المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب: في زكاة السائمة - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٦

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(319) بابٌ: في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ

- ‌(320) بابٌ: في لَيْلَةِ الْقَدْرِ

- ‌(322) بَابُ مَنْ رَوَى أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ

- ‌(324) بَابُ مَنْ قَالَ: سَبْعٌ وَعِشْرُونَ

- ‌(325) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ في كُلِّ رَمَضَانَ

- ‌(326) بَابٌ: في كَمْ يُقْرأُ الْقُرْآنُ

- ‌(327) بَابُ تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ

- ‌(328) بَابٌ: في عَدَدِ الآيِ

- ‌(329) بَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ السُّجُودِ، وَكَمْ سَجْدَةً في الْقُرْاَنِ

- ‌(330) بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ السُّجُودَ في الْمُفَصَّلِ

- ‌(331) بَابُ مَنْ رَأَى فِيهَا سُجُودًا

- ‌(332) بَابُ السُّجُودِ في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقرأ}

- ‌(333) بَابُ السُّجُودِ في {ص}

- ‌(334) بَابٌ: في الرَّجُلِ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَهُوَ رَاكِبٌ

- ‌(335) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا سَجَدَ

- ‌(336) (بابٌ: فِيمَنْ يَقْرَأُ السَّجْدة بَعْدَ الصُّبْح)

- ‌(337) بَابُ اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ

- ‌(338) بابٌ: فِيمَنْ لَمْ يُوتِرْ

- ‌(339) بَابٌ: كمِ الْوِتْرُ

- ‌(340) بَابُ مَا يُقْرَأُ في الْوِتْرِ

- ‌(341) بَابُ الْقُنُوتِ في الْوِتْرِ

- ‌(342) بَابٌ: في الدُّعَاءِ بَعْدَ الْوِتْرِ

- ‌(343) باب: في الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ

- ‌(344) بابٌ: في وَقْتِ الْوِتْرِ

- ‌(345) بَابٌ: في نَقْضِ الْوِتْرِ

- ‌(346) بابُ الْقُنُوتِ في الصَّلَوَاتِ

- ‌(347) بابٌ: في فَضْلِ التَّطوُّعِ في الْبَيْتِ

- ‌(348) بابٌ

- ‌(349) بَابُ الْحَثِّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ

- ‌(350) بابٌ: في ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

- ‌(352) بَابُ مَنْ قَالَ: هِيَ مِنَ الطُّولِ

- ‌(353) بابُ مَا جَاءَ فِى آيَةِ الْكُرْسِىِّ

- ‌(354) بابٌ: فِى سُورَةِ الصَّمَدِ

- ‌(355) بابٌ: فِى الْمُعَوِّذَتَيْنِ

- ‌(356) (بَابٌ: كيْفَ يُسْتَحَبُّ التَّرْتيلُ في القِرَاءَةِ

- ‌(357) بابُ التَّشْدِيدِ فِيمَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ

- ‌(358) بابٌ: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ

- ‌(359) باب الدُّعَاءِ

- ‌(360) باب التَّسْبِيحِ بِالْحَصَى

- ‌(361) بابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا سَلَّمَ

- ‌(362) بابٌ: فِى الاِسْتِغْفَارِ

- ‌(363) (بَابُ النَّهْي أَنْ يَدْعُوَ الإنْسَانُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ)

- ‌(364) بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌(365) بَابُ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ

- ‌(367) بَابٌ: في الاسْتِخَارَةِ

- ‌(368) بَابٌ: في الاسْتِعَاذَةِ

- ‌(3) كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌(1) بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

- ‌(2) بَابُ العُرُوضِ إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ

- ‌(3) بَابُ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ وَزَكَاةُ الْحَلْي

- ‌(4) بَابٌ: في زَكَاةِ السَّائِمَةِ

- ‌(5) بَابُ رِضَى الْمُصَدِّقِ

- ‌(6) بَابُ دُعَاءِ الْمُصَدِّقِ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ

- ‌(7) بَابُ تَفْسِيرِ أَسْنَانِ الإِبْلِ

- ‌(8) بَابٌ: أَيْنَ تُصَدَّقُ الأَمْوَالُ

- ‌(9) بَابُ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ صَدَقَتَهُ

- ‌(10) بَابُ صَدَقَةِ الرَّقِيقِ

- ‌(11) بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ

- ‌(12) باب زَكَاةِ الْعَسَلِ

- ‌(13) بَابٌ: في خَرْصِ الْعِنَبِ

- ‌(14) بَابٌ: في الْخَرْصِ

- ‌(15) بَابٌ: مَتَى يُخْرَصُ التَّمْرُ

- ‌(16) بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الثَّمَرَةِ في الصَّدَقَةِ

- ‌(17) بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌(18) بَابٌ: مَتَى تُؤَدَّى

- ‌(19) بَابٌ: كَمْ يُؤدَّى في صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌(20) بَابُ مَنْ رَوَىَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ

- ‌(21) بَابٌ: في تَعْجِيلِ الزَّكاةِ

- ‌(22) بَابٌ في الزَّكَاةِ تُحْمَلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ

- ‌(23) بَابُ مَنْ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ، وَحَدُّ الْغِنَى

- ‌(24) بَابُ مَنْ يَجُوزُ لهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيٌّ

- ‌(25) بَابٌ: كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنَ الزَّكَاةِ

- ‌(26) بَابُ كَرَاهِيةِ الْمَسْألَةِ

- ‌(27) بَابٌ: في الاسْتِعْفَافِ

- ‌(28) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ

- ‌(29) (بَابُ الفَقِيرِ يُهْدِي لِلْغَنِيِّ مِنَ الصَّدَقَةِ)

- ‌(30) بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا

- ‌(31) بَابٌ: في حُقُوقِ الْمَالِ

- ‌(32) بَابُ حَقِّ السَّائِلِ

- ‌(33) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ

- ‌(34) بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ

- ‌(35) بابُ الْمَسْأَلَةِ فِى الْمَسَاجِدِ

- ‌(36) بابُ كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهِ اللَّهِ عز وجل

- ‌(37) بَابُ عَطِيَّةِ مَنْ سَأَلَ بِاللهِ عز وجل

- ‌(38) بَابُ الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ

- ‌(39) بَابٌ في الرُّخْصَةِ في ذَلِكَ

- ‌(40) بَابٌ: في فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ

- ‌(41) بابٌ: فِى الْمَنِيحَةِ

- ‌(42) بَابُ أَجْرِ الْخَازِنِ

- ‌(43) بَابُ الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوجِهَا

- ‌(44) بَابٌ: في صِلَةِ الرَّحِمِ

- ‌(45) بَابٌ: في الشُّحِّ

- ‌(4) كِتَابُ اللُّقَطَةِ

الفصل: ‌(4) باب: في زكاة السائمة

(4) بَابٌ: في زَكَاةِ السَّائِمَةِ

1567 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْ

===

علي بن أحمد بن عبدان، أنبأ أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبيد بن شريك، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سفيان الثوري، عن عمر بن يعلى الطائفي الثقفي، عن أبيه، عن جده، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إصبعي خاتم من ذهب، فقال:"تؤدي زكاة هذا؟ "، قلت: يا رسول الله! وهل في ذا زكاة؟ قال: ["نعم جمرة عظيمة"، قال الوليد: فقلت لسفيان: كيف تؤدي زكاة خاتم وإنما قدره مثقال أو نحوه؟ قال: ] تضيفه فيما (1) تملك فيما يجب وزنه الزكاة ثم تزكيه، وكذا رواه جماعة عن الوليد بن مسلم (2).

ثم أخرج بالطريق الثاني فقال: ورواه أيضًا الأشجعي عن الثوري، كما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني علي بن محمد بن سختويه (3)، ثنا يزيد بن الهيثم، ثنا إبراهيم بن أبي الليث، ثنا الأشجعي، ثنا سفيان بن سعيد، عن عمرو بن يعلي بن مرة الثقفي، عن أبيه، عن جده، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه خاتم من ذهب عظيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أتزكي هذا؟ " فقال: يا رسول الله! وما زكاة هذا؟ قال: فلما أدبر الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جمرة عظيمة"، ففي السند الأول كتب "عمر" بغير الواو، وفي الثاني "عمرو" بالواو.

(4)

(بَابٌ: في زَكَاةِ السَّائِمَةِ)(4)

السائمة من الماشية المرسلة الراعية في مرعاها

1567 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد) بن سلمة (قال: أخذت من

(1) وفي "السنن الكبرى": إلى ما تملك فيما يجب في وزنه

إلخ.

(2)

وفي الأصل: "مسلمة"، وهو تحريف.

(3)

وفي الأصل: "سلمويه"، وهو تحريف.

(4)

قال ابن رشد: اختلفوا في السائمة من غيرها، فأوجب قوم الزكاة مطلقًا لعموم الأحاديث، منهم مالك، وقيد الثلاثة بالسائمة لتقييد الأحاديث الآخر منهم الجمهور

إلخ. (ش)[انظر: "بداية المجتهد" 1/ 252].

ص: 329

ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَهُ لأنَسٍ، وَعَلَيْهِ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حينَ بَعَثَهُ مُصَدّقًا،

===

ثمامة بن عبد الله بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري قاضيها، قال أحمد والنسائي: ثقة، وقال العجلي: تابعي، ثقة، وذكره ابن عدي في "الكامل"(1)، وروى عن أبي يعلى أن ابن معين أشار إلى تضعيفه.

(كتابًا) وأخرج البخاري هذا الحديث في "صحيحه"(2) عن عبد الله بن المثنى [عن ثمامة] بن عبد الله بن أنس بن مالك، قال الحافظ (3): وقد تابعه على حديثه هذا حماد بن سلمة، فرواه عن ثمامة أنه أعطاه كتابًا زعم أن أبا بكر كتبه لأنس، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مصدقًا، فذكر الحديث، هكذا أخرج أبو داود عن أبي سلمة عنه.

ورواه أحمد في "مسنده" قال: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد قال: أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أن أبا بكر، فذكره.

وقال إسحاق بن راهويه في "مسنده": أخبرنا النضر بن شميل، حدثنا حماد بن سلمة: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يحدثه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، فوضح أن حمادًا سمعه من ثمامة وأقرأه الكتاب، فانتفى تعليل من أعله بكونه مكاتبة، وانتفى تعليل من أعله يكون عبد الله بن المثنى لم يتابع عليه.

(زعم) أي ثمامة (أن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه كتبه) (4) أي الكتاب لما استخلف (لأنس) لما وجهه إلى البحرين، (وعليه) أي على كتاب (خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نقش خاتمه (حين بعثه) أي أنسًا (مصدقًا)

(1) انظر: "الكامل"(2/ 535).

(2)

"صحيح البخاري"(1454).

(3)

"فتح الباري"(3/ 318).

(4)

قال ابن العربي (3/ 106): اختلفوا في العمل بالكتاب، وقال ابن الهمام (2/ 174): يوهم لفظ بعض الرواة فيه الانقطاع، لكن الصحيح أنه صحيح. (ش).

ص: 330

وَكَتَبَهُ لَهُ فَإِذَا فِيهِ: "هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ

===

أي آخذًا صدقاتهم وعاملًا عليها (وكتبه) أي أبو بكر الكتاب (له) أي لأنس.

(فإذا فيه) أي في الكتاب: (هذه) أي المعاني الذهنية الدالة عليها النقوش اللفظية الآتية (فريضة الصدقة) أي نسخة فريضة، فحذف المضاف للعلم به (التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين) وهذا ظاهر في رفع الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس موقوفًا على أبي بكر رضي الله عنه، وقد صرح برفعه في رواية إسحاق المتقدمة ذكرُها.

ومعنى "فرض" ها هنا: أوجب، أو شرع يعني بأمر الله تعالى، وقيل: معناه: قدَّر؛ لأن إيجابها ثابت في الكتاب، ففرض النبي صلى الله عليه وسلم لها بيان للمجمل من الكتاب بتقدير الأنواع والأجناس، ويرد بمعنى البيان كقوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (1)، وبمعنى الإنزال كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} (2)، وبمعنى الحل كقوله تعالى:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} (3) وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير.

قال الراغب (4): كل شيء ورد في القرآن "فرض على فلان" فهو بمعنى الإلزام، وكل شيء ورد "فرض له" فهو بمعنى لم يحرمه عليه، وذكر أن معنى قوله:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} أي أوجب عليك العمل به.

وهذا يؤيد قول الجمهور: إن الفرض مرادف للوجوب، وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لا مشاحة فيه، وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك؛ لأن اللفظ السابق لا يُحْمَلُ على الاصطلاح الحادث.

(1) سورة التحريم: الآية 2.

(2)

سورة القصص: الآية 85.

(3)

سورة الأحزاب: الآية 38.

(4)

انظر: "مفردات ألفاظ القرآن"(ص 630).

ص: 331

الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ عليه السلام، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلَيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِهِ:

فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ:

===

(التي) صفة ثانية للصدقة (أمر الله بها) أي بالصدقة (نبيه عليه السلام، فمن سُئِلَها) أي من سأله المصدقُ الصدقة (من المسلمين) بيان لمن (على وجهها) أي على هذه الكيفية المبينة في هذا الكتاب من الكتاب (فليعطها) أي ليُوءَدِّ الصدقة إلى المصدق، (ومن سئل فوقها) أي زائدًا على ذلك في سِنٍّ أو عدد (فلا يعطه) أي فله المنع، أي لا يعط شيئًا من الزيادة، أو لا يعط شيئًا إلى الساعي، بل إلى الفقراء بنفسه؛ لأنه بذلك يصير خائنًا فتسقط طاعته.

وهذا يدل على أن المصدق إذا أراد أن يظلم المزكي فله أن يأباه ولا يتحرى رضاه، ودل حديث جرير وهو قوله:"أرضوا مصدقيكم وإن ظُلِمْتُم"(1) على خلاف ذلك، وأجاب الطيبي: بأن أولئك المصدقين من الصحابة وهم لم يكونوا ظالمين، وكان نسبة الظلم إليهم على زعم المزكي، أو جريان على سبيل المبالغة، وهذا عام فلا منافاة بينهما، انتهى.

وقد يجاب (2) بأن الأول محمول على الاستحباب، وهذا محمول على الرخصة والجواز، أو الأول إذا [كان] يخشى التهمة والفتنة وهذا عند عدمهما (3).

(فيما دون خمس وعشرين من الإبل) أي في عشرين، وخمس عشرة،

(1) أخرجه أبو داود (1589).

(2)

وجمع بينهما الشيخ ولي الله في "حجة الله البالغة"(2/ 47) بأن الجور نوعان: نوع أظهر النصُّ حكمه، ونوع للاجتهاد فيه مساغ إلى آخر ما قال، وجمع ابن رشد في "مقدماته" (1/ 284) بوجهين: الأول أن ما في كتاب الصدقات ناسخ إذ كان في آخر عمره حتى لم يخرجه إلى العمال، والثاني أنه لا يمنع إذا خشي فتنة، ويمنع إذا لم يخش. (ش).

(3)

انظر: "مرقاة المفاتيح"(4/ 296).

ص: 332

الْغَنَمُ، في كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ (1)

===

وعشرة، وخمس، تجب (الغنم) بدأ بها؛ لأنها كانت جُلّ أموالهم وأنفَسَها (في كل خمس ذود) والذود من الإبل: ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل: هو خاص بالإناث، والحديث عام فيجب الزكاة في خمس من الإبل ذكورًا أو إناثًا، وخمس ذود بالإضافة، وقيل: بالبدل فَيُنَوَّنُ (شاة)(2)، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه.

(فإذا بلغت) الإبل (خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض) قال الحافظ (3): فيه أن في هذا القدر بنت مخاض، وهو قول الجمهور إلَّا ما جاء عن علي: أن في خمس وعشرين خمس شياه، فإذا صارت ستًا وعشرين كان فيها بنت مخاض، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عنه موقوفًا ومرفوعًا، وإسناد المرفوع ضعيف، والمخاض بفتح الميم، والمعجمة الخفيفة، آخره معجمة، هي التي أتى عليها حول، ودخلت في الثاني وحملت أمها، والمخاض حامل، أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل، قاله الحافظ.

وقال القاري (4): قيل: هي التي تمت لها سنة، سميت بذلك لأن أمها تكون حاملًا، والمخاض الحوامل من النوق، ولا واحد لها من لفظها، بل واحدتها خلفة، وإنما أضيفت إلى المخاض والواحدة لا تكون بنت نوق؛ لأن أمها تكون في نوق حوامل تجاورهن وتضع حملها معهن، وزاد في رواية البخاري "أنثى" توكيدًا، كما قال تعالى:"نفخة واحدة"، ولئلا يتوهم

(1) في نسخة: "ابنة مخاض".

(2)

فلو أعطى بدل الشاة بعيرًا، قال في "العارضة" (3/ 112): لا يجوز، وقال الشافعي: يجوز، قلت: بالأول قال أحمد، كما في "الروض المربع"(1/ 122). (ش).

(3)

"فتح الباري"(3/ 319).

(4)

"مرقاة المفاتيح"(4/ 297).

ص: 333

إِلَى أَنْ ثَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذكَرٌ،

===

أن البنت ها هنا والابن في ابن لبون كالبنت والابن في بنت طبق وابن آوى يشترك فيهما الذكر والأنثى، كذا ذكره الطيبي" (1).

(إلى أن تبلغ) أي الإبل (خمسًا وثلاثين، فإن لم يكن فيها) أي في الإبل (بنت مخاض فابن لبون (2) ذكر) وصفها بالذكورة وإن كان قد علم من قبل؛ زيادةً للتوكيد، وهو: ما تم عليه حولان، ودخل في الثالث، وعلم من هذا أن ابن لبون ذكرًا كانت تساوي قيمة بنت مخاض، فإذا أدى المصدق ابن لبون في المحل الذي تجب فيه بنت مخاض يقبل منه ذلك، إذا لم يكن عند رب المال بنت مخاض، إذا ساوى قيمته (3) قيمتها.

قال الإِمام السرخسي رحمه الله في "المبسوط"(4): إذا وجب عليه في إبله بنت مخاص [فلم توجد] ووجد ابن اللبون فعندنا لا يتعين أخذ ابن اللبون، وعند الشافعي رحمه الله يتعين، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله في "الأمالي"، واستدلا في ذلك بهذا القول.

ولكنا نقول: إنما اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعادلةَ في المالية معنى؛ فإن الإناث من الإبل أفضل قيمة من المذكور، والمسنَّة أفضل قيمة من غير المسنَّة، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة السن في المنقول إليه مقام زيادة الأنوثة في المنقول عنه، ونقصان المذكورة في المنقول إليه مقام نقصان السن في المنقول عنه، ولكن هذا يختلف باختلاف الأوقات والأمكنة، فلو عينا أخذ ابن اللبون من غير اعتبار القيمة أدي إلى الإضرار بالفقراء، أو الإجحاف بأرباب الأموال.

(1)"شرح الطيبي"(4/ 28).

(2)

عليه الإجماع، إلَّا عند الحنفية يتقدر بقدر القيمة، كذا في "الأوجز"(5/ 260). (ش).

(3)

قلت: ويؤدي القيمة عندنا خلافًا لهم، كذا في "العارضة"(3/ 115، 116). (ش).

(4)

"المبسوط"(2/ 155، 156).

ص: 334

فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَسِتِّينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ،

===

(فإذا بلغت) الإبل (ستًّا وثلاثين ففيها بنت لبون) وهي التي تم عليها سنتان، وطعنت في الثالثة (إلى خمس وأربعين) إلى للغاية، وهو يقتضي أن ما قبل الغاية يشتمل عليه الحكم المقصود بيانه، بخلاف ما بعدها فلا يدخل إلَّا بدليل، وقد دخلت ها هنا بدليل قوله بعد ذلك:"فإذا بلغت ستًّا وأربعين"، فعلم أن حكمها حكم ما قبلها.

(فإذا بلغت ستًّا وأربعين ففيها حقة) بكسر المهملة، وتشديد القاف، والجمع حقاق بالكسر والتخفيف، وهي التي أتت عليها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة (طروقة الفحل) بفتح أوله، أي: مطروقة، وهي فعولة بمعنى مفعولة كحلوبة بمعنى محلوبة، والمراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل (إلى ستين، فإذا بلغت) الإبل (إحدى وستين ففيها جذعه) بفتح الجيم والمعجمة، وهي التي أتت عليها أربع، ودخلت في الخامسة (إلي خمس وسبعين، فإذا بلغت) الإبل (ستًّا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومئة).

قال الإِمام السرخسي في "المبسوط"(1): وعلى هذا اتفقت الآثار وأجمع العلماء - رحمهم الله تعالى-، إلَّا، ما روي شاذًّا عن علي رضي الله عنه كما تقدم- أنه قال:"في خمس وعشرين خمس شياه، وفي ست وعشرين بنت مخاض"، قال الثوري رحمه الله: وهذا غلط وقع من رجال علي رضي الله عنه، وأما علي رضي الله عنه فإنه كان أفقه من أن يقول هكذا؛ لأن في

(1)"المبسوط"(2/ 150).

ص: 335

فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ،

===

هذا موالاة بين الواجبين بلا وقص بينهما، وهو خلاف أصول الزكاة؛ فإن مبنى الزكاة على أن الوقص يتلو الواجب، وعلى أن الواجب يتلو الوقص.

(فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) قال السرخسي (1): ثم الاختلاف بينهم بعد ذلك، فالمذهب عندنا استئناف الفريضة بعد مائة وعشرين، فإذا بلغت الزيادة خمسًا ففيها حقتان وشاة إلى مائة وثلاثين، ففيها حقتان وشاتان، وفي مائة وخمس وثلاثين حقتان وثلاث شياه، وفي مائة وأربعين حقتان وأربع شياه، وفي مائة وخمس وأربعين حقتان وبنت مخاض، إلى مائة وخمسين، ففيها ثلاث حقاق.

ثم تستأنف الفريضة فيجب في مائة وخمس وخمسين ثلاث حقاق وشاة، وفي مائة وستين ثلاث حقاق وشاتان، وفي مائة وخمس وستين ثلاث حقاق وثلاث شياه، وفي مائة وسبعين ثلاث حقاق وأربع شياه، وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض، وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق، إلى مائتين، فإن شاء أدى عنها أربع حقاق عن كل خمسين حقة، وإن شاء خمس بنات لبون عن كل أربعين بنت لبون، ثم تستأنف كما بينا.

وقال مالك: بعد مائة وعشرين يجب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، والأوقاص تسع تسع، فلا يجب في الزيادة شيء حتى تكون مائة وثلاثين، ففيها حقة وبنتا (2) لبون؛ لأنها مرة خمسون، ومرتين أربعون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وفي مائة

(1)"المبسوط"(2/ 151، 152، 153).

(2)

وفي "المبسوط": "بنت لبون"، وهو خطأ.

ص: 336

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وثمانين حقتان وبنتا لبون، وفي مئة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مئتين، فإن شاء أدى أربع حقاق، وإن شاء خمس بنات لبون.

وقال الشافعي رضي الله عنه مثل قول مالك رضي الله عنه إلَّا في حرف واحد، وهو: أن عند الشافعي (1) إذا زادت الإبل على مئة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون إلى مئة وثلاثين، ثم مذهبه كمذهب مالك رضي الله عنه.

وحجتهما في ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة، وقرنه بقراب سيفه، ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فعمل به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حتى قبضا"، وكان فيه:"إذا زادت الإبل على مئة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة". إلَّا أن مالكًا رحمه الله حمله على الزيادة التي يمكن اعتبار المنصوص عليه فيها، وذلك لا يكون فيما دون العشرة، والشافعي رحمه الله يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علَّق هذا الحكم بنفس الزيادة، وذلك بزيادة الواحدة، فعندها يوجب في كل أربعين بنت لبون، وهذه الواحدة لتعيين الواجب بها فلا يكون لها حظ من الواجب.

واستدل عليه بالحديث الذي ذكره أبو داود وابن المبارك - رحمهما الله تعالى- بالإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا زادت الإبل على مئة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون". وهذا نص في الباب، والمعنى فيه: أن الواجب في كل مال من جنسه، فإن الواجب جزء من المال إلَّا أن الشرع عند قلة الإبل أوجب من خلاف الجنس نظرًا للجانبين؛ فإن خمسًا من الإبل مال عظيم، ففي إخلائه عن الواجب إضرار بالفقراء، وفي إيجاب الواحدة إجحاف بأرباب

(1) وكذا عند أحمد كما في "النيل"(3/ 81)، و"الروض"(1/ 133)، واستدلَاّ بحديث ابن المبارك الآتي. (ش).

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الأموال، وكذلك في إيجاب الشقص؛ فإن الشركة عيب، فأوجب من خلاف الجنس دفعًا للضرر، وقد ارتفعت هذه الضرورة عند كثرة الإبل فلا معنى لإيجاب خلاف الجنس.

ومبنى الزكاة على أن عند كثرة العدد وكثرة المال يستقر النصاب والوقص، والواجب على شيء معلوم كما في زكاة الغنم عند كثرة العدد يجب في كل مائة شاة، ثم أعدل الأسنان بنت اللبون والحقاق، فإن أدناها بنت المخاض وأعلاها الجذعة، والأعدل هو الأوسط، وكذلك أعدل الأوقاص هو العَشَرُ فإن الأوقاص في الابتداء خمس، وفي الانتهاء خمسة عشر فالمتوسط هو العشر، وهو الأعدل فلهذا أوجبنا في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

ولنا حديث (1) قيس بن سعد رضي الله عنه قال: قلت لأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم رضي الله عنه: أَخْرِجْ لي كتاب الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، فأخرج كتابًا في ورقة، وفيه:"إذا زادت الإبل على مئة وعشرين استؤنفت الفريضة، فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم في كل خمس ذود شاة"؛ وروي بطريق شاذ: "إذا زادت الإبل على مائة وعشرين فليس في الزيادة حتى تكون خمسًا، فإذا كانت مئة وخمسًا وعشرين ففيها حقتان وشاة"، وهذا نص، ولكنه شاذ، والقول باستقبال الفريضة بعد مائة وعشرين مشهور عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما.

ثم نقول: وجوب الحقتين في مئة وعشرين ثابت باتفاق الآثار وإجماع الأمة، فلا يجوز إسقاطه إلَّا بمثله، وبعد مئة وعشرين اختلفت الآثار فلا يجوز إسقاط ذلك الواجب عند اختلاف الآثار، بل يؤخذ بحديث عمرو بن حزم

(1) الحديث ذكر ابن الهمام تصحيحه جدًّا، لكن في متنه بعض ما يخالف الحنفية. [انظر:"شرح فتح القدير" 2/ 174]. (ش).

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

رضي الله عنه، ويُحمَلُ حديثُ ابن عمر رضي الله عنه على الزيادة الكبيرة حتى يبلغ مئتين، وبه نقول: إن في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

وحديثُ ابن المبارك محمول على ما إذا كانت مائة وعشرين من الإبل بين ثلاثة نفر، لأحدهم خمس وثلاثون، وللآخر أربعون، وللآخر خمس وأربعون، فإذا زادت لصاحب الخمس وثلاثين واحدة، ففيها ثلاث بنات لبون.

وهذا التأويل وإن كان فيه بعض بُعْد فالقول به أولى مما ذهب إليه الشافعي رحمه الله، فإنه أوجب ثلاث بنات لبون وهو مخالف للآثار المشهورة، وإن كان لم يجعل لهذه الواحدة حظًّا من الواجب كما هو مذهبه، فهو مخالف لأصول الزكاة؛ فإن ما لاحظ له من الواجب لا يتغير به الواجب كما في الحمولة والعلوفة.

وحقيقة الكلام في المسألة وهو: أن بالإجماع يدار الحكم على الخمسينات والأربعينات، ولكن اختلفنا في أنَ أي الإدارتين أولى؟ ! ففي حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه أدار على الخمسينات، وفيها الحقة، ولكن بشرط عود ما دونها، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه على الأربعينات والخمسينات، فنقول: الأخذ بما كان في حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه أولى؛ فإن مبنى أصول الزكاة على أن عند كثرة المال يستقر النصاب على شيء واحد معلوم، كما في نصاب البقر فإنه يستقر على شيء واحد، وهو المسنة في الأربعين، ولكن بشرط عود ما دونها، وهو التبع: فكذلك زكاة الإبل، ولهذا لم تعد الجذعة؛ لأن الإدارة على الخمسينات، ولا يوجد فيها نصاب الجذعة، فأما ما دون الجذعة فيوجد نصابها في الخمسينات فتعود لهذا.

ولسنا نسلم احتمال الزيادة الواجب من الجنس؛ فإن حكم الزيادة كالمقطوع عن مئة وعشرين لإيفاء الحقتين فيها كما ثبت باتفاق الآثار، فلم يكن

ص: 339

فَإِذَا تَبَايَنَ أَسْنَانُ الإِبِلِ في فَرَائِض الصَّدَقَاتِ، فَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَهٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا،

===

محتملًا للإيجاب من جنسه، فلهذا صرنا إلى إيجاب الغنم فيها، كما في الابتداء حتى إنه لما أمكن البناء مع إبقاء الحقتين بعد مائة وخمس وأربعين بنينًا فنقلنا من بنت المخاض إلى الحقة إذا بلغت مئة وخمسين؛ فإنها ثلاث مرات خمسون، فيؤخذ من كل خمسين حقة، انتهى كلام السرخسي.

(فإذا تباين) أي اختلف (أسنان الإبل في فرائض الصدقات) أي فيما فرض على أرباب الأموال من الصدقات، (فمن بلغت عنده صدقة الجذعة) أي بلغت الإبل عنده نصابًا يجب فيها الجذعة للزكاة (وليست عنده جذعة (1)، وعنده حقة فإنها) أي الحقة (تُقْبَلُ منه) أي يقبلها المصدق (وأن يجعل) رب المال (معها) أي الحقة (شاتين إن استيسرتا) أي الشاتان (له) أي لرب المال، (أو عشرين درهمًا) جبرًا لنقصان الحقة بالنسبة إلى الجذعة.

قال الإِمام السرخسي في "المبسوط"(2): والكلام في هذه المسألة يشتمل على فصول: أحدها أن جبران ما بين السنين غير مقدر عندنا، ولكنه بحسب الغلاء والرخص، وعند الشافعي رحمه الله يتقدر بشاتين أو بعشرين درهمًا، واستدل بالحديث المعروف.

وإنما (3) نقول: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن تفاوت ما بين السنين في

(1) اختلفوا فيه كما حكاه العيني (6/ 437، 438)، وقال مالك: يشتري له ما وجب ولا أحب عشرة دراهم، وبظاهر الحديث قال الشافعي وأحمد أيضًا إلا أنه روي عنه شاة واحدة أو عشرة دراهم أيضًا، والاعتبار في النزول والصعود عندهما لرب المال، والمدار عند الحنفية على القيمة ويجبر على الصعود ولا يجبر على النزول لأنه بيع، كذا في "الأوجز"(5/ 661). (ش).

(2)

"المبسوط"(2/ 155).

(3)

كذا في الأصل، وفي "المبسوط":"ولكنَّا".

ص: 340

وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ، وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وُيعْطيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ (1) عِنْدَهُ حِقَّةٌ، وَعِنْدَهُ ابْنَةُ (2) لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مِنْ هَهنَا لَمْ أَضْبِطْهُ عَنْ مُوسَى كَمَا أُحِبُّ

===

زمانه كان ذلك (3) القدَر، لا أنه تقدير شرعي بدليل ما روي عن علي بن أبي طالب: أنه قدَّر الجبران (4) ما بين السنين بشاة أو عشرة دراهم، وهو كان مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان يخفى عليه هذا النص، ولا يظن به مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يُحْمَل على أن تفاوت ما بين السنين في زمانه كان ذلك القدر.

ولأنا لو قدرنا تفاوت ما بين السنين بشيء أدى إلى الإضرار بالفقراء، أو الإجحاف بأرباب الأموال؛ فإنه إذا أخذ الحقة عن الجذعة وردَّ شاتين، فربما تكون قيمتهما قيمة الحقة فيصير تاركًا للزكاة عليه معنى، وإذا أخذ بنت مخاض وأخذ الشاتين فقد تكون قيمتهما مثل قيمة بنت اللبون، فيكون آخذًا بالزكاة بأخذهما، وبنت المخاض تكون زيادة، وفيه إجحاف بأرباب الأموال.

(ومن بلغت عنده صدقة الحقة) أي وجبت الحقة عليه زكاة في إبله (وليست عنده حقة، وعنده جذعة فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق) بما زاد في أخذ الجذعة مكان الحقة (عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده حقة، وعنده ابنة لبون؛ فإنها تقبل منه).

(قال أبو داود: من ههنا لم أضبطه) أي الحديث (عن موسى) بن إسماعيل شيخي (كما أحب).

(1) في نسخة: "ليس عنده".

(2)

في نسخة: "بنت لبون".

(3)

ويشكل عليه أن قيمة الشاة لم تكن عشرة دراهم إذ ذاك، بل كانت ثلاثة دراهم كما يظهر من بعض روايات "التلخيص الحبير"(2/ 578) في كتاب الحج، فليفتش. (ش).

(4)

كذا في الأصل، وفي "المبسوط":"قدَّر جبران".

ص: 341

- وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ (1) عِنْدَهُ إِلَّا حِقَّةٌ، فَإنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ- قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِلَى هَهُنَا لَمْ أُتْقِنْهُ ثُمَّ أَتْقَنْتُهُ - "وُيعْطِيهِ الْمُصَدِّقَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ (2) لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا ابْنَةُ (3) مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ مَخَاضٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَئءٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ، فَلَيْسَ فِيهَا شَيءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.

===

(ويجعل) رب المال (معها) أي مع ابنة لبون (شاتين) جبرًا لنقصان ابنة لبون عن الحقة (إن استيسرتا له) أي تيسرتا له بأن تكونا عنده أو تحصلا له بالقيمة (أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلَّا حقة (4)؛ فإنها تقبل منه، قال أبو داود: إلى ها هنا لم أتقنه، ثم أتقنته).

(ويعطيه) رب المال (المصدق عشرين درهمًا أو شاتين) عوضًا لما أخذ من الزيادة، (ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلَّا ابنة مخاض، فإنها تقبل منه وشاتين) أي مع الشاتين، (أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض، وليس عنده إلَّا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه، وليس معه شيء؛ ) لأنه انجبر فضل الأنوثة بزيادة السنن.

(ومن لم يكن عنده إلَّا أربع) من الإبل، (فليس فيها شيء) من الزكاة؛ لأن هذا العدد ناقص عن النصاب، (إلَّا أن يشاء ربها) فيتبرع بها.

(1) في نسخة: "ليس".

(2)

في نسخة: "بنت".

(3)

في نسخة: "بنت".

(4)

ولا يجوز الحق الذكر عن بنت لبون عند الشافعية، نعم يجوز عن بنت مخاض، كذا في "شرح الإقناع"(1/ 188)، وكذا عند المالكية كما في "الدسوقي"(2/ 8)، ويجوز عند الحنابلة كما في "الروض المربع"(1/ 122). (ش).

ص: 342

وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَم إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ، فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشرِينَ وَمِئَةٍ فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مِئَتَينِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِئَتَيْنِ، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثَ مِئَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِ مِئَةٍ فَفِي كُلِّ مِئَةِ شَاةٍ شَاةٌ،

===

(وفي سائمة الغنم) أي الغنم السائمة (إذا كانت) الغنم (أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومئة، فإذا زادت) الغنم ولو واحدة (على عشرين ومئة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مئتين، فإذا زادت على مئتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاث مئة، فإذا زادت على ثلاث مئة ففي كل مئة شاةٍ شاة).

قال الشوكاني (1): مقتضاه أنها لا تجب الشاة الرابعة حتى تُوَفَّى أربع مئة شاة، وهو مذهب (2) الجمهور، وعن بعض الكوفيين، والحسن بن صالح، [ورواية عن أحمد]: إذا زادت على الثلاث مئة واحدة وجبت الأربع.

وقال في "البدائع"(3): وقال الحسن بن حي: إذا زادت على ثلاث مئة واحدة ففيها أربع شياه، وفي أربع مئة خمس شياه، والصحيح قول العامة؛ لما روي في حديث أنس:"أن أبا بكر الصديق كتب له كتاب الصدقات الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: وفي أربعين من الغنم شاة، وفي مئة وواحدة وعشرين شاتان، وفي مئتين وواحدة ثلاث شياه، إلى أربع مئة، ففيها أربع شياه"، وطريق معرفة النصب التوقيف دون الرأي والاجتهاد، انتهى.

قلت: والذي وجدته في كتب رسول صلى الله عليه وسلم، ففيها مثل ما في رواية أبي داود:"فإذا زادت على مئتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاث مئة، فإذا زادت على ثلاث مئة ففي كل مئة شاة شاة"، ولم أجد في الروايات هذا

(1)"نيل الأوطار"(3/ 82).

(2)

وبه قال الحنابلة، كما في "نيل المآرب"(1/ 243). (ش).

(3)

"بدائع الصنائع"(2/ 123).

ص: 343

وَلَا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عُوَارٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّق،

===

اللفظ "وفي مئتين وواحدة ثلاث شياه إلى أربع مئة شاة"، لكن هذا الذي في "البدائع" حاصل معنى الرواية، والله تعالى أعلم.

(ولا يوخذ في الصدقة هرمة)(1) بفتح الهاء، وكسر الراء، وهي الكبيرة التي سقطت أسنانها، (ولا ذات عوار (2) من الغنم) العوار بفتح العين المهملة، وضمها، وقيل: بالفتح فقط أي معيبة، وقيل: بالفتح العيب، وبالضم العور. واختلف في مقدار ذلك، فالأكثر على أنه ما ثبت به الرد في البيع، وقيل: ما يمنع الإجزاء في الأضحية، قاله الشوكاني (3)(4).

(ولا تيس الغنم) بتاء فوقية مفتوحة، وياء تحتية ساكنة، ثم سين مهملة، وهو فحل الغنم (إلَّا أن يشاء المصدق) قال الحافظ (5): اختلف في ضبطه، فالأكثر على أنه بالتشديد، والمراد: المالك، وهذا اختيار أبي عبيد، وتقدير الحديث: لا تؤخذ ذات عيب ولا هرمة أصلًا، ولا يؤخذ التيس، وهو فحل الغنم إلَّا برضاء المالك؛ لكونه يحتاج إليه، ففي أخذه بغير اختياره إضرار به، والله أعلم.

وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث، ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد، وهو: الساعي، وكأنه يشير بذلك إلى التفويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل، انتهى.

(1) وفي "العارضة"(3/ 113): هي التي لا در فيها ولا نسل. (ش).

(2)

قال ابن العربي (3/ 113): اختلفوا في ضبطه. (ش).

(3)

"نيل الأوطار"(3/ 82، 83).

(4)

فإن كانت كلها هكذا قال ابن العربي (3/ 113): لم يأخذ منها، ويأت بصحيح، وقال أبو حنيفة والشافعي: يأخذ منها، وعند الحنابلة ينقص قيمة المؤدى بقدر العيب، كذا في "الروض المربع"(1/ 123)، وقال صاحب "المنهل" (9/ 147): يأخذ منها عند الشافعي وأبي حنيفة وأحمد، وهو رواية عن مالك

إلخ. (ش).

(5)

"فتح الباري"(3/ 321).

ص: 344

وَلَا يُجْمَعُ (1) بَيْنَ مُفْتَرِقٍ (2)، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ،

===

وقال في "لسان العرب"(3): رواه أبو عبيد بفتح الدال (4) والتشديد، يريد صاحبَ الماشية الذي أُخِذَتْ صدقةُ ماله، وخالفه عامة الرواة فقالوا: بكسر الدال، وهو عامل الزكاة الذي يستوفيها من أربابها، صدَّقهم يصدِّقهم فهو مصدِّق، وقال أبو موسى: الرواية بتشديد الصاد والدالِ معًا وكسرِ الدال، وهو صاحب المال، وأصله المتصدِّق، فأُدْغِمَتِ التاء في الصاد، والاستثناء من التَّيْسِ خاصة.

(ولا يجمع (5). بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشيةَ الصدقة)، قال في "البدائع" (6): أما إذا كانت السوائم مشتركة بين اثنين فقد اختلف فيه،

(1) استدل بذلك من قال: لا يجمع الأقل من نصاب الذهب والفضة إلى غيرهما، خلافًا لمالك والحنفية إذ قالوا: يجمع بينهما، كذا في "المنهل"(9/ 149). (ش).

(2)

في نسخة: "متفرق".

(3)

"لسان العرب"(10/ 197).

(4)

أي بتشديد الصاد: المالك، وبتخفيفها: الساعي، والدال مشددة على كليهما، كذا في "المنهل"(9/ 148). (ش).

(5)

قال ابن رشد في "مقدماته"(1/ 268): ذهب الشافعي إلى أن النهي للسعاة، ومالك إلى أن النهي للملاك، والصواب أنه على عمومه، لا يجوز للساعي أن يجمعهما إن لم يكونا خليطين فيزكيهما على الخلطة، ولا أن يُفَرِّق غنم الخليطين فيزكيهما على الانفراد، وكذلك الملاك لا يجوز لهم إذا لم يكونوا خلطاء أن يقولوا: نحن خلطاء؛ ليؤدوا على الخلطة أقل مما يجب عليهم على الانفراد، وكذلك لا يجوز لهم إذا كانوا خلطاء أن ينكروا الخلطة، وأما أبو حنيفة الذي لا يقول بالخلطة، فيقول: المعنى في ذلك: أنه لا يجوز للساعي أن يجمع ملك الرجلين فيزكيهما على مالك واحد، ولا أن يفرق ملك الرجل الواحد فيزكيه على الملاك إلى آخر ما قال.

وقال صاحب "المجمع"(2/ 87): خشية الصدقة بأن يكون ثلاثة نفرِ لكلِّ أربعون شاة فيجب على كل شاة، فيخلطون ليكون عليهم شاة، وهذا على مذهب الشافعي أن الخلطة مؤثرة عنده، وأما أبو حنيفة فلا أثر لها عنده، فمعناه عنده: نفي الخلاط لنفي الأثر بمعنى: لا أثر للخلطة في تقليل الزكاة وتكثيرها. (ش).

(6)

"بدائع الصنائع"(2/ 123، 124).

ص: 345

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال أصحابنا: إنه يُعتبر في حال الشركة ما يُعتبر في حال الانفراد، وهو كمال النصاب في حق كل واحد منهما، فإن كان نصيب كل واحد منهما يبلغ نصابًا تجب الزكاة وإلَاّ فلا.

وقال الشافعي: إذا كانت أسباب الإسامة (1) متحدة، وهو: أن يكون الراعي والمرعى والماء والمراح والكلب واحدًا، والشريكان من أهل وجوب الزكاة عليهما يُجْعَلُ مالُهما كمال واحد وتجب عليهما الزكاة، وإن كان كل واحد منهما لو انفرد لا تجب عليه، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان بين خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية".

فقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الجمعَ والتفريق؛ حيث نهى عن جمع المتفرق وتفريقِ المجتمع، وفي اعتبار حال الجمع بحال الانفراد في اشتراط النصاب في حق كل واحد من الشريكين إبطال معنى الجمع وتفريق المجتمع.

ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس في سائمة المرءِ المسلم إذا كانت أقلَّ من أربعين صدقة"، نفى وجوب الزكاة في أقل من أربعين مطلقًا عن حال الشركة والانفراد، فدل أن كمال النصاب في حق كل واحد منهما شرط الوجوب.

وأما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين متفرق".

ودليلنا أن المراد منه التفرق في الملك لا في المكان، لإجماعنا على أن النصاب الواحد إذا كان في مكانين تجب الزكاة فيه، فكان المراد منه التفرق في الملك، ومعناه: إذا كان الملك متفرقًا لا يجمع فيجعل كأنه لواحد لأجل الصدقة، كخمس من الإبل بين اثنين، أو ثلاثين من البقر، أو أربعين

(1) ولا تخصيص عنده في السوائم بل في كل مشترك كالورق والذهب هكذا، كما قال ابن رشد. [انظر:"بداية المجتهد" 1/ 258، 264]. (ش).

ص: 346

وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ،

===

من الغنم حال عليهما الحول، وأراد المصدق أن يأخذ منها الصدقة، ويجمع بين الملكين، ويجعلهما كملك واحد؛ ليس له ذلك، وكثمانين من الغنم بين اثنين حال عليهما الحول أنه يجب فيها شاتان على كل واحد منهما شاة، ولو أراد أن يجمعا بين الملكين فيجعلاهما ملكًا واحدًا خشية الصدقة فيعطي (1) المصدِّق شاة واحدة ليس لهما ذلك لتفرق ملكيهما، فلا يملكان الجمع لأجل الزكاة.

وقوله: "لا يفرق بين مجتمع" أي في الملك، كرجل له ثمانون من الغنم في مرعيين مختلفين، إنه يجب عليه شاة واحدة، ولو أراد المصدق أن يفرق المجتمع، فيجعلها كأنها لرجلين، فيأخذ منها شاتين ليس له ذلك؛ لأن الملك مجتمع فلا يملك تفريقه، وكذا لو كان له أربعون من الغنم في مرعيين مختلفين تجب عليه الزكاة؛ لأن الملك مجتمع فلا يجعل كالمتفرقين في الملك خشية الصدقة.

(وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)(2) قال في "البدائع"(3): ثم إذا حضر المصدق بعد تمام الحول على المال المشترك بينهما فإنه يأخذ الصدقة منه، إذا وجد فيه واجبًا، ولا ينتظر القسمة لأن اشتراكهما على علمهما يوجب الزكاة في المال المشترك، وأن المصدق لا يتميز له المال

(1) كذا في الأصل، وهو خطأ، والصواب:"فيعطيا"، كما في "البدائع".

(2)

قال الباجي (2/ 136): هذا دليل على صحة الخلطة، ووجه الدليل منه أنه لا يصح ذلك إلا في الخليطين، تؤخذ صدقة أحدهما من ماشية الآخر، فيرجع الذي أخذت الصدقة من غنمه على صاحبه بقدر ما أدى عنه من ذلك، ولو كانا شريكين لما تصور بينهما ما يوجب التراجع، انتهى. قلت: أنت خبير بأن تصور التراجع في الشريكين ظاهر من كلام "البدائع"، ثم الخلطة تؤثر في كل شيء عند الشافعية فتؤدى كمالك واحد، وفي الماشية فقط عند المالكية والحنابلة، ولا أثر للخلطة مطلقًا عند الحنفية فتؤدى في الخلطة مطلقًا كما تؤدى عند الانفراد، كذا في "الأوجز"(5/ 540، 541). (ش).

(3)

"بدائع الصنائع"(2/ 125، 126).

ص: 347

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فيكون إِذْنٌ من كل واحد منهما بأخذ الزكاة من ماله دلالة، ثم إذا أخذ ينظر، إن كان المأخوذ حصة كل واحد منهما لا غير بأن كان المال بينهما على السوية فلا تراجع بينهما؛ لأن ذلك القدر كان واجبًا على كل واحد منهما بالسوية، وإن كانت الشركة بينهما على التفاوت، فأخذ من أحدهما زيادة لأجل صاحبه فإنه يرجع على صاحبه بذلك القدر.

وبيان ذلك: إذا كان ثمانون من الغنم بين رجلين فأخذ المصدق منهما شاتين فلا تراجع ههنا لأن الواجب على كل واحد منهما بالسوية وهو شاة، فلم يأخذ من كل واحد منهما إلا قدر الواجب عليه، فليس له أن يرجع.

ولو كانت الثمانون بينهما أثلاثًا يجب فيها شاة واحدة على صاحب الثلثين لكمال نصابه وزيادة، ولا شيء على صاحب الثلث لنقصان نصابه، فإذا حضر المصدق وأخذ من عرضها شاة واحدة يرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بثُلُث قيمة الشاة لأن كل شاة بينهما أثلاثًا فكانت الشاة المأخوذة بينهما أثلاثًا، فقد أخذ المصدق من نصيب صاحب الثلث ثلث شاة لأجل صاحب الثلثين فكان له أن يرجع بقيمة الثلث.

وكذلك إذا كان مئة وعشرون من الغنم بين رجلين، لأحدهما ثُلُثاها، وللآخر ثُلُثها، ووجب على كل واحد منهما شاة، فجاء المصدق وأخذ من عرضها شاتين كان لصاحب الثلثين أن يرجع على صاحب الثلث بقيمة ثلث شاة؛ لأن كل شاة بينهما أثلاثًا، ثلثاها لصاحب الثمانين، والثلث لصاحب الأربعين، فكانت الشاتان المأخوذتان بينهما أثلاثًا لصاحب الثلثين شاة وثلث شاة، ولصاحب الثلث ثلثا شاة، والواجب عليه شاة كاملة، فأخذ المصدق من نصيب صاحب الثلثين شاة وثلث شاة، ومن نصيب صاحب الثلث ثلثي شاة، فقد صار آخذًا من نصيب صاحب الثلثين ثلث شاة لأجل زكاة صاحب الثلث، فيرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بقيمة ثلث شاة، وهذا- والله أعلم- معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"وما كان بين الخليطين فإنهما يتراجعان بالسوية"، انتهى.

ص: 348

فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ، فَلَيْسَ فِيهَا شَئٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَفِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَالُ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِئَةً، فَلَيْسَ فِيهَا شَئٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا". [خ 1448، ن 2447، جه 1800، حم 1/ 12]

===

(فإن لم تبلغ سائمة الرجل) من الغنم (أربعين فليس فيها شيء) واجب من الزكاة (إلَّا أن يشاء ربها) أي مالكها، فيتبرع متطوعًا.

(وفي الرقة) من الورق، قال في "لسان العرب" (1): والوَرِقُ والوِرْق، والوَرْق والرقَة: الدراهم مثل كَبِدٍ وكِبْد وكَبْد؛ لأن فيهم من ينقل كسرة الراء إلى الواو بعد التخفيف، ومنهم من يتركها على حالها.

وفي "الصحاح": الورق الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة، والهاء عوض من الواو، وفي الحديث في الزكاة:"في الرقة ربع العشر"، وفي حديث آخر:"فهاتوا صدقة الرقة" يريد الفضة والدراهم المضروبة منهما، وحُكِيَ في جمع الرقة: رقاق.

(ربع العشر) أي جزء واحد من أربعين جزءًا (فإن لم يكن المال) أي الدراهم (إلَّا تسعين ومئة فليس فيها شيء) من الواجب إجماعًا (إلَّا أن يشاء ربها).

قال القاري: قال في "شرح السنَّة"(2): هذا يوهم أنها إذا زادت على ذلك شيئًا قبل أن تتم مئتين كانت فيها الصدقة، وليس الأمر كذلك، وإنما ذكر تسعين؛ لأنه آخر فصل من فصول المئة، والحساب إذا جاوز المئة، كانت تركيبه بالفصول، والعشرات، والمئات، والألوف، فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن كمال المئتين، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام:"ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة".

(1)"لسان العرب"(10/ 375).

(2)

انظر: "شرح السنَّة"(6/ 17) رقم (1570).

ص: 349

1568 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا عَبَّادُ بْن الْعَوَّامِ، عن سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ،

===

1568 -

(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا عباد بن العوام) بن عمر بن عبد الله بن المنذر بن مصعب بن جندل الكلابي مولاهم، أبو سهل الواسطي، قال ابن معين، والعجلي، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وابن سعد، والبزار: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قال الحسن بن عرفة: سألني وكيع عنه أتحدث عنه؟ فقلت: نعم، فقال: ليس عندكم أحد يشبهه. وعن أحمد: كان يشبه أصحاب الحديث، وقال الأثرم عن أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن خراش: صدوق.

(عن سفيان (1) بن حسين) بن الحسن، أبو محمد، ويقال: أبو الحسن الواسطي، مولى عبد الله بن خازم الواسطي، قال ابن أبي خيثمة عن يحيى: ثقة في غير الزهري، لا يُدفَع، وحديثه عن الزهري ليس بذاك، إنما سمع منه بالموسم، وعن ابن معين نحوًا منه، وقال يعقوب بن شيبة: صدوق ثقة، وفي حديثه ضعف، وقال النسائي: ليس به بأس إلَّا في الزهري، وقال عثمان بن أبي شيبة: كان ثقة، إلَّا أنه كان مضطربًا في الحديث قليلًا، وقال العجلي: ثقة، وقال ابن سعد: ثقة، وقال ابن عدي: هو في غير الزهري صالح، وفي الزهري يروي أشياء خالف الناس.

وقال ابن خراش: كان مؤدبًا ثقة، وقال في موضع آخر: لين الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: أما روايته عن الزهري؛ فإن فيها تخاليط يجب أن يُجانَبَ، وهو ثقة في غير الزهري، وقال في "الضعفاء": يروي عن الزهري المقلوبات، وذلك أن صحيفة الزهري اختلطت عليه، وقال البزار: واسطي، ثقة، وقال أبو داود عن ابن معين: ليس بالحافظ.

(1) قال ابن العربي: لم يسنده أحد إلَّا سفيان (3/ 106). (ش).

ص: 350

عن الزُّهْرِيِّ، عن سَالِمٍ، عن أَبِيهِ قَالَ:"كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَىً عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ، فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ، فَكَانَ فِيهِ: "في خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابْنَةُ (1) مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا (2) زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيهَا جَذَعَةٌ (3) إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيهَا ابْنَتَا (4) لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ

===

(عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قُبِضَ، فقرنه بسيفه، فعمل به) أي بالكتاب (5)(أبو بكر حتى قُبِضَ، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه) أي في الكتاب:

(في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه. وفي خمس وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة) أي على خمس وثلاثين (ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين. فإذا زادت) أي على خمس وأربعين (واحدة، ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت) على ستين (واحدة، ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت) على خمس وسبعين (واحدة، ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت) على

(1) في نسخة: "بنت".

(2)

في نسخة: "فإن".

(3)

في نسخة: "واحدة فجذعة".

(4)

في نسخة: "بنتًا".

(5)

قال ابن العربي: رجح مالك كتاب عمر رضي الله عنه على كتاب أبي بكر رضي الله عنه بأربعة وجوه (3/ 106). (ش).

ص: 351

وَاحِدَةً، فَفِيهَا حِقَّتَان إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ (1) لَبُونٍ، وَفِي الْغَنَم في كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَشَاتَاَنِ إِلَى مئَتَيْنِ (2) فَإِذَا زَادَتْ (3) عَلَى الْمِئَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثِ مِئَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الْغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ مِئَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا شَئٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِئَةَ،

===

تسعين (واحدة، ففيها حقتان إلى عشرين ومئة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك) أي عشرين ومئة (ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون).

(وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومئة، فإن زادت) على عشرين ومئة (واحدة (4) فشاتان إلى مئتين، فإذا زادت على المئتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مئة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك) أي في ثلاث مئة (ففي كل مئة شاة شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المئة).

وههنا مسألة خلافية بين فقهاء الحنفية (5)، وهي أن المال إذا اجتمع فيه النصاب والعفو ثم هلك البعض، فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-: يصرف الهلاك إلى العفو أولاً؛ كأنه لم يكن في ملكه إلَّا النصاب. وعند محمد وزفر: يصرف الهلاك إلى الكل شائعًا، حتى إذا كان له تسعة من الإبل. فحال عليها الحول ثم هلك منها أربعة، فعليه في الباقي شاة كاملة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد وزفر عليه في الباقي خمسة أتساع شاة.

(1) في نسخة: "بنت".

(2)

في نسخة: "المائتين".

(3)

في نسخة: "فإن زادت واحدة على المائتين".

(4)

تكلم على هذه الزيادة صاحب "الجوهر النقي"[انظر: "السنن الكبرى" 4/ 88]. (ش).

(5)

انظر: "بدائع الصنائع"(2/ 113، 114).

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-: أن الوجوب يتعلق بالنصاب دون العفو، وعند محمد وزفر - رحمهما الله - يتعلق بهما جميعًا، واحتجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"في خمسٍ من الإبل شاةٌ إلى تسعٍ" أخبر أن الوجوب يتعلق بالكل، ولأن سبب الوجوب هو المال النامي، والعفو مال نام، ومع هذا لا تجب بسببه زيادة على أن الوجوب في الكل، نظيره إذا قضى القاضي بحق بشهادة ثلاثة نفر كان قضاؤه بشهادة الكل وإن كان لا حاجة إلى القضاء إلى الثالث، وإذا ثبت أن الوجوب في الكل فما هلك يهلك بزكاته، وما بقي يبقى بزكاته كالمال المشترك.

واحتج أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله- بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم: "في خمس من الإبل السائمة شاة، وليس في الزيادة شيء حتى تكون عشرًا"، وقال في حديثه أيضًا:"في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، وليس في الزيادة شيء إلى خمس وثلاثين"، وهذا نص على أن الواجب في النصاب دون الوقص، ولأن الوقص والعفو تبع للنصاب [لأن النصاب] باسمه وحكمه يستغني عن الوقص، والوقص باسمه وحكمه لا يستغني عن النصاب.

والمال إذا اشتمل على أصل وتبع، فإذا هلك منه شيء يصرف الهلاك إلى التبع دون الأصل، كمال المضاربة إذا كان فيه ربح فهلك شيء منه يصرف الهلاك إلى الربح كذا هذا.

وعلى هذا، إذا حال الحول على ثمانين شاة، ثم هلك أربعون منها، وبقي أربعون، فعليه في الأربعين الباقية شاة كاملة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-؛ لأن الهلاك يصرف إلى العفو أولًا عندهما، فجعل كأن الغنم أربعون من الابتداء، وفي قول محمد وزفر: عليه في الباقي نصف شاة، لأن الواجب في الكل عندهما، وقد هلك النصف فيسقط الواجب بقدره، ولو هلك منها عشرون، وبقي ستون، فعليه في الباقي شاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف،

ص: 353

وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ (1) بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ". قَالَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قُسِمَتِ الشَّاءُ

===

وعند محمد وزفر ثلاثة أرباع شاة لما قلنا، وعلى هذا مسائل في "الجامع"، انتهى ما قاله في "البدائع".

ورجح ابن الهمام قول محمد وزفر، وقال (2): لا يخفى أن هذا الحديث -أي الذي استدل به أبو حنيفة وأبو يوسف وفيه: "ليس في الزيادة شيء حتى يبلغ عشرًا" - لا يقوى قوة حديثيهما في الثبوت إن ثبت، والله أعلم، وإنما نسبه ابن الجوزي في "التحقيق" إلى رواية أبي يعلى القاضي وأبي إسحاق الشيرازي في كتابيهما، فقول محمد أظهر من جهة الدليل، انتهى.

قلت: فمدار الحنفية في الاستدلال في استئناف الصدقة أيضًا على حديث محمد بن عمرو بن حزم، فلو كان الحديث عندهم ضعيفًا لا يصح الاستدلال به على الاستئناف، ومع هذا فقد ورد في هذا الحديث حديث أبي داود:"وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة"، فثبت بطريقين أن الأوقاص يجب فيها الزكاة، والله أعلم.

(ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة، وما كان) المال (من خليطين فإنهما يتراجعان) أي كل واحد منهما إذا أخذ من حقه لصاحبه (بالسوية، ولا يوخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عيب) أي كما أن الساعي ممنوع عن أخذ خيار المال ممنوع عن أخذ رذالته أيضًا، بل يأخذ الوسط.

(قال) سفيان بن حسين: (وقال الزهري: إذا جاء المصدق قُسِّمَتِ الشاءُ

(1) زاد في نسخة: "بينهما".

(2)

انظر: "فتح القدير"(2/ 205).

ص: 354

أَثْلَاثًا (1): ثُلُثًا شِرَارًا، وَثُلُثًا خِيَارًا، وَثُلُثًا وَسَطًا، فَأَخَذَ (2) الْمُصَدِّقُ مِنَ الْوَسَطِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الزُّهْرِيُّ الْبَقَرَ". [ت 621، حم 2/ 14، جه 1798، دي 1620]

1569 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِىُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. قَالَ:«فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ (3) مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الزُّهْرِىِّ. [انظر سابقه]

===

أثلاثًا: ثُلُثًا شِرارًا، وثُلُثًا خيارًا، وثُلُثًا وسطًا، فأخذ المصدق من الوسط، ولم يذكر الزهري البقرَ) أي في كتاب الصدقة.

1569 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا محمد بن يزيد الواسطي، أنا سفيان بن حسين بإسناده) أي بإسناد الحديث المتقدم لسفيان (ومعناه، قال) أي زاد محمد بن يزيد في الحديث: (فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون، ولم يذكر كلام الزهري) أي ونقص محمد بن يزيد بأنه لم يذكر كلام الزهري الذي في آخر الحديث، وهو قوله: قال الزهري: إذا جاء المصدق.

قال الزيلعي في "نصب الراية"(4): قال المنذري: وسفيان بن حسين أخرج له مسلم، واستشهد به البخاري إلَّا أن حديثه عن الزهري فيه مقال، وقد تابع سفيانَ بنَ حسين على رفعه سليمانُ بنُ كثير، وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه، وقال الترمذي في "كتاب العلل": سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظًا، وسفيان بن حسين صدوق، انتهى.

(1) وفي نسخة: "ثلاث".

(2)

وفي نسخة: "فيأخذ".

(3)

في نسخة: "بنت".

(4)

"نصب الراية"(2/ 338).

ص: 355

1570 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: "هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِى كَتَبَهُ فِى الصَّدَقَةِ، وَهِىَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِىَ الَّتِى انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَو، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: «فَإِذَا (1) كَانَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ

===

ورواه أحمد في "مسنده"(2)، والحاكم في "مستدركه"(3)، وقال: سفيان بن حسين وثقه يحيى بن معين، وهو أحد أئمة الحديث، إلَّا أن الشيخين لم يخرجا له، وله شاهد صحيح وإن كان فيه إرسال، انتهى ما قاله الزيلعي.

1570 -

(حدثنا محمد بن العلاء، أنا ابن المبارك)(4) عبد الله، (عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب) الزهري (قال) أي ابن شهاب: (هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه) أي أمر بكتابته (في الصدقة) أي في تفصيل مسائلها (وهي) أي النسخة كانت (عند آل عمر بن الخطاب، قال ابن شهاب: أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها) أي النسخة (على وجهها، وهي التي انتسخ) أي أمر بالانتساخ عنها (عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله ابن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر، فذكر) الزهري (الحديث، قال) الزهري بعد ما ذكر من ابتداء النصاب إلى عشرين ومائة.

(فإذا كانت إحدى وعشرين ومئة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ) الإبل

(1) في نسخة: "إذا".

(2)

"مسند أحمد"(2/ 14 - 15).

(3)

"المستدرك"(1/ 392).

(4)

قال السرخسي في "المبسوط"(2/ 153): إن حديث ابن المبارك مؤول، ثم ذكر تأويله كما في "الأوجز"(5/ 669)، وظاهر كلام الدارقطني كما في "العرف الشذي"(ص 266) أن التفسير من أحد الرواة. (ش).

ص: 356

تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِئَةً، فَإِذَا كانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِئَةً، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَمِئَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِئَةً، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِئَةً، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِئَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِئَةً، فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِئَةً، فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِئَةً، فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِئَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِئَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِئَةً، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِئَةً، فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِئَةً، فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِئَةً، فَإِذَا كَانَتْ مِئَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، أَيُّ السِّنَّينِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ".

===

(تسعًا وعشرين ومئة، فإذا كانت ثلاثين ومئة ففيها بنتا لبون وحقة) لأنها تشتمل على أربعينتين وخمسينة، (حتى تبلغ تسعًا وثلاثين ومئة، فإذا كانت أربعين ومئة ففيها حقتان وبنت لبون) لأنها تشتمل على خمسينتين وأربعينة (حتى تبلغ تسعًا وأربعين ومئة، فإذا كانت خمسين ومئة ففيها ثلاث حقاق) لأنها تشتمل على ثلاث خمسينات، وهذا متفق عليه، (حتى تبلغ تسعًا وخمسين ومئة، فإذا كانت ستين ومئة ففيها أربع بنات لبون) لأنها أربع أربعينات (حتى تبلغ تسعًا وستين ومئة، فإذا كانت سبعين ومئة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة)؛ لأنها ثلاث أربعينات وخمسينة.

(حتى تبلغ تسعًا وسبعين ومئة، فإذا كانت ثمانين ومئة ففيها حقتان وابنتا لبون)؛ لأنها تشتمل على خمسينتين وأربعينتين (حتى تبلغ تسعًا وثمانين ومئة، فإذا كانت تسعين ومئة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون) لأنها تشتمل على ثلاث خمسينات وأربعينة، (حتى تبلغ تسعًا وتسعين ومئة، فإذا كانت مئتين ففيها أربع حقاق) لأنها تشتمل على أربع خمسينات (أو خمس بنات لبون) لأنها تشتمل على خمس أربعينات أيضًا (أي السنين) من الحقاق وبنات اللبون (وجدت) في الذود (أخذت).

ص: 357

وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَفِيهِ:"وَلَا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ". [قط 2/ 116، ك 1/ 393]

===

قال السرخسي في "مبسوطه"(1): إن ظاهر ما ذكر في الكتاب يدل على أن الخيار في هذه الأشياء إلى المصدق يعين أيها شاء، وليس كذلك بل الخيار إلى صاحب المال إن شاء أدى القيمة وإن شاء أدى سنًّا دون الواجب وفضلَ القيمة، وإن شاء أدى سنًّا فوق الواجب واسترد فضلَ القيمة، حتى إذا عين شيئًا فليس للساعي أن يأبى ذلك؛ لأن صاحب الشرع اعتبر التيسير على أرباب الأموال، وإنما يتحقق ذلك إذا كان الخيار لصاحب المال، انتهى.

(وفي سائمة الغنم، فذكر) يونس بن يزيد (نحو حديث سفيان بن حسين، وفيه) أي في هذا الحديث: (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلَّا أن يشاء المصدق)، وقد تقدم ما يتعلق بشرح هذا الكلام.

قال الترمذي (2) بعد تخريج هذا الحديث: قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن، وقد روى يونس بن يزيد وغير واحد عن الزهري عن سالم هذا الحديث ولم يرفعوه، وإنما رفعه سفيان بن حسين.

قال الزيلعي (3): قال ابن عدي: وقد وافق سفيانَ بنَ حسينٍ على رفعه سليمانُ بنُ كثيرٍ أخو محمد بن كثير: حدثناه ابن صاعد، عن يعقوب الدورقي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سليمان بن كثير بذلك، وقد رواه جماعة عن الزهري، عن سالم، عن أبيه فوقفوه، وسفيان بن حسين وسليمان بن كثير رفعاه، انتهى.

(1)"المبسوط"(2/ 157).

(2)

"سنن الترمذي"(3/ 19).

(3)

"نصب الراية"(2/ 339).

ص: 358

1571 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ (1) وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ: هُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعُونَ شَاةً، فَإِذَا أَظَلَّهُمُ الْمُصَدِّقُ جَمَعُوهَا، لِئَلَاّ يَكُونَ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ: أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا، فَلَمْ يَكُنْ

===

1571 -

(حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قال مالك: وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، قال الزرقاني (2): في كتابه المتقدم، ومَرَّ أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع) قال في "الموطأ"(3): "خشية الصدقة، أنه إنما يعني بذلك أصحاب المواشي"، قال الزرفاني: لأنه مقتضى قوله: "خشية الصدقة"، قال مالك: وتفسيره (هو أن يكون) النفر الثلاثة (لكل رجل أربعون شاة) قد وجبت على كل واحد منهم في غنمهم الصدقة (فإذا أظلَّهم) أي أشرف عليهم (المصدق) بتخفيف الصاد وكسر الدال، آخذ الصدقة، وهو الساعي (جمعوها لئلَّا يكون) عليهم (فيها إلَّا شاة) واحدة؛ لأنها واجب مائة وعشرين.

وتفسير قوله: (ولا يفرق بين مجتمع أن الخليطين إذا كان لكل واحد منهما مئة شاة وشاة، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه)؛ لأن مجموع ما للخليطين مئتا شاة وشاتين، وباتحاد المرعى وغيرها كأنها لرجل واحد فوجب عليه ثلاث شياه، وهذا عنده. وأما عندنا فليس فيها إلَّا شاتان على كل واحد منهما شاة واحدة، سواء كانت مجتمعة أو متفرقة.

(فإذا أظلَّهما المصدق فرقا غنمهما، فلم يكن

(1) في نسخة: "متفرق".

(2)

"شرح الزرقاني"(2/ 120).

(3)

انظر: "الموطأ"(1/ 243).

ص: 359

عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَّا شَاةٌ، فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ في ذَلِكَ.

1572 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، عن عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَعَن الْحَارِثِ الأَعْوَرِ، عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "هَاتُوا رُبُعَ الْعُشُورِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ (1)، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِئَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَتْ مِئَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ

===

على كل واحد منهما إلَّا شاة) واحدة، قال مالك:(فهذا الذي سمعت) في تفسير (ذلك).

قال الزرقاني (2): وإليه ذهب سفيان الثوري، وقال الشافعي: هو خطاب لرب المال من جهة، وللساعي من جهة، فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئًا من الجمع والتفريق خشية الصدقة، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لِتَقِلَّ، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر، فلما احتمل الأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر فحمل عليهما معًا، قال الحافظ: لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر، انتهى.

1572 -

(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا زهير، نا أبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور، عن علي رضي الله عنه، قال زهير: أحسبه) أي: أظن أبا إسحاق قال في حديثه بعد قوله: "عن علي رضي الله عنه": (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال: هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهمًا (3) درهم، وليس) يجب (عليكم شيء) من الزكاة (حتى تتم مئتي درهم، فإذا كانت مئتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد) على مئتي

(1) وفي نسخة: "درهمًا".

(2)

"شرح الزرقاني"(2/ 121).

(3)

ولم يذكر الذهب لقلَّته، كذا في "العارضة"(3/ 104). (ش).

ص: 360

فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ. وَفِي الْغَنَمِ في كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ، فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا شَئءٌ". وَسَاقَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ مِثْلَ الزُّهْرِيُّ. وَقَالَ: "وَفِي الْبَقَرِ في كُلِّ ثَلَاثينَ تَبِيعٌ، وَفِي الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ،

===

درهم فيجب فيه (فعلى حساب ذلك) قل أو كثر، حتَّى إذا كانت الزيادة في درهمًا ففيها جزء من أربعين جزءًا من درهم، وهو قول أبي يوسف (1)، ومحمد، والشافعي، وهو قول علي، وابن عمر، وإبراهيم النخعي.

وقال أبو حنيفة رحمه الله: وما زاد على المئتين فليس فيه شيء حتى يبلغ أربعين ففيها درهم مع الخمسة، وهكذا في كل أربعين درهمًا في درهم، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه واحتجوا بهذا الحديث.

واحتج أبو حنيفة بحديث عمرو بن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وفي كل مئتي درهم خمسة دراهم، وفي كل أربعين درهمًا درهم"، ولم يرد به في الابتداء فعلم أن المراد به بعد المئتين. وبحديث معاذ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لا تأخذ من الكسور شيئًا، وفي مئتي درهم خمسة دراهم، وما زاد على ذلك ففي كل أربعين درهمًا درهم". كذا في "المبسوط"(2)(3).

(وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة، فإن لم يكن إلَّا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء، وساق) أبو إسحاق (صدقة الغنم مثل الزهري، وقال) أبو إسحاق: (وفي البقر في كل ثلاثين تبيع)، والتبيع ما تم عليه الحول، وطعن في الثانية، سمي به لأنه يتبع الأم، (وفي الأربعين مسنة) وهي التي طعنت في الثالثة، سميت بذلك لأنها طلعت سنها.

(1) ومالك والثوري وعامة أهل الحديث، كذا في "عمدة القاري"(6/ 355)، وبه قال أحمد، كما في "المنهل"(9/ 159). (ش).

(2)

"المبسوط"(2/ 190).

(3)

وبسط الدلائل العيني (6/ 355، 356). (ش).

ص: 361

وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيءٌ. وَفِي الإِبِلِ"، فَذَكَرَ صَدَقَتَهَا كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ. قَالَ: "وَفِي خَمْسٍ (1) وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنَ الْغَنَمِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ (2) مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ (3) مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ إِلَى سِتِّينَ".

ثُمَّ سَاقَ مِثْلَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ: "فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً - يَعْنِي وَاحِدَةً وتسْعِينَ- فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ،

===

(وليس على العوامل) أي التي تعمل في السقي والحرث وغيرها، (شيء، وفي الإبل، فذكر) أبو إسحاق (صدقتها كما ذكر الزهري. قال: وفي خمس وعشرين خمسة من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض) وقد تقدم ما فيه من "مبسوط" السرخسي، والحافظ ابن حجر.

(فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين).

(ثم ساق) أبو إسحاق (مثل حديث الزهري) كما تقدم في حديث سفيان بن حسين عن الزهري بعد قوله: ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين.

(قال) أبو إسحاق في حديثه: (فإذا زادت واحدة) أي على تسعين (يعني) صارت (واحدة وتسعين، ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومئة،

(1) في نسخة: "خمسة".

(2)

في نسخة: "بنت".

(3)

في نسخة: "بنت".

ص: 362

فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَلَا يُؤْخَذ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تيسٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ.

وَفِي النَّباتِ: مَا سَقَتْهُ الأَنْهَارُ أَوْ سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ".

وَفِي حَدِيثِ عَاصِم وَالْحَارِثِ: "الصَّدَقَةُ في كُلِّ عَامٍ". قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ (1) قَالَ: "مَرَّةَ"[خزيمة 2262]

وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ: "إِذَا لَمْ يَكُنْ في الإِبِلِ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَلَا ابْنُ لَبُونٍ، فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَانِ".

===

فإن كانت الإبل كثر من ذلك، ففي كل خمسين حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس إلَّا أن يشاء المصدق).

(وفي النبات) أي ما تنبته الأرض: (ما سقته الأنهار) مثل دجلة والفرات (أو سقت السماء) أي المطر (العشر) أي يجب فيه عشر ما ينبت، (وما سقي بالغرب) أي بالدلو الكبير (ففيه نصف العشر)، وسيجيء بيانُ اختلاف المذاهب فيه والبحثُ فيما سيأتي من "باب صدقة الزرع".

(وفي حديث عاصم) بن ضمرة (والحارث) الأعور: (الصدقة في كل عام، قال زهير: أحسبه) أي أبا إسحاق (قال: مرة) أي لفظ مرة، يعني: كل عام مرة، (وفي حديث عاصم: إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض، ولا ابن لبون) وقد وجب ذلك (فعشرة دراهم أو شاتان)(2).

قال الزيلعي (3) بعد ذكر هذا الحديث عن أبي داود: ورواه الدارقطني في

(1) في نسخة: "حسبته".

(2)

أي مع بنت لبون، كما في "المنهل"(9/ 163).

(3)

"نصب الراية"(2/ 353).

ص: 363

1573 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ - وَسَمَّى آخَرَ -، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ الأَعْوَرِ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه -، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ أَوَّلِ (1) الْحَدِيثِ؛

===

"سننه" مجزومًا به، ليس فيه: قال زهير: وأحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن القطان في "كتابه": إسناده صحيح وكلهم ثقات، ولا أعني رواية الحارث، إنما رواية عاصم، انتهى.

ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق به مرفوعًا، ولم يشك فيه، وفيه من الغريب قوله: وفي خمس وعشرين خمسة من الغنم، وكذا قوله: إذا لم يكن في الإبل بنت مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان.

قال في "الإِمام": وقد جاء في خمس وعشرين خمسة من الغنم في حديث أخرجه الدارقطني (2) عن سليمان بن الأرقم، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: وجدنا في كتاب عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صدقة الإبل: "في خمس من الإبل سائمة شاة"، إلى أن قال:"وفي خمس وعشرين خمس شياه، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض"، الحديث. قال الدارقطني: وسليمان بن أرقم ضعيف.

1573 -

(حدثنا سليمان بن داود المهري، أنا ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم، وسمى آخر)، وهذا قول سليمان أي: قال ابن وهب: أخبرني جرير بن حازم وسمى ابن وهب راويًا آخر مع جرير، ولم أحفظه.

(عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أول الحديث)، ثم ذكر بعض أول

(1) زاد في نسخة: "هذا".

(2)

"سنن الدارقطني"(2/ 112).

ص: 364

قَالَ: «فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَىْءٌ - يَعْنِى فِى الذَّهَبِ - حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ (1) عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ» - قَالَ: فَلَا أَدْرِى أَعَلِىٌّ يَقُولُ: "فَبِحِسَابِ (2) ذَلِكَ" أَوْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم؟ «وَلَيْسَ فِى مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» .

إلَّا أَنَّ جَرِيرًا - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: - يَزِيدُ فِى الْحَدِيثِ: عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ فِى مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» . [حم 1/ 148، ق 4/ 93 - 94]

===

الحديث، يقول جرير:(قال) أبو إسحاق: (فإذا كانت لك مئتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس) يجب (عليك شيء، يعني في الذهب) أي لم يقل أبو إسحاق لفظ "في الذهب" لكن مراده ذلك، (حتى يكون لك عشرون (3) دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، قال) أبو إسحاق:(فلا أدري أعلي يقول: "فبحساب ذلك" أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول، إلَّا أن جريرًا - قال ابن وهب: - يزيد في الحديث: عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليس (4) في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) لفظ "جريرًا" اسم أن، و"يزيد

(1) في نسخة: "كان".

(2)

في نسخة: "بحساب".

(3)

قال النووي (4/ 57): نصاب الذهب عشرون مثقالًا، وفيه خلاف شاذ، ولا خلاف في الفضة، وقال أيضًا: لم يأت فيه في الصحيح نصاب، نعم وردت ضعاف، لكن الإجماع على ذلك، وذكر ابن رشد الخلاف في ذلك، وبَيَّن ثلاثة مذاهب، لكن الأئمة الأربعة والجمهور على أنه عشرون مثقالًا، وقال عطاء وغيره: يعتبر بقيمة مائتي درهم، كذا في "الأوجز"(5/ 523). (ش).

(4)

وبَوَّب الترمذي (3/ 25): لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، قال في "العارضة" (3/ 125): هو مجمع، واختلفوا في المستفاد. (ش).

ص: 365

1574 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِىٍّ قال: قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ،

===

في الحديث" خبره ولفظ: "قال ابن وهب" جملة معترضة بين اسم "أنَّ" وخبرها.

حاصله: أن سليمان بن داود يقول: قال شيخي ابنُ وهب: إن شيخه جريرًا يزيد في الحديث: عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يريد قوله: ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول، مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

1574 -

(حدثنا عمرو بن عون، أنا أبو عوانة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عفوت عن الخيل والرقيق).

قال في "البدائع"(1): وأما حكم الخيل فجملة الكلام فيه أن الخيل لا تخلو إما أن تكون علوفة أو سائمة، فإن كانت علوفة بأن كانت تعلف للركوب أو للحمل أو للجهاد في سبيل الله فلا زكاة فيها؛ لأنها مشغولة بالحاجة، ومال الزكاة هو الفاضل عن الحاجة، وإن كانت تعلف للتجارة ففيها الزكاة بالإجماع؛ لكونها مالًا ناميًا فاضلًا عن الحاجة؛ لأن الإعداد للتجارة دليل النماء والفضل عن الحاجة.

وإن كانت سائمة فإن كانت تسام للركوب والحمل أو للجهاد والغزو فلا زكاة فيها لما بينا، وإن كانت تسام للتجارة ففيها الزكاة بلا خلاف، وإن كانت تسام للدرِّ والنسل فإن كانت مختلطة [ذكورًا وإناثًا] فقد قال أبو حنيفة: تجب الزكاة فيها قولًا واحدًا، وصاحبها بالخيار إن شاء أدى من كل فرس دينارًا، وإن شاء قوَّمها، وأدى من كل مئتي درهم خمسة دراهم، وإن كانت إناثًا

(1)"بدائع الصنائع"(2/ 133، 135).

ص: 366

فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ (1)، وَلَيْسَ في تِسْعِينَ

===

منفردة أو ذكورًا منفردة ففيهما روايتان عنه، ذكرهما الطحاوي في "الآثار".

وقال أبو يوسف ومحمد: لا زكاة فيها كيفما كانت، وبه أخذ الشافعي، واحتجوا بهذا الحديث، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة"، وكل ذلك نص في الباب.

ولأن زكاة السائمة لا بد لها من نصاب مقدر كالإبل والبقر والغنم، والشرع لم يرد بتقدير النصاب في السائمة منها فلا يجب فيها زكاة السائمة كالحمير.

ولأبي حنيفة ما روي عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في كل فرسٍ سائمةٍ دينار، وليس في الرابطة شيء".

وروي أن عمر (2) بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في صدقة الخيل: أن خَيِّرْ أربابَها، فإن شاؤوا أدوا من كل فرس دينارًا، وإلا قَوِّمْها وخُذْ من كل مائتي درهم خمسة دراهم. وروي عن السائب بن يزيد رضي الله عنه: أن عمر رضي الله عنه لما بعث العلاء [بن] الحضرمي إلى البحرين أمره: أن يأخذ من كل فرس شاتين أو عشرة دراهم.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق"، فالمراد منه الخيار للركوب والغزو، لا للإسامة، بدليل أنه فرق بين الخيل والرقيق، والمراد منها عبيد الخدمة، ألا ترى أنه أوجب فيها صدقة الفطر، وصدقة الفطر إنما تجب في عبيد الخدمة، أو يحتمل ما ذكرنا فيحمل عليه عملًا بالدليلين بقدر الإمكان، انتهى ملخصًا.

(فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهمًا درهم، وليس) يجب (في تسعين

(1) وفي نسخة: "درهمًا".

(2)

في الأصل: "أن ابن عمر بن الخطاب"، وهو تحريف.

ص: 367

وَمِائَةٍ شَىْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ». [ت 620، ن 2477، جه 1790، دي 1629، حم 1/ 92، ق 4/ 118]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ كَمَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ، وَرَوَاهُ شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِىٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ (1).

وَرَوَى حَدِيثَ النُّفَيْلِىِّ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِىٍّ لَمْ يَرْفَعُوهُ أَوْقَفُوهُ عَلَى عَلِىٍّ.

===

ومئة شيء) من الزكاة، (فإذا بلغت) الدراهم (مئتين ففيها خمسة دراهم).

(قال أبو داود: روى هذا الحديث الأعمشُ (2) عن أبي إسحاق كما قال أبو عوانة) أي عن عاصم بن ضمرة، ولم يذكر الحارث الأعور، (ورواه شيبان أبو معاوية)(3) النحوي، (وإبراهيم بن طهمان (4)، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله)، فذكرا: عن الحارث عن علي، ولم يذكرا عاصمًا، (وروى حديث النفيلي) المتقدم (شعبةُ (5)، وسفيان (6)، وغيرهما، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي لم يرفعوه)، بل (أوقفوه على علي) حاصله: أنه وقع الاختلاف في رفعه ووقفه، فرفعه زهير وجرير بن حازم

(1) وزاد في نسخة: "قال أبو داود".

(2)

أخرج روايته أحمد (1/ 113)، والنسائي (5/ 37)، والدارقطني (2/ 126)، والبزار (2/ 265) رقم (678).

(3)

لم أقف على من أخرجها.

(4)

أخرج روايته الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 29).

(5)

أخرج روايته الشافعي في "الأم"(7/ 170)، وابن حزم في "المحلى"(6/ 23)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 94)، وابن زنجويه في "الأموال"(ص 856).

(6)

أخرج روايته عبد الرزاق (4/ 7) رقم (6796)، وابن أبي شيبة (3/ 117)، وأبو عبيد قاسم بن سلام في "الأموال"(ص 334)، والشافعي في "الأم"(7/ 170)، وابن حزم في "المحلى"(6/ 38).

ص: 368

1575 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ. (ح): وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فِى كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ: فِى أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَلَا يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا» - قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ: «مُؤْتَجِرًا بِهَا - فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ

===

وغيرهما عن أبي إسحاق، وأوقفه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق.

1575 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، أنا بهز بن حكيم، ح: وحدثنا محمد بن العلاء، أنا أبو أسامة، عن بهز بن حكيم، عن أبيه) حكيم بن معاوية، (عن جده) معاوية بن حَيدة بفتح المهملتين، بينهما تحتانية ساكنة، ابن معاوية بن قشير بن كعب القشيري، نزل البصرة، قال ابن سعد: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وَصَحِبَه، وقال ابن الكلبي: أخبرني أبي: أنه أدركه بخراسان، ومات بها.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في كل سائمة إبل: في أربعين بنت لبون) هذا محمول عند الشوافع وغيرهم على ما بعد مائة وعشرين؛ فإن مائة وعشرين تجب فيها حقتان، وليس فيها ابنة لبون مع أنه ثلاث أربعينات، وعندنا محمول على ما بعد مائة وخمسين، (لا يفرق إبل عن حسابها) أي لا يفرق المجتمع منها، فيتغير زكاة الإبل عن حسابها.

(من أعطاها) أي الزكاة (مؤتجرًا) من الأجر، أي طالبًا للأجر، (قال ابن العلاء) الشيخ الثاني للمصنف:(مؤتجرًا بها) فزاد ابن العلاء لفظ "بها"(فله) أي من يعطيها مؤتجرًا (أجرها) من الله تعالى (ومن منعها) أي لم يعطها (فإنا آخذوها) أي الزكاةَ (وشطرَ) أي نصف (ماله).

قال في "النهاية"(1): قال الحربي: غلط الراوي في لفظ الرواية، وإنما هو "وَشُطِّرَ مالُهُ"، أي يُجعل مالُه شطرين، ويتخير عليه المصدِّقُ فياْخذ الصدقة من خير النصفين عقوبةً لمنعه، فأما ما لا تلزمه فلا.

(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 473، 474).

ص: 369

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال الخطابي في قول الحربي: لا أعرف هذا الوجه، وقيل: معناه إن الحق مستوفى منه غير متروك عليه، وإن تَلِفَ شطرُ ماله كرجل كان له ألف شاة مثلًا، فتلفت حتى لم يبق له إلا عشرون، فيؤخذ منه عشر شياه لصدقة الألف، وهو شطر ماله الباقي، وهذا أيضًا بعيد؛ لأنه قال: إنَّا آخذوها وشطر ماله، ولم يقل: إنَّا آخِذُوا شطر ماله.

وقيل: إنه كان في صدر الإِسلام يقع بعض العقوبات في الأموال، ثم نُسِخَ كقوله في الثمر المعلَّق:"من خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبةُ"، وكقوله في ضالَّة الإبلِ المكتومة:"غرامتُها ومثلُها معها"، وكان عمر يحكم به فَغَرَّم حاطبًا ضِعْفَ ثمنِ ناقة المزني لَمَّا سرقها رقيقه، ونحروها، وله في الحديث نظائر.

وقد أخذ أحمد بن حنبل بشيء من هذا، وعمل به، وقال الشافعي في القديم: من منع زكاةَ ماله أُخِذَتْ منه، وأُخذ شطرُ ماله عقوبةً على منعه، واستدل بهذا الحديث، وقال في الجديد: لا يؤخذ منه إلَّا الزكاة لا غير، وجعل هذا الحديثَ منسوخًا، وقال: كان ذلك حيث كانت العقوبات في المال، ثم نُسِخَتْ، ومذهب عامة الفقهاء: أن لا واجب على مُتْلِفِ الشيء أكثر من مثله أو قيمته، انتهى.

وقال الحافظ في "التلخيص"(1): رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والحاكم والبيهقي من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، وقد قال يحيى بن معين: إسناد صحيح إذا كان [من] دون بهز ثقة. وقال أبو حاتم: هو شيخ يُكتَب حديثُه ولا يُحتج به. وقال الشافعي: ليس بحجة، وهذا الحديث لا يُثبته أهلُ العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به، وكان قال به في القديم، وسئل عنه أحمد فقال: ما أدري ما وجهه، فسئل عن إسناده فقال: صالح الإسناد،

(1)"التلخيص الحبير"(2/ 357) رقم (829).

ص: 370

عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عز وجل، لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ". [ن 2444، دي 1677، ق 4/ 116، ك 1/ 398، حم 5/ 2]

1576 -

حَدَّثَنَا النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذٍ: "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً،

===

يخطئ كثيرًا، ولولا هذا الحديث لأدخلته في الثقات، وهو ممن أستخير الله فيه، قال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا. وقال ابن الطلاع في أوائل "الأحكام": بهز مجهول، وقال ابن حزم: غير مشهور بالعدالة، وهو خطأ منهما، فقد وثقه خلق من الأئمة، وقد استوفيت ذلك في "تلخيص التهذيب".

وقال البيهقي وغيره: حديث بهز هذا منسوخ، وتعقبه النووي بأن الذي ادعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في أول الإِسلام ليس بثابت ولا معروف، ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ، والجواب عن ذلك ما أجاب به إبراهيم الحربي، ونقله ابن الجوزي في "جامع المسانيد" عن الحربي، انتهى.

(عزمة من عزمات ربنا عز وجل قال في "الدرجات": بزاي، أي: حق من حقوقه، وواجب من واجباته (ليس لآل محمد منها شيء)؛ لأنه لا يحل له الصدقة ولا لآله.

1576 -

(حدثنا النفيلي، نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن معاذ) بن جبل (1): (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وَجَّهه) أي معاذًا ((إلي اليمن) عاملًا عليه ومصدقًا (أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا)(2) أي ذَكَرًا (أو تبيعة) أي أنثى، قاله الإِمام السرخسي في "المبسوط" (3). قال: وذكورها وإناثها في

(1) اختلف في اتصاله وانقطاعه جدًّا بسطها القاري. [انظر: "مرقاة المفاتيح" 4/ 311 - 313]. (ش).

(2)

اختلف في معناه على أقوال بسطه ابن العربي (3/ 114، 115). (ش).

(3)

"المبسوط"(2/ 188).

ص: 371

وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ - يَعْنِى مُحْتَلِمًا - دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ - ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ -. [ت 623، ن 2450، جه 1803، دي 1623، حم 5/ 233]

===

الصدقة سواء، وكذلك في الأخذ، لا فرق بين الذكور والإناث في زكاة البقر بخلاف زكاة الإبل؛ فإنه لا يؤخذ فيها إلَّا الإناث، وهذا التقارب ما بين الذكور والإناث في الغنم والبقر، وتباين ما بينهما في الإبل، انتهى.

وقال (1) في زكاة الغنم: ويجوز في زكاة الغنم أخذ الذكور والإناث عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: لا يؤخذ الذكر إلَّا إذا كان النصاب كله ذكورًا؛ لأن منفعة النسل لا تحصل به، ويجوز في زكاة الذكور؛ لأن الواجب جزء من النصاب.

ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: "في أربعين شاةً شاةٌ"، واسم الشاة يتناول الذكر والأنثى جميعًا بالدليل الموجب فيه، انتهى.

(ومن كل أربعين مسنة (2)، ومن كل حالم - يعني محتلمًا -) والمراد به الرجل البالغ من أهل الذمة (دينارًا) على الجزية (أو عدله) أي ما يعادل قيمته ويساويه (من المعافر) ثم فسر المعافر بقوله:(ثياب تكون باليمن).

قال في "المجمع"(3): المعافري هو برود باليمن منسوبة إلى معافر "قبيلة"، وأيضًا قال فيه: ثوب منسوب إلى معافر بفتح ميم موضع باليمن، انتهى. واختلف النسخ، ففي بعضها: المعافر، وفي بعضها: المعافري.

(1) انظر: "المصدر السابق"(2/ 183).

(2)

قال ابن العربي (3/ 115): وفي البقر لا يؤخذ إلا مسنَّة لا مسن، فإن لم يكن عنده كلف بأن يأتي بها، وقال بعض أصحاب الشافعي: يكفي، وقال أبو حنيفة: إن كان كلها مسنة فيكفي مسن أيضًا. (ش).

(3)

"مجمع بحار الأنوار"(3/ 629).

ص: 372

1577 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَالنُّفَيْلِىُّ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. [انظر سابقه]

1578 -

حدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ، نَا أَبِي، عن سُفْيَانَ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي وَائِلٍ، عنِ مَسْرُوقٍ، عن مُعَاذِ بْنِ جَبَل، قَالَ:"بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ"، فَذكَرَ مِثْلَهُ لَمْ يَذْكُرْ "ثِيَابًا تَكُونُ بِالْيَمَنِ" وَلَا ذَكَرَ: يَعْنِي مُحْتَلِم. [انظر تخريج الحديث السابق]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ جَرِيرٌ، وَيَعْلَى، وَمَعْمَرٌ، وَشُعْبَةُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي وَائِلٍ، عن مَسْرُوقٍ، قَالَ يَعْلَى وَمَعْمَرٌ: عن مُعَاذٍ مِثْلَهُ.

===

1577 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة والنفيلي وابن المثنى قالوا: نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن إبراهيم، عن مسروق، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله).

1578 -

(حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، نا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ بن جبل، قال) مسروق، أو معاذ بن جبل، يجعل نفسه غائبًا:(بعثه (1) النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فذكر مثله) أي مثل الحديث المتقدم، وكان الحديث الأول عن أبي وائل عن معاذ، من غير واسطة مسروق بينهما، وذكرها هنا مسروقًا بينهما، فالظاهر أن أبا وائل سمع الحديث منهما جميعًا (لم يذكر) أي سفيان:(ثيابًا تكون باليمن، ولا ذكر: يعني محتلم).

(قال أبو داود: رواه جرير، ويعلى، ومعمر، وشعبة، وأبو عوانة، ويحيى بن سعيد، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، قال يعلى) بن عبيد (ومعمر: عن معاذ مثله).

(1) قال ابن العربي (3/ 107): فرَّق عليه السلام العمال بعد رجوعه عن الجعرانة. (ش).

ص: 373

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

حاصل هذا الكلام: أن الذين رووا هذا الحديث عن الأعمش اختلفوا فيها، فروى يعلي بن عبيد عن الأعمش، عن إبراهيم، وعن الأعمش، عن شقيق، عن مسروق قالا: قال معاذ، أخرجه البيهقي (1) والنسائي في "المجتبى"، وروى معمر والثوري عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ بن جبل، وكذلك روى أبو معاوية (2) عن الأعمش، عن مسروق، عن معاذ، أخرجه البيهقي في "السنن"، وكذلك ابن إسحاق، عن سليمان الأعمش، عن أبي وائل بن سلمة، عن معاذ بن جبل أخرجه النسائي، وكذلك مفضل بن مهلهل، عن الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن معاذ، أخرجه النسائي.

وأما رواية جرير، وشعبة، وأبي عوانة، ويحيى بن سعيد عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، ولم يذكروا عن معاذ بن جبل، ولم أجد هذه الروايات (3) فيما عندي من الكتب، وهم رووها مرسلة، ولم يذكروا عن معاذ، وقد أشار إليه الترمذي، فقال (4): وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن، فأمره أن يأخذ، وهذا أصح.

وقال في "التعليق المغني"(5): الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة،

(1) انظر: "السنن الكبرى"(4/ 98)، و"سنن النسائي"(2450، 2451، 2453).

(2)

وفي "السنن الكبرى" هكذا: أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن مسروق

(3)

قلت: رواية جرير أخرجها الهيثم بن كليب الشاشي في "مسنده"(3/ 253) رقم (1353)، ورواية شعبة أخرجها الطيالسي في "مسنده"(1/ 461) رقم (568)، والهيثم بن كليب في "مسنده"(3/ 250) رقم (134)، ورواية أبي عوانة أخرجها الهيثم بن كليب في "مسنده"(3/ 251) رقم (1352).

أما رواية يحيى بن سعيد فلم أعثر على من أخرجها.

(4)

"سنن الترمذي"(3/ 20).

(5)

"التعليق المغني مع سنن الدارقطني"(2/ 102).

ص: 374

1579 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: سِرْتُ أَوْ قَالَ: أَخْبَرَنِى مَنْ سَارَ مَعَ مُصَدِّقِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

===

قال الترمذي: حديث حسن. وقد رواه بعضهم مرسلًا، لم يذكر فيه معاذًا، وهذا أصح.

وفي "بلوغ المرام"(1) للحافظ، وشرحه للأمير اليماني: رواه الخمسة، واللفظ لأحمد، وحسنه الترمذي، وأشار إلى اختلاف في وصله، لفظ الترمذي بعد إخراجه: وروى بعضهم هذا الحديث عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق:"أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن، فأمره أن يأخذ"، قال: وهذا أصح. أي من روايته عن مسروق، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه ابن حبان والحاكم.

وإنما رجَّح الترمذي الرواية المرسلة؛ لأنها (2) اعترضت رواية الاتصال بأن مسروقًا لم يلق معاذًا، وأجيب عنه بأن مسروقًا همداني النسب من وادعة يماني الدار. وقد كان في أيام معاذ باليمن، فاللقاء ممكن بينهما، فهو محكوم باتصاله على رأي الجمهور، قلت: وكان رأيُ الترمذي رأيَ البخاري أنه لا بد من تحقق اللقاء، انتهى.

1579 -

(حدثنا مسدد، نا أبو عوانة، عن هلال بن خباب، عن ميسرة أبي صالح) مولى كندة، كوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، (عن سويد بن غفلة قال) سويد:(سرت أو قال) سويد: (أخبرني من سار مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم) لعل الشاكَّ ميسرة أبو صالح بأن سويدًا قال هذا أو ذاك، (فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمراد بالعهد ههنا الورقة التي كتب فيها الوصية لأحكام الزكاة وغيرها وهو السند.

(1) انظر: "سبل السلام شرح بلوغ المرام"(2/ 597).

(2)

وفي "سبل السلام": لأن رواية الاتصال اعترضت بأن

، وهو أوضح.

ص: 375

«أَنْ لَا تَأْخُذْ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ، وَلَا تَجْمَعْ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ» ، وَكَانَ إِنَّمَا يَأْتِى الْمِيَاهَ حِينَ تَرِدُ الْغَنَمُ فَيَقُولُ:"أَدُّوا صَدَقَاتِ أَمْوَالِكُمْ". قَالَ: فَعَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ - قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا صَالِحٍ، مَا الْكَوْمَاءُ؟ قَالَ: عَظِيمَةُ السَّنَامِ - قَالَ: فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. قَالَ: إِنِّى أُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ خَيْرَ إِبِلِى. قَالَ: فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، قَالَ: فَخَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا

===

(أن لا تأخذ من راضع لبن)، قال في "النهاية" (1): أراد بالراضع ذاتَ الدَّرِّ واللبن، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره: ذات راضع، فأما من غير حذف فالراضع: الصغير الذي هو بَعْدُ يَرْضَعُ، ونهيُه عن أخذها لأنها خيار المال، و"من" زائدة، كما تقول: لا تأكل من الحرام، أي لا تأكل الحرام، وقيل: هو [أن] يكون عند الرجل الشاة الواحدة أو اللِّقْحَة قد اتخذها للدرِّ، فلا يؤخذ منها شيء.

(ولا تجمع بين مفترق، ولا تفرق بين مجتمع، وكان) مصدق النبي صلى الله عليه وسلم (إنما يأتي المياه حين ترد الغنم) أي المياه للسقي (فيقول) لأرباب الأموال: (أدوا صدقات أموالكم. قال) سويد بن غفلة، أو من سار مع المصدق:(فعمد) أي قصد (رجل منهم) أي من أرباب الأموال (إلي ناقة كوماء. قال) هلال بن خباب: (قلت) أي لميسرة: (يا أبا صالح! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام) بفتح السين، وهو ما ارتفع من ظهر الإبل.

(قال) سويد أو من سار: (فأبى) المصدق (أن يقبلها، قال) رب المال: (إني أحب أن تأخذ خير إبلي، قال: فأبى أن يقبلها)؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه أن يأخذ خير المال (قال: فخطم) أي زمَّ؛ فإن الإبل كانت مرسلة من غير خطام ولا زمام، فلما أراد إعطاءها المصدق جعل برة زمامها في أنفها (له) أي للمصدق ناقة (أخرى دونها) أي أدنى من الأولى، (فأبى) المصدق (أن يقبلها) أي الثانية.

(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 230).

ص: 376

ثُمَّ خَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا فَقَبِلَهَا، وَقَالَ: إِنِّى آخِذُهَا وَأَخَافُ أَنْ يَجِدَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"عَمَدْتَ إِلَى رَجُلٍ فَتَخَيَّرْتَ عَلَيْهِ إِبِلَهُ". [ن 2457، قط 2/ 104 - 105]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ هُشَيْمٌ، عن هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا يُفَرَّقُ.

1580 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى لَيْلَى الْكِنْدِىِّ،

===

(ثم خطم له أخرى دونها فقبلها، وقال: إني آخذها، وأخاف) الواو للحال أو بمعنى مع (أن يجد) أي يغضب (علي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، يقول: عَمِدْتَ إلى رجل فَتَخَيَّرْتَ عليه إبلَه) أي فأخذت خير إبله.

(قال أبو داود: رواه هشيم، عن هلال بن خباب نحوه)(1) أي نحو حديث أبي عوانة (إلَّا أنه) أي هشيمًا (قال: لا يفرق)، وقد قال أبو عوانة في حديثه: لا تفرق، بصيغة الخطاب.

والفرق بينهما أن على رواية أبي عوانة خاطب المصدق، ونهاه عن التفريق. وعلى رواية هشيم بصيغة الغائب نهى رب المال عن التفريق بين المجتمع.

1580 -

(حدثنا محمد بن الصباح البزاز، نا شريك) بن عبد الله القاضي، (عن عثمان) بن المغيرة الثقفي مولاهم، أبو المغيرة الكوفي، وهو عثمان الأعشى، وهو عثمان (بن أبي زرعة) وهو عثمان الثقفي، كوفي ثقة (عن أبي ليلى الكندي) يقال: مولاهم، الكوفي، اسمه سلمة بن معاوية، وقيل: سعيد بن بشير، وقيل: المعلى، قال أحمد بن سعيد بن أبي مريم، عن ابن معين: ثقة مشهور، وفرق الحاكم أبو أحمد بين أبي ليلى الكندي سلمة بن معاوية،

(1) أخرج روايته ابن أبي شيبة (3/ 126)، والدارقطني (2/ 103)، والبيهقي (4/ 101).

ص: 377

عن سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: "أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأخَذْتُ بِيَدِهِ وَقَرَأْتُ في عَهْدِهِ: "لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ"، وَلَمْ يَذْكُرْ: "رَاضِعَ لَبَنٍ". [جه 1801، وانظر سابقه]

1581 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ الْمَكِّىِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى سُفْيَانَ الْجُمَحِىِّ،

===

روى عن سلمان وعنه أبو إسحاق، وبين أبي ليلى الكندي، عن سويد بن غفلة، وقال: إن هذا الثاني لم نقف على اسمه، ثم روى عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: سمعت ابن معين، وسئل عن أبي ليلى الكندي فقال: كان ضعيفًا. وقال العجلي: أبو ليلى الكندي كوفي تابعي ثقة، انتهى.

وقال في "الميزان"(1): أبو ليلى الكندي، عن سويد بن غفلة، ضعفه يحيى بن معين، وقيل: وثقه، وكأنهما اثنان، الثقة عن سلمان وخباب.

(عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق (2) النبي صلى الله عليه وسلم) لم أقف على تسميته، (فأخذت بيده) أي صافحته، (وقرأت في عهده) أي في صحيفته التي كتبت له فيها أحكام الصدقات:(لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، ولم يذكر) أبو ليلى الكندي عن سويد: (راضع لبن) أي حكمه بأنه لا يأخذه.

1581 -

(حدثنا الحسن بن علي، نا وكيع، عن زكريا بن إسحاق المكي، عن عمرو بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية (الجمحي) بمضمومة، وفتح ميم، وإهمال حاء، منسوب إلى جمح بن عمرو، وثقه ابن معين، والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: مستقيم

(1)"ميزان الاعتدال"(4/ 566) رقم (10549).

(2)

وذكر صاحب "الخميس"(2/ 118، 119): جملة من مصدقيه عليه السلام بعثهم هلال المحرم سنة 9 هـ. (ش).

ص: 378

عن مُسْلِمِ بْنِ ثَفِنَةَ الْيَشْكُرِيِّ - قَالَ الْحَسَنُ: رَوْحٌ يَقُولُ: مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ-

===

الحديث، (عن مسلم بن ثفنة اليشكري. قال الحسن) بن علي شيخي:(روح) مبتدأ (يقول) خبره: (مسلم بن شعبة) مفعول يقول، والجملة مقولة لقال.

حاصله أن الحسن بن علي روى عن وكيع، فقال في روايته عنه: مسلم بن ثفنة بثاء مثلثة مفتوحة، وفاء مكسورة، وقال في روايته عن روح أنه يقول: سلم بن شعبة بشين معجمة مضمومة، وعين مهملة ساكنة، وباء موحدة مفتوحة.

قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": مسلم بن ثفنة، ويقال: ابن شعبة البكري، ويقال: حجازي، قال وكيع: ابن ثفنة، وقال روح وغير واحد: عن زكريا، عن عمرو، عن مسلم بن شعبة، قال أحمد بن حنبل: أخطأ فيه وكيع، قال النسائي: لا أعلم أحدًا تابع وكيعًا على قوله: ابن ثفنة، وقال الدارقطني: وهم وكيع، والصواب: مسلم بن شعبة، ذكره ابن حبان في "الثقات".

قلت: بقية كلام أحمد في "مسنده": قال بشر بن السري متعجبًا من قول وكيع: هؤلاء (1) ولده ها هنا يعني بمكة، وقال البخاري: قال وكيع: مسلم بن ثفنة، ولا يصح، وقال الذهبي: لا يعرف، كذا قال، وحكاية أحمد عن بشير (2) تدل على شهرته، وفي سياق حديثه عند أحمد وغيره أنه كان عريف قومه، ولفضله استعمله ابن علقمة على عرافة قومه ليصدقهم، فبعثني أبي لآتيه بصدقتهم، انتهى.

قلت: وقد أخرج النسائي (3) حديث روح، وقال فيه: مسلم بن ثفنة، ولعله تصحيف من الكاتب.

(1) كذا في "التهذيب"(10/ 123) لعله تحريف، والصواب:"هو ذا"، كما في "مسند أحمد"(3/ 415).

(2)

كذا في الأصل، وفي "التهذيب" (10/ 123): بسر بالسين المهملة وكلاهما خطأ، والصواب: بشر بالشين المعجمة، كما في "المسند".

(3)

"سنن النسائي"(2463).

ص: 379

قَالَ: "اسْتَعْمَلَ نَافِعُ بْنُ عَلْقَمَةَ أَبِى عَلَى عِرَافَةِ قَوْمِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ. قَالَ: فَبَعَثَنِى أَبِى فِى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، فَأَتَيْتُ شَيْخًا كَبِيرًا يُقَالُ لَهُ: سَعْرٌ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِى بَعَثَنِى إِلَيْكَ - يَعْنِى لأُصَدِّقَكَ - قَالَ: ابْنَ أَخِى، وَأَىَّ نَحْوٍ تَأْخُذُونَ؟ قُلْتُ: نَخْتَارُ حَتَّى إِنَّا نَتَبَيَّنُ ضُرُوعَ الْغَنَمِ. قَالَ: ابْنَ أَخِى، فَإِنِّى أُحَدِّثُكَ أَنِّى كُنْتُ فِى شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ

===

(قال: استعمل نافع بن علقمة) فاعل لاستعمل (أبي) مفعوله (على عرافة) بكسر العين، والعريف هو القيم بأمور القبيلة، والجماعة، يلي أمورهم، ويتعرف الأمير منه أحوالهم، والعرافة عمله، (قومه) أي قوم أبي (فأمره) أي أمر نافع أبي (أن يصدقهم) أي يأخذ الصدقات منهم.

(قال) مسلم: (فبعثني أبي في) أي إلى (طائفة) جماعة (منهم، فأتيت شيخًا كبيرًا يقال له: سعر)(1) وفي نسخة: سعر بن ديسم، سعر بفتح أوله، وسكون ثانيه، وآخره راء مهملة، الدؤلي، قال الدارقطني وابن حبان: له صحبة، وذكره العسكري في المخضرمين، واختلف في اسم أبيه فقيل: سوادة، وقيل: ديسم، ويقال: إنه عامري، ويقال: إنه قدم الشام تاجرًا في الجاهلية، روى عن مصدقين للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان في الصحابة أيضًا.

(فقلت: إن أبي بعثني إليك، يعني لأصدقك) أي لآخذ صدقة مالك (قال) سعر: (ابنَ أخي) أي يا ابنَ أخي، بتقدير حرف النداء (وأيَّ نحو) أي بأي طريق (تأخذون) صدقات الأموال؟ (قلت: نختار) أي نأخذ خير أموالهم (حتى إنا نبين) من التبيين بمعنى: نقدر، أو بمعنى: نتبين، ويحتمل أن يكون من البين أي نميز، وفي نسخة: نشبر، أي: نذرع بالشبر، وفي نسخة: نسبر بالسين المهملة، أي: نختبر (ضروع الغنم، قال) سعر: (ابن أخي) بتقدير النداء (فإني أحدثك أني كنت في شعب من هذه الشعاب) الشعب ما انفرج من بين الجبلين،

(1) انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب"(3/ 487)، و"أسد الغابة"(2/ 320) رقم (2060).

ص: 380

عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى غَنَمٍ لِى، فَجَاءَنِى رَجُلَانِ عَلَى بَعِيرٍ، فَقَالَا لِى: إِنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْكَ لِتُؤَدِّىَ صَدَقَةَ غَنَمِكَ، فَقُلْتُ: مَا عَلَىَّ فِيهَا؟ فَقَالَا: شَاةٌ، فعمدتُ إِلَى شَاةٍ قَدْ عَرَفْتُ مَكَانَهَا مُمْتَلِئَةً مَحْضًا وَشَحْمًا، فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِمَا، فَقَالَا: هَذِهِ شَاةُ الشَّافِعِ، وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا، قُلْتُ: فَأَىَّ شَىْءٍ تَأْخُذَانِ؟ قَالَا: عَنَاقًا: جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً. قَالَ: فَأَعْمِدُ إِلَى عَنَاقٍ مُعْتَاطٍ - وَالْمُعْتَاطُ: الَّتِى لَمْ تَلِدْ وَلَدًا، وَقَدْ حَانَ وِلَادُهَا -

===

وقيل: الطريق فيه (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير، فقالا لي: إنا رسولا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليك لتؤدي) إلينا (صدقة غنمك).

(فقلت: ما) يجب (عليَّ فيها؟ فقالا: شاة، فعمدت) أي قصدت (إلى شاة قد عرفت مكانها) أي منزلتها في الشياه (ممتلئة محضًا) أي لبنًا (وشحمًا، فأخرجتها إليهما، فقالا: هذه شاة الشافع) أي ذات ولد لأنه شفعها ولدها، (وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ شافعًا، قلت: فأي شيء) من الشياه (تأخذان؟ قالا: عناقًا: جذعة (1) أو ثنية) والعناق هي الأنثى من أولاد المعز دون السنَّة، والجذع من المعز ما كانت في الثانية، ومن الإبل ما تم له أربع سنين، ومن البقر ما تمت له سنتان، ومن الضأن ما تمت له سنة، وقيل: أقل منها.

(قال) سعر: (فأعمد) أي قصدت (إلى عناق معتاط، والمعتاط: التي لم تلد ولدًا وقد حان ولادها).

قال في "النهاية": المعتاط من الغنم: التي امتنعت عن الحمل لسمنها وكثرة شحمها، وهي في الإبل: التي لا تحمل سنوات، وأصلها من الياء أو الواو، ويقال للناقة إذا طرقها الفحل فلم تحمل: هي عائط، فإذا لم تحمل السنة المقبلة أيضًا فهي عائطُ عيطٍ وعوطٍ. وتعوطت: إذا ركبها الفحل

(1) استدل بذلك من قال: إن الجذع يكفي في الزكاة، بخلاف الأضحية. (ش).

ص: 381

فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِمَا، فَقَالَا: نَاوِلْنَاهَا، فَجَعَلَاهَا مَعَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا". [ن 2462، حم 3/ 414]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو عَاصِمٍ رواه عَنْ زَكَرِيَّا، قَالَ أَيْضًا: مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ، كَمَا قَالَ رَوْحٌ.

1582 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائيُّ،

===

ولم تحمل، وقد اعتاطت اعتياطًا فهي معتاط. والذي جاء في سياق الحديث: أن المعتاط التي لم تلد وقد حان ولادها، وهذا بخلاف ما تقدم، إلَّا أن يريد بالولاد الحمل، أي أنها لم تحمل، وقد حان أن تحمل، وذلك من حيث معرفة سنها، وأنها قد قاربت السنن التي يحمل مثلها فيها، فسمى الحمل بالولادة، والميم والتاء زائدتان.

(فأخرجتها إليهما، فقالا: ناولناها، فجعلاها معهما على بعيرهما ثم انطلقا، قال أبو داود: أبو عاصم) ضحاك بن مخلد (رواه عن زكريا قال أيضًا: مسلم بن شعبة، كما قال روح).

غرض المصنف بهذا الكلام تقوية قول روح، وتضعيف قول وكيع بأن ما قال روح من قوله:"ابن شعبة" هو الراجح، وأما ما قال وكيع من قوله:"ابن ثفنة" فهو وَهم منه، ثم ساق حديث روح من غير طريق حسن بن علي، وفيه أيضًا مسلم بن شعبة.

1582 -

(حدثنا محمد بن يونس النسائي) قال الحافظ: روى عن روح بن عبادة وغيره، وروى عنه أبو داود (1)، وقال: كان ثقة، قلت: قال الذهبي: لا يكاد يُعْرَفُ، انتهى. وقال في "الميزان" (2): محمد النسائي عن العقدي وطبقته، فوثقه أبو داود، وحدث عنه، ولا يكاد يعرف.

(1) قال ابن رسلان: تفرد عنه أبو داود. (ش).

(2)

"ميزان الاعتدال"(4/ 74) رقم (8350).

ص: 382

حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ: مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ. قَالَ فِيهِ: "وَالشَّافِعُ الَّتِى فِى بَطْنِهَا الْوَلَدُ".

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَرَأْتُ فِى كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِحِمْصَ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْحِمْصِىِّ، عَنِ الزُّبَيْدِىِّ قَالَ: وَأَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،

===

(نا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق بإسناده) أي بإسناد زكريا المتقدم (بهذا الحديث، قال) فيه روح: (مسلم بن شعبة، قال) زكريا (فيه: والشافع التي في بطنها الولد).

(قال أبو داود: وقرأت في كتاب عبد الله بن سالم بحمص) وعبد الله بن سالم الأشعري أبو يوسف الحمصي، ثقة رمي بالنصب (عند آل عمرو بن الحارث الحمصي) وهو عمرو بن الحارث بن الضحاك الزبيدي، بضم الزاي، الحمصي، مقبول، (عن الزبيدي) هو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي بالزاي والموحدة مصغرًا، أبو الهذيل الحمصي، القاضي، ثقة ثبت، من كبار أصحاب الزهري.

(قال) عبد الله بن سالم: (وأخبرني يحيى بن جابر، عن جبير بن نفير) هكذا في جميع النسخ الموجودة عندي، وقال الحافظ في "الإصابة" (1) في ترجمة عبد الله بن معاوية الغاضري: روى حديثه أبو داود والطبراني من طريق يحيى بن جابر، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عبد الله بن معاوية الغاضري، وذكر الحديث. ثم قال: وأخرج البخاري في "تاريخه"(2) من طريق يحيى بن جابر، أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه، أن أباه حدثه، أن عبد الله بن معاوية الغاضري حدثهم قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما تزكيةُ المرءِ نفسَه؟ قال: "أن يعلم أن الله معه حيثما كان".

(1)"الإصابة"(2/ 363) رقم (4966).

(2)

(5/ 31).

ص: 383

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِىِّ - مِنْ (1) غَاضِرَةِ قَيْسٍ - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلَا يُعْطِى (2) الْهَرِمَةَ، وَلَا الدَّرِنَةَ (3) وَلَا الْمَرِيضَةَ، وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ، وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ، وَلَا (4) يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ» . [ق 4/ 96]

===

(عن عبد الله بن معاوية الغاضري، من غاضرة قيس) قال في "القاموس": وغاضرة قبيلة من أسد، وحي من صعصعة (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث) أي ثلاث خصال (من فعلهن فقد طعم) أي ذاق (طعم الإيمان)، وحصل له لذته وبشاشته وانشراحه.

(من عبد الله وحده) ولم يشرك به شيئًا في ذاته، وصفاته، وأفعاله

(و) اعتقد (إنه لا إله إلَّا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسُه، رافدة عليه) هو فاعلة من الرفد، وهو الإعانة، رفدتَه إذا أعنته، أي تعينه نفسه على أدائها (كل عام) لأن الزكاة لا تجب إلَّا بعد تمام الحول؛ فلو أدى قبل تمامه يكون أداؤها بطيب النفس ورغبتها على أدائها.

(ولا يُعطي الهرمة) أي كبيرة السنن، (ولا الدرنةَ) أي الجرباءَ، وأصله من الوسخ، (ولا المريضة) تعميم بعد تخصيص، (ولا الشرطَ اللئيمةَ) الشرط بفتح الشين والراء: صغار المال ورذالته، واللئيمة: الرذيلة والدنيئة (ولكن من وسط أموالكم؛ فإن الله لم يسألكم) أي لم يطلب منكم (خيره) أي خير المال (ولا يأمركم بشره).

(1) في نسخة: "عن".

(2)

وفي نسخة: "ولم يعط الهرمة".

(3)

وفي نسخة: "ولا الرديئة".

(4)

وفي نسخة: "لم".

ص: 384

1583 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: "بَعَثَنِى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ، فَلَمَّا جَمَعَ لِى مَالَهُ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ فِيهِ (1) إلَّا ابْنَةَ (2) مَخَاضٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَدِّ ابْنَةَ (3) مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَتُكَ، فَقَالَ: ذَاكَ (4) مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ، وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ فَخُذْهَا،

===

1583 -

(حدثنا محمد بن منصور، نا يعقوب بن إبراهيم، نا أبي) إبراهيم بن سعد، (عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد) ويقال: ابن أسعد (بن زرارة) الأنصاري النجَّاري المدني، قال العجلي: تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، قال ابن أبي حاتم: فرَّق البخاري بين الراوي عن أبي هريرة وبين الراوي عن أم هشام، وهما واحد.

(عن عمارة بن عمرو بن حزم) النجَّاري الأنصاري المدني، ثقة، استُشْهِدَ بالحرة، وقيل: مع ابن الزبير، (عن أبي بن كعب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقًا، فمررت برجل) له مال من الإبل (فلما جمع لي مالَه لم أجد عليه) أي على ذمته (فيه) أي ذلك المال (إلَّا ابنة مخاض، فقلت له: أَدِّ ابنةَ مخاض؛ فإنها صدقتك) التي وجبت عليك.

(فقال) ذلك الرجل: (ذاك) أي ابنة مخاض (ما لا لبن فيه ولا ظهر) أي لا ينتفع بها بلبنها ولا بالركوب عليها، (ولكن هذه) أشار إلى ناقة أخرى (ناقة فتية) أي شابة قوية (عظيمة سمينة فَخُذْها) فإنها ينتفع بها.

(1) في نسخة: "منه".

(2)

في نسخة: "بنت".

(3)

في نسخة: "بنت".

(4)

في نسخة: "ذلك".

ص: 385

فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنَا بِآخِذٍ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ، وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكَ قَرِيبٌ. فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَأْتِيَهُ فَتَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا عَرَضْتَ عَلَىَّ فَافْعَلْ، فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْكَ قَبِلْتُهُ، وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْكَ رَدَدْتُهُ. قَالَ: فَإِنِّى فَاعِلٌ، فَخَرَجَ مَعِى، وَخَرَجَ بِالنَّاقَةِ الَّتِى عَرَضَ عَلَىَّ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، أَتَانِى رَسُولُكَ لِيَأْخُذَ مِنِّى صَدَقَةَ مَالِى، وَأيْمُ اللَّهِ، مَا قَامَ فِى مَالِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا رَسُولُهُ قَطُّ قَبْلَهُ، فَجَمَعْتُ لَهُ مَالِى، فَزَعَمَ أَنَّ مَا عَلَىَّ فِيهِ ابْنَةُ مَخَاضٍ، وَذَلِكَ مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ، وَقَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِ نَاقَةً

===

(فقلت له: ما أنا بآخِذٍ ما لم أُؤمَرْ به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب، فإن أحببتَ أن تأتيه) أي تحضر عنده (فَتَعْرِضَ عليه ما عرضتَ عليَّ فَافْعَلْ، فإن قبله) رسول الله صلى الله عليه وسلم (منك) وتذكير الضمير مع أن المرجع الناقة باعتبار لفظ "ما"، (قبلته، وإن رده عليك رددته، قال: فإني فاعل، فخرج معي، وخرج بالناقة التي عَرَضَ عليَّ، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم).

(فقال) الرجل (له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا نبي الله! أتاني رسولك ليأخذ مني صدقةَ مالي، وأيم الله)، قال في "القاموس": اليمين: القسم، مؤنث لأنهم كانوا يتماسحون بأيمانهم، فيتحالفون، جمعه أَيْمُن وأيمان، وأيمن الله وأيم الله، ويكسر أولهما، وأيمَن الله بفتح الميم والهمزة، وتكسر، وإيم الله، بكسر الهمزة والميم، وقيل: ألفه ألف الوصل، وهَيم الله، بفتح الهاء وضم الميم، وأَم الله، مثلثة الميم، وإم الله بكسر الهمزة وضم الميم وفتحها، وَمُنِ الله بضم الميم وكسر النون، ومن الله مثلثة الميم والنون، وم الله مثلثة، وليم الله، وليمن الله: اسم وضع للقسم، والتقدير: أيمن الله قسمي.

(ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسوله) أي رسول رسول الله (قط قبله) أي قبل ذاك الزمان إلَّا في ذاك الوقت (فجمعت له مالي، فزعم) أي قال: (إن ما) أي الذي وجب (علي فيه) أي في المال (ابنة مخاض، وذلك) أي ابنة مخاض والتذكير باعتبار المال (ما لا لبنَ فيه ولا ظهرَ، وقد عرضت عليه ناقةً

ص: 386

عَظِيمَةً فتيَّةً لِيَأْخُذَهَا، فَأَبَى عَلَىَّ، وَهَا هِىَ ذِهِ قَدْ جِئْتُكَ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُذْهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«ذَاكَ الَّذِى عَلَيْكَ، فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَكَ اللَّهُ فِيهِ، وَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ» . قَالَ: فَهَا هِىَ ذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جِئْتُكَ بِهَا، فَخُذْهَا. قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَبْضِهَا، وَدَعَا لَهُ فِى مَالِهِ بِالْبَرَكَةِ". [حم 5/ 142، خزيمة 2277]

1584 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّىُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِىٍّ، عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «إِنَّكَ تَأْتِى قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ،

===

عظيمةً فتية ليأخذها، فأبى علي، وها) للتنبيه (هي) أي الناقة (ذِهْ) أي هذه الموجودة عندك، (قد جئتك بها يا رسول الله، خُذْها).

(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك) أي ابنة مخاض (الذي) وجبت (عليك) مبتدأ وخبر، (فإن تطوعت بخير) منها (آجرك الله فيه) أي في تطوع الخير، (وقبلناه منك، قال: فها هِيَ ذِهْ يا رسول الله! قد جئتك بها، فَخُذها، قال) أبي بن كعب: (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أُبيًّا (بقبضها، ودعا له في ماله بالبركة).

1584 -

(حدثنا أحمد بن حنبل، نا وكيع، نا زكريا بن إسحاق المكي، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) وهو يحيى بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن صيفي، ويقال: يحيى بن محمد، ويقال: يحيى بن عبد الله بن صيفي المكي، مولى بني مخزوم، ويقال: مولى عثمان، قال ابن معين والنسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كأنه (1) ثقة.

(عن أبي معبد) نافذ، مولى ابن عباس، (عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن) أميرًا وعاملًا عليها.

(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ) لأنهم كانوا أكثرهم

(1) كذا في الأصل، وفي "التهذيب" (11/ 242): كان ثقة.

ص: 387

فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً

===

النصارى واليهود، ولم يذكر المشركين لأنهم تبع لهم، (فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله) أي ادعهم إلى شهادة وحدانية الله تعالى، وإنكار التثليث، وَرَدِّ ألوهيةِ عزير، وشهادةِ رسالة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(فإن هم أطاعوك لذلك) أي الشهادتين (فأَعْلِمْهم) أي أخبِرْهم (أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، استدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع، وفيه أنه لا إشعار؛ لأن المترتب الإعلام بمعنى التكليف بالإتيان بتلك الأعمال في الدنيا، وهذا لا يخاطب به الكفار اتفاقًا؛ لأن القائل بتكليفهم بها في الدنيا إنما يقول: إنه بالنسبة للآخرة فقط حتى يعاقب عليها بخصوصها.

وقول ابن حجر (1): فيه دليل على أن الوتر ونحوه كالعيدين ليس بواجب؛ ليس في محله، إذ لا دلالة في الحديث نفيًا وإثباتًا على ما ذكره، مع أنه لم يقل بفرضية الوتر والعيدين أحد إجماعًا، والمفهوم غير معتبر عندنا، بل مفهوم العدد ساقط الاعتبار اتفاقًا، ويحتمل أنها وجبت بعد هذه القضية، أولم يذكرها كما لم يذكر الصوم مع أنه فُرِضَ قبل الزكاة.

(فإن هم أطاعوك لذلك) أي لوجوب الصلاة (2)(فأعلمهم أن الله افترض عليهم) بعد حولان الحول وشروطه المعتبرة في الوجوب (صدقة) أي زكاة

(1) انظر: "مرقاة المفاتيح"(4/ 118).

(2)

يشكل عليه الترتيب بين الزكاة والصلاة؛ فإنه لم يقل أحد: إن وجوب الزكاة يتوقف على قبول الصلاة، بخلاف الإِسلام، وأجاب عنه ابن العربي (3/ 118) بأن الحديث لترتيب البيان لا لترتيب الوجوب. (ش).

ص: 388

فِى أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». [خ 1395، م 19، ت 625، ن 2435، جه 1783، حم 1/ 233]

1585 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ،

===

(في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم) قال الطيبي (1): فيه دليل على أن الطفل يجب في ماله الزكاة، وزاد ابن حجر (2): المجنون، وفيه أن الضمير راجع إلى المكلفين وهما غير داخلين فيهم.

(وَتُرَدُّ (3) في فقرائهم) أي إن وُجِدُوا، (فإن هم أطاعوك لذلك) أي وجوب الزكاة (فإياك) أي اتق نفسك (وكرائمَ أموالهم) أي وخير أموالهم من نفسكَ، فإذا أخذت كرائم أموالهم يكونون مظلومين.

(واتقِ دعوة المظلوم) أي اجتنب منها (فإنها) دعوة المظلوم أليس بينها وبين الله حجاب) كناية عن التجنب عن الظلم، أي اجتنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، ونفي الحجاب تمثيل واستعارة لسرعة الاستجابة.

1585 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان) ويقال: سنان بن سعد الكندي المصري، روى ابن إسحاق

(1) انظر: "شرح الطيبي"(4/ 6).

(2)

انظر: "مرقاة المفاتيح"(4/ 118).

(3)

استدل به على عدم النقل، كذا في "العارضة"(3/ 118، 119)، واستدل به شارح الإقناع (2/ 392) لا يجوز دفع الزكاة والكفَّارة للجنِّي

إلخ، واستدل به الموفق أيضًا لا يجوز النقل إلى مسافة القصر، فإن نقل هل يجزئ؟ روايتان عندهم. (انظر:"المغني" 4/ 131، 132). (ش).

ص: 389

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُعْتَدِى (1) فِى الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا» . [ت 646، جه 1808، خزيمة 2335]

===

عن يزيد عنه أحاديث، سماه في بعضها: سعد بن سنان، وفي بعضها: سنان بن سعد.

وقال ابن حبان في "الثقات": أرجو أن يكون الصحيح سنان بن سعد، وقال ابن أبي خيثمة. سألت ابن معين عن سعد بن سنان الذي روى عنه يزيد بن أبي حبيب، فقال: ثقة، وقال الجوزجاني: سعد بن سنان أحاديثه واهية، وقال النسائي: منكر الحديث.

قلت: وقال ابن سعد: سنان بن سعد منكر الحديث، وحكى البخاري الخلافَ في اسمه، ثم قال: والصحيح سنان، وكذا صوَّبه يونس.

(عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المعتدي)(2) أي الساعي المتجاوز عن قدر الواجب (في الصدقة) أي في أخذها (كمانعها) أي كالذي يمنع ربَّ المال من أداء الزكاة في الوزر، وقيل: المالك المتعدي بكتم بعضها، أو وصفها على الساعي، حتى أخذ منه ما لا يجزئه، أو ترك عنه بعض ما هو عليه كمانعها من أصلها في الإثم، وقيل: المعتدي، هو الذي يعطيها غير مستحقها، وقيل: أراد الساعي إذا أخذ خيار المال؛ فإن المالك ربما يمنعها في السنة الأخرى، فكان ظلمًا للفقراء، فيكون هو في الإثم كالمانع، وقيل: هو الذي يجاوز الحد في الصدقة بحيث لا يُبقي لعياله شيئًا، وقيل: هو الذي يعطي، ويمن، ويؤذي؛ فالإعطاء مع المن والأذى كالمنع عن أداء ما وجب عليه، كذا قال القاري (3).

(1) في نسخة: "المتعدي".

(2)

وبلفظ الحديث بوب الترمذي (3/ 19)، وبسطه ابن العربي (3/ 145، 146). (ش).

(3)

"مرقاة المفاتيح"(4/ 313).

ص: 390