الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها، فإن بعض الناس يَتَّجِر بهذه الأنعامِ، والله سبحانه وتعالى لم يَذكُر نوع الحاجة، فيَشمَل كل ما يَقَع في القَلْب من مِثْل هذه الأُمورِ.
وقوله: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} قال المفَسِّر رحمه الله: [{وَعَلَيْهَا} في البَرِّ، {وَعَلَى الْفُلْكِ} السُّفُن في البَحْر: {تُحْمَلُونَ}]. بيَّن الله عز وجل أن هذه الأَنعامَ نُحمَل عليها، وكذلك السُّفُن كما في قوله تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 12 - 14].
من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيانُ نِعْمة الله عز وجل علَيْنا بهذه الأنعامِ، حيث جعَلَها لنا مُسخَّرة مُذلَّلَة.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: جَواز رُكوب الأنعام وأَكْلها، ومن المَعلوم أن هذا ليس على إطلاقه، فإن الذي يُركَب لا يُركَب على وَجْه يَشُقُّ عليه، لو أَراد إنسان أن يَركَب على بَهيمة وهي لا تُطيق أَكثَرَ من واحِد فأَردَف عليها، قلنا: هذا لا يَجوز؛ لما في ذلك من المَشقَّة. وكذلك أيضًا: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ، ليس على إطلاقