المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيتان (49، 50) - تفسير العثيمين: غافر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌(الآيات: 1 - 3)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌(الآية: 9)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (14)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (23، 24)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (32، 33)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (38، 39)

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيات (41 - 43)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (47، 48)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (49، 50)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (52)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآيتان (53، 54)]

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌[الآية (55)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (56)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (62، 63)

- ‌من فوائِد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (69)

- ‌الآيات (70 - 72)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآيتان (72، 74)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائلِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (79، 80)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (84، 85)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

الفصل: ‌الآيتان (49، 50)

‌الآيتان (49، 50)

* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 49 - 50].

* * *

قال المفَسِّر رحمه الله: [أي: قَدْر يَوْم {مِنَ الْعَذَابِ}]، استَمِعْ إلى هذا النِّداءِ الدالِّ على البُؤْس واليَأْس:{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} جَمْع خازِن، وهمُ الذين قاموا على خِزانتها وحِمايتها وحِفْظها؛ لأن النار لها خزَنة، وكذلِك الجَنَّة لها خزَنة، وكل أَمْر محُكَم، ويُؤتَى بجَهنَّمَ يوم القِيامة تُقاد بسَبعينَ ألفَ زِمامٍ، كل زِمامٍ يَقودُه سَبعون ألفَ ملَكٍ، وما أَدراكَ ما الملائِكة وما قُوَّتهم، فهذه النارُ محُكَمة لها خزَنة، ولها قُوَّاد يَقودونها يوم القِيامة.

وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} وجَهنَّمُ اسمٌ من أسماء النار، قيل: إنها عرَبية. وقيل: إنها عجَمية. فعلى القَوْل بأنها عرَبية تَكون مَأخوذة من الجهمة وهي الظُّلْمة؛ لأن النار سَوداءُ مُظلِمة - أَعاذَنا الله وإيَّاكم منها - وعلى القول بأنها أَعجَميَّة يُقال بأن أَصلَها: كَهَنَّام، ولكِنَّها عُرِّبت حتى صارَت: جَهنَّم، وهي من أسماء النار.

يَقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} وَيقولون هذا - واللهُ أعلَمُ -

ص: 356

حين يَقولون لرَبِّهم عز وجل: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 107 - 108] حينَئِذٍ يَتوسَّلون بغَيْرهم أن يُكلِّموا الله، يَقولون:{ادْعُوا رَبَّكُمْ} ولم يَقولوا: ادْعُوا ربَّنا؛ لأنهم قد كُسِروا من جِهة ربِّهم، قال لهم:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} لكِن تَوسَّلوا بعد ذلك بدُعاء بطلَب من المَلائِكة أن يَدْعوا الله لهم {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} .

قوله: {يُخَفِّفْ} بالجزْم جَوابًا للأَمْر وهو قوله: {ادْعُوا} وأَقول: للأَمْر باعتِبار صِيغته، وإلَّا فهو في الحقيقة دُعاءٌ وسُؤال {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} طلَبوا تَخفيفًا لا رَفْعًا، وطلَبوا يومًا لا دوامًا؛ لأنهم آيِسون، لكن قال: لعَلَّ المَسأَلة تَنفَع ولو بتَخفيف يوم من العَذاب، نَسأَل الله العافِيةَ.

ومُقتَضى هذا أنَّهم في أشَدِّ ما يَكون من العَذاب، وأنهم طلَبوا أن يَستَريحوا ولو يومًا.

قوله: {يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا} قال: المفَسِّر رحمه الله: [أي: قَدْر يَوْم] وإنَّما قال [قَدْر يَوْم من العَذاب]؛ لأنه في يوم القِيامة ليس هناك يوم ولا ليل، الشمس والقمَر مُكوَّران في نار جَهنَّمَ وكل شيء من أُمور الدنيا مُنتَهٍ ليس هناك إلَّا أَمْر الآخرة، سُبحانَ الله! .

