الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(346) بابُ الْقُنُوتِ في الصَّلَوَاتِ
===
وقال الآخرون: إذا أوتر من أول الليل، ثم قام من آخره، يصلي ما بدا له من صلاة التهجد ولا ينقض وتره، لأنه لا يجوز نقضه بل لا يمكن، لأن الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره، فإذا هو نام بعد ذلك، ثم قام وتوضأ وصلَّى ركعة أخرى، فهذه صلاة غير تلك الصلاة، وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل، فلا يصيران صلاة واحدة، وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام في الغالب، وإنما هما صلاتان متباينتان كل واحدة منهما غير الأولى، فمن فعل ذلك فقد أوتر مرتين، بل ثلاث مرات، مرة في أول الليل، ومرة ثانية بهذه الركعة التي صلَّى ينوي نقض الوتر، ثم إذا هو أوتر أيضًا في آخر صلاته صار موترًا ثلاث مرات في ليلة واحدة، وخالف قوله صلى الله عليه وسلم:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، لأنه جعل الوتر في مواضع من الليل في أولها وأوسطها وآخرها، وخالف قوله صلى الله عليه وسلم:"لا وتران في ليلة"، لأنه زاد على وترين، وأوتر ثلاث مرات، وهذا قول أبي حنيفة وغيرهم من الأئمة، وقالوا: إن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم"، الحديث، ليس للوجوب، لأنه قد تقدم أنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلَّى السبحة بعد الوتر، والله تعالى أعلم.
وأما أداء طلق بن علي صلاة التراويح مرتين، فيمكن أن يوجه أنه صلَّى عند ابنه قيس بن طلق بعضها مع الوتر، ثم صلَّى ما بقي منها بأصحابه في مسجده (1).
(346)
(بَابُ الْقُنُوتِ) أي: الدعاء (في الصَّلَوَاتِ) أي: المكتوبات
قلت: قد عقد صاحب "منتقى الأخبار" "باب القنوت في المكتوبة عند
(1) ووجه الشيخ الكَنكَوهي بأنه صلَّى أولًا التراويح في مسجد ابنه، ثم صلَّى في آخر الليل التهجد في مسجده، ولم يوتر بعده لما أنه قد أوتر مع التراويح. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
النوازل وتركه في غيرها"، وأورد فيه حديث (1) أبي مالك الأشجعي عند أحمد والترمذي وابن ماجه: "أنه سأل أباه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا هل كانوا يقنتون؟ قال: أي بُنَيَّ مُحْدَثٌ"، قال: وفي رواية: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بُنيَّ بدعة".
قال الشوكاني في "النيل"(2): وفي الباب عن ابن عباس عند الدارقطني والبيهقي أنه قال: القنوت في صلاة الصبح بدعة (3). قال البيهقي: لا يصح.
وعن ابن عمر عند الطبراني قال- في قيامهم عند فراغ القارئ من السورة. يعني قيام القنوت-: إنها لبدعة، ما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده بشر بن حرب الداري، وهو ضعيف (4).
وعن ابن مسعود عند الطبراني في "الأوسط" والبيهقي والحاكم في "كتاب القنوت": "ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من صلاته"، زاد الطبراني:"إلَّا في الوتر وأنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على المشركين، ولا قنت أبو بكر ولا عمر حتى ماتوا، ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام، وكان يقنت في الصلوات كلهن"(5)، قال البيهقي: كذا رواه محمد بن جابر السحيمي، وهو متروك. وعن أم سلمة
(1) أخرجه أحمد في "مسنده"(3/ 472)، والترمذي (402)، والنسائي (1080)، وابن ماجه (1241).
(2)
"نيل الأوطار"(2/ 191).
(3)
أخرجه البيهقي في "سننه"(2/ 213)، والدارقطنى في "سننه"(2/ 41).
(4)
انظر: "مجمع الزوائد"(2/ 140).
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 213)، والطبراني في "الأوسط"(7483).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عند ابن ماجه قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القنوت في الفجر"، ورواه الدارقطني (1)، وفي إسناده ضعف.
