المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(23) باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٦

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(319) بابٌ: في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ

- ‌(320) بابٌ: في لَيْلَةِ الْقَدْرِ

- ‌(322) بَابُ مَنْ رَوَى أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ

- ‌(324) بَابُ مَنْ قَالَ: سَبْعٌ وَعِشْرُونَ

- ‌(325) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ في كُلِّ رَمَضَانَ

- ‌(326) بَابٌ: في كَمْ يُقْرأُ الْقُرْآنُ

- ‌(327) بَابُ تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ

- ‌(328) بَابٌ: في عَدَدِ الآيِ

- ‌(329) بَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ السُّجُودِ، وَكَمْ سَجْدَةً في الْقُرْاَنِ

- ‌(330) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ السُّجُودَ في الْمُفَصَّلِ

- ‌(331) بَابُ مَنْ رَأَى فِيهَا سُجُودًا

- ‌(332) بَابُ السُّجُودِ في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقرأ}

- ‌(333) بَابُ السُّجُودِ في {ص}

- ‌(334) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَهُوَ رَاكِبٌ

- ‌(335) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَجَدَ

- ‌(336) (بابٌ: فِيمَنْ يَقْرَأُ السَّجْدة بَعْدَ الصُّبْح)

- ‌(337) بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ

- ‌(338) بابٌ: فِيمَنْ لَمْ يُوتِرْ

- ‌(339) بَابٌ: كمِ الْوِتْرُ

- ‌(340) بَابُ مَا يُقْرَأُ في الْوِتْرِ

- ‌(341) بَابُ الْقُنُوتِ في الْوِتْرِ

- ‌(342) بَابٌ: في الدُّعَاءِ بَعْدَ الْوِتْرِ

- ‌(343) باب: في الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ

- ‌(344) بابٌ: في وَقْتِ الْوِتْرِ

- ‌(345) بَابٌ: في نَقْضِ الْوِتْرِ

- ‌(346) بابُ الْقُنُوتِ في الصَّلَوَاتِ

- ‌(347) بابٌ: في فَضْلِ التَّطوُّعِ في الْبَيْتِ

- ‌(348) بابٌ

- ‌(349) بَابُ الْحَثِّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ

- ‌(350) بابٌ: في ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

- ‌(352) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ مِنَ الطُّولِ

- ‌(353) بابُ مَا جَاءَ فِى آيَةِ الْكُرْسِىِّ

- ‌(354) بابٌ: فِى سُورَةِ الصَّمَدِ

- ‌(355) بابٌ: فِى الْمُعَوِّذَتَيْنِ

- ‌(356) (بَابٌ: كيْفَ يُسْتَحَبُّ التَّرْتيلُ في القِرَاءَةِ

- ‌(357) بابُ التَّشْدِيدِ فِيمَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ

- ‌(358) بابٌ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ

- ‌(359) باب الدُّعَاءِ

- ‌(360) باب التَّسْبِيحِ بِالْحَصَى

- ‌(361) بابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا سَلَّمَ

- ‌(362) بابٌ: فِى الاِسْتِغْفَارِ

- ‌(363) (بَابُ النَّهْي أَنْ يَدْعُوَ الإنْسَانُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ)

- ‌(364) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(365) بَابُ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ

- ‌(367) بَابٌ: في الاسْتِخَارَةِ

- ‌(368) بَابٌ: في الاسْتِعَاذَةِ

- ‌(3) كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌(1) بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

- ‌(2) بَابُ العُرُوضِ إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ

- ‌(3) بَابُ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ وَزَكَاةُ الْحَلْي

- ‌(4) بَابٌ: في زَكَاةِ السَّائِمَةِ

- ‌(5) بَابُ رِضَى الْمُصَدِّقِ

- ‌(6) بَابُ دُعَاءِ الْمُصَدِّقِ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ

- ‌(7) بَابُ تَفْسِيرِ أَسْنَانِ الإِبْلِ

- ‌(8) بَابٌ: أَيْنَ تُصَدَّقُ الأَمْوَالُ

- ‌(9) بَابُ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ صَدَقَتَهُ

- ‌(10) بَابُ صَدَقَةِ الرَّقِيقِ

- ‌(11) بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ

- ‌(12) باب زَكَاةِ الْعَسَلِ

- ‌(13) بَابٌ: في خَرْصِ الْعِنَبِ

- ‌(14) بَابٌ: في الْخَرْصِ

- ‌(15) بَابٌ: مَتَى يُخْرَصُ التَّمْرُ

- ‌(16) بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الثَّمَرَةِ في الصَّدَقَةِ

- ‌(17) بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌(18) بَابٌ: مَتَى تُؤَدَّى

- ‌(19) بَابٌ: كَمْ يُؤدَّى في صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌(20) بَابُ مَنْ رَوَىَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ

- ‌(21) بَابٌ: في تَعْجِيلِ الزَّكاةِ

- ‌(22) بَابٌ في الزَّكَاةِ تُحْمَلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ

- ‌(23) بَابُ مَنْ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ، وَحَدُّ الْغِنَى

- ‌(24) بَابُ مَنْ يَجُوزُ لهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيٌّ

- ‌(25) بَابٌ: كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنَ الزَّكَاةِ

- ‌(26) بَابُ كَرَاهِيةِ الْمَسْألَةِ

- ‌(27) بَابٌ: في الاسْتِعْفَافِ

- ‌(28) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ

- ‌(29) (بَابُ الفَقِيرِ يُهْدِي لِلْغَنِيِّ مِنَ الصَّدَقَةِ)

- ‌(30) بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا

- ‌(31) بَابٌ: في حُقُوقِ الْمَالِ

- ‌(32) بَابُ حَقِّ السَّائِلِ

- ‌(33) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ

- ‌(34) بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ

- ‌(35) بابُ الْمَسْأَلَةِ فِى الْمَسَاجِدِ

- ‌(36) بابُ كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهِ اللَّهِ عز وجل

- ‌(37) بَابُ عَطِيَّةِ مَنْ سَأَلَ بِاللهِ عز وجل

- ‌(38) بَابُ الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ

- ‌(39) بَابٌ في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(40) بَابٌ: في فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ

- ‌(41) بابٌ: فِى الْمَنِيحَةِ

- ‌(42) بَابُ أَجْرِ الْخَازِنِ

- ‌(43) بَابُ الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوجِهَا

- ‌(44) بَابٌ: في صِلَةِ الرَّحِمِ

- ‌(45) بَابٌ: في الشُّحِّ

- ‌(4) كِتَابُ اللُّقَطَةِ

الفصل: ‌(23) باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى

(23) بَابُ مَنْ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ، وَحَدُّ الْغِنَى

1626 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَحْيَى بْنُ آدم، نَا سُفْيَانُ، عن حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ،

===

لما بعثه إلى اليمن قال له: "خذها من أغنيائهم وضعها في فقرائهم". وقد استدل بهذه الأحاديث على مشروعيةِ صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله، وكراهةِ صرفها في غيرهم، وقد روي عن مالك والشافعي والثوري: أنه لا يجوز صرفها في غير فقراء البلد، وقال غيرهم: إنه يجوز مع كراهته لِما عُلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستدعي الصدقات من الأعراب إلى المدينة، ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار.

وفي "الدر المختار"(1): وكره نقلها من بلد إلى آخر، إلَّا إلى قرابة، أو أحوج، أو أصلح، أو أورع، أو أنفع للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإِسلام، أو إلى طالب علم، أو إلى الزهاد، أو كانت معجلة قبل تمام الحول: فلا يكره.

(23)

(بَابُ مَنْ يُعْطَى) بصيغة المجهول (مِنَ الصَّدقةِ، وَحَدُّ الغِنَى)(2)

1626 -

(حدثنا الحسن بن علي، نا يحيى بن آدم، نا سفيان، عن حكيم بن جبير) الأسدي، ويقال: مولى الحكم بن أبي العاص الثقفي الكوفي، قال أحمد: ضعيف الحديث مضطرب، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عنه، فقال: كم روى إنما روى شيئًا يسيرًا،

(1)"رد المحتار على الدر المختار"(3/ 304).

(2)

وقال الموفق (4/ 118): لا خلاف في أنه لا يجوز لغني، لكن اختلفوا في الغني، فعن أحمد: من ملك خمسين درهمًا، وعنه ما تحصل به الكفاية، فإن لم يكن محتاجًا حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئًا وإن كان محتاجًا يجوز له وإن ملك نصابًا وبه قال مالك والشافعي إلى آخر ما قال، وقال أصحاب الرأي: الغنى الموجب للزكاة هو المانع عنها، وبسط في "الأوجز"(6/ 74). (ش).

ص: 460

عن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ يَزِيدَ، عن أَبِيهِ، عن عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ

===

قلت: من تركه؟ قال شعبة؛ من أجل حديث الصدقة، يعني حديث:"من سأل وله ما يغنيه"، وقال معاذ بن معاذ: قلت لشعبة: حدثني بحديث حكيم بن جبير، قال: أخاف النار، وقال يعقوب بن شيبة: ضعيف الحديث، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه، فقال: في رأيه شيء، قلت: ما محله؟ قال: بالصدق إن شاء الله؛ وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأي غير محمود، نسأل الله السلامة، غالٍ في التشيع، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: متروك.

(عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي، أبو جعفر الكوفي، عن ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: كان رفيع القدر من الحيلة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.

(عن أبيه، عن عبد الله) بن مسعود (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل) الناس من المال (وله ما يغنيه) أي وله مال بقدر ما يغنيه عن السؤال (جاء يوم القيامة خموش) أي جروح (أو خدوش، أو كدوح).

قال القاري (1): بضم أوائلها، ألفاظ متقاربة المعاني، جمع خمش وخدش وكدح، فأو ها هنا إما لشك الراوي إذ الكل يُعرب عن أثر ما يظهر على الجلد واللحم من ملاقاة الجسد ما يقشر أو يجرح، ولعل المراد بها آثار مستنكرة في وجهه حقيقة، أو أمارات يُعرَفُ ويشهر بذلك بين أهل الموقف، أو لتقسيم منازل السائل، فإنه مقل أو مكثر أو مفرط في المسألة، فذكر الأقسام على حسب ذلك. والخمش أبلغ في معناه من الخدش، وهو أبلغ من الكدح،

(1)"مرقاة المفاتيح"(4/ 355، 356).

ص: 461

في وَجْهِهِ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْغِنَى؟ قَالَ: "خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ". [ن 2592، جه 1840، حم 1/ 441]

===

إذ الخمش في الوجه، والخدش في الجلد، والكدح فوق الجلد، وقيل: الخدش قشر الجلد بالعود، والخمش قشره بالأظفار، والكدح العض، وهي في أصلها مصادر، ولكنها لما جعلت أسماء للآثار جمعت.

(في وجهه، فقيل: يا رسول الله! وما الغنى؟ ) أي كم هو؟ (قال: خمسون درهمًا، أو قيمتها) أي قيمة خمسين درهمًا (من الذهب) قال القاري (1): قال الطيبي: قيل: ظاهره أن من ملك خمسين درهمًا، أو قيمتها من جنس آخر فهو غني يحرم عليه السؤالُ وأخذُ الصدقة، وبه قال ابن المبارك وأحمد وإسحاق.

والظاهر أن من وجد قدر ما يغديه ويعشيه على دائم الأوقات أو في أغلبها فهو غني، كما ذكر في الحديث، سواء حصل له ذلك بكسب يد أو تجارة، لكن لما كان الغالب فيهم التجارة، وكان هذا القدر - أعني خمسين درهمًا- كافيًا لرأس المال قدر به تخمينًا، وبما يقرب منه في الحديث، أعني الأوقية، وهي يومئذ أربعون درهمًا، فلا نسخ في الأحاديث، وقيل: حديث ما يغنيه منسوخ بحديث الأوقية، وهو منسوخ بحديث خمسين، وهو منسوخ بما روي مرسلًا:"من سأل الناس وعنده عدل خمس أواق فقد سأل إلحافًا"، وعليه أبو حنيفة، انتهى.

