الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المد والقصر:
والمراد بالمد الفرعي وهو: زيادة المد على المد الأصلي وهو الطبيعي الذي لا تقوم ذات حرف المد إلا به، والقصر ترك تلك الزيادة، وحد المد مطلقا طول زمان صوت الحرف فليس بحرف ولا حركة ولا سكون بل هو شكل دال على صورة غيره كالغنة في الأغن، فهو صفة للحرف، ولا بد للمد من شرط وسبب، فشرطه أحد حروفه الثلاثة الألف، ولا تكون إلا ساكنة ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها، وأما حرفا اللين فهما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما، ويصدق اللين على حرف المد فيقال حرف مد ولين بخلاف العكس فلا يوصف اللين بالمد على ما اصطلحوا عليه، فبينهما مباينة حينئذ وإن تساويا من حيث قبول حرف اللين للمد.
وأما سببه ويسمى موجبه فإما لفظي وإما معنوي واللفظي: همز أو سكون.
فالهمز: يكون بعد حرف المد وقبله فإن كان بعده، فهو إما متصل مع حرف المد في كلمة واحدة، أو منفصل.
فأما المتصل: فنحو: "جاء"، "وسيئت"، "والسوء" وقد اتفق القراء على مده؛ لأن حرف المد ضعيف خفي والهمز قوي صعب فزيد في المد تقوية للضعيف، وقيل ليتمكن من النطق بالهمز على حقها، وورد نصا عن ابن مسعود رضي الله عنه، فلذا أجمعوا عليه لا يعرف عنهم خلاف في ذلك حتى إن إمام المتأخرين محرر الفن الشمس ابن الجزري رحمه الله تعالى قال: تتبعت قصر المتصل، فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة ا. هـ1. لكنهم اختلفوا في مقداره، وذهب أكثر العراقيين وكثير من المغاربة إلى مده لكل القراء قدرا واحدا مشبعا من غير إفحاش، ولا خروج عن منهاج العربية، وإليه أشار في الطيبة بقوله: "أو أشبع ما اتصل للكل عن بعض"2، وذهب آخرون إلى تفاضل
1 انظر النشر: "1/ 312". [أ] .
2 ورقمه في الطيبة: "164، 165". [أ] .
والأبيات هي:
وسط وقيل دونهم نل ثم كل
…
روى فباقيهم أو أشبع ما اتصل
للكل عن بعض وقصر المنفصل
…
بن لي حما على خلفهم داع ثمل
ا. هـ. متن طيبة النشر. "16". [أ] .
المراتب فيه كتفاضلها في المنفصل، ثم اختلفوا في كمية المراتب، فالذي ذهب إليه الداني في جامعه أنها أربع طولي لحمزة، وورش من طريق الأزرق، وابن ذكوان من طريق الأخفش عند العراقيين وافقهم الشنبوذي عن الأعمش والثانية دونها لعاصم.
الثالثة: دونها لابن عامر من غير طريق الأخفش المذكور، والكسائي، وكذا خلف، وافقهم المطوعي عن الأعمش. الرابعة: دونها لقالون وورش من طريق الأصبهاني وابن كثير وأبي عمرو، وكذا أبو جعفر ويعقوب، ووافقهم ابن محيصن واليزيدي والحسن، وليس دون هذه المرتبة الأقصر المنفصل، وذهب آخرون إلى أنها مرتبتان طولي لحمزة، ومن معه ووسطي للباقين، وهو الذي استقر عليه رأي الأئمة قديما قال بعضهم: وهو الذي ينبغي أن يؤخذ به، ولا يمكن أن يتحقق غيره، ويستوي في معرفته أكثر الناس، ولذا صدر به في الطيبة، وبه كان يقرئ الشاطبي كما حكاه عنه السخاوي، وعلل عدوله عن المراتب الأربعة بأنها لا تتحقق ولا يمكن الإتيان بها كل مرة على قدر السابقة، وهو ظاهر وإن تعقبه الجعبري.
