الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: {لِلَّهِ} اللَّام هنا للاختِصاص والاستِحْقاق، للاختِصاص لأن الحمد المُطلَق لا يَصِحُّ إلَّا لله وحدَه، والاستِحْقاق لأن المُستَحِقَّ للحمد حَقيقة هو الله عز وجل، المخلوق وإن استَحَقَّ الحمد لكنه ليس استِحْقاقًا حَقيقيًّا؛ لأن كلَّ شيء يَأتيك من المَخلوق، أو كلَّ كَمال في المخلوق فمِن الله، فأنا أَحمَد المَخلوق عندما يُحسِن إليَّ، أو عندما أَرَى فيه صِفاتِ كَمال أَحمَدُه، لا لأنه هو المُستَقِلُّ بذلك ولكن لأنه السبَب.
إِذَنِ: اللَّام هنا {لِلَّهِ} للاستِحْقاق والاختِصاص.
وقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} الرَّبُّ هو الخالِق المالِك المُدبِّر، يَعنِي: كلِمة (رب) المُضافة إلى الله عز وجل أو التي وُصِف بها الله تَتَضمَّن ثلاثة مَعانٍ: الخَلْق، والمُلْك، والتَّدْبير، فالله عز وجل هو الخالِق لكل شيء، وهو المالِك لكل شيء، وهو المُدبِّر لكل شيء، حتى المُشرِكون يُقِرُّون بهذا {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ} [يونس: 31].
وقوله: {الْعَالَمِينَ} قال العُلَماء: العالَم كلُّ مَن سِوى الله، وسُمُّوا عالمًا؛ لأنهم علَم على خالِقهم جَلَّ وَعَلَا، إِذْ إن في كل شيء من هذه المَخلوقاتِ آيَة تَدُلُّ على عظَمة الربِّ وقدرته، وغير ذلك ممَّا تَقتَضيه مَعانِي الرُّبوبية.
من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: ثُبوت الحَياة المُطلَقة لله عز وجل؛ لقوله: {هُوَ الْحَيُّ} ، وحَياة الله سبحانه وتعالى كامِلة من كل الوُجوه، فهي كامِلة؛ لأنها لم يَسبِقْها عدَم، كامِلة
لأنها لا يَلحَقها فَناءٌ، كامِلة لأنها مُتضَمِّنة لجميع أوصاف الكَمال، كامِلة لأنها مُنزَّهة عن كل صِفات النَّقْص، فكَمالها من وُجوه أربَعة: من جهة أنه ليست تُسبَق بعدَم، ومن جهة أنه لا يَعتَريها الفَناء، ومن جهة أنها كامِلة مُتضمِّنة لجميع أَوْصاف الكَمال، ومن جهة رابِعة مُنزَّهة عن كل نَقْص، كما قال تعالى:{الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255]، انظُرِ {الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} صِفة كَمال، ونَفيُ نَقْص.
فإن قال قائِل: الحيُّ من الأسماء اللازِمة أو المُتَعدِّية؟
فالجوابُ: من الأسماء اللازِمة، وقد ذكَر العُلَماء في كتُب التَّوْحيد أن أسماء الله عز وجل إن كانت مُتَعدِّية فإنه لا يَتِمُّ الإيمان بها إلَّا بأمور ثلاثة: إثباتها اسم لله، وإثبات ما دلَّتْ عليه من الصِّفات، وإثبات ما يَترتَّب على هذه الصِّفاتِ.
وأمَّا إذا كان الاسم لازِمًا فإنه يَتَضمَّن شَيْئَيْن: إثبات ذلك الاسمِ لله عز وجل، والثاني إثباتُ ما دلَّ عليه من الصِّفات فقَطْ.
مسألة: هناك قاعِدة عِلْمية أن المادَّة لا تَفنَى ولا تُستَحْدَث من العدَم، ورأيُنا أن الذي يَعتَقِد مَدلولها فهذا كُفْر، كلُّ شيء فانٍ إلَّا وجهَ الله، كل شيء هالِك إلَّا وجهَه، ومَعنَى هالِك: قابِل للهَلاك، وقد يَجعَله الله مُؤبَّدًا كالجَنَّة والنار، لكن الذي أَوجَد قادِر على الإعدام، والإعدام أهوَنُ من الإيجاد، وقولهم أيضًا: لا تُستَحْدَث، مَعناه: حكَموا بأنها أزَليَّة، أزَليَّة أبَدية، لا يَقول هذا مُؤمِن.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: انتِفاء الأُلوهية عَمّا سِوى الله؛ لقوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} وهي تَألُّه العبد لله عز وجل مَحبَّةً وتعظيمًا.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: وُجوب الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العِبادة والدُّعاء؛ لقوله:
{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14]
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثبات كَمال الله عز وجل في ذاته وفي إنعامه؛ لقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فالله أَثنَى على نَفْسه بذلك لكَمال صفاته.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: عُموم رُبوبية الله عز وجل لكل شيء؛ لقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن المُستَحِقَّ للحَمْد هو الله عز وجل، والمُختَصَّ بالحَمْد المُطلَق هو الله سبحانه وتعالى.