وتقدم أن في مذهبه من ملك مائتي درهم يحرم عليه أخذ الصدقة، ومن ملك قوت يوم يحرم عليه السؤال، ففرق بين الأخذ والسؤال، فما نسب إليه غير صحيح، والأنسب بمسألة تحريم السؤال أن يكون أمر النسخ بالعكس، بأن نسخ الأكثر فالأكثر إلى أن تقرر أن من عنده ما يغديه ويعشيه يحرم عليه السؤال، فيكون الحكم تدريجيًّا بمقتضى الحكم، كما وقع في تحريم الخمر،

(1)"مرقاة المفاتيح"(4/ 356).

ص: 462

قَالَ يَحْيَى: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ لِسُفْيَانَ: حِفْظِي أَنَّ شُعْبَةَ لَا يَرْوِي عن حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ سُفْيَانُ: فَقَدْ حَدَّثَنَاهُ زُبَيْدٌ، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ.

===

وأما في العبادات فوقع التدريج في الزيادات لما تقتضيه الحكم الإلهيات على وقع الطباع والمألوفات.

(قال يحيى) بن آدم: (فقال عبد الله بن عثمان) البصري صاحب شعبة، وفي "التقريب": شريك شعبة، قال النسائي: ثقة ثبت، وقال ابن المديني: أراه مات قبل شعبة، له عند النسائي حديث واحد في الرؤية يوم القيامة، وعند الترمذي في الزكاة (لسفيان: حفظي) أي الذي أحفظه (أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير، فقال سفيان) في جوابه: (فقد حدثناه زبيد) - بموحدة مصغرًا- ابن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي، ويقال: الإيامي، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبد الله، الكوفي، ثقة ثبت كان علويًّا يميل إلى التشيُّع، قال في "الأنساب" (1): الإيامي بكسر الألف وفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، هذه النسبة إلى إيام. وقيل لهذا البطن: اليام، أيضًا بغير الألف، والمشهور بالانتساب إليها أبو عبد الرحمن زبيد بن الحارث الإيامي من أهل الكوفة.

(عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد)، حاصل قول سفيان: أن شعبة لو كان لا يروي هذا الحديث لأجل ضعف حديث حكيم بن جبير فليس هو بمنفرد فيه، بل رواه زبيد أيضًا عن محمد بن عبد الرحمن.

قال الترمذي (2): حدثنا محمود بن غيلان، نا يحيى بن آدم، نا سفيان، عن حكيم بن جبير بهذا الحديث، فقال له عبدُ الله بن عثمان صاحبُ شعبة: لو غيرُ حكيم حدث بهذا، فقال له سفيان: وما لحكيم لا يحدث عنه

(1)(1/ 233).

(2)

"سنن الترمذي"(651).

ص: 463

1627 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى أَسَدٍ أَنَّهُ قَالَ: "نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِى بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَقَالَ لِى أَهْلِى: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فاسألهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ، فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حَاجَتِهِمْ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ» ، فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِى إِنَّكَ لَتُعْطِى مَنْ شِئْتَ،

===

شعبةُ؟ قال: نعم، قال سفيان: سمعت زبيدًا يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد.

والعمل على هذا عند بعض أصحابنا، وبه يقول الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد، وإسحاق، قالوا: إذا كان عند الرجل خمسون درهمًا، لم تحل له الصدقة، ولم يذهب بعض أهل العلم إلى حديث حكيم بن جبير، ووسَّعوا في هذا، وقالوا: إذا كان عنده خمسون درهمًا أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعي وغيره من أهل العلم.

1627 -

(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد) لم أقف على تسميته (إنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد) هو موضع بقرب المدينة فيه مقابر أهلها، (قال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسْأله لنا شيئًا نأكله، فجعلوا) أي أهله (يذكرون) لذلك الرجل (من حاجتهم) وفاقتهم.

(فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلًا) لم أقف على تسميته أيضًا (يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أجد ما أعطيك) من المال، (فتولى الرجل عنه) أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي الرجل (مغضب) لأجل قوله عليه السلام:"لا أجد ما أعطيك". (وهو) أي الرجل (يقول: لعمري إنك لتعطي مَن شئت)،

ص: 464

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَغْضَبُ عَلَىَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ، مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا» . قَالَ الأَسَدِىُّ: فَقُلْتُ: لَلَقِحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ، وَالأُوقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.

===

ولعل هذ الرجل كان من أجلاف العرب حديث عهد بالإِسلام، لم يتأدب بآداب الشرع أو كان منافقًا.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغضب) وفي رواية مالك: إنه لمغضب (عليَّ أن لا أجد ما أعطيه) مع أن هذا لا يقتضي الغضب بوجه.

(من سأل منكم وله أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء وتخفيفها (أو عدلها) بفتح العين، ما يبلغ قيمتها من غير الفضة (فقد سأل إلحافًا) أي إلحاحًا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه، أي خالف ثناء الله بقوله تعالى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (1) ومعناه أنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا. وقيل: هو نفي السؤال والإلحاح معًا كقول الشاعر:

عَلَى لاحِبٍ لا يُهْتَدى لِمَنَارِهِ (2)

فمراده نفي المنار، والاهتداء به، ولا ريب أن نفي السؤال والإلحاح أدخل في التعفف.

(قال الأسدي: فقلت) في نفسي لما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَلِقْحَة) بفتح اللام الأولى ابتدائية، أو جواب قسم مقدرٍ، وكسر اللام الثانية، وقد تفتح، أي ناقة (لنا خير من أوقية، والأوقية أربعون درهمًا) هذا القول من بعض (3) الرواة.

(1) سورة البقرة: الآية: 273.

(2)

قاله امرؤ القيس، والمعنى: ليس به منار فيهتدى به. انظر "لسان العرب"(5/ 4009).

(3)

وصرح في "الموطأ"(2/ 999) أنه من قول مالك. (ش).

ص: 465

قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ شَعِيرٌ أَوْ زَبِيبٌ، فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ - أَوْ كَمَا قَالَ - حَتَّى أَغْنَانَا اللَّهُ عز وجل". [ن 2596، ط 2/ 999/ 11]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ كَمَا قَالَ مَالِكٌ.

1628 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الرِّجَالِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ» ، فَقُلْتُ: نَاقَتِى الْيَاقُوتَةُ هِىَ خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ - قَالَ هِشَامٌ: خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا - فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَسْأَلْهُ شَيْئًا.