وأما المنفصل: عن حرف المد بأن وقع حرف المد آخر كلمة، والهمز أول التالية نحو:"بما أنزل"، "أمره إلى"، "به إلا"1 ونحو:"عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ"[يس الآية: 10] عند من وصل الميم "خشي ربه"، "إذا زلزلت"[آخر سورة البينة وأول سورة الزلزلة] . عند من وصل فاختلف في مده فقرأه ابن كثير وكذا أبو جعفر بالقصر فقط وافقهما ابن محيصن والحسن واختلف فيه عن قالون من طريقيه وورش من طريق الأصبهاني، وعن أبي عمرو من روايتيه وعن هشام من طريق الحلواني وعن حفص من طريق عمرو ، وكذا يعقوب وافقهم اليزيدي، فقطع به أعني القصر لقالون ابن مجاهد وابن مهران وابن سوار وأبو العز من جميع طرقه وسبط الخياط من طريقيه وجمهور العراقيين وبعض المغاربة، ومن طريق الحلواني بن بليمة في كثيرين وهو أحد الوجهين في الشاطبية وأصلها، وقطع به للأصبهاني أكثر المشارقة والمغاربة كالداني وهو أحد الوجهين في الإعلان، وعلى القصر لأبي عمرو من روايتيه الأكثرون، وهو أحد الوجهين عنه بكماله عن ابن مجاهد، وقطع به من رواية السوسي فقط مكي والداني في التيسير والشاطبي وسائر المغاربة، وهو أحد الوجهين للدوري الشاطبية وغيرها، وأما يعقوب فقطع له به أعني القصر، ابن سوار والمالكي وجمهور العراقيين والداني وابن شريح وغيرهم، والقصر لهشام من طريق ابن عبدان عن الحلواني وهو المشهور عند العراقيين عن الحلواني من سائر طرقه بل قطع به ابن مهران لهشام بكماله، وكذا
1 حيث وقعت. [أ] .
في الوجيز، ولا خلاف عنه في المد من طريق المغاربة، وهو طريق الداجوني عنه وهو أعني القصر لحفص من طريق زرعان عن عمرو بن الصباح وهو المشهور عند العراقيين من طريق الفيل أيضا، وتقدم أن كل من أخذ بالإدغام الكبير لأبي عمرو يأخذ بالقصر في المنفصل وجها واحدا والتمثيل بقوله تعالى:"به إلا"، "وأمره إلى" للإعلام بأن حروف الصلة معتبرة هنا كصلة الميم، وقرأ الباقون بالمد وهم متفاوتون فيه على ما تقرر في المتصل.
واختلفت عباراتهم في تقدير زيادة كل مرتبة عما دونها، فجعلها بعضهم نصف ألف وبعضهم ألفا، وكل ذلك تقريب تضبطه المشافهة، والإدمان بل يرجع الخلاف فيه إلى أن يكون لفظيا؛ لأن مرتبة القصر إذا زيدت أقل زيادة صارت ثانية، وهلم جرا إلى أقصى ما قيل منه فالمقدر غير محقق، والمحقق إنما هو الزيادة، ثم إن الخلاف المذكور إنما هو في الوصل، وإذا وقف عاد الحرف إلى أصله، وسقط المد1.
وأما إن كان الهمز قبل حرف المد: واتصلا فأجمعوا على قصره؛ لأنه إنما مد في العكس ليتمكن من لفظ الهمزة كما تقدم، وهنا قد لفظ بها قبل المد فاستغني عنه إلا ورشا من طريق الأزرق، فإنه اختص بمده على اختلاف بين أهل الأداء في ذلك على ثلاثة أوجه: المد والتوسط والقصر سواء كانت الهمزة في ذلك محققة "كآتي"، و"نأي"، و"لئلاف"، و"دعائي"، و"المستهزئين"، و"أتوا"، و"بؤسا"، و"رؤوف"، و"متكؤن"2 أو مغيرة بالتسهيل بين بين كـ"آمنتم" [الأعراف الآية: 123] في الثلاثة و"آلهتنا"[الزخرف الآية: 58] و"جَاءَ آلَ لُوطٍ"[الحجر الآية: 59] و [القمر الآية: 34]، أو بالبدل نحو:"هؤلاء آلهة"، "من السماء آية" أو بالنقل نحو:"الآخرة"، "الإيمان"، "الآن"، "من آمن"، "ابني آدم"، "ألفوا آباءهم"، "قل أي"، "قد أوتيت"3 فروى ابن سفيان ومكي والمهدي وابن شريح والهذلي والخزاعي وابن بليمة والأهوازي والحصري وغيرهم زيادة المد في ذلك كله، ثم اختلفوا في قدرها فذهب جمهور من ذكر إلى التسوية بينه وبين ما تقدم على الهمز، وذهب الداني والأهوازي وابن بليمة وغلام الهراس إلى التوسط، وذهب إلى القصر طاهر بن غلبون، وبه قرأ الداني عليه وهو في تلخيص ابن بليمة واختاره الشاطبي والجعبري والثلاثة جميعا، في إعلان الصفراوي والشاطبية، وما ذكر عن الجمهور القائلين بالمد من التسوية بينه، وبين ما تقدم فيه حرف المد يعارض قول الجعبري المد هنا دون المتقدم، والمصير إلى قولهم أولى.
ثم: إن محل جواز الثلاثة المذكورة ما لم يجتمع مع السبب المذكور سبب أقوى
1 للمزيد انظر النشر: [1/ 314". [أ] .
2 حيث وقعت. [أ] .
3 حيث وقعت. [أ] .
منه كالهمز المتأخر عن حرف المد والسكون اللازم نحو: "رأى أيديهم"، "وجاؤوا أباهم"1 وصلا ونحو:"آمِّينَ الْبَيْتَ"[المائدة الآية: 2] فيجب المد وجها واحدا مشبعا عملا بأقوى السببين، وهو معنى قول الطيبة، وأقوى السببين يستقل فإن وقف على نحو جاؤوا جازت له الثلاثة وخرج بقيد اتصال الهمز بحرف المد نحو:"أولياء"، "أولئك"، "جاء أجلهم"، "في السماء إله"، "ءأمنتم"2 من حالة إبدال الهمزة الثانية حرف مد، فلا يجوز المد بل يتعين القصر.
وقد استثنى القائلون بالمد، والتوسط هنا أصلين مطردين، وكلمة اتفاقا منهم.
أما: الأصلان فأحدهما أن يكون قبل الهمز ساكن صحيح متصل نحو: "القرآن"، و"الظمآن"، و"مذؤما"، و"مسؤلا"، و"مسؤلون" لحذف صورة الهمز رسما، فيتعين القصر وخرج المعتل سواء كان مدا نحو:"فاءوا" أو لينا نحو: "المؤودة" الثاني أن تكون الألف مبدلة من التنوين وقفا نحو: "دعاء"، و"نداء"، و"هزؤا"، و"ملجأ" فالقصر إجماعا لأنها غير لازمة.
وأما: الكلمة "فيؤاخذ" كيف وقعت، وهو استثناء من المغير بالبدل نحو:"لا تؤاخذنا"، "لا يؤاخذكم الله" وقول الشاطبي وبعضهم:"يؤاخذكم" متعقب بأن رواة المد كلهم مجمعون على استثنائه، فلا خلاف في قصره، واعتذر في النشر عنه بعدم ذكره في التيسير3.
واختلفوا في ثلاث كلم، وأصل مطرد فأول الكلمات إسرائيل حيث وقعت فاستثناها صاحب التيسير ومن تبعه كالشاطبي، ونص على مدها صاحب العنوان4 والهادي5، والهداية،6 والكافي7، وغيرهم، ثانيها:"الآن" المستفهم بها في "موضعي"[يونس الآية: 91] فاستثناها الداني في الجامع وابن شريح وابن سفيان وهو استثناء من المغير بالنقل ولم يستثنها في التيسير، والوجهان في الشاطبية والطيبة وغيرهما، والمراد الألف الأخيرة؛ لأن الأولى ليست من هذا الأصل؛ لأن مدها للساكن اللازم المقدر وسيأتي بسط ذلك بيونس إن شاء الله تعالى وخرج بقيد الاستفهام نحو:"الْآنَ جِئْتَ" ثالثها: "عَادًا الْأُولَى"[النجم الآية: 50] وهي من المغير بالنقل استثناها
1 حيث وقعت. [أ] .
2 حيث وقعت. [أ] .
3 انظر النشر الصفحة: "1/ 314". [أ] .
4 هو الإمام إسماعيل بن خلف الأنصاري. النشر: "1/ 64". [أ] .
5 هو الإمام ابن سفيان المالكي. النشر: "1/ 66". [أ] .
6 هو الإمام المهدوي. النشر: "1/ 69". [أ] .
7 هو الإمام ابن شريح. النشر: "1/ 67". [أ] .
مكي، وابن سفيان والداني، في جامعه، ولم يستثنها في التيسير، والوجهان في الشاطبية وغيرها.
تنبيه: إجراء الطول والتوسط في المغير بالنقل إنما ذلك حالة الوصل، أما حالة الابتداء إذا وقع بعد لام التعريف ولم يعتد بالعارض وهو تحريك اللام وابتدئ بالهمزة فالوجهان جائزان كـ"الآخرة"، و"الإيمان" و"الأولى" فإن اعتد بالعارض وابتدئ باللام فالقصر فقط نحو:"لآخرة"، "ليمان لولى" لقوة الاعتداد في ذلك نص عليه المحققون والأصل المطرد: حرف المد الواقع بعد همز الوصل في الابتداء نحو: "ايت بقرآن"، "إيذن لي"، "أوتمن" فنص على استثنائه في الشاطبية كالداني في جميع كتبه وصححه في النشر، وأشار إليه في طيبته بقوله:"أو همز وصل" أي: لا بعد همز وصل، فلا تمد له في الأصح، وأجرى الخلاف فيها في التبصرة1، وغيرها.
تنبيه: قال في النشر: وأما الوقف على نحو: "رأى" من "رأى القمر"، "ورأى الشمس"، "وتراءى الجمعان" فإنهم فيه على أصولهم المذكورة من الإشباع، والتوسط والقصر عن الأزرق؛ لأن الألف من نفس الكلمة وذهابها في الوصل عارض، وهذا مما نصوا عليه وأما "مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ" بيوسف "دُعَائي إِلَّا" بنوح حالة الوقف و"تَقَبَّلْ دُعَاءِ، رَبَّنَا"[إبراهيم الآية: 40] حالة الوصل فكذلك هم فيها على أصولهم ومذاهبهم عن ورش؛ لأن الأصل في حرف المد من الأولين الإسكان والفتح، فيهما عارض من أجل الهمز وكذلك حرف المد في الثالثة عارض حالة الوصل اتباعا للرسم، والأصل إثباتها فجرت فيها مذاهبهم على الأصل، ولم يعتد فيها بالعارض وكان حكمها حكم "مِنْ وَرَائي" [مريم الآية: 5] في الحالين قال: وهذا مما لم أجد فيه نصا لأحد، بل قلته قياسا، وكذلك أخذته أداء عن الشيوخ في "دعاءى" بإبراهيم وينبغي أن لا يعمل بخلافه ا. هـ.
النوع الثاني: من السبب اللفظي السكون وهو إما لازم، وهو الذي لا يتغير وقفا ولا وصلا، أو عارض وهو الذي يعرض للوقف، أو الإدغام، وكل منهما إما مظهر أو مدغم.
فاللازم المظهر قسمان: حرفي وهو كما نقله شيخنا عن التحفة كل حرف هجاؤه ثلاثة أحرف أوسطها حرف مد ولين نحو: "ميم ص ن" عن المظهر، وكلمي وهو ما وقع فيه بعد حرف المد ساكن متصل في كلمة نحو:"الآن" في موضعي [يونس الآية: 51 و91] على وجه الإبدال و"محياي" في قراءة من سكن الياء و"اللائي" عند من أبدل الهمزة ياء ساكنة و"آنذرتهم"، "آشفقتم"، "جا آمرنا"، "هؤلا إن كنتم" عند من أبدل الهمزة ألفا أو ياء،
1 كتاب التبصرة في القراءات السبع لمكي القيسي. النشر: "1/ 70". [أ] .
واللازم المدغم قسمان: أيضا حرفي نحو لام من "الم " وكذا نحو: "ص" من فاتحة مريم عند من أدغمها في الذال، وكلمي نحو:"الضالين"، "دابة" "آلذكرين" على الإبدال اللذان هذان عند من شدد "تأمروني أعبد" "أتعداني" عند المدغم ونحو:"وَالصَّافَّاتِ صَفًّا" عند حمزة ونحو: "أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ" عند رويس "ولا تيمموا"، "ولا تعاونوا" عند البزي وابن محيصن.
وأما: الساكن العارض المظهر فكـ"الرحمن"، و"نستعين"، و"يوقنون" حالة الوقف بالسكون أو الإشمام فيما يصح فيه والعارض المدغم نحو:"قال لهم"، "الرحيم ملك"، "الصافات صفا" عند أبي عمرو إذا أدغم1.
فأما المد للساكن اللازم بأقسامه فأجمع القراء على مده قدرا واحدا مشبعا من غير إفراط، قال في النشر: لا أعلم بينهم في ذلك خلافا سلفا ولا خلفا إلا ما ذكره في حلية القراء عن ابن مهران من اختلاف القراء في مقداره، قال: فالمحققون يمدون قدر أربع ألفات2 ومنهم من يمد ثلاثا، والحادرون يمدون ألفين، ثم قال في النشر وظاهر عبارة التجريد أن المراتب تتفاوت كتفاوتها في المتصل وفحوى كلام ابن بليمة تعطيه، والآخذون من الأئمة بالأمصار على خلافه، ثم اختلفت آراء أهل الأداء في تعيين هذا القدر المجمع عليه فالمحققون منهم على أنه الإشباع والأكثرون على إطلاق تمكين المد فيه، وعن بعضهم أنه دون ما للهمز يعنى به كما في النشر أنه دون أعلى المراتب، وفوق التوسط من غير تفاوت في ذلك، ثم إن الظاهر التسوية في مقدار المد في كل من المدغم وغيره من الكلمي والحرفي، وفي النشر أنه مذهب الجمهور إذ الموجب واحد وهو التقاء الساكنين، وعن بعضهم أن المد في المدغم أطول منه في المظهر وعن بعضهم عكسه3.
وأما المد: للساكن العارض بقسميه فمنهم من أشبعه كاللازم بجامع السكون، قال في النشر: واختاره الشاطبي لجميع القراء واختاره بعضهم لأصحاب التحقيق كحمزة ومن معه، ومنهم من وسطه لاجتماع الساكنين مع ملاحظة عروضه، واختاره الشاطبي للكل أيضا واختير لأصحاب التوسط كابن عامر ومن معه، ومنهم من قصره لعروض السكون فلا يعتد به؛ لأن الوقف يجوز فيه التقاء الساكنين مطلقا كما تقدم واختاره الجعبري4،
1 أي: الإدغام الكبير وقد تقدم الحديث عنه آنفا. [أ] .
2 ومقدار مد الألف: حركتان، ومقدار الحركة: المدة الزمنية لقبض أصابع الكف، أو بسطها إن كانت مقبوضة فقبضها ثم بسطها أي: أتى بحركتين وهما مقدار الألف والله أعلم. [أ] .
3 فكل من هذه الأوجه صحيح، ولكن على القارئ أن يتنبه إلى الطريق الموصلة إلى ذلك الوجه احترازا عن اللحن، والإشكال. [أ] .
4 الجعبري أحد شراح الشاطبية "حرز الأماني". النشر: "1/ 64". [أ] .
وخصه بعضهم بأصحاب الحدر كأبي عمرو ومن معه، والصحيح كما في النشر جواز كل من الثلاثة للجميع لعموم قاعدة الاعتداد بالعارض وعدمه عن الجميع، ولا فرق عند الجمهور بين سكون الوقف وسكون الإدغام عند أبي عمرو خلافا لأبي شامة في تعيينه المد حالة الإدغام إلحاقا له باللازم، والدليل على أن سكون إدغام أبي عمرو عارض إجراء أحكام الوقف عليه من الإسكان والروم والإشمام كما تقدم بخلاف نحو:"والصافات" لحمزة فإنها ملحقة باللازم كما نقدم في أمثلتنا، فهو عنده "الحاقة"، "دابة" وكذا نحو:"أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ" لرويس كما تقدم أيضا نص على جميع ذلك في النشر، وفرق شيخنا رحمه الله تعالى بين إدغام أبي عمرو وإدغام غيره ممن ذكر بأن أبا عمرو يجوز عنده كل من الإدغام والإظهار بخلاف نحو حمزة، فإن الإدغام لازم عنده فكان المد معه واجبا لذلك، ثم أورد عليه أن من روى الإدغام لأبي عمرو أوجبه له ا. هـ.
ولا يخفى أن قضية الفرق المذكور أن من روى عن يعقوب إدغام جميع ما أدغمه أبو عمرو كصاحب المصباح1 يجري له الأوجه الثلاثة في نحو: "الرَّحِيمِ، مَالِك"[الفاتحة الآية: 3، 4] بالألف وهو ظاهر لكني لم أر من نبه عليه فلينظر.
الثاني من سببي المد: السبب المعنوي وهو قصد المبالغة في النفي، وهو قوي مقصود عند العرب لكنه أضعف من اللفظي عند القراء، ومنه المد للتعظيم وبه قال بعضهم لأصحاب قصر المنفصل فيما نص عليه الطبري وغيره، قال ابن الجزري: وبه قرأت وهو أحسن وإياه اختار نحو: "لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" ويسمى مد التعظيم ومد المبالغة؛ لأنه طلب للمبالغة في نفي الألوهية عن سوى الله تعالى، وقد أشار إليه في الطيبة بقوله:
والبعض للتعظيم عن ذي القصر مد2
ولذا استحب بعضهم مد الصوت بلا إله إلا الله لما فيه من التدبر، وفي مسند الفردوس وذكره في النشر من غير عزو وضعفه عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا من قال لا إله إلا الله ومد بها صوته أسكنه الله دار الجلال دارا سمى بها نفسه، فقال: ذو الجلال والإكرام ورزقه النظر إلى وجهه الكريم وهو مروي عن حمزة في نحو: "لا ريب فيه"، "لا شية"، "لا جرم"، "لا مرد له" هكذا اقتصر في ذكر الأمثلة في الأصل كغيره، وهو يفيد تقييد مدخول لا بالنكرة المبنية كما نبه عليه شيخنا رحمه الله تعالى وبه يصرح قول النشر التي للتبرئة3 ويشكل عليه حينئذ تمثيل النويري بلا خوف فليعلم،
1 صاحب المصباح هو الإمام: أبو الكرم الشهرزوري. النشر: "1/ 90". [أ] .
2 ورقمهما في متن الطيبة: [166] . [أ] .
3 قوله لا التي للتبرئة. وأفرادها الدائرة في القرآن ثلاثة وأربعون. وهي "لا لريب"، "لا علم"، "لا شية"، "لا=
والحكمة فيه المبالغة في النفي لكنه لا يبلغ به الإشباع بل يقتصر فيه على التوسط لضعف سببه عن الهمز، هذا ما تيسر من ذكر حكم المد في حروفه.
وأما حرفا اللين الياء والواو الساكنان المفتوح ما قبلهما فاختلف في إلحقاهما بحروف المد؛ لأن فيهما شيئا من الخفاء وشيئا من المد، وإنما يسوغ الإلحاق بسببية الهمز مع الاتصال أو السكون فإذا وقع بعدهما همزة متصلة واحدة "كشيء" كيف وقع و"كهيئة"، و"سوءة"، و"السوء" ففيه وجهان عن ورش من طريق الأزرق: أولهما الإشباع وإليه ذهب المهدوي واختاره الحصري، وهو أحد الوجهين في الهادي والكافي والشاطبية، ويحتمل في التجريد، الثاني: التوسط وإليه ذهب مكي والداني، وبه قرأ على أبي القاسم خلف وفارس بن أحمد، وهو الثاني في الكافي والشاطبية وظاهر التجريد وذكره الحصري أيضا في قصيدته، وخرج بقيد الاتصال نحو:"خلوا إلى"، "ابني آدم" [البقرة الآية: 14] ، [المائدة الآية: 27] .
تفريع: إذا اجتمع حرف اللين مع مد البدل حالة الجمع كقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} يحصل للأزرق أربعة أوجه، القصر في مد البدل على التوسط في شيء طريق مكي وابن بليمة وطاهر بن غلبون، والتوسط على التوسط طريق مكي وابن بليمة والداني والطويل في مد البدل عليه التوسط والطويل في شيء، فالأول طريق مكي والداني من قراءته على فارس وأحد وجهي الهادي والكافي والتجريد، والثاني طريق العنوان وثاني الهادي والكافي والتجريد وقس على ذلك نحو:{إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ} إلى قوله: {فِي الْآخِرَةِ} فالتوسط في حرف اللين عليه الثلاثة في مد البدل في "الآخرة" لما تقدم، والطويل في مد البدل على الطويل في اللين فقط لما تقدم.
ثم إنهم أجمعوا على استثناء كلمتين وهما "موئلا"[الكهف الآية: 58] و"الموؤدة"[التكوير الآية: 8] أي: الواو الأولى فيهما لعروض سكونهما؛ لأنهما من وأل ووأد.
واختلف في واو "سوآتهما، سوآتكم"[الأعراف الآية: 22] و [طه الآية: 121] فلم يستثنها الداني في شيء من كتبه ولا الأهوازي في كتابه الكبير واستثناها صاحب الهداية.
= جناح، لا عدوان، فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال، لا طاقة، لا خلاق، لا غالب، لا خير، فلا كاشف، لا مبدل، لا شريك، فلا هادي، لا ملجأ، لا تبديل، فلا راد، لا جرم، لا عاصم، فلا كيل، لا تثريب، لا مرد، لا معقب، لا قوة، لا مساس، لا عوج، فلا كفران، لا برهان، لا بشرى، لا ضير، لا قِبَل، لا مقام، فلا فوت، فلا ممسك، فلا مرسل، فلا صريخ، لا ظلم، لا حجة، لا مولى، فلا ناصر، لا وزر" وليس منها "لا خوف" ونحوه من المنون المرفوع؛ لأن في المنون المرفوع خلافا بين النحويين في كونه تبرئة أو شبها لليس، ومذهب حمزة هو الثاني كما هو مذهب الجمهور ا. هـ.