والحديث يدل على عدم مشروعية القنوت، وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم (2)، كما حكاه الترمذي في كتابه، وحكاه العراقي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس، وقال: قد صح عنهم القنوت، وإذا تعارض الإثبات والنفي قُدِّم المثبت، وحكاه عن أربعة من التابعين، وعن أبي حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
وقد اختلف النافون لمشروعيته، هل يشرع عند النوازل أم لا؟ وذهب جماعة إلى أنه مشروع في صلاة الفجر، وقد حكاه الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من علماء الأمصار (3)، ثم عد من الصحابة الخلفاء (4) الأربعة إلى تمام تسعة عشر من الصحابة، ومن المخضرمين: أبو رجاء العطاردي، وسويد بن غفلة، وأبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ، ومن التابعين اثنا عشر، ومن الأئمة والفقهاء: أبو إسحاق الفزاري، وأبو بكر بن محمد، والحكم بن عتيبة، وحماد، ومالك بن أنس، وأهل الحجاز، والأوزاعي، وأكثر أهل الشام، والشافعي، وأصحابه، وعن الثوري روايتان، ثم قال: وغير هؤلاء خلق كثير.
واعلم أنه قد وقع الاتفاق (5) على ترك القنوت في أربع صلوات من غير
(1)"سنن الدارقطني"(2/ 38).
(2)
وبه قال أحمد وغيره كما في "المغني"(2/ 585). (ش).
(3)
وقع في الأصل: "الأنصار" وهو تحريف، والصواب:"الأمصار".
(4)
وقال ابن العربي (2/ 192): قنت عليه السلام لأمر نزل، لكنه استقر الأمر عليه في زمان الخلفاء، فهو ثابت، وليس فيه دعاء صحيح، وما يرويه الناس فإنما روي في قنوت الوتر ولم يصح، انتهى. (ش).
(5)
ولكن حكى الشامي إثباته في الكل عن الشافعي وأكثر المحدثين. انظر: "رد المحتار"(2/ 449). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
سبب، وهي: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يبق الخلاف إلَّا في الصبح (1) من المكتوبات، وفي صلاة الوتر في غيرها.
أما القنوت في صلاة الصبح، فاحتج المثبتون له بحجج، منها: حديث البراء وأنس الآتيان، ويجاب بأنه لا نزاع في وقوع القنوت منه صلى الله عليه وسلم، إنما النزاع في استمرار مشروعيته، فإنه قد قدمنا ما حكاه النووي عن جمهور المحققين أن لفظ كان لا يدل على الاستمرار، وإذا سلمنا فغايته (2) مجرد الاستمرار، وهو لا ينافي تركه آخرًا، كما صرحت به الأدلة الآتية، على أن في الحديثين أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب، فما هو جوابكم عن المغرب فهو جوابنا عن الفجر، وأيضًا في حديث أبي هريرة المتفق عليه:"أنه كان يقنت في صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح"(3)، فما هو جوابكم عن مدلول لفظ "كان" فهو جوابنا.
قالوا: وأخرج الدارقطني وغيره، والحاكم وصححه، عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا" الحديث، وفي آخره:"فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا"(4)، وهذا لو صح لكان قاطعًا للنزاع، ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي، وهومختلف فيه، ولحديثه هذا شاهد، ولكن في إسناده عمرو بن عبيد، وليس بحجة.
قال الحافظ (5): ويعكر على هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن
(1) بسط في "شرح مواهب الرحمن"، انتهى. (ش).
(2)
وقع في الأصل: "سلمنا فعلية مجرد الاستمرار" وهو تحريف، والصواب: وإذا سلمنا، فغايته مجرد الاستمرار.
(3)
أخرجه البخاري (797)، ومسلم (296/ 676)، وأبو داود (1440)، والنسائي (1075)، وأحمد (2/ 337)، والبيهقي (2/ 198)، والدارقطني (2/ 38).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 162)، والدارقطني (2/ 39)، والبيهقي (2/ 201)، وعبد الرزاق في "المصنف"(3029).
(5)
"التلخيص الحبير"(1/ 599 - 600).
1440 -
حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أُمَيَّةَ، نَا مُعَاذٌ - يَعْنِي ابْنَ هِشَام-، حَدَّثَنِي أَبِي، عن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سلَمَة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: "وَاللَّه لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ (1) صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ في الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ،
===
الربيع، عن عاصم بن سليمان: قلنا لأنس: "إن قومًا يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر؟ ، فقال: كذبوا، إنما قنت شهرًا واحدًا يدعو على حي من أحياء المشركين"(2)، وقيس وإن كان ضعيفًا لكنه لم يتهم بالكذب، وروى ابن خزيمة في "صحيحه"(3) من طريق سعيد، عن قتادة، عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم".
فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم بها حجة، وإذا تقرر هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال: إن القنوت مختص بالنوازل، وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة، وقد حاول جماعة من حذاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته، وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل، انتهى ملخصًا.
