الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رواية ابن الْأثير عن قصد البساسيري الموصِل]
وقال عز الدين بن الْأثير في تاريخه [1] إنّ إبراهيم ينال كان أخوه السّلطان طغرلبك قد ولّاه الموصَل عام أول، وأنّه في سنة خمسين فارق الموصِل ورحل نحو بلاد الجبل، فنسب السُلطان رحيله إلى العصيان، فبعث وراءه رسولًا معه الفرجيّة الّتي خلعها عليه الخليفة. فلما فارق الموصِل قصدها البساسيريّ وقريش بن بدران وحاصراها. فأخذا البلد ليومه، وبقيت القلعة فحاصراها أربعة أشهُر حتّى أكل أهلها دوابّهم ثُمّ سلّموها بالَأمان، فهدمها البساسيريّ وعفى أثرها [2] .
وصار طغرلبك جريدةً في ألفين إلى الموصل، فوجد البساسيري وقريشًا قد فارقاها، فساق وراءهم، ففارقه أخوه وطلب همذان، فوصلها في رمضان [3] قال: وقد قيل إن المصريين كاتبوه، وأنّ البساسيري استماله وأطمعه في السَّلْطَنة، فسار طغرلبك في أثره [4] .
قال: وأما البساسيري فوصل إلى بغداد في ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة فارس على غاية الضر والفَقْر، فنزل بمُشرعة الرّوايا، ونزل قريش في مائتي فارس عند مُشْرعة باب البصرة [5] .
ومالت العامة إلى البساسيري، أمّا الشّيعة فللمذهب، وأمّا السُّنة فلِما فعل بهم الْأتراك [6] .
وكان رئيس الرؤساء لقلّة معرفته بالحرب، ولما عنده من البساسيريّ يرى
[1] الكامل في التاريخ 9/ 639 وما بعدها.
[2]
الكامل 9/ 639، اتعاظ الحنفا 2/ 234، النجوم الزاهرة 5/ 7، 8.
[3]
مختصر التاريخ لابن الكازروني 206، 207، النجوم الزاهرة 5/ 8، تاريخ دولة آل سلجوق 17.
[4]
الكامل 9/ 639، 640، النجوم الزاهرة 5/ 8.
[5]
الكامل 9/ 641، المختصر في أخبار البشر 2/ 177، تاريخ ابن الوردي 1/ 363، البداية والنهاية 12/ 77، النجوم الزاهرة 5/ 8.
[6]
الكامل 9/ 641، النجوم الزاهرة 5/ 8.
المبادرة إلى الحرب. فاتّفقّ أنّ في بعض الأيّام التي تحاربوا فيها حضر القاضي الهمذانيّ عند رئيس الرؤساء، ثم استأذن في الحرب وضمن له قتل البساسيريّ من غير أن يعلم عميد العراق. وكان رأي عميد العراق المطاولة رجاء أن ينجدهم طغرلبك. فخرج الهمذاني بالهاشميين والخَدَم والعوامّ إلى الحلبة وأبعدوا، والبساسيريّ يستجرّهم، فلما أبعدوا حمل عليهم، فانهزموا وقُتل جماعة وهلك آخرون في الزحمة، ووقع النهب بباب الْأزْج [1] .
وكان رئيس الرؤساء واقفًا، فدخل داره وهرب كل من في الحريم، ولطم العميد على وجهه كيف استبد رئيس الرؤساء بالَأمر ولا معرفة له بالحرب.
فاستدعى الخليفة عميد العراق وأمره بالقتال على سور الحريم، فلم يرُعْهُمْ إِلَّا والزَّعْقَات، وقد نُهِب الحريم، ودخلوا من باب النُّوبي، فركب الخليفة لابسًا السواد، وعلى كتفه البردة، وعلى رأسه اللواء، وبيده سيف، وحوله زمرة من العبّاسيين والخدم بالسيوف المسلولة [2] ، فرأى النهب إلى باب الفردوس من داره. فرجع إلى ورائه نحو عميد العراق، فوجده قد استأمن إلى قريش، فعاد وصعد إلى المَنْظَرة، وصاح رئيس الرؤساء: يا علم الدين، (يعني قريشًا، أمير المؤمنين يستدنيك [3] . فدنا منه، فقال: قد أنالك اللَّه منزِلةً لم يُنَلها أمثالك، أمير المؤمنين يستذمُّ منك على نفسه وأصحابه بذِمام اللَّه وذِمام رسوله وذِمام العربيّة [4] .
قال: نعم. وخلع قَلَنْسُوَتَهُ فأعطاها للخليفة وأعطى رئيس الرؤساء مِخصرةً ذِمامًا، فنزل إليه الخليفة ورئيس الرؤساء وسارا معه [5] . فأرسل إليه البساسيريّ:
أتُخالِفُ ما استقرّ بيننا؟
[1] الكامل 9/ 641، 642، نهاية الأرب 26/ 290، تاريخ ابن خلدون 3/ 449، النجوم الزاهرة 5/ 8.
[2]
البداية والنهاية 12/ 77.
[3]
في «الإنباء في تاريخ الخلفاء» لابن العمراني 293 «يستدعيك» ، والمثبت يتفق مع: الكامل 9/ 642، واتعاظ الحنفا 2/ 253.
[4]
انظر: «الإنباء» 193، والمختصر في أخبار البشر 2/ 177، وتاريخ ابن الوردي 1/ 363، ومآثر الإنافة 1/ 340، والنجوم الزاهرة 5/ 9.
[5]
الإنباء 193.
فقال قريش: لَا.
ثُمَّ اتفقا على أن يُسلَّم إليه رئيس الرؤساء ويترك الخليفة عنده، فسلّمه إليه [1] فلما مثل بين يديه قال: مرحبا بمهلك الدول ومُخرّب البلاد [2] .
فقال: العفو عند المقدرة.
قال: قد قدرت أنت فما عَفَوْت، وأنت صاحب طيلسان، وركبت الْأفعال الشنيعة مع حُرَمي وأطفالي، فكيف أعفو أنا، وأنا صاحب سيف [3] ؟
وأمّا الخليفة فحمله قريش إلى مخيّمه، وعليه البُرْدة وبيده السيف، وعلى رأسه اللِّواء، وأنزله في خيمه، وسلّم زوجته بنت أخي السلطان طغرلبك إلى أبي عبد اللَّه بن جردة ليقوم بخدمتها.
ونُهِبت دار الخلافة [وحريمها][4] أيّامًا.
وسلّم قريش الخليفة إلى ابن عمّه مهارش بن مجلّي [5] ، وهو دينٌ ذو مروءة، فحمله في هودج وسار به إلى حديثة عانة، فنزل بها [6] .
وسار حاشية الخليفة على حامية إلى السلطان طغرلبك مستنفرين له [7] .
ولمّا وصل الخليفة إلى الأنبار شكى البرد، فبعث يطلب من متولّيها ما يلبس، فأرسل إليه جبّة ولحافا [8] .
[1] مآثر الإنافة 1/ 340، اتعاظ الحنفا 2/ 253.
[2]
في «الإنباء» 193: «مرحبا بمدمّر الدولة ومهلك الأمم، ومخرّب البلاد ومبيد العباد..» .
[3]
الإنباء 193، 194، اتعاظ الحنفا 2/ 253، النجوم الزاهرة 5/ 9، 10.
[4]
في الأصل: «وما ولاها» ، والمثبت بين الحاصرتين، عن: الكامل في التاريخ 9/ 643، ومآثر الإنافة 1/ 340، وتاريخ ابن خلدون 3/ 449، اتعاظ الحنفا 2/ 253.
[5]
هو أمير العرب والمستحفظ بقلعة حديثة عانة، توفي سنة 499 هـ. (الإنباء في تاريخ الخلفاء 195، مجمع الآداب ج 4 ق 2/ 422) وهو العقيلي البدوي. (أخبار مصر لابن ميسّر 2/ 10) .
[6]
الإنباء 195، تاريخ الفارقيّ 1/ 153 و 157، الكامل في التاريخ 9/ 643 وفيه:«فتركه بها» ، أخبار الدول المنقطعة 67، ذيل تاريخ دمشق 89، تاريخ الزمان 104، بغية الطلب 10.
الفخري في الآداب السلطانية 293، المغرب في حلى المغرب 80، خلاصة الذهب المسبوك 266، المختصر في أخبار البشر 2/ 178، تاريخ ابن الوردي 1/ 364، مآثر الإنافة 1/ 340، تاريخ ابن خلدون 3/ 449، اتعاظ الحنفا 2/ 253، النجوم الزاهرة 5/ 10.
[7]
النجوم الزاهرة 5/ 10.
[8]
النجوم الزاهرة 5/ 10.