والهادي والكافي والتبصرة، والجمهور ووقع للجعبري فيها حكاية ثلاثة أوجه في الواو تضرب في ثلاثة الهمز فتبلغ تسعة، وتعقبه في النشر بأنه لم يجد أحدا روى إشباع اللين إلا وهو يستثني "سوآت" قال: فعلى هذا يكون الخلاف دائرا بين التوسط والقصر، قال: وأيضا من وسطها مذهبه في الهمز المتقدم التوسط فيكون فيها أربعة أوجه فقط، قصر الواو مع ثلاثة الهمزة والتوسط فيهما ونظمها رحمه الله تعالى في بيت فقال:
وسوآت قصر الواو والهمز ثلثا
…
ووسطهما فالكل أربعة فادر1
وذهب آخرون إلى زيادة المد عن الأزرق في شيء فقط كيف أتى مرفوعا ومنصوبا ومخفوضا وقصر باقي الباب "كهيئة، وسوأة، وسوء" كطاهر بن غلبون وصاحب العنوان والطرسوسي وابن بليمة والخزاعي وغيرهم، واختلف هؤلاء في قدر هذا المد فابن بليمة والخزاعي وابن غلبون يرونه التوسط وبه قرأ الداني عليه، والطرسوسي وصاحب العنوان يريانه الإشباع.
واختلف: أيضا بعض الأئمة من المصريين والمغاربة في مد "شيء"2 أتى عن حمزة فذهب إلى مده أبو الطيب بن غلبون وابن بليمة وصاحب العنوان وغيرهم، وذهب الآخرون إلى أنه السكت وعليه الداني ومن تبعه والعراقيون قاطبة، وبالوجهين السكت والمد قرأ صاحب الكافي وهما أيضا في التبصرة والمراد بالمد هنا التوسط، قال في النشر: وبه -أي: التوسط- قرأت من طرق من روى المد ولم يروه عنه إلا من روى السكت في غيره.
وأما السكون بعد حرفي اللين فإما لازم أو عارض وكل منهما مشدد وغير مشدد فاللازم المشدد في حرفين هاتين بالقصص اللذين بفصلت في قراءة ابن كثير بالتشديد واللازم المخفف حرف واحد، وهو عين أول مريم والشورى، والعارض المشدد نحو:"الميت والخوف والطول"3 حالة الوقف بالسكون أو الإشمام فيما يسوغ فيه.
فالأول: يجوز فيه لابن كثير ثلاثة الوقف والقصر مذهب الجهور كذا في النشر.
وأما الثاني: وهو عين ففيه الثلاثة أيضا كما نص عليه في الطيبة وغيرها واختار الشاطبي الإشباع لأجل الساكنين، وذهب صاحب العنوان وابن غلبون إلى التوسط وهو الثاني في الشاطبية لفتح ما قبل الحرف، وهذان الوجهان مختاران لجميع القراء عند المصريين والمغاربة ومن تبعهم، والقصر مذهب ابن سوار وسبط الخياط والهمداني واختيار متأخري العراقيين قاطبة، لكن قال في النشر قلت: القصر في عين عن ورش من
1 انظر النشر: "1/ 346، 347". [أ] .
2 حيث وقعت في القرآن الكريم. [أ] .
3 حيث وقعت. [أ] .
طريق الأزرق مما انفرد به ابن شريح وهو مما ينافي أصوله إلا عند من لا يرى مد اللين قبل الهمز.
وأما: الثالث، وهو العارض المشدد ففيه الأوجه الثلاثة والجمهور على القصر.
وأما: الرابع وهو العارض المخفف فيه للكل الأوجه الثلاثة أيضا، حملا على حروف المد، إلا أنه يمتنع القصر لورش من طريق الأزرق في متطرف الهمز نحو:"شيء" فالإشباع مذهب من يأخذ بالتحقيق، والتوسط اختيار الداني وبه كان يقرئ الشاطبي وهو مذهب أكثر المحققين، والقصر مذهب الحذاق، وحكى الإجماع عليه والثلاثة في الشاطبية كالطيبة والتحقيق في ذلك كما في النشر أن الأوجه الثلاثة لا تجوز هنا إلا لمن أشبع حروف المد في هذا الباب أما القاصرون فالقصر لهم هنا متعين ومن وسط لا يجوز له هنا إلا التوسط والقصر اعتد بالعارض أولا، ولا يجوز له الإشباع فلذا كان الأخذ به في هذا النوع قليلا كما نص عليه في الطيبة، ولفظه وفي اللين يقل طول، وقد تحصل للأزرق في نحو:"شيء، سوء" وجهان المد والتوسط وصلا ووقفا بالإسكان المجرد ومع الإشمام والروم بشرطهما فقول الشاطبي رحمه الله تعالى: بطول وقصر وصل ورش ووقفه.
مراده بالقصر التوسط لقوله بعد وعنهم سقوط المد فيه وصدق القصر عليه بالنسبة للإشباع، وللباقين فيهما ثلاثة أوجه: المد والتوسط والقصر وقفا على الهمز المتطرفة بالإسكان المجرد عن الإشمام، ومعه القصر فقط وصلا ووقفا على غير المتطرفة وعليها بالروم.