1440 -
(حدثنا داود بن أمية) الأزدي، (نا معاذ - يعني ابن هشام-، حدثني أبي) أي هشام بن أبي عبد الله، (عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، نا أبو هريرة قال: والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لأصلين بكم صلاة قريبًا بصلاته صلى الله عليه وسلم وشبيهًا بها.
(قال) أبو سلمة: (فكان أبو هريرة يقنت) أي يصلي القنوت (في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح،
(1) في نسخة: "لكم".
(2)
أخرجه الخطيب في "تاريخه"(5/ 81) في ترجمة أحمد بن محمد القزويني (رقم الترجمة 2467).
(3)
"صحيح ابن خزيمة"(620).
وَيَدْعُو (1) لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكَافِرِينَ" (2). [خ 797، م 676، ن 1075، ق 2/ 198، قط 2/ 38]
===
ويدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين).
قال في "الدر المختار": ولا يقنت لغيره، أي الوتر، إلَّا لنازلة، فيقنت الإِمام في الجهرية، وقيل: في الكل.
وقال الشامي في "رد المحتار"(3) قوله: "فيقنت الإِمام في الجهرية" يوافقه ما في "البحر" و"الشرنبلالية" عن "شرح النقاية" عن "الغاية": وإن نزلت بالمسلمين نازلة قنت الإِمام في صلاة الجهر، وهو قول الثوري وأحمد، انتهى. وكذا ما في شرح الشيخ إسماعيل عن "البناية": إذا وقعت نازلة قنت الإِمام في الصلاة الجهرية، لكن في "الأشباه" عن "الغاية": قنت في صلاة الفجر، ويؤيده ما في "شرح المنية" حيث قال بعد كلام: فتكون شرعيته أي شرعية القنوت في النوازل مستمرة، وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وهو مذهبنا وعليه الجمهور.
قال الحافظ (4) أبو جعفر الطحاوي: إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما القنوت في الصلوات كلها للنوازل فلم يقل به إلَّا الشافعي، فكأنهم حملوا ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قنت في الظهر والعشاء كما في مسلم، وأنه قنت في المغرب أيضًا كما في البخاري على النسخ لعدم ورود المواظبة والتكرار الواردتين في الفجر عنه
(1) في نسخة: "فيدعو".
(2)
في نسخة: "الكفار".
(3)
(2/ 448).
(4)
يشكل عليه أن الطحاوي أثبت في "معاني الآثار"(1/ 245 - 254)، بالبسط والدلائل نسخ القنوت مطلقًا في الفجر وغيره في حال حرب وغيره، وعزاه إلى الأئمة الثلاثة. (ش).
1441 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ. (ح): وَحَدَّثنَا ابْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَني أَبِي قَالُوا كُلُّهُمْ: نَا شُعْبةُ، عن عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عن ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عن الْبَرَاءِ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْنُتُ في صلَاةِ الصُّبْحِ". [م 678، ن 1076، ت 401، حم 4/ 280، دي 1597، ق 2/ 198]
(1)
زاد ابن مُعَاذٍ: "وصلاة المغرب".
===
عليه الصلاة والسلام، انتهى، وهو صريح في أن قنوت النازلة عندنا مخصص بصلاة الفجر دون غيرها من الصلوات الجهرية أو السرية، ومفاده أن قولهم بأن القنوت في الفجر منسوخ، معناه نسخ عموم الحكم لا نسخ أصله، كما نبه عليه نوح أفندي.
قوله: "وقيل في الكل" قد علمت أن هذا لم يقل به إلَّا الشافعي، وعزاه في "البحر" إلى جمهور أهل الحديث، فكان ينبغي عزوه إليهم لئلا يوهم أنه قول في المذهب، انتهى.
وقال الطحطاوي في "حاشية الدر المختار"(2) بعد نقل كلام صاحب "البحر": والذي يظهر لي أن قوله في "البحر": وإن نزلت بالمسلمين نازلة قنت الإِمام في صلاة الجهر، تحريف من النساخ وصوابه الفجر، انتهى.
1441 -
(حدثنا أبو الوليد) الطيالسي (ومسلم بن إبراهيم وحفص بن عمر، ح وحدثنا ابن معاذ) عبيد الله، (حدثني أبي) معاذ (قالوا كلهم) أي أبو الوليد ومسلم وحفص ومعاذ:(نا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن، (عن البراء) بتخفيف الراء، ابن عازب:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الصبح، زاد ابن معاذ: وصلاة المغرب).
(1) زاد في نسخة: "قال أبو داود".
(2)
(1/ 283).
1442 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحمن بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا الْوَلِيدُ، نَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي (1) يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ (2)،
===
1442 -
(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا الوليد) قال في "درجات مرقاة الصعود": صوابه أبو الوليد كما برواية ابن داسة وابن الأعرابي، واسمه هشام بن عبد الملك، قلت: وأصله عن السيوطي (3)، وهو غير صواب، والصواب الوليد، وهو الوليد بن مسلم القرشي، مولى بني أمية، أبو العباس الدمشقي، ذكر الحافظ في شيوخه الأوزاعي، وذكره في شيوخ عبد الرحمن بن إبراهيم.
وقد أخرج هذا الحديث الطحاوي في "معاني الآثار"(4): حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى قال: حدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة مثله.
وفيه التصريح بأنه ابن مسلم، وهذا يدل على أن ما وقع في نسخ ابن داسة وابن الأعرابي من أبي الوليد فتصحيف من النساخ، فإن أبا الوليد هو: هشام بن عبد الملك الطيالسي، وليس في شيوخه الأوزاعي، وليس هو من شيوخ عبد الرحمن بن إبراهيم، والله تعالى أعلم.
ثم رأيت "السنن الكبير"(5) للبيهقي فذكر فيها هذا الحديث بهذا السند من طريق ابن داسة ولفظه: وأخبرنا أبو علي الروذباري، أبنا محمد بن بكر، ثنا أبو داود، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد هو ابن مسلم، ثنا الأوزاعي فذكر بإسناده، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، فذكر الوليد وصرح بأنه ابن مسلم، فثبت بذلك ما قلنا، والحمد لله على ذلك.
(نا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة) بن
(1) في نسخة: "حدثنا".
(2)
زاد في نسخة: "ابن عبد الرحمن".
(3)
وَهْمٌ من العلامة السيوطي وكثير من الشراح. (ش).
(4)
(1/ 242).
(5)
(2/ 200).
عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في صَلَاةِ الْعَتَمَةِ شَهْرًا، يَقُولُ في قُنُوتِهِ: "اللهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ،
===
عبد الرحمن، (عن أبي هريرة قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة شهرًا، يقول في قنوته: اللهُمَّ نَجِّ الوليد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي، أخو خالد بن الوليد، شهد بدرًا مشركًا، فأَسَرَه عبد الله بن جحش، فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام، وكان هشام أخا الوليد لأبيه وأمه، حتى افتكاه بأربعة آلاف درهم، فلما افتدي أسلم، فقيل له: هلا أسلمت قبل أن تفتدي؟ قال: كرهت أن تظنوا بي أني جزعت من الإسار، فحبسوه بمكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له فيمن دعا له من المستضعفين المسلمين، ثم أفلت من إسارهم، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد معه عمرة القضية، وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسرت وأنا ميت، وإذا مت فكفني في فضل ثوبك، واجعله مما يلي جلدك، ومات فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه.
(اللهُمَّ نج سلمة بن هشام) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، وأمه ضباعة بنت عامر بن قرط، وهو أخو أبي جهل بن هشام، وابن عم خالد بن الوليد، وكان من خيار الصحابة وفضلائهم، وهاجر إلى الحبشة، ومنع من الهجرة إلى المدينة، وعذب في الله عز وجل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له في صلاته في القنوت، ولم يشهد بدرًا لذلك، وشهد مؤتة، ولم يزل بالمدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى الشام مجاهدًا حين بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام، فقتل بمرج الصفر سنة أربع عشر، وقيل: بأجنادين.
وذكر في بعض الروايات بعده عياش بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، يكنى أبا عبد الرحمن، وهو أخو أبي جهل لأمه، أسلم قديمًا قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، وهاجر إلى المدينة هو وعمر بن الخطاب، ولما هاجر إلى المدينة قدم عليها أخواه لأمه أبو جهل والحارث بن هشام، وذكرا له أن أمه
اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"وَمَا تَرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا؟ ". [خ 804، م 675، ق 2/ 200]
===
حلفت أن لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه، فرجع معهما، فأوثقاه وحبساه بمكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له، قتل عياش يوم اليرموك.
(اللهُمَّ نج المستضعفين من المومنين) الذين في إسار كفار مكة (اللهُمَّ اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة، الوطأ في الأصل الدوس بالقدم، والمراد به الإهلاك والأخذ بالعذاب الشديد (على مضر)(1) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة، ابن نزار بن معد بن عدنان، وهو شعب عظيم، فيه قبائل كثيرة، كقريش وهذيل وأسد وتميم وضبة ومزينة والضباب وغيرهم.
