الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(320) بابٌ: في لَيْلَةِ الْقَدْرِ
===
وقال في "المدونة الكبري"(1) للإمام مالك بن أنس برواية عبد الرحمن بن القاسم عنه: قال ابن القاسم: وهو تسع وثلاثون ركعة بالوتر، ستة وثلاثون ركعة، والوتر ثلاث.
وقال الترمذي في "جامعه"(2): واختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة، وأكثر أهل العلم على ما روي عن علي وعمر وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي، وقال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة، وقال أحمد: روي في هذا ألوانٌ [و] لم يقض فيه بشيء، وقال إسحاق: بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب، انتهى.
(320)
(بَابٌ: في لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(3)
إنما سميت بها لأنها تقدر فيها الأرزاق وتكتب الآجال والأحكام التي تكون في تلك السنَّة لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (4)، وقوله تعالى:
(1)(2/ 56).
(2)
"سنن الترمذي"(3/ 170).
(3)
وفيها سبعة أبحاث، منها اختلاف النسخ، ووجه التسمية، وأنها مختصة بنا، وسبب العطية، واختلافهم في تعيين الليلة، ومختار الأئمة وغيرهم في ذلك، [والحكمة في إخفائها] كذا في "الأوجز"(5/ 367 - 379)، انتهى. وأتى صاحب "روضة المحتاجين" ضابطة في تعيينها فارجع إليه، وأوضح منه في "شرح الإقناع"(1/ 212) لكن في تعيينها فرق، ولم يتعرض لها صاحب "الأنوار" ولا صاحب "تحفة المحتاج" ولا صاحب "الوجيز"، ثم اختلفوا في أفضل ليالي السنة، فعند الشافعية كما في "الأنوار": أفضلها في حقنا ليلة المولد، فليلة القدر، فالإسراء، فعرفة، فالجمعة، فالنصف من شعبان، وبقية ليالي السنة على سواء. (ش).
(4)
سورة الدخان: الآية 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (1)، والقدر بهذا المعنى يجوز فيه تسكين الدال، فالمشهور تحريكه، وقيل: سمي بها لعظم قدرها وشرفها، والإضافة على هذا من قبيل حاتم الجود، وقيل: من أتى الطاعات فيها صار ذا قدر، أو أن الطاعات لها قدر زائد فيها.
قال الشامي (2): قال في "معراج الدراية": اعلم أن ليلة القدر ليلة فاضلة يستحب طلبها، وهي أفضل ليالي السنة، وكل عمل خير فيها يعدل ألف عمل في غيرها، وعن ابن المسيب: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ نصيبه منها، وعن الشافعي: العشاء والصبح، ويراها من المؤمنين من شاء الله تعالى، وينبغي لمن يراها أن يكتمها، ويدعو الله تعالى بالإخلاص، انتهى.
وفيها للعلماء أقوال بلغت ستة وأربعين.
وقال في "مراقي الفلاح"(3): وقال ابن مسعود: هي في كل السنة، وبه قال الإِمام الأعظم في المشهور عنه أنها تدور في السنة، وقد تكون في رمضان، وقد تكون في غيره، قاله قاضي خان.
قال الشامي: ويؤيده ما ذكره سلطان العارفين سيدي محيي الدين بن عربي (4) في "فتوحاته المكية" بقوله: واختلف الناس في ليلة القدر أعني في زمانها، فمنهم من قال: هي في السنَّة كلها تدور، وبه أقول، فإني رأيتها في شعبان، وفي شهر ربيع، وفي شهر رمضان، وأكثر ما رأيتها في شهر رمضان وفي العشر الآخر منه، ورأيتها في العشر الوسط من رمضان في غير ليلة وتر وفي الوتر منها، فأنا على يقين من أنها تدور في السنة في وتر وشفع من الشهر.
(1) سورة القدر: الآية 4.
(2)
"رد المحتار"(3/ 446).
(3)
(ص 264).
(4)
انظر ترجمته في: "شذرات الذهب"(5/ 190 - 202) و"ميزان الاعتدال"(3/ 108) و"البداية والنهاية"(13/ 156).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال في "مراقي الفلاح": وفي "المبسوط": أن المذهب عند أبي حنيفة أنها تكون في رمضان، لكنها تتقدم وتتأخر، وعندهما لا تتقدم ولا تتأخر.
وقال في "الاعتكاف"(1) بعد نقل الحديث: وعن هذا ذهب الأكثر إلى أن ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان، فمنهم من قال: في ليلة إحدى وعشرين، ومنهم في سبع وعشرين، وفي "الصحيح":"التمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر"، وعن أبي حنيفة أنها في رمضان، ولا يدرى أي ليلة هي، وقد تتقدم وقد تتأخر، وعندهما كذلك إلَّا أنها معينة لا تتقدم ولا تتأخر، والمشهور أنها تدور في السنة كما قدمنا في إحياء الليالي، وقيل: في أول ليلة من رمضان، وقيل: ليلة تسع وعشرين. وقال زيد بن ثابت: ليلة أربع وعشرين، وقال عكرمة: ليلة خمس وعشرين.
وأجاب أبو حنيفة (2) عن الأدلة المفيدة لكونها في العشر الأواخر بأن المراد في ذلك الرمضان الذي التمسها عليه الصلاة والسلام فيه، ومن علامتها أنها بُلْجَةٌ ساكنة، لا حارة ولا قارة، تطلع الشمس صبيحتها بلا شعاع كأنها طست، وإنما أخفيت ليجتهد في طلبها، فينال بذلك أجر المجتهد في العبادة، كما أخفى الله سبحانه الساعة ليكونوا على وجل من قيامها بغتة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال الشوكاني (3): وقد اختلف العلماء فيها على أقوال كثيرة، ذكر منها
(1)"مراقي الفلاح"(ص 461).
(2)
قلت: وهكذا أجاب الشافعي عن اختلاف الروايات في ذلك بما حكاه الترمذي عنه بأنه عليه السلام كان يجيب، على نحو ما يسأل عنه، يقال: نلتمسها في ليلة كذا؟ فيقول: التمسوها في ليلة كذا. (ش).
(3)
"نيل الأوطار"(3/ 262).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في "فتح الباري"(1) ما لم يذكره غيره، وسنذكر ذلك على طريق الاختصار، فنقول:
القول الأول: أنها رفعت، حكاه المتولي عن الروافض، والفاكهاني عن الحنفية (2)، قلت: لم أجد هذا القول أصلًا في كتب الحنفية.
الثاني: أنها خاصة بسنة واحدة وقعت في زمنه صلى الله عليه وسلم، حكاه الفاكهاني.
الثالث: أنها خاصة بهذه الأمة، جزم به جماعة من المالكية.
الرابع: أنها ممكنة في جميع السنة، وهو المشهور عن الحنفية، وحكي عن جماعة من السلف.
الخامس: أنها مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه.
السادس: أنها في ليلة معينة مبهمة، قاله النسفي.
السابع: أنها أول ليلة من رمضان؛ حكي عن أبي رزين العقيلي الصحابي.
الثامن: أنها ليلة النصف من رمضان، حكاه ابن الملقن.
التاسع: أنها ليلة النصف من شعبان، حكاه القرطبي في "المفهم".
العاشر: أنها ليلة سبع عشرة من رمضان.
الحادي عشر: أنها مبهمة في العشر الوسط.
الثاني عشر: أنها ليلة ثمان عشرة.
الثالث عشر: ليلة تسع عشرة.
(1)"فتح الباري"(4/ 262 - 267).
(2)
قال الحافظ: كأنه خطأ منه (أي الفاكهاني) والذي حكاه السروجي أنه من قول الشيعة. انظر: "فتح الباري". (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الرابع عشر: أول ليلة من العشر الأخير، وإليه مال الشافعي.
الخامس عشر: مثل إلى ذي قبله إلَّا أنه إن كان الشهر تامًّا فهي ليلة العشرين، وإن كان ناقصًا فليلة إحدى وعشرين.
السادس عشر: ليلة اثنين وعشرين.
السابع عشر: ليلة ثلاث وعشرين، وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة والتابعين.
الثامن عشر: أنها ليلة الرابع وعشرين.
التاسع عشر: أنها ليلة خمس وعشرين، حكاه ابن الجوزي عن أبي بكرة.
العشرون: ليلة ست وعشرين، وهو قول لم أره صريحًا إلا أن عياضًا قال: ما من ليلة من ليالي العشر الأخير، إلَّا وقد قيل فيها: إنها ليلة القدر.
الحادي والعشرون: ليلة سبع وعشرين.
الثاني والعشرون: ليلة الثامن والعشرين.
والثالث والعشرون: أنها ليلة تسع وعشرين، حكاه ابن العربي.
الرابع والعشرون: أنها ليلة الثلاثين، حكاه عياض.
الخامس والعشرون: أنها في أوتار العشر الأخير، قال في "الفتح" (1): وهو أرجح الأقوال.
السادس والعشرون: مثله بزيادة الليلة الأخيرة.
السابع والعشرون: تنتقل في العشر الأواخر كلها، قاله أبو قلابة، ونص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحاق.
(1)"فتح الباري"(4/ 265).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الثامن والعشرون: مثله إلَّا أن بعض ليالي العشر أرجى من بعض.
التاسع والعشرون: مثل السابع والعشرين إلَّا أن أرجاها ليلة ثلاث وعشرين.
الثلاثون: كذلك إلَّا أن أرجاها ليلة سبع وعشرين.
الحادي والثلاثون: أنها تنتقل في جميع السبع الأواخر، وقد اختلف أهل هذا القول هل المراد ليالي السبع من آخر الشهر أو آخر سبعة تعد من الشهر؟ ويخرج من ذلك القول الثاني والثلاثون.
والقول الثالث والثلاثون: أنها تنتقل في النصف الأخير، ذكره صاحب "المحيط" عن أبي يوسف ومحمد.
الرابع والثلاثون: ليلة ست عشرة أو سبع عشرة.
الخامس والثلاثون: ليلة سبع عشرة، أو تسع عشرة، أو إحدى وعشرين.
السادس والثلاثون: أول ليلة من رمضان أو آخر ليلة منه.
السابع والثلاثون: ليلة تسع عشرة، أو إحدى عشرة، أو ثلاث وعشرين.
الثامن والثلاثون: أول ليلة، أو تاسع ليلة، أو سابع عشرة أو إحدى وعشرين أو آخر ليلة.
التاسع والثلاثون: ليلة ثلاث وعشرين، أو سبع وعشرين.
الأربعون: ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الحادي والأربعون: أنها منحصرة في السبع الأواخر، في الفرق بينه وبين القول الحادي والثلاثين خَفَاءٌ.
الثاني والأربعون: ليلة اثنين وعشرين، أو ثلاث وعشرين.
الثالث والأربعون: أنها في أشفاع العشر الوسط، والعشر الأواخر.
الرابع والأربعون: أنها الليلة الثالثة من العشر الأواخر، أو الخامسة منه، والفرق بينه وبين ما تقدم: أن الثالثة تحتمل ليلة ثلاث وعشرين، وتحتمل ليلة سبع وعشرين، فتنحل إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، وبهذا يتغاير هذا القول مما مضى.
الخامس والأربعون: أنها في سبع أو ثمان من أول النصف الثاني.
السادس والأربعون: أنها في أول ليلة أو آخر ليلة أو الوتر من الليل.
قال الحافظ (1): هذا آخر ما وقفت عليه من الأقوال وبعضها يمكن رده إلى بعض، وإن كان ظاهرها التغاير، وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى، وعشرين، أو ثلاث وعشرين، وعند الجمهور ليلة سبع وعشرين.
واختلفوا هل لها علامة تظهر لمن وُفِّقَتْ له أم لا؟ فقيل: يرى كل شيء ساجدًا، وقيل: الأنوار في كل مكان ساطعة حتى في المواضع المظلمة. وقيل: يسمع سلامًا أو كلامًا (2) من الملائكة، وقيل: علامتها استجابة دعاء من وفقت له، واختار الطبري أن جميع ذلك غير لازم، وأنه لا يشترط لحصولها رؤية شيء ولا سماعه.
(1)"فتح الباري"(4/ 266).
(2)
في "فتح الباري": خطابًا.
1378 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ - الْمَعْنَى - قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ قَالَ: قُلْتُ لأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ: أَخْبِرْنِى عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، فَإِنَّ صَاحِبَنَا سُئِلَ (1) عَنْهَا، فَقَالَ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْهَا،
فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِى رَمَضَانَ - زَادَ مُسَدَّدٌ: وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يَتَّكِلُوا، أَوْ: أَحَبَّ أَنْ لَا يَتَّكِلُوا، ثُمَّ اتَّفَقَا - وَاللَّهِ إِنَّهَا لَفِى رَمَضَانَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَا يَسْتَثْنِى. قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَنَّى عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِالآيَةِ الَّتِى أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2)، قُلْتُ لِزِرٍّ: مَا الآيَةُ؟ قَالَ: "تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ
===
1378 -
(حدثنا سليمان بن حرب ومسدد، المعنى) أي معنى حديثهما واحد (قالا: نا حماد، عن عاصم) بن أبي النجود، (عن زر) بن حبيش (قال: قلت لأبي بن كعب: أخبرني عن ليلة القدر) أي عن تعيين وقتها (يا أبا المنذر) كنية أبي بن كعب، (فإن صاحبنا سئل عنها فقال: من يقم الحول يصبها) ولفظ مسلم في "صحيحه": يقول: سألت أبي بن كعب فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر.
(فقال) أي أبي: (رحم الله أبا عبد الرحمن) كنية ابن مسعود (والله لقد علم) أي ابن مسعود (أنها) أي ليلة القدر (في رمضان. زاد مسدد: ولكن كره أن يتكلوا) فلا يلتمسوها إلَّا في الليلة الواحدة المعينة (أو) للشك من الراوي (أحب أن لا يتكلوا، ثم اتفقا، والله إنها) أي ليلة القدر (لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني) ولفظ مسلم: ثم حلف لا يستثني، أي ما قال: إن شاء الله.
(قلت: يا أبا المنذر أنى) أي كيف (علمت ذلك؟ قال) أبي: (بالآية) أي العلامة (التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بها (قلت لزر) والقائل عاصم: (ما الآية؟ قال: تصبح الشمس) أي تطلع (صبيحة
(1) في نسخة: "يسأل".
(2)
زاد في نسخة: "قال".
تِلْكَ اللَّيْلَةِ مثلَ الطَّسْتِ، لَيْسَ لَهَا (1) شُعَاعٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ" [م 762، ت 793، حم 5/ 130، خزيمة 2191، حب 3689، ق 4/ 312]
1379 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ (2)، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ،
===
تلك الليلة مثل الطست، ليس لها شعاع حتى ترتفع).
قال النووي (3): الشعاع بضم الشين، قال أهل اللغة: هو ما يرى من ضوئها عند بروزها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك إذا نظرت إليها، وقال القاضي عياض: وقيل: بل لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها ونزولها إلى الأرض وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها، انتهى.
1379 -
(حدثنا أحمد بن حفص) بن عبد الله بن راشد السلمي النيسابوري قاضيها، أبو علي بن أبي عمرو، قال النسائي في أسماء شيوخه: ثقة، وقال أيضًا: لا بأس به، صدوق، قليل الحديث، (حدثني أبي) حفص بن عبد الله بن راشد السلمي، أبو عمرو النيسابوري قاضيها، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(حدثني إبراهيم بن طهمان) بمهملة مفتوحة وسكون هاء وبنون، ابن شعبة الخراساني، أبو سعيد، ولد بهراة، وسكن نيسابور، وقدم بغداد، ثم سكن مكة إلى أن مات، قال أحمد وأبو حاتم وأبو داود: ثقة، وكذا وثقه غيرهم، وقال الدارقطني: ثقة، إنما تكلموا فيه للإرجاء.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(4): قلت: الحق فيه أنه ثقة صحيح
(1) في نسخة: "فيها".
(2)
زاد في نسخة: "ابن عبد الله إلى السلمي".
(3)
"شرح صحيح مسلم"(4/ 322).
(4)
(1/ 131).
عَنْ عَبَّادِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِىِّ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كُنْتُ فِى مَجْلِسِ بَنِى سَلِمَةَ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ فَقَالُوا: مَنْ يَسْأَلُ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَذَلِكَ صَبِيحَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجْتُ فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ قُمْتُ بِبَابِ بَيْتِهِ فَمَرَّ بِى، فَقَالَ:
===
الحديث إذا روى عنه ثقة، ولم يثبت غلوه في الإرجاء، ولا كان داعية إليه، بل ذكر الحاكم أنه رجع عنه، والله أعلم.
(عن عباد بن إسحاق) ويقال له: عبد الرحمن بن إسحاق، (عن محمد بن مسلم الزهري، عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس) الجهني، حليف الأنصار، المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات"، أخرج له أبو داود والنسائي حديثًا واحدًا في ذكر ليلة القدر.
(عن أبيه) عبد الله بن أنيس (قال: كنت في مجلس بني سلمة) قال في "المغني"(1): وبنو سلمة القبيلة من الأنصار فبكسرها أي اللام، وفي "الأنساب" (2) للسمعاني: السَّلَمي هذه النسبة بفتح السين المهملة وفتح اللام، إلى بني سلمة، حي من الأنصار، منها جماعة، فهم سَلَمِيُّون، وهذه النسبة وردت على خلاف القياس، وهذه النسبة عند النحويين، وأصحاب الحديث يكسرون اللام على غير قياس النحويين.
(وأنا أصغرهم فقالوا: من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر) ولم يسألوه بأنفسهم، لأنهم يهابونه ويعظمونه (وذلك صبيحة) ليلة (إحدى وعشرين من رمضان، فخرجت) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوافيت) أي وافقت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم قمت بباب بيته فَمرَّ بي، فقال:
(1)(ص 131).
(2)
(3/ 280).
ادْخُلْ) (1) ، فَدَخَلْتُ، فَأُتِىَ بِعَشَائِهِ فَرَأيتني (2) أَكُفُّ عَنْهُ مِنْ قِلَّتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:«نَاوِلْنِى (3) نَعْلِى» ، فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ، فَقَالَ:«كَأَنَّ لَكَ حَاجَةً؟ » قُلْتُ (4): أَجَلْ أَرْسَلَنِى إِلَيْكَ رَهْطٌ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ:«كَمِ اللَّيْلَةُ؟ » فَقُلْتُ (5): اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ، قَالَ:«هِىَ اللَّيْلَةُ» ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ:«أَوِ الْقَابِلَةُ» ، يُرِيدُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ". [السنن الكبرى للنسائي 3401]
1380 -
حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبرَاهِيمَ، عن ابْنِ عَبْدِ الله بْنِ أنيْسٍ الْجُهَنِيِّ،
===
ادخل) البيت (فدخلت، فأتي بعشائه) أي طعام العشاء (فرأيتني أكف) أي يدي (عنه) أي الطعام (من) أجل (قلته، فلما فرغ) من الطعام (قال: ناولني) أي أعطني (نعلي) فناولته.
(فقام: وقمت معه، فقال: كأن لك حاجة؟ قلت: أجل) أي لي حاجة وهي (أرسلني إليك وهي من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر) أي عن تعيينها (فقال: كم الليلة؟ ) أي هذه (فقلت: اثنتان وعشرون، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي) أي ليلة القدر هذه (الليلة، ثم رجع) عن قوله (فقال: أو القابلة) أي الليلة المقبلة (يريد ليلة ثلاث وعشرين).
1380 -
(حدثنا أحمد بن يونس، نا زهير، نا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم، عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني) قال في "التقريب": ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه في ذكر ليلة القدر، هو ضمرة، وقيل: عمرو.
(1) في نسخة: "ادخل ادخل".
(2)
في نسخة: "فرآني".
(3)
في نسخة: "ناولوني".
(4)
في نسخة: "فقلت".
(5)
في نسخة: "فقال".
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِى بَادِيَةً أَكُونُ فِيهَا وَأَنَا أُصَلِّى فِيهَا بِحَمْدِ اللَّهِ، فَمُرْنِى بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ» ، فَقُلْتُ لاِبْنِهِ: فكَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّىَ الصُّبْحَ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ، وَجَدَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَلَحِقَ بِبَادِيَتِهِ". [خزيمة 2200، ق 4/ 310]
1381 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فِى تَاسِعَةٍ تَبْقَى،
===
(عن أبيه) أي عبد الله بن أنيس (قال: قلت: يا رسول الله إن لي بادية) البادية الصحراء والبرية (أكون فيها) أي أسكن فيها (وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمرني بليلة) معينة عظيمة القدر (أنزلها إلى هذا المسجد) أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
(فقال: أنزل ليلة ثلاث وعشرين، فقلت) هذا قول محمد بن إبراهيم (لابنه) أي ابن عبد الله بن أنيس: (فكيف كان أبوك يصنع؟ قال) ابن عبد الله: (كان) أبي (يدخل المسجد إذا صلَّى العصر) من يوم الثاني والعشرين (فلا يخرج (1) منه لحاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلَّى الصبح) أي فرغ من صلاة الصبح (وجد دابته على باب المسجد، فجلس) أي ركب (عليها فلحق بباديته) التي يسكن فيها.
1381 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا وهيب، نا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التمسوها) أي اطلبوا ليلة القدر (في) ليالي (العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى) أي مما بقي وهي الليلة الحادية
(1) وفي "شرح السنَّة" و"المصابيح": ولم يخرج إلا في حاجة، كذا في "المرقاة"(4/ 593). (ش).
وَفِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، وَفي خَامِسةٍ تَبْقَى". [خ 2021، حم 1/ 231، ق 4/ 309]
(321)
بابٌ: فِيمَنْ قَالَ: لَيْلَةُ (1) إِحْدَى وَعِشْرِينَ
1382 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَتْ (2) لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ - وَهِىَ اللَّيْلَةُ الَّتِى يَخْرُجُ فِيهَا مِنَ اعْتِكَافِهِ -
===
والعشرون، (وفي سابعة تبقى) وهي الليلة الثالثة والعشرون، (وفي خامسة تبقى) وهي الليلة الخامسة والعشرون باعتبار كون الشهر تسعة وعشرين يومًا، لأنها المتيقن.
(321)
(بَابٌ: فِيمَنْ قَالَ: ) ليلة القدر (ليلة إِحْدَى وَعِشْرينَ)
1382 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوسط (3) من رمضان، فاعتكف عامًا) أي العشر الأوسط على ما كان يعتكفه (حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة (4) التي يخرج فيها من اعتكافه) العشر الأوسط.
(1) زاد في نسخة: "القدر"
(2)
في نسخة: "كان".
(3)
أشكل التوصيف بالمذكر، وأوَّله الحافظ (4/ 257) بإرادة الوقت والزمان، والقاري (4/ 583) بأن اللفظ مذكر والمعنى مؤنث، كذا في "الأوجز"(5/ 381)(ش).
(4)
ظاهره أن الخطبة كانت في هذه الليلة، والصواب أنها في صبيحة عشرين كما بسط في "الأوجز"(5/ 383). (ش).
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمُطِرَتِ السَّمَاءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ (2)، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ رَسُولَ اللَّهِ (3) صلى الله عليه وسلم وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. [خ 2018، م 1167، ن 1356، ط 1/ 319/ 9]
1383 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِى نَضْرَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
===
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان اعتكف معي) أي العشر الأوسط (فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة) أي ليلة القدر (ثم أنسيتها) ولكني أحفظ علامتها (وقد رأيتني أسجد من صبيحتها) أي صبيحة تلك الليلة (في ماء وطين) فهذه علامتها (فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر) من العشر الأواخر.
(قال أبو سعيد: فمطرت السماء من تلك الليلة) أي ليلة إحدى وعشرين (وكان المسجد) أي سقف المسجد مبنيًا (على عريش، فوكف المسجد) أي سأل سقف المسجد وتقاطر المطر منه (فقال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته) أي والحال أن على جبهته (وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين).
1383 -
(حدثنا محمد بن المثنى، نا عبد الأعلى، نا سعيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) في نسخة: "فالتمسها".
(2)
زاد في نسخة: "قال".
(3)
في نسخة: "النبي".
«الْتَمِسُوهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْتَمِسُوهَا فِى التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» . قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا. قَالَ: أَجَلْ (1)، قُلْتُ: مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ؟ قَالَ: إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا التَّاسِعَةُ، وَإِذَا (2) مَضَى ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا السَّابِعَةُ، وَإِذَا (3) مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا الْخَامِسَةُ". [م 1167، حم 3/ 10]
===
التمسوها) أي ليلة القدر (في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة (4) والسابعة والخامسة) من جانب آخر الشهر.
(قال قلت: يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا. قال: أجل، قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال) أبو سعيد: (إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها) أي الليلة التي تتصلها وهي الثانية والعشرون (التاسعة، فإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها) أي الليلة التي تلحقها (السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة).
وقد أخرج مسلم هذا الحديث في "صحيحه"(5). بهذا السند وفيه إشكال، فإن هذا الحديث يدل على أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في أشفاعها (6) لا في أوتارها. والحديث المتقدم عن أبي سعيد فيه تصريح
(1) زاد في نسخة: "قال".
(2)
في نسخة: "فإذا".
(3)
في نسخة: "فإذا".
(4)
له خمسة معان، بسطت في "الأوجز"(5/ 398)، وفي بعض الروايات: في تسع بقين. وهذا يحتمل معنى خاصًا، وهو أن المقصود طلبه في تسعة أيام، فإن لم يستطع ففي سبعة أيام، فإن لم يستطع ففي خمسة أيام متواليات، "العرف الشذي"(1/ 306). (ش).
(5)
"صحيح مسلم"(1167).
(6)
وفي الأصل: "شفعاتها"، وهو تحريف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
بأن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في كل وتر، بل في ليلة إحدى وعشرين خاصة.
فلا يمكن الجواب عنه إلَّا بأن يقال: إن الغرض من هذا الكلام ليس إلَّا بيان معنى التاسعة والسابعة وغيرها بأنها تطلق على اثنتين وعشرين وأربع وعشرين، وكذا غيرها باعتبار أن يكون الشهر تامًا ثلاثين يومًا، وليس المراد بيان كون ليلة القدر فيها، لأنه مخالف لما صح عنه أنها في الأوتار، بل في إحدى وعشرين.
فالحاصل أن إطلاق التاسعة والسابعة يكون بطريقين، إما أن يطلق باعتبار كون الشهر تسعًا وعشرين، أو يكون الشهر ثلاثين، فعلى الأول يكون التاسع إحدى وعشرين، والسابع ثلاثًا وعشرين، وباعتبار الثاني يكون التاسع اثنتين وعشرين، والسابع أربعًا وعشرين، فالمقصود بيان الإطلاق فقط لا بيان ليلة القدر.
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه - رحمه الله تعالى- في هذا المحل: ظاهره مشعر بكون ليلة القدر عنده في المزدوج من الليالي، لأن التاسعة باعتبار العدد من الآخر، واعتبار الشهر ثلاثين إنما هو الثاني والعشرون كما صرح به، وهذا مخالف لما رواه الثقات، ولرواية نفسه أيضًا كما تقدم، فلا يصح الجواب يكون ذلك مذهبه كما أجاب به النووي، بل الحق في الجواب أنه اعتبر الشهر ثلاثين للإفهام، وتصويرًا للمسألة (1)، وتقريرًا لها في ذهن السامع، ثم العبرة لتسع وعشرين لا محالة فالتاسعة بذلك هي الليلة الوتر ليلة إحدى وعشرين وكذلك ما بعدها، انتهى.
ويحتمل أن يكون معنى قوله: فالتمسوها في السابعة والخامسة، أي التمسوها ليلة القدر في الليلة التي تبقى التاسعة بعدها، وفي الليلة التي تبقى
(1) وفي الأصل: "تصوير المسألة" وهو تحريف، والصواب ما أثبته.