تتمة: متى اجتمع سببان قوي وضعيف عمل بالقوي، وألغي الضعيف إجماعا كما مر في نحو:{آمِّينَ الْبَيْتَ} [المائدة الآية: 2] و"وَجَاءُوا أَبَاهُمْ" فلا يجوز توسط ولا قصر للأزرق، وإذا وقفت على نحو:"نشاء، وتفيء، والسوء" بالسكون لا يجوز فيه القصر عن أحد ممن همز، وإن كان ساكنا للوقف وكذا لا يجوز التوسط لمن مذهبه الإشباع وصلا، بل يجوز عكسه وهو الإشباع وقفا لمن مذهبه التوسط وصلا، إعمالا للسبب الأصلي دون السبب العارض، فلو وقفت لأبي عمرو مثلا على " السماء"1 بالسكون فإن لم تعتد بالعارض كان مثله حالة الوصل ويكون كمن وقف له على الكتاب بالقصر، وإن اعتد بالعارض زيد في ذلك إلى الإشباع كان قرئ له وصلا بألف ونصف، زيد له التوسط بألفين والإشباع بثلاثة، ولو وقف عليه مثلا للأزرق لم يجز له غير الإشباع؛ لأن سبب المد لم يتغير بل ازداد قوة بسكون الوقف، وإذا وقف له أعني الأزرق على "يستهزءون، ومتكئين، ومآب" فمن روى عنه المد وصلا وقف كذلك اعتد
1 حيث وقعت في القرآن الكريم. [أ] .
بالعارض أولا، ومن روى التوسط وصلا وقف به إن لم يعتد بالعارض وبالمد إن اعتد به ومن روى القصر كطاهر بن غلبون وقف كذلك إن لم يعتد بالعارض وبالتوسط أو الإشباع إن اعتد به.
وإذا تغير سبب المد جاز المد والقصر مراعاة للأصل، ونظرا للفظ سواء كان السبب همزا أو سكونا، وسواء كان التغير بين بين أو بإبدال أو حذف أو نقل والمد اختيار الداني وابن شريح والشاطبي والجعبري وغيرهم، والتحقيق عند صاحب النشر التفصيل بين ما ذهب أثره كالتغير بالحذف فالقصر نحو:"هؤلاء إن"[البقرة الآية: 31] عند من أسقط أولى الهمزتين، وما بقي أثر يدل عليه فالمد ترجيحا للموجود على المعدوم كقراءة قالون بتسهيل الهمزة المذكورة بين بين، ونص عليه في طيبته بقوله:
والمد أولى أن تغير السبب
…
وبقي الأثر أو فأقصر أحب1
ويأتي التنبيه على جميع ذلك مفصلا في محاله من الفرش إن شاء الله تعالى2.
ومن فروع هذه القاعدة ما إذا قرئ لأبي عمرو ومن معه "هؤلاء إن" بإسقاط إحدى الهمزتين، وقدرت الأولى على مذهب الجمهور فالقصر في المنفصل، وهو "ها" مع وجهي المد، والقصر في "أولاء" على الاعتداد بالعارض، وهو الإسقاط وعدمه فإن مدها تعين المد في "أولاء" وجها واحدا؛ لأن "أولاء" إما أن يقدر منفصلا فيمد مع ها أو متصلا فيمد مطلقا، فلا وجه حينئذ لمدها المتفق على انفصاله وقصر أولاء المختلف في اتصاله فالجائز ثلاثة أوجه فقط، فإن قرئت بالتسهيل لقالون ومن معه مثلا فالأربعة المذكورة جائزة بناء على الاعتداد بالعارض وعدمه في "أولاء" سواء مد الأول أو قصر، إلا أن مدها مع قصر أولاء يضعف؛ لأن سبب الاتصال ولو تغير أقوى من الانفصال لإجماع من رأى قصر المنفصل على جواز مد المتصل، وإن غير سببه دون العكس.
ومن فروع القاعدة المذكورة ما إذا قرء للأزرق نحو قوله تعالى: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة الآية: 8] فمن قصر "آمنا" قصر "الآخر" مطلقا ومن وسط "آمنا" أو أشبعه سوى بينه وبين "الآخر" إن لم يعتد بالعارض وهو النقل وقصر "الآخر" إن اعتد به.
1 انظر متن الطيبة البيت: "175" باب المد والقصر. [أ] .
2 أي: في فرش الحروف حيث يفصل كل سورة على حدة. [أ] .