(اللهُمَّ اجعلها) أي الوطأة (عليهم) أي على كفار مضر (سنين) أي الأعوام المجدبة (كسني يوسف) أي كالسنين التي كانت في زمن يوسف عليه الصلاة والسلام المشار إليها في قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} (2)، وجمع السَّنَةِ بالواو والنون شاذ من جهة أنه ليس من ذوي العقول، ومن جهة تغير مفرده بكسر أوله.
(قال أبو هريرة: وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) أي صلَّى صلاة الصبح يومًا، ولفظ ذات زائدة (فلم يدع لهم، فذكرت ذلك) أي سألت سبب ترك دعائه (له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما تراهم قد قدموا؟ ) أي كان ذلك الدعاء لهم لأجل تخلصهم من أيدي الكفرة، وقد نجوا منهم، وجاؤوا إلى المدينة، فما بقي حاجة إلى الدعاء لهم بذلك.
(1) استدل بذلك من قنت من علماء العصر على المسمين من البرطانية وغيرها، وعامتهم على أن التسمية مفسدة لما في "مبسوط" السرخسي من أن عليًا رضي الله عنه كان يقنت فيلعن من ناوأه، فكتب أبو موسى الأشعري: إذا أتاك كتابي فأعد صلاتك. (ش).
(2)
سورة يوسف: الآية 48.
1443 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، نَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، عن هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا مُتَتَابعًا في الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِب، وَالْعِشَاءِ، وَصَلَاةِ الصُّبْحِ في دُبُرِ كُلًّ صَلَاةٍ، إِذَا قَالَ: "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ" مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصيَّةَ، وُيؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ". [حم 1/ 301، خزيمة 618، ك 1/ 225]
===
1443 -
(حدثنا عبد الله بن معاوية) بن موسى (الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم في آخره الحاء المهملة، نسبة إلى بني جمح، أبو جعفر البصري، معمر، كانت له مئة سنة وزيادة على عشر، ثقة، (نا ثابت بن يزيد) الأحول، أبو زيد البصري، ثقة ثبت، (عن هلال بن خباب) بمعجمة وموحدتين، العبدي مولاهم، أبو العلاء البصري نزيل المدائن، صدوق، تغير بأخرة.
(عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا متتابعًا) أي في كل يوم منه لم يتركه في وقت (في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة) أي في الركعة الأخيرة (إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سليم على رعل وذكوان) قال في "القاموس": قبيلتان من سليم (وعصية) كسمية بطن.
وقال العيني (1): رعل بكسر الراء وسكون العين المهملة، ابن خالد (2) بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وذكوان بفتح الذال المعجمة، ابن ثعلبة بن بهثة بن سليم، وعصية بضم العين المهملة، مصغر عصا، ابن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، وهؤلاء الثلاثة قبائل سليم (ويؤمن من خلفه) أي يقولون: آمين.
(1)"عمدة القاري"(5/ 237).
(2)
كذا في الأصل، وفي "عمدة القاري" (5/ 237): مالك.
1444 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا: نَا حَمَّادٌ، عن أَيُّوبَ، عن مُحَمَّدٍ، عن أَنَسِ بْنِ مَالكٍ: "أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ قَنَتَ النَّبِيُّ (1) صلى الله عليه وسلم في صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ (2)؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ. قَالَ مُسَدَّدٌ: بِيَسِيرٍ (3). [خ 1001، م 677، ن 1071، جه 1183، دي 1596]
1445 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عن أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ". [م 677، حم 3/ 184، وانظر سابقه]
1446 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ،
===
1444 -
(حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: نا حماد، عن أيوب) السختياني، (عن محمد) بن سيرين، (عن أنس بن مالك أنه سئل: هل قنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال) أنس: (نعم، فقيل له: قبل الركوع) أي من الركعة الثانية (أو بعد الركوع، قال: بعد الركوع، قال مسدد: بيسير)(4) أي زاد مسدد بعد قوله: "بعد الركوع" لفظ "بيسير"، ولم يقله سليمان بن حرب.
1445 -
(حدثنا أبو الوليد الطيالسي) هشام بن عبد الملك، (نا حماد بن سلمة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا) في صلاة الصبح (ثم تركه) لأنه قنت في نازلة، فارتفعت وزالت.
1446 -
(حدثنا مسدد، نا بشر بن المفضل، نا يونس بن عبيد،
(1) في نسخة: "رسول الله".
(2)
في نسخة: "بعده".
(3)
في نسخة: "يسير".
(4)
ولفظ الشيخين: "بعد الركوع يسيرًا"، والظاهر أن معناه "أيامًا" كما يدل عليه في بعض طرقه "شهرًا"، فتأمل، انتهى. (ش).