{قَالُوا} قال المفَسِّر رحمه الله: [أيِ: الخَزَنة تَهكُّمًا] هكذا قال المفَسِّر [تَهكُّمًا] ويُحتَمَل أنهم قالوا ذلك تَقريعًا وتَوْبيخًا وتَنديمًا، ليس تَهكُّمًا؛ لأن الأمر واقِع فهم يُقرِّرونهم بشيء حاصِل تَنديمًا لهم؛ ليَزدادوا حُزنًا.

فإن قال قائِلٌ: ما الفَرْق بين التَّوْبيخ والتَّقْريع؟

ص: 357

فالجَوابُ: لا أَعرِفُ بينهما فَرْقًا، اللَّهُمَّ إلا أن يَكون فَرْقًا قليلًا، أو يُقال: التَّوْبيخ على أَمْر مَضَى، والتَّقريع هو التَّنديم هو على أَمْر حاضِرٍ.

{أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر: 50] قال المفَسِّر رحمه الله: [بالمُعجِزات الظاهِرات] لَيْتَه قال: "بالآيات الظاهِرات"؛ لأن الرسُل جاؤُوا بالآيات لا بالمُعجِزات، لكِنَّ الآياتِ أَمْر خارِق للعادة، فهي مُعجِزة، وقد بيَّنَّا في كرامات الأَوْلياء في التَّوْحيد أن الأَوْلى أن يُسمَّى ما جاءَت به الرُّسُل من الدَّلالة على وَصْف رِسالتهم آيات.

قوله: {بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} قال المفَسِّر رحمه الله: [أي: فكَفَروا بهم]{قَالُوا فَادْعُوا} هذا التَّهكُّمُ.

قوله: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} مثل هذا التَّعبيرِ يَقَع كثيرًا في القُرآن؛ أي أن الهَمْزة تَأتِي ثُم يَأتِي بعدها حرف عطف، مثل {أَوَلَمْ يَسِيرُوا} ، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} وما أَشبَهَ ذلك، فكَيْف نَقول: في إعرابها؟

نَقول: في إعرابها وَجْهان للنَّحوِيِّين:

الوَجهُ الأوَّل: أن الجُملة مَعطوفة على ما سبَق، وأن الواو مُقدَّمة على محَلِّها، وأن التَّقدير في {أَوَلَمْ تَكُ}: وأَلَمْ تَكُ، وهذا الوَجهُ ليس فيه إلَّا دعوى التَّقديم والتَّأخير، لكنه سَهْل يَعنِي: يَسهُل أن تَقول: هذا مَعطوف على ما سبَقَ.

وقال بعضُهم: إن الهَمْزة داخِلة على جُملة مَحذوفة، فالجُمْلة مُستَأنَفة هذه الجُملةُ يَكون تَقديرها بحَسب السِّياق، ففي قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا} [الروم: 9]، التَّقدير: أَغفَلوا ولم يَسيروا، وهذا من حيثُ القَواعِد أَقعَدُ، ولكن تواجهك أحيانًا

ص: 358

آيات لا تَستَطيع أن تَعرِف ما هو المُقدَّر، فصار هذا أَقعَدَ، وذاك أَسهَلَ.

وقوله: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ} الاستِفْهام هنا للتَّقرير، ويُقال: كلَّما دخَل الاستِفْهام على نَفيٍ فهو للتَّقرير، كقوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]، {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: 37]، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزُّمَر: 37] وما أَشبَه ذلك، يَقولون: كلَّما دخَل الاستِفْهام على النَّفيِ فهو للتَّقرير، إِذَنْ نحن نَقول: للتَّقرير، لكن هل يَخرُج عن مَعنى التَّقرير، أو يَضُمُّ إلى مَعنَى التَّقرير مَعنًى آخَرَ بحَسب السِّياق؟

الجوابُ: نعَمْ، ففي قوله:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} هو للتَّقرير؛ إظهارًا لمِنَّة الله عليه، وقوله:{قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ} [غافر: 50] للتَّقرير تَوْبيخًا وتَنْديمًا. قوله: {قَالُوا بَلَى} جَوابُ الاستِفْهام المَقرون بالنَّفيِ، الإثبات بـ (بَلى) وجَوابُ الاستِفْهام غير المَقرون بالنَّفيِ الإثبات بنَعَمْ، وجوابُ الاستِفْهام المَقرون بالنَّفيِ في حال النَّفيِ نعَمْ، وجَواب الاستِفْهام المَقرون بالإثبات في حال النَّفيِ لا، اعرِفوا الفَرْق يُقال: إن ابن عبَّاس صلى الله عليه وسلم وعن أبيه قال في قول الله تبارك وتعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] قال: لو قالوا: نعَمْ. لكَفَروا.