===

(قال) الأسدي: (فرجعت) إلى منزلي (ولم أسأله) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، وهذا يدل على قوة فهمه، (فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير وزبيب، فقسم لنا منه، أو كما قال) هذا شك من بعض الرواة (1) بأنه لم يحفظ قال هذا اللفظ أو لفظًا آخر نحوه (حتى أغنانا الله عز وجل.

(قال أبو داود: هكذا رواه الثوري، كما قال مالك).

1628 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار قالا: نا عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف) أي دخل في حكم الإلحاف في السؤال، (فقلت) في نفسي:(ناقتي الياقوتة) اسم لناقته (هي خير من أوقية) فلا يجوز لي السؤال، (قال هشام) بن عمار في حديثه:(خير من أربعين درهمًا) بدل قوله: خير من أوقية، (فرجعت) عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتي، (فلم أسأله شيئًا) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) وليس هذا الشك في رواية "الموطأ"، ولا في رواية "النسائي"(2596)، في حديث ابن القاسم عن مالك، فالظاهر أنه شك من القعنبي. (ش).

ص: 466

زَادَ هِشَامٌ في حَدِيثِهِ: وَكَانَتِ الأُوقِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. [ن 2595، حم 3/ 7 - 9]

1629 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى كَبْشَةَ السَّلُولِىِّ، حَدَّثَنَا سَهْلُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ

===

(زاد هشام) بن عمار (في حديثه: وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهمًا)، وقد أخرج النسائي (1) هذا الحديث من حديث قتيبة فقط مفصلًا، ولفظه قال: سَرَّحَتْني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته، وقعدت فاستقبلني، وقال:"من استغنى أغناه الله عز وجل، ومن استعفَّ أَعَفَّه الله عز وجل، ومن استكفى كفاه الله عز وجل، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف"، فقلتْ ناقتي الياقوتةُ خير من أوقية، فرجعت ولم أسأله.

1629 -

(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا مسكين) بن بكير الحرَّاني، (نا محمد بن المهاجر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة السلولي) بفتح المهملة وضم اللام الأولى وتخفيفها، ثم بلام ثانية بعد الواو الساكنة، الشامي، ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال أبو حاتم: لا أعلم أنه يسمى، وذكره البخاري ومسلم وغير واحد فيمن لا يعرف، وذكر الحاكم في "المدخل": أن اسمه البراء بن قيس، ورد ذلك عليه عبد الغني بن سعيد الحافظ بأن البراء بن قيس إنما أبو كيسة، بياء مثناة من تحتها وسين مهملة، والله أعلم.

وقال ابن ماكولا: إن البراء يسمى أبا كبشة بالموحدة والمعجمة، وعزا ذلك للبخاري ومسلم، وقال: من قال فيه غير ذلك فقد صحف.

(نا سهل بن الحنظلية) واسم أبيه عمرو، ويقال: الربيع بن عمرو،

(1)"سنن النسائي"(2595).

ص: 467

قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ،

===

ويقال: عقيب بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس الأنصاري، له صحبة، والحنظلية أمه، وقيل: أم أبيه، وقيل: أم جده، شهد بيعَة الرضوان، وأُحُدًا، والخندق، والمشاهدَ كلَّها ما خلا بدرًا، قال البخاري: كان عقيمًا لا يولد له، بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال أبو زرعة: توفي في صدر خلافة معاوية. قلت: وفي الصحابة سهل بن الحنظلية العبشمي، وهو غير الأنصاري، قاله الحافظ.

(قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينةُ بن حصن) بن حذيفة بن بدر الفزاري، أبو مالك، يقال: كان اسمه حذيفة، فلقب عيينة؛ لأنه كان أصابته شجة فجحظت عيناه، له صحبة، وكان من المؤلفة، ولم يصح له رواية، أسلم قبل الفتح، وشهدها، وشهد حنينًا والطائف، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم لبني تميم فسبا بعض بني عنبر، ثم كان ممن ارتد في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ومال إلى طليحة فبايعه، ثم عاد إلى الإِسلام، وكان فيه جفاء، لسكن البوادي، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"الأحمق المطاع".

(والأقرع بن حابس) بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي، المجاشعي، الدارمي، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد فتحَ مكة، وحنينًا، والطائفَ، وهو من المؤلفة قلوبهم، وقد حسن إسلامه، وكان الأقرع حكمًا في الجاهلية، وقال ابن دريد: اسم الأقرع بن حابس: الفراس، وإنما قيل له الأقرع لقرع كان برأسه، وكان شريفًا في الجاهلية والإِسلام، وذكر ابن الكلبي أنه كان مجوسيًّا قبل أن يسلم، وقرأت بخط الرضي الشاطبي: قتل الأقرع بن حابس باليرموك في عشرة من بيته، وقيل: استعمله عبد الله بن عامر على جيش سيره على خراسان، فأصيب بالجوزجان هو والجيش، وذلك في زمن عثمان رضي الله عنه.

ص: 468

فَسَأَلَاهُ، فَأَمَرَ لَهُمَا بِمَا سَأَلَا، وَأَمَرَ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ لَهُمَا بِمَا سَأَلَا. فَأَمَّا الأَقْرَعُ (1) ، فَأَخَذَ كِتَابَهُ فَلَفَّهُ فِى عِمَامَتِهِ وَانْطَلَقَ، وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ وَأَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم مَكَانَهُ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَرَانِى حَامِلًا إِلَى قَوْمِى كِتَابًا لَا أَدْرِى مَا فِيهِ، كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ،! فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ» - وَقَالَ النُّفَيْلِىُّ فِى مَوْضِعٍ آخَرَ: «مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ» - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ - وَقَالَ النُّفَيْلِىُّ فِى مَوْضِعٍ

===

(فسألاه، فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لهما بما سألا، وأمر معاوية فكتب لهما) أي عاملَه (بما سألا) أن يعطيهما، (فأما الأقرع فأخذ كتابه فلفه) أي الكتاب (في عمامته وانطلق، وأما عيينة فأخذ كتابه وأتى النبي صلى الله عليه وسلم مكانه، فقال: يا محمد! ) ناداه باسمه المبارك مع أنه منع منه لأنه كان من جفاة الأعراب.

(أتراني حاملًا إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس) لها قصة مشهورة عند العرب، وهو المتلمس الشاعر كان هجا عمرو بن هند الملك، فكتب له كتابًا إلى عامله يوهمه أنه أمر له فيه بعطية، وقد كان كتب إليه أن يقتله فارتاب المتلمس ففكه وقرأ، فلما علم ما فيه رمى به ونجا، فضربت العرب مثلًا بصحيفته.

(فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أفهم معاويةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى قوله: كصحيفة المتلمس.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل وعنده) أي والحال أنه عنده (ما يغنيه) عن السؤال (فإنما يستكثر) أي يطلب الكثير (من النار- وقال النفيلي في موضع آخر: من جمر جهنم-) بدل قوله: من النار.

(فقالوا: يا رسول الله! وما يغنيه؟ - وقال النفيلي في موضع

(1) في نسخة: "أقرع بن حابس".

ص: 469

آخَرَ: وَمَا الْغِنَى الَّذِى لَا ينْبَغِى مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ؟ - قَالَ: «قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» .

وَقَالَ النُّفَيْلِىُّ فِى مَوْضِعٍ آخَرَ: «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ» ، وَكَانَ حَدَّثَنَا بِهِ مُخْتَصِرًا عَلَى هَذِهِ الأَلْفَاظِ الَّتِى ذُكِرَتْ.

[حم 4/ 180، خزيمة 2391، حب 3385]

===

آخر: وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ - قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قدر ما يغديه) أي ما يكفي غداءه (ويعشيه) أي عشاءه.

(وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبعُ يومٍ وليلة أو) قال: (ليلة ويوم، وكان حدثنا به مختصرًا على هذه الألفاظ التي ذكرتْ).

وقد أخرج الإِمام أحمد هذا الحديث في "مسنده"(1)، وفيه نوع مخالفة وزيادة على حديث أبي داود، قال: ثنا علي بن عبد الله، حدثني الوليد بن مسلم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني ربيعة بن يزيد، حدثني أبو كبشة السلولي أنه سمع سهل بن الحنظلية الأنصاري صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عيينة والأقرع سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فأمر معاويةَ أن يكتب به لهما ففعل، وختمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بدفعه إليهما.

فأما عيينة فقال: ما فيه؟ قال: فيه الذي أمرت به، فقبله وعقده في عمامته، وكان أحكم الرجلين، وأما الأقرع فقال: أحمل صحيفة لا أدري ما فيها كصحيفة المتلبس، فأخبر معاوية رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهما.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة فمر ببعير مناخ على باب المسجد من أول النهار، ثم مر به آخر النهار وهو على حاله، فقال:"أين صاحب هذا البعير؟ " فابتُغي فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في هذه البهائم، ثم اركبوها صحاحًا، واركبوها سمانًا كالمتسخط آنفًا، إنه من سأل وعنده ما يغنيه،

(1)"مسند أحمد"(4/ 180، 181).

ص: 470

1630 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ - يَعْنِى ابْنَ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ -، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِىَّ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِىَّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْتُهُ، وَذَكَرَ (1) حَدِيثًا طَوِيلًا (2)،

===

فإنما يستكثر من نار جهنم"، قالوا: يا رسول الله! وما يغنيه؟ قال: "ما يغديه أو يعشيه"، انتهى.

قال البيهقي في "سننه"(3): ليس شيء من هذه الأحاديث بمختلف، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم علم ما يغني كلًّا منهم فجعل غناءَه به؛ لأن الناس مختلفون في قدر كفايتهم، فمنهم من يغنيه خمسون درهمًا لا أقل، ومنهم من يغنيه أربعون لا أقل، ومنهم من له كسب يدر عليه كل يوم ما يغديه ويعشيه ولا عيال له فهو مستغن به، انتهى، كذا في "الدرجات".

1630 -

(حدثنا عبد الله بن مسلمة، نا عبد الله -يعني ابن عمر بن غانم-، عن عبد الرحمن بن زياد) بن أنعم الإفريقي (أنه سمع زياد) بن ربيعة (بن نعيم الحضرمي أنه) أي زياد بن نعيم (سمع زيادَ بنَ الحارث الصدائيَّ) بضم الصاد المهملة نسبة إلى صداء، وهي قبيلة من اليمن، (قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، وذكر حديثًا طويلًا).

ذكره في حاشية "تهذيب التهذيب"(4) فقال: روى المزي بسنده عن زياد بن نعيم الحضرمي قال: سمعت زيادَ بنَ الحارث الصدائى صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإِسلام، وأخبرت أنه بعث جيشًا إلى قومي، فقلت: يا رسول الله! اردد الجيش، وأنا لك بإسلام قومي،

(1) في نسخة: "فذكر".

(2)

زاد في نسخة: "قال".

(3)

انظر: "السنن الكبرى"(7/ 25).

(4)

انظر ترجمة زياد في: "تهذيب التهذيب"(3/ 359).

ص: 471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فقال لي: "اذهب! فردهم"، فقلت: يا رسول الله! إن راحلتي قد كَلَّت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فردَّهم، قال الصدائي: وكتبت إليهم كتابًا فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أخا صداء! إنك لمطاعٌ في قومك"، فقلت: بل الله هو هداهم للإسلام، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفلا أُؤَمّرُك عليهم؟ " فقلت: بلى، يا رسول الله! قال: فكتب لي كتابًا، فقلت: يا رسول الله! مر لي بشيء من صدقاتهم، قال: نعم. فكتب له كتابًا آخر.

قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلًا، فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم، ويقولون: أَخَذَنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أو فعل؟ فقالوا: نعم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم، فقال:"لا خير في الإمارة لرجل مؤمن"، قال الصدائي: فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر. فقال: يا نبي الله! أعطني، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن"، فقال السائل: فأعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك، أو أعطيناك حقك".

قال الصدائي: فدخل ذلك في نفسي أني سألته من الصدقات وأنا غني، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتشى من أول الليل، فلزمته وكنت قويًّا، وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان أذان الصبح، أمرني فأذَّنْت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله! فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ناحية المشرق إلى الفجر، فيقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم انصرف إلى، وقد تلاحق أصحابه.

فقال: "هل من ماء يا أخا صداء؟ ! " فقلت: لا، إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اجعله في إناء ثم ائتني به"، ففعلت، فوضع كله في الماء، قال الصدائي: فرأيت بين كل إصبعين من أصابعه عينًا تفور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

"لولا أني أستحيي من ربي لسقينا واستقينا، نادِ في أصحابي من له حاجة في الماء"، فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم.

ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم"، قال الصدائي: فأقمت الصلاة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، أتيته بالكتابين، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! اعفني من هذين، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"ما بدا لك؟ " فقلت: سمعتك يا نبي الله تقول: "لا خير في الإمارة لرجل مؤمن" وأنا أؤمن بالله ورسوله، وسمعتك تقول للسائل:"من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن"، وسألتك وأنا غني.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو ذاك، فإن شئت فاقبل، وإن شئت فدع"، فقلت: أَدَعُ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فدَّلني على رجل أؤمِّرُه عليكم"، فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه، فأمَّره عليهم، ثم قلنا: يا نبي الله! إن لنا بئرًا إذا كان الشتاء وَسِعَنا ماؤها، واجتمعنا، وإذا كان الصيف قَلَّ ماؤها، تفرقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا وكل من حولنا عدوٌّ لنا، فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمعَ عليها ولا نتفرقَ، فدعا بسبع حصيات، فعركهن في يده، ودعا فيهن ثم قال:"اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر فألقوها واحدة واحدة، واذكروا اسم الله"، قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها يعني البئر، انتهى بلفظه.

قلت: وقد أخرج الإِمام أحمد (1) هذا الحديث من حديث حبان بن بح الصدائي، من طريق ابن لهيعة: ثنا بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم، عن حبان بن بح الصدائي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن قومي كفروا، فأُخبِرْتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم جَهَّز إليهم جيشًا، الحديث.

(1)"مسند أحمد"(4/ 169).

ص: 473

فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَعْطِنِى مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِىٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِى الصَّدَقَاتِ، حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ» . [قط 2/ 137، ق 4/ 173 - 174]

===

وقد عزا هذا الحديث أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب"(1)، والحافظُ في "الإصابة" إلى حبان بن بح، وقد قال في "أسد الغابة" (2) في ترجمة حبان: ويبعد أن يكون هذان الحديثان لرجلين من صداء مع قلة الوافدين من صداء على النبي صلى الله عليه وسلم، وزياد هو المشهور الأكثر.

وقال الحافظ في "تهذيبه" في ترجمة زياد بن الحارث الصدائي: قال ابن حبان: بايع النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا أن ابن أنعم في إسناد خبره، وقال ابن السكن: في إسناده نظر، قلت: ولحديثه طريق آخر من رواية المبارك بن فضالة، عن عبد الغفار بن ميسرة، عن الصدائي ولم يسمه، فذكر طرقًا من حديثه، وروى الباوردي في "كتاب الصحابة" من طريق محمد بن عيسى بن جابر الرشيدي، قال: وجدت في كتاب أبي، عن عبد الله بن سليمان، عن عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم، عن زياد الصدائي، فذكر طرفًا من حديثه، فقال ابن يونس: وهو رجل معروف من أهل مصر، وحديثه يشبه حديث حبان بن بح، وزعم الصوري أنه حبان بن بح، وفيه نظر، انتهى.

(فأتاه رجل) لم أقف على تسميته (فقال) الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطني من الصدقة) أي أموالها، (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات) أي في مصارفها (حتى حكم فيها هو) بنفسه، (فجزأها)(3) من التجزئة أي قسَّم مصارفها (ثمانية أجزاء) أي أنواع، (فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقَّك) وهي المذكورة في قوله تعالى:

(1) انظر: "الاستيعاب"(1/ 317) رقم (465)، و"الإصابة"(1/ 317) رقم (1550).

(2)

"أسد الغابة"(1/ 437) رقم (1026).

(3)

استدل به الشافعي على وجوب القسمة. (ش).

ص: 474

1631 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِى تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَالأُكْلَةُ وَالأُكْلَتَانِ،

===

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (1) الآية (2).

1631 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: نا جرير) بن عبد الحميد أو ابن حازم، (عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المسكين) المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة) أي اللقمة (والأكلتان) أي يطوف على الناس فيعطيه أحد منهم تمرة أو تمرتين، والآخر لقمة أو لقمتين، ونفي المسكنة عنه يحتمل أن يكون على الحقيقة، فمعناه على هذا: أن من يطوف على الناس يسأل عنهم فيجمع عنده بهذا أموال، فلا يبقى مسكينًا بل يصير غنيًا، فلا يحل له الصدقات، ويحتمل أن يكون على المجاز، فلفظ "ليس" في قوله:"ليس المسكين"، ليس النفي فيها للمسكنة عنه جملة حتى لا تحل له الصدقة، وإنما هو نفي لكمالها عنه، أي ليس الكامل في المسكنة الذي يدور على الناس ويطوف عليهم.

(1) سورة التوبة: الآية 60

(2)

وسيأتي الكلام على أربعة أنواع، منها في الباب الآتي، وبسط الكلام في الفرق بين الفقير والمسكين الرازي في "أحكام القرآن"(3/ 121، 122)، وسقط نصيب المؤلفة قلوبهم عندنا بعد وصاله صلى الله عليه وسلم كما بسط أيضًا الرازي (3/ 124)، وسيأتي خلافًا لأحمد، إذ قال: الأجزاء الثمانية باقية، واستدل بحديث الباب كما في "المغني"(4/ 124)، واستدل الشافعي بهذا الحديث على أنه يقسم على الثمانية بقدر الحصص، ولا يجوز صرفه إلى واحد منهم خلافًا للحنفية ومالك، كذا قال ابن رشد (1/ 257)، وكذا عند أحمد كما في "الروض المربع" (ص 201) إذ قال: يجوز صرفها إلى صنف واحد لقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ} [سورة البقرة: 271] الآية، وحديث معاذ:"تؤخذ من أغنيائهم، وترد إلى فقرائهم". (ش).

ص: 475

وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا، وَلَا يَفْطِنُونَ بِهِ فَيُعْطُونَهُ". [خ 1479، م 1039، ن 2572، حم 7525]

1632 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو كَامِلٍ، الْمَعْنَى،

===

(ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئًا، ولا يفطنون به)، أي لا يعلم الناس احتياجه (فيعطونه) قال في "البدائع" (1): واختلف أهل التأويل واللغة في معنى الفقير والمسكين، وفي أن أيهما أشد حاجة وأسوأ حالًا؟ قال الحسن: الفقير الذي لا يسأل، والمسكين الذي يسأل، وهكذا ذكره الزهري، وكذا روى أبو يوسف، عن أبي حنيفة، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنه، وهذا يدل على أن المسكين أحوج.

وقال قتادة: الفقير الذي به زمانة وله حاجة، والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به. وهذا يدل على أن الفقير أحوج، وقيل: الفقير (2) الذي يملك شيئًا يقوته، والمسكين الذي لا شيء له، سمي مسكينًا لما أسكنته حاجته عن التحرك فلا يقدر يبرح عن مكانه، وهذا أشبه الأقاويل، قال الله تعالى:{أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (3)، قيل في التفسير: أي استتر بالتراب وحفر الأرض إلى عانته.

والأصل أن الفقير والمسكين كل واحد منهما اسم ينبئ عن الحاجة إلَّا أن حاجة المسكين أشد، وعلى هذا يخرج قول من يقول: الفقير الذي لا يسأل، والمسكين الذي يسأل؛ لأن من شأن الفقير المسلم أنه يتحمل ما كانت له حيلة ويتعفف، ولا يخرج فيسأل وله حيلة، فسؤاله يدل على شدة حاله.

1632 -

(حدثنا مسدد وعبيد الله بن عمر وأبو كامل، المعنى) أي معنى

(1)"بدائع الصنائع"(2/ 150).

(2)

وقريب منه ما في "الهداية"(1/ 110): أن الفقير من له أدنى شيء، والمسكين من لا شيء له. (ش).

(3)

سورة البلد: الآية 16.

ص: 476

قَالُوا: نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، نَا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أَبِي سَلَمَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ، "وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ".

- زَادَ مُسَدَّدٌ في حَدِيثِهِ: "لَيْسَ لَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ-، الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَلَا يُعْلَمُ بِحَاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَذَاكَ (1) الْمَحْرُومُ". وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ: "الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ"[انظر سابقه]

===

حديثهم واحد، (قالوا: نا عبد الواحد بن زياد، نا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلَه) أي مثل حديث أبي صالح المتقدم، (ولكن المسكين المتعفِّف) أي عن السؤال، فزاد عبيد الله وأبو كامل لفظ المتعفف، ولم يذكره مسدد (زاد مسدد في حديثه) على حديث عبيد الله بن عمر وأبي كامل:(ليس له ما يستغني به، الذي لا يسأل) الناس (ولا يُعْلَم) بصيغة المجهول (بحاجته فيتصدَّق) بصيغة المجهول (عليه فذاك المحروم) أي المذكور في قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (2).

(ولم يذكر مسدد) في حديثه (المتعفف الذي لا يسأل).

وفي هذا الكلام شيء من الغموض، وحاصل الكلام أن الرواة الثلاثة اتفقوا إلى قوله: ولكن المسكين، ثم اختلفوا، فلفظ حديث عبيد الله وأبي كامل هكذا:"ولكن المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس، ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه، فذاك المحروم"، وأما لفظ حديث مسدد فهكذا:"ولكن المسكين ليس له ما يستغني به، ولا يعلم بحاجته، فيتصدق عليه فذلك المحروم".

(1) في نسخة: "فذلك".

(2)

سورة الذاريات: الآية 19.

ص: 477

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، وَجَعَلَا "الْمَحْرُوم" مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ أَصَحُّ.

1633 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ، فَسَأَلَاهُ مِنْهَا، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصرَ وَخَفَّضَهُ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ:

===

(قال أبو داود: روى هذا) أي الحديث (محمد بن ثور)(1) الصنعاني، أبو عبد الله العابد، وثقه ابن معين، والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، (وعبد الرزاق (2) عن معمر، وجعلا) أي محمد بن ثور وعبد الرزاق (المحرومَ من كلام الزهري)، وأما به الواحد بن زياد عن معمر فجعله في الحديث، (وهو أصح) أي ما جعله محمد بن ثور وعبد الرزاق أصح، وهذا اللفظ أي: وهو أصح، موجود في المجتبائية والقادرية ونسخة "العون"(3)، وليس في النسخة المكتوبة القديمة، ولا في المصرية، ولا الكانفورية.

1633 -

(حدثنا مسدد، نا عيسى بن يونس، نا هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير، (عن عبيد الله بن عدي بن الخيار) بكسر المعجمة وتخفيف التحتانية، ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المدني، قتل أبوه يوم بدر كافرًا، وكان هو في الفتح مميزًا فَعُدَّ في الصحابة لذلك، وعَدَّه العجلي وغيره في ثقات التابعين، مات في آخر خلافة الوليد بن عبد الملك.

(أخبرني رجلان) لم أقف على تسميتهما (أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة) أي أموالها، (فسألاه) أي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (منها) أي من تلك الأموال، (فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (جلْدين) أي قويين. (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) أخرج روايته الطبري في "تفسيره"(26/ 202).

(2)

أخرجه في "المصنف"(11/ 96) رقم (20027)، وفي "التفسير"(2/ 243).

(3)

انظر: "عون المعبود"(5/ 29)، رقم (1629).

ص: 478

"إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ". [ن 2598، حم 4/ 224، ق 7/ 14]

1634 -

حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الأَنْبَارِيُّ الخُتَّلِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ -، أَخْبَرَنِي أَبِي، عن ريحَانَ بْنِ يَزِيدَ،

===

(إن شئتما أعطيتكما) من هذه الأموال، (و) لكن (لا حظَّ) أي نصيب (فيها) أي في تلك الأموال (لغني ولا لقوي مكتسب)(1) أي قادر على الكسب.

قال القاري (2): قال الطيبي: أي لا أعطيكما؛ لأن في الصدقة ذلًّا وهوانًا، فإن رضيتما بذلك أعطيتكما، أو لا أعطيكما لأنها حرام على القوي المكتَسِب، فإن رضيتما بأكل الحرام أعطيتكما، قاله توبيخًا.

وقال ابن الهمام: الحديث دل على أن المراد حرمة سؤالهما لقوله: "وإن شئتما أعطيتكما"، فلو كان الأخذ محرمًا غير مسقط عن صاحب المال لم يفعله (3).

1634 -

(حدثنا عباد بن موسى الأنباري الختلي) قال في "الأنساب"(4): اختلف مشايخنا في هذه النسبة، بعضهم كان يقول: إن ختلان بلاد مجتمعة وراء بلخ، وبعضهم يقول: هي بضم الخاء، والتاء المنقوطة باثنتين مشددة، حتى رأيت أن الختلي بضم الخاء والتاء المشددة، قرية على طريق خراسان إذا خرجت من بغداد بنواحي الدسكرة.

(نا إبراهيم -يعني ابن سعد-، أخبرني أبي) سعد بن إبرهيم، (عن ريحان بن يزيد) العامري البدوي، وثقه ابن معين، وقال حجاج، عن شعبة،

(1) وهذه إحدى الروايتين عن أحمد أن الفقير القوي المكتسب لا يُعطَى من الزكاة. (ش).

(2)

"مرقاة المفاتيح"(4/ 342).

(3)

وقال ابن القيم (2/ 9): إن سأله أحد من أهل الزكاة ولم يَعْرِفْ حالَه أعطاه بعد أن يخبره أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. (ش).

(4)

"الأنساب"(5/ 44).

ص: 479

عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عن النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيًّ". [ت 652، دي 1639، قط 2/ 119، حم 2/ 164، ك 1/ 407، ق 7/ 13]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، عن سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، كَمَا قَالَ

===

عن سعد بن إبراهيم: سمع ريحان بن يزيد، وكان أعرابيًا صدوقًا، وقال أبو حاتم: شيخ مجهول، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصدقة لغني) قال القاري (1): قال في "المحيط": الغنى على ثلاثة أنواع: غنى يوجب الزكاة، وهو ملكُ نصاب حولي نام، وغنى يحرم الصدقة، ويوجب صدقة الفطر والأضحية، وهو ملكُ ما يبلغ قيمة نصاب من الأموال الفاضلة عن حاجته الأصلية، وغنى يحرم السؤال دون الصدقة، وهو أن يكون له قوت يومه وما يستر عورته.

(ولا لذي مِرَّة) أي قوة (سوي) قال القاري: فيه نفي كمال الحلِّ لا نفس الحلِّ، أو لا تحل له بالسؤال. قال ابن الملك: أي لا تحل الزكاة لمن أعضاؤه صحيحة، وهو قوي يقدر على الاكتساب بقدر ما يكفيه وعياله، وبه قال الشافعي. قال الطيبي: وقيل: المعنى ولا لذي عقل وشدة، وهو كناية عن القادر على الكسب، وهو مذهب الشافعي والحنفية، على أنه إن لم يكن له نصاب حلت له الصدقة.

(قال أبو داود: ورواه سفيان (2) عن سعد بن إبراهيم كما قال

(1)"مرقاة المفاتيح"(4/ 341).

(2)

أخرج روايته عبد الرزاق في "المصنف"(4/ 110) رقم (7155)، وابن أبي شيبة (3/ 207)، وأحمد في "مسنده"(2/ 164)، والدارمي في "سننه"(1/ 299) رقم (1639)، والترمذي في "سننه" رقم (652)، والدارقطني في "سننه"(2/ 119)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 407)، والبيهقي في "سننه"(7/ 13).

ص: 480

إِبْرَاهِيمُ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عن سَعْدٍ قَالَ:"لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ"، وَالأَحَاديثُ الأُخَرُ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْضُهَا:"لِذِي مِرَّةٍ قَوِيًّ" وَبَعْضُهَا: "لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ"، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ: إِنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِقَوِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ.

===

إبراهيم) أي كما رواه إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد بن إبراهيم (ورواه شعبة (1) عن سعد) أي ابن إبراهيم (قال) شعبة في روايته: (لذي مرة قوي) بدل: سوي.

(والأحاديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم)(2) في (بعضها: لذي مرة قوي، و) في (بعضها: لذي مرة سوي، وقال عطاء بن زهير) لم أقف على ترجمته فيما عندي من الكتب (3): (إنه لقي عبد الله بن عمرو فقال: إن الصدقة لا تحل لقوي، ولا لذي مرة سوي)(4) وفي هذا تكرار لأن معنى الجملة الثانية هو مفاد الجملة الأولى.

(1) أخرج روايته الحاكم في "المستدرك"(1/ 407)، والبيهقي في "سننه"(7/ 13)، وذكرها البخاري في تاريخه (3/ 329).

(2)

والحديث روي عن أبي هريرة عند ابن أبي شيبة (3/ 207)، وأحمد (2/ 377)، والنسائي (5/ 99)، وابن ماجه (1839) وغيرهم، وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد (3/ 31)، وعن رجل من بني هلال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد (4/ 62) و (5/ 375)، وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار عند أحمد (4/ 224) و (5/ 362)، وعند أبي داود. وعن حبشي بن جنادة عند الترمذي (653)، وابن أبي شيبة (3/ 207)، وعن عبد الرحمن بن أبي بكر عند البزار "كشف الأستار"(1/ 235) رقم (921).

(3)

قلت: هو عطاء بن زهير بن الأصبغ العامري، وهو الذي يقال له: ابن الأصبغ. انظر ترجمته في: "كتاب الثقات"(2/ 385) رقم (2951)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 468)، و"الجرح والتعديل"(6/ 332).

(4)

أخرج هذه الرواية البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 262)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 13)، وعند البخاري والبيهقي عن عطاء، عن أبيه، وهو الظاهر؛ إذ قال البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 465): إنه سمع من أبيه عن ابن عمرو في الصدقة.

ص: 481