسكت بريدة، فإذا رجل يدعو، فقال: اللَّهُمَّ إنى أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلَّا إنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده"، أو قال:"والذي نفس محمد بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب"، قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عِشاءً، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده فأدخله المسجد، فإذا صوت الرجل يقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أتقوله مراء؟ " فقال بريدة: أتقوله مراء يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، بل مؤمن منيب، لا، بل مؤمن منيب"، فإذا الأشعري يقرأ بصوت له في جانب

(1) في نسخة: "بأنك أنت الله".

(2)

"مسند أحمد"(5/ 349)(22946).

ص: 220

1494 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ خَالِدٍ الرَّقِّيُّ، نَا زيدُ بْنُ حُبَابٍ (1)، نَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ:"لَقَدْ سَأَلْتَ (2) اللَّه بِاسْمهِ الأَعْظَمِ". [انظر سابقه]

1495 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَلَبِيُّ، نَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ،

===

المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الأشعري- أو إن عبد الله بن قيس- أعطى مزمارًا من مزامير داود"، فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟ فقال: "بلى أخبره"، فأخبرته، فقال: أنت لي صديق، أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثٍ.

1494 -

(حدثنا عبد الرحمن بن خالد) بن يزيد القطان الواسطي ثم (الرقي) قال في "التقريب": صدوق، (نا زيد بن حباب، نا مالك بن مغول بهذا الحديث، قال) زيد (فيه: لقد سألت الله باسمه الأعظم) وسيجيء تفصيل الأقوال في اسم الله الأعظم.

1495 -

(حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله) بن حكيم الأسدي، أبو محمد (الحلبي) الكبير، المعروف يابن أخي الإِمام بحلب، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به، وقال أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ربما أخطأ.

(نا خلف بن خليفة) بن صاعد الأشجعي مولاهم، أبو أحمد، كان بالكوفة، ثم انتقل إلى واسط فسكنها مدة، ثم تحول إلى بغداد فأقام بها إلى حين وفاته، اختلفوا في أنه هل رأى عمرو بن حريث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ قال العجلي: ثقه، وقال عثمان بن أبي شيبة: صدوق ثقة، لكنه خرف فاضطرب عليه حديثه، وقال ابن سعد: أصابه الفالج قبل موته، حتى ضعف وتغير واختلط، وحكى القراب اختلاطه عن ابراهيم بن أبي العباس، وكذا حكاه مسلمة الأندلسي ووثقه، وقال: من سمع منه قبل التغير فروايته

(1) في نسخة: "الحباب".

(2)

في نسخة: "سأل".

ص: 221

عن حَفْصٍ - يَعْنِي ابْنَ أَخِي أَنَسٍ -، عن أَنَسٍ:"أَنَّهُ كَانَ مَعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي، ثُمَّ دَعَا: اللهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ بَأَن لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ اْلْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ دَعَا الله بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى". [ن 1300، حم 3/ 158، ك 1/ 504]

===

صحيحة، وذكر الحاكم في "المدخل" أن مسلمًا إنما أخرج له في الشواهد.

(عن حفص، يعني ابن أخي أنس) بن مالك، أبو عمر المدني. قيل: هو ابن عبد الله، أو ابن عبيد الله بن أبي طلحة، وقيل: ابن عمر بن عبد الله، أو عبيد الله بن أبي طلحة، وقيل: ابن محمد بن عبد الله، وقال ابن حبان في "الثقات": حفص بن عبد الله بن أبي طلحة صحب أنسًا إلى الشام، روى له أحمد في "مسنده" عدة أحاديث من رواية خلف بن خليفة عنه عن أنس، قال في بعضها: عن حفص بن عمر، وقال في بعضها: عن حفص ابن أخي أنس، فيترجح أن اسم أبيه عمر، قال الدارقطني: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

(عن أنس)(1) بن مالك: (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجل يصلي) قال في "الدرجات": هو أبو عياش الزرقي (2)، كذا برواية "بتاريخ ابن عساكر"(ثم دعا اللهُمَّ إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلَّا أنت المنان) أي المعطي المنعم، من المن: العطاء، لا من المنة، وكثيرًا ما يرد السنن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه (بديع السموات والأرض) أي مبدعها، وهو الخالق المخترع بلا مثال سابق (يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قَيُّوْمُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى).

(1) وذكر في "حياة الحيوان"(2/ 383) نحو ذلك عن أبي الدرداء، وفيه قصة أيضًا لموت الكلب بدعائه؛ وبسط في "الأوجز" في "باب ما جاء في أمر الكلب"(17/ 269). (ش).

(2)

وكذا في "التلقيح" لابن الجوزي (ص 497) باب في أحاديث تتضمن ذكر قوم. (ش).

ص: 222

1496 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عن شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عن أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ في هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

===

1496 -

(حدثنا مسدد، نا عيسى بن يونس، نا عبيد الله بن أبي زياد، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد) بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصارية الأشهلية، أم سلمى، ويقال: أم عامر، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدت اليرموك، قلت: ولها ذكر في "صحيح مسلم"(1) في الغسل من الحيض، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت أسماء بنت شكل، كذا وقع عنده، وقال الخطيب: هو وهم، والصواب أسماء بنت السكن، وهي بنت يزيد بن السكن، خطيبة الأنصار، وتبع الخطيب على ذلك جماعة، وهو متجه، فقال الحافظ أبو أحمد الدمياطي: ليس في الأنصار من اسمه شكل، ففي "البخاري" (2) في هذا الحديث بعينه:"أن امرأة من الأنصار سألت"، قلت: وليس الوهم في اسم أبيها من مسلم، وإنما هو ممن فوقه، فقد رواه كذلك أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده"، وأبو عوانة وأبو نعيم في "مستخرجيهما" عن أبي الأحوص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن صفية، وذكر أسماء بنت شكل جماعة في الصحابة، منهم ابن سعد والباوردي والطبراني وغيرهم، انتهى.

قلت: والذي قال الطبراني والباوردي وابن سعد وغيرهم، لعلهم أخذوها من مسلم وابن أبي شيبة ولم يتنبهوا على هذا التصحيف (3).

(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

(1) رقم الحديث (332).

(2)

"صحيح البخاري"(315).

(3)

انظر: "تهذيب التهذيب"(12/ 399).

ص: 223

{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} "، وَفَاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {الم * الله لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ". [ت 3478، جه 3855، دي 3389]

===

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1) وفاتحة) أي ابتداء (سورة آل عمران {الم* الَّلهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}).

قلت: وخالف محمد بن بكر عيسى بن يونس، فأخرج الإمام أحمد من طريقه (2): أنا عبيد الله بن أبي زياد، ثنا شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} و {الم* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} : "إن فيهما اسم الله الأعظم".

قال القاري (3) وروى الحاكم: "اسم الله الأعظم في ثلاث سور: البقرة وآل عمران وطه"، قال القاسم ين عبد الرحمن الشامى التابعي: روى أنه قال: لقيت مائة صحابي فالتمستها، أي السور الثلاث، فوجدت أنه الحي القيوم، قال ميرك: وقرره (4) الإِمام فخر الدين الرازي، واحتج بأنهما يدلان على صفات الربوبية، ما لا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما، وأختاره النووي، وقال الجزري: وعندي أنه {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، ونقل الفخر أيضًا عن بعض أرباب الكشف أنه هو، واحتج له بأنه من أراد أن يعبر عن كلام معظم بحضرته لم يقل أنت بل يقول هو، انتهى.

وهنا أقوال أخر في تعيين الاسم الأعظم، منها: أنه رب، أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس وأبي الدرداء أنهما قالا: اسم الله الأكبر رب رب.

ومنها: الله الله لله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، نقل هذا عن الإِمام زين العابدين أنه رأى في النوم.

(1) سورة البقرة: الآية 163.

(2)

"مسند أحمد"(6/ 461) رقم (27598).

(3)

"مرقاة المفاتيح"(5/ 117 - 118).

(4)

وقع في الأصل: "قرأه"، وهو تحريف.

ص: 224

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ومنها: كلمة التوحيد، نقله القاضي عياض عن بعض العلماء.

ومنها: أنه الله، لأنه اسم لم يطلق على غيره تعالى، ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى، ومن ثم أضيف إليه.

ومنها: الله الرحمن الرحيم، ولعل مستنده ما اْخرجه ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمها الاسم الأعظم، فلم يفعل، فصلت ودعت: اللهُمَّ إني أدعوك الله، وأدعوك الرحمن، وأدعوك الرحيم، وأدعوك بأسمائك الحسنى ما علمت وما لم أعلم

إلخ. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنه هي الأسماء التي دعوت بها"، قلت: سنده ضعيف، وفي الاستدلال بهما لا يخفى.

وقد استوعب السيوطي الأقوال في رسالته، وقيل: إنه مخفي في الأسماء الحسنى، ويؤيده حديث عائشة رضي الله عنها، وأنكر قوم من العلماء ترجيح بعض الأسماء الإلهية على بعض، وقالوا: ذلك لا يجوز، لأنه يؤذن باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل، وأولوا ما ورد من ذلك بأن المراد من الأعظم العظيم، إذ أسماؤه تعالى كلها عظيمة.

قال أبو جعفر الطبراني: اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم، وعندي أن الأقوال كلها صحيحة، إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم، ولا شيء أعظم منه، فكأنه يقول: كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم، فيرجع لمعنى عظيم.

وقال ابن حبان: الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد الداعي في ثوابه إذا دعا بها، كما أطلق ذلك في القرآن، والمراد به مزيد الثواب للقارئ.

وقيل: المراد بالاسم الأعظم كل اسم من أسمائه تعالى دعا به العبد مستغرقًا، بحيث لا يكون في خاطره وفكره حالتئذٍ غير الله، فإنه يحصل له ذلك معنى ذلك من الإِمام جعفر الصادق رضي الله عنه.

ص: 225

1497 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: سُرِقَتْ مِلْحَفَةٌ لَهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ سَرَقَهَا، فَجَعَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا تُسَبِّخِى عَنْهُ» . [ش 10/ 348]

===

وقال آخرون: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم، ولم يطلع عليه أحد، وأثبته آخرون، واضطربت أقوالهم في ذلك كما ذكرنا بعضها، انتهى بلفظه.

1497 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن عائشة قال: سرقت ملحفة لها) قال في "القاموس": وككتاب: ما يلتحف به، واللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه كالملحفة (فجعلت تدعو على من سرقها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تسبخي عنه).

ليس غرضه صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام النهي عن التخفيف وإبقاء كل الإثم على السارق، لأن خلقه صلى الله عليه وسلم ورأفته على الأمة ينافي ذلك، بل غرضه صلى الله عليه وسلم عفو السارق بالكلية، وكفُّ عائشة رضي الله عنها عن سبِّ السارق، فإن السَبَّ والسرقة توزنان، فإذا كان السبُّ أقلَّ من السرقة بقي شيء من حقها على السارق، وإذا كانت السرقة أقل من السب وزاد السب عليها عاد حق السارق عليها، وإذا تساويا لم يبق لأحدهما حق على الآخر، فلذا أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العفو، لأن فيه عظيم الأجر.

وكتب مولانا الشيخ محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - رحمه الله تعالى- قوله: "لا تسبخي عنه" إذ لا شك أن سبها يوزن كما توزن سرقة السارق، فما وازاه منه سقط، ولم يكن ذلك تعليمًا لعدم التسبيخ، بل للعفو كلية وإن لم يذكره الراوي، فكأنه نظر لهما معًا. فإن المسروق منه إذا عفا كان أعظم لأجره مما إذا عفا بعد سبه وشتمه، والسارق لعله لا يكفي السب قدر السرقة من الإثم، فيؤاخذ بالآخرة، ولا كذلك إذا عفا عنه بالكلية، فكان ذلك أفيد لهما، انتهى.

ص: 226

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَا تُسَبِّخِي: (1) لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ.

1498 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فِى الْعُمْرَةِ، فَأَذِنَ لِى وَقَالَ:«لَا تَنْسَنَا يَا أُخَىَّ مِنْ دُعَائِكَ» ، فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِى أَنَّ لِى بِهَا الدُّنْيَا

===

(قال أبو داود: لا تُسَبِّخِي: لا تُخَفِّفِي عنه).

1498 -

(حدثنا سليمان بن حرب، نا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله) بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ضعيف. قال عفان: سمعت شعبة يقول: كان عاصم لو قيل له: من بني مسجد البصرة؟ لقال: فلان عن فلان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بناه.

(عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر) رضي الله عنه (قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة) قال القاري (2): أي من المدينة، قال ابن حجر: في قضاء عمرة كان نذرها في الجاهلية (فأذن لي) بها (وقال: لا تنسنا) يحتمل نون العظمة وأن يريد نحن وأتباعنا (يا أُخَيَّ) بصيغة التصغير، وهو تصغير تلطف وتعطف، ويروى بلفظ التكبير (من دعائك) فيه إظهار الخضوع والمسكنة في مقام العبودية بالتماس الدعاء ممن عرف له الهداية، وحث للأمة على الرغبة في دعاء الصالحين وأهل العبادة، وتنبيه لهم على أن لا يخصوا أنفسهم بالدعاء، ولا يشاركوا فيه أقاربهم وأحباءهم، لا سيما في مظان الإجابة، وتفخيم لشأن عمر رضي الله عنه وإرشاد إلى ما يحمي دعاءه من الرد.

(فقال كلمة) لعل المراد بالكلمة لفظ "يا أُخَيَّ" بالإضافة إلى نفسه الشريفة، أو المراد بالكلمة الكلام الذي ساقه لطلب الدعاء (ما يسرني أن لي بها) أي ببدلها (الدنيا) أي لا يعجبني كون جميع الدنيا لي ببدلها.

(1) زاد في نسخة: "أي".

(2)

"مرقاة المفاتيح"(5/ 23).

ص: 227