قال الفُقَهاء: لو قيل للرجُل: أَلسْت قد طلَّقْتَ امرَأَتَك؟ قال: نعَمْ. لم تُطلَّق، وإن قال: بلَى. طُلِّقت.

فقول ابن عباس: لو قالوا: نعَمْ. لكَفَروا، وهذا مُسلَّمٌ فيما إذا كان الإنسان يَعرِف اللُّغة العرَبية جيدًا، وأمَّا العامِّيُّ فعِنده (نعَمْ) و (بَلَى) سَواءُ؛ ولهذا لو قيل للعامِّي: ألَسْت طلَّقْت امرأَتَك؟ قال: نعَمْ. فعلى القول الصَّحيح تُطلَّق، فالعِبْرة

ص: 359

بالمَعاني على أنه جاءَ في اللُّغة العرَبية جواب هذا بـ (نعَمْ)، ومنه قول العاشِق:

أَليْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أَمَّ عَمْرٍو

وَإِيَّانَا فَذَاكَ لنَا تَدَانِي

نَعَمْ وَتَرَى الهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ

وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي

(1)

فقال: نعَمْ، لكن هذا الرجُل قَنوع، اكتَفى أن يَجمَعه الليل مع مَعشوقته ولو كانت في المَشرِق وهو بالمَغرِب، وكذلك النهار، وتَرَى الهِلال كما يَراه، هي في المَشرِق تَرَى الهِلال، وهو في المَغرِب يَرَى الهِلال.

فجوابُ الاستِفْهام المَقرون بالنَّفيِ إثباتًا (بَلَى) ونَفيًا (نعَمْ)، والاستِفْهام مَقرون بالإِثْبات إثباتًا (نَعَمْ) ونَفيًا (لا)، بارَك الله فيكُم.

فإن قال قائِل: هل يُوجَد حديث يَدُلُّ على ما جاء به البَيْت هذا من الشِّعْر على أن (نعَمْ) تَكون في مَكان (بَلى)؟

فالجوابُ: هل يُطلَب الحديث دَليلًا على إثبات مَسأَلة لُغوِيَّة؟ فإن قيل: نعَمْ؛ لأن خَيْر مَن تَكلَّم بالفُصحى الرسول صلى الله عليه وسلم.

قيل: إذا جاء عن العرَب فلا يَحتاج دَليلًا؛ لأن قول العرَب هو الدَّليل، ألَمْ تَعلَم أن بعض النَّحويِّين يَقول: لا نَستَدِلُّ بالحديث على اللُّغة العرَبية.

إِذَنْ: قال بعض النَّحويِّين: إنه لا يَستَدِلُّ بالحديث النَّبويِّ على اللُّغة العرَبية؛ لأن الرُّواة يُجوِّزون رِواية الحديث بالمَعنَى، ومن المَعلوم أن من بين الرُّواة مَن تَغيَّرت لُغَته، الإمامُ أحمدُ قديم ومن أئِمَّة الحَديث وسمِعْتُموه - وفي قواعِد اللُّغَة العرَبية -

(1)

البيتان من شعر جحدر العُكْلي، انظر: الأمالي للقالي (1/ 282)، وخزانة الأدب (11/ 209).

ص: 360

يَقول في أي شيء: نعَمْ. وهكذا الرُّواة ربَّما نقَلوا بالمعنَى على لُغَتهم التي يَتكلَّمون بها، فحصَل خطَأ، أمَّا القُرآن فنَعَمْ؛ لأنه مُتواتِر مَنقول بالتَّواتُر، لكن كثيرًا من عُلَماء النَّحْو يَقولون: إنه يُحتَجُّ بالأحاديث على اللُّغة العرَبية؛ لأن الأصل عدَمُ التَّغيير.

وقوله: {قَالُوا بَلَى} بلى يَعنِي: قد آشْنا، ولكِنَّهم -والعِياذُ بالله- كفَروا {قَالُوا فَادْعُوا} هذا الأَمْرُ للتَّهَكُّم؛ لأن المَلائِكة تَعلَم أنه لا يُقبَل منهم، فقوله: ادْعُوا تَهكُّم بهم، والتَّهكُّم هو الذي يُسمَّى عِندنا في العامِّيَّة "الهكَّ"، "هكَكْت عليه" يَعنِي: لعِبَت بعَقْله.

فهنا {قَالُوا فَادْعُوا} تَهكُّمًا بهم؛ لأن المَلائِكة تَعلَم أنهم لن يُجابوا {قَالُوا فَادْعُوا} أنتُمْ فإنَّا لا نَشفَع للكافِرين؛ لأن الشَّفاعة للكافِرين مَضيَعة وَقْت، إذ إن الكافِر لا تَنفَع فيه الشَّفاعة، إلَّا كافِرًا واحِدًا نفَعَت فيه الشفاعة بالتَّخفيف عنه، وهو أبو طالِبٍ نفَعت شَفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام فيه فقط، لو جاء أبو بَكْر أو عُمرُ يَشفَع في أبي طالب رُدَّ، لكِن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قُبِلت شَفاعته في عمِّه أبي طالِب فخُفِّف عنه العَذاب

(1)

؛ لأن أبا طالِب حصَل منه خيرٌ كثير للرسول صلى الله عليه وسلم، وحصَل منه ما يُسمَّى بالدِّعاية العَظيمة له حتى قال:

وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ

مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينَا

(2)

هذا قاله في الدِّين. وقال في الرَّسول صلى الله عليه وسلم:

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (6564)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، رقم (210)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

انظر: تهذيب اللغة (10/ 111)، وخزانة الأدب (2/ 76)، وديوان أبي طالب (ص: 87، 189).

ص: 361

لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ

لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ

(1)

ودافَعَ عنه، وحُوصِر معه في الشِّعْب؛ فلِذلِك قبِل الله سبحانه وتعالى شَفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أن يُخفَّف عنه.

أمَّا شَفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أُمِّه فمَنَعه الله في أُمِّه

(2)

، وهي أَقرَبُ من عمِّه، لمَّا استَأْذَن الله أن يَستَغفِر لها قال: لا. ولمَّا استَأْذَنه أن يَزور قَبْرها أذِنَ له فزار النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْر أُمِّه، ووقَفَ عليه وجعَل يَبكِي، لكن لا يَدعو لها، وأَبكَى مَن معَه.

فالكُفَّار لا تَنفَع فيهم الشَّفاعة؛ لأن الشَّفاعة مَضيَعة بلا فائِدةٍ، ثُم هي لم يُؤذَن فيها من قِبَل الله، ولا يُمكِن أبدًا شَفاعة بدون إِذْن الله.

قال تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [الرعد: 14]{وَمَا دُعَاءُ} (ما) نافِية، و {دُعَاءُ} اسمُها، و (ما) هنا ليسَتْ حِجازيةً؛ لاتِّفاق اللُّغَتَين لُغة التَّميميِّين ولُغة الحِجازِيِّين فيها، وأنها لا تَعمَل في هذا الحالِ.

قوله: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ} ؛ أي: وما طلَبُ الكافِرين {إِلَّا فِي ضَلَالٍ} ؛ أي: في ضَياع، وقول المفَسِّر رحمه الله:[انعِدام] فيه نظَر، فالضَّلال الضَّياع وعدَم الاهتِداء، فـ {مَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} ، فلا تُقبَل دعوة الكافِر أبَدًا إلَّا في حالَيْن:

الحال الأُولى: إذا كان مُضطَرًّا؛ لقوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]، ولقوله تعالى:{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} [لقمان: 32]، وإنَّما أُجيبَت دَعْوة المُضطَرِّ لصِدْق

(1)

انظر: سيرة ابن هشام (1/ 285)، وديوان أبي طالب (ص: 84).

(2)

أخرجه مسلم: كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، رقم (976)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 362