المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[الآية (55)] * قَالَ اللهُ عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ - تفسير العثيمين: غافر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌(الآيات: 1 - 3)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌(الآية: 9)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (14)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (23، 24)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (32، 33)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (38، 39)

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيات (41 - 43)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (47، 48)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (49، 50)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (52)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآيتان (53، 54)]

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌[الآية (55)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (56)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (62، 63)

- ‌من فوائِد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (69)

- ‌الآيات (70 - 72)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآيتان (72، 74)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائلِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (79، 80)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (84، 85)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

الفصل: ‌ ‌[الآية (55)] * قَالَ اللهُ عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ

[الآية (55)]

* قَالَ اللهُ عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55].

* * *

ثُم قال الله تبارك وتعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (اصْبِر) الخِطاب للرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ اصْبِرْ على أيِّ شيء، اصْبِرْ على حُكْم الله الكَونيِّ والشَّرْعيِّ؛ لأن الله تبارك وتعالى قال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان: 23 - 24] وتَأمَّلوا لمَّا مَنَّ الله عليه بأنه نزَّلَ عليه الكِتاب تَنزيلًا هل قال: فاشْكُرْ نِعْمة ربِّك؟ بل قال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} .

ومَعناه أنك كُلِّفْت أمرًا عظيمًا يَحتاج إلى صَبْر، اصبِرْ لحُكْم ربِّك الشَّرعيِّ، والثاني الكَونيِّ، وقد لَقِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم العَناء الكبير من الصَّبْر على أذى قَوْمه.

وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} هنا في الآية حَذْف. والمَحذوف تُفسِّره الآياتُ الأُخرى {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} الكَوْنيِّ والشَّرْعيِّ، ولا نَجِد أحَدًا أَصبَرَ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ على حُكْم الله، يُوعَك - يَعنِي: يُمرَض - كما يُمرَض الرَّجُلان منَّا، يشُدَّد عليه، شُدِّد عليه عند الموت وهو يُحتَضَر، شُدِّد عليه، كما قالت ذلك عائِشةُ أُمُّ المُؤمِنين رضي الله عنها: لَمْ يُشَدَّدْ على أَحَدٍ

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب شدة المرض، رقم (5646)، ومسلم: كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، رقم (2570).

ص: 382

أُوذِيَ في الله عز وجل فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ، وقِصَّة إيذاء المُشرِكين له في مكَّةَ وغير مكَّةَ أَمْر مَشهور عِندكم ومَعلوم {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] أي: والله {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} هذه الجُملةُ خبَرية مُؤكَّدة بـ (أن) وَعْد الله حَقُّ، وَعَد الله بنَصْر أَوْليائه وخَذْل أَعدائِه.

فإن قال قائِلٌ: قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] بعضُهم يَقولون: إن الإيذاء والبَلاء في دِين الله دَلالة على أن هذا الدِّينَ باطِل. كيفَ نَرُدُّ عليهم؟

فالجَوابُ: لا، فهذه غَيْرُ، فالرَّسول لولا أن دِينَه حَقٌّ ما أُوذِيَ عليه، لولا أن دِينَه حقٌّ ما أُوذِيَ عليه، لو تَبع ما عليه قومُه ما أُوذِيَ؛ ولهذا كان من حِكْمة الله أن أعمام الرسول عليه الصلاة والسلام أربَعة الذين أَدرَكوا زَمانَه أربعة: اثنانِ كافِران أَحَدُهما أَذاه والثاني ساعَدَه وآواه، واثنان أَسلَما أحدُهما تَقدَّم إسلامه وله مَقام صِدْق، وكان شهيدًا، والثاني بالعَكْس تَأخَّر إسلامه، لكن لا شَكَّ أن له مَقامَ صِدْق. الذي كَفَر وآذاه أبو لَهَبٍ، والَّذي كفَر وآواه أبو طالِب، والذي له مَقامُ صِدْق وسَبْق حَمزَةُ، والرابع العَبَّاس بنُ عبدِ المُطَّلِب، فالله حَكِيمٌ عز وجل.

وقوله: {حَقٌّ} والحَقُّ هو الشيء الثابِت الذي لا يَتَغيَّر.

قال المفَسِّر رحمه الله: [{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بنَصْر أَوْليائه {حَقٌّ}، وأنت ومَن تَبِعَك مِنْهم] نعَمْ هم على قِمَّة الأَوْلياء، محُمَّد رسول الله والذين معَه قِمَّة الأَوْلياء وَصَفَهم الله بأنهم {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} انظُرْ كيفَ مُعامَلة بعضِهم مع بعضٍ، ومُعامَلتهم مع الله عز وجل.

وقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} قال المفَسِّر رحمه الله: [لِيُسْتَنَّ بِكَ] "استَغفِرْ

ص: 383

لذَنْبِك" أيِ: اطلُبْ من الله المَغفِرة للذَّنْب وهو الإِثْم أو المَعصِية، استَغفِرِ: اطلُبِ المَغفِرة.

والمَغفِرة مُشتَقَّة من المِغفَر، وهو الذي يُوضَع على الرأس أثناء القِتال، ليَتَّقيَ به المُقاتِل سِهام المُقاتِلين، هذا هو المِغفَر.

إِذَنْ: فالمَغفِرة سَتْر الذَّنْب والتَّجاوُز عنه، ليس مجُرَّد السَّتْر، وَيدُلُّ لهَذا قولُه سبحانه وتعالى إذا حاسَب عبدَه المُؤمِن:"قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ"

(1)

.

وقوله رحمه الله: [لِيُسْتَنَّ بِكَ] إشارة إلى أنه لا ذَنْبَ للرسول، لكن أُمِر بالاستِغْفار لتَستَنَّ به الأُمَّة فتَستَغفِر لذنوبها، وهذا بِناءً على أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لا يُذنِب وكذلك الرُّسُل، ولكِنْ في هذا نظَرٌ، هذا من الغُلوِّ بالنِّسْبة للرسول عليه الصلاة والسلام ورُبَّ مُذنِبٍ تابَ من ذَنْبه فكان خيرًا منه قبل الذَّنْب.

آدَمُ عليه الصلاة والسلام عَصَى ربَّه وغَوَى، {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122]، قبل ذلك هل حصَل له الاجتِباء؟ لا، فصار بعد التَّوْبة من الذَّنْب خيرًا منه قَبْل الذَّنْب، والذَّنْب لا يَخدِش في الإنسان، الذَّنْب إذا عرَف الإنسان نَفْسه وعرَف قَدْر ربِّه سبحانه وتعالى ثُم رجَع إلى الله وتابَ وندِمَ يَجِد في قلبه إيمانًا لم يَكُن من قبلُ، يَكون عنده حَياءٌ من الله وخَجَل، ولهذا جاء في الحَديث الصَّحيح الذي

(1)

أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب قول الله تعالى:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، رقم (2441)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، رقم (2768)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 384

أَخرَجه مُسلِم: "لَوْلَا أَنْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بِكُمْ وَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ الله وَيَغْفِرُ لهُمْ"

(1)

.

وعلى هذا فنَقولُ للمُؤلِّف: عفا الله عَنْك؛ حيث ادَّعَيْت ما ليس بصَحيح إذا كان الله يَقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1 - 2] كيف نَقول: إنه أَمَره بالاستِغْفار من أَجْل أن يُستَنَّ به، لا من أَجْل أن له ذَنْبًا والله يَقول صراحةً:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ويَقول سبحانه وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]؟ !

ليس له ذَنْب، لكن استَغفِرْ؛ ليُسْتَنَّ به، كيف يَقول: الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1 - 2]{تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} غفَرَ الله لكَ ذلكَ، كيف يَقول الله عز وجل:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43]؟ !

كل هذا يَدُلُّ على أن مِثْل هذه الأُمورِ تَقَع على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، لكن لا شَكَّ أن ما يُخِلُّ بالأَخْلاق أو يُخِلُّ بالرِّسالة لا يُمكِن أن يَقَع منه، هذا شيء مَعلوم، لا يُمكِن أن يَقَع منه فاحِشة، ولا يَقَع منه خِيانة، ولا يَقَع منه كذِب، هذا مُستَحيل؛ لأن هذا يُخِلُّ بالشَّرَف ويُخِلُّ بمَقام النُّبوَّة، أمَّا المَعاصِي البَعيدة عن هذا فتَقَع، ألَيْس مُوسى صلى الله عليه وسلم قتَل نَفْسًا لم يُؤمَر بقَتْلها وهو من أُولي العَزْم؟

(1)

أخرجه مسلم: كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة، رقم (2749)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 385

فالحاصِلُ: أن قول المفَسِّر: [لِيُسْتَنَّ بِكَ] خطَأ، ولكن "استَغفِرْ لذَنْبك" لأن لك ذنبًا لكنه مَغفور، ومن أَسباب مَغفِرة ذَنْبك أن تَستَغفِر، فالاستِغْفار من أسباب المَغفِرة، والطاعات من أَسباب المَغفِرة، تَغلِب الطاعات على المَعاصِي وغير ذلك.

قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} {وَسَبِّحْ} يَقول: المفَسِّر رحمه الله: [صَلِّ] ولا شَكَّ أن الصلاة تُسمَّى تَسبيحًا، ومنه حديثُ: صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بَيْته سُبْحة الضُّحى

(1)

. ومنه قولُ ابنِ عُمرَ: "لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ"

(2)

يَعنِي: مُصلِّيًا نافِلًا لَأَتَمَمْت. فلا شَكَّ أن الصلاة تُسمَّى تَسبيحًا.

ومن الأدِلَّة على ذلك سابِقًا ما ذُكِر - لكِن أخَّرْناه تَرتيبًا أو نِسيانًا - قولُه عز وجل: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17 - 18] حيث قال بعضُ العُلَماء: إن هذه إشارةٌ إلى أَوْقات الصلَوات الخَمْس. لكن هل يَتَعيَّن أن يَكون التَّسبيح في كل مَكان بمَعنَى الصلاة؟ لا؛ ولهذا نرَى أن قوله تعالى هنا: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أَشمَلُ وأَعمُّ من إرادة الصلاة، يَقول:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: تَسبيحًا مَقرونًا بالحَمْد، فالتَّسبيح زوال الصِّفات التي لا تَليق بالله، وفي الحمد إثبات صِفات الكَمال لله، فيَكون {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} جامِعًا بين التَّنزيه والإِثْبات، تَنزيه الله عمَّا لا يَليق به، وإثبات ما هو أَهله سبحانه وتعالى من الكَمال في صِفاته وأَفْعاله {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} العَشيِّ ما بعد الزَّوال، ومنه حديثُ أبي هُرَيْرةَ في قِصَّة ذي اليَدَيْن:

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الحيض، باب تستر المغتسل بثوب، رقم (336)، من حديث أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها.

(2)

أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، صلاة المسافرين وقصرها، رقم (689).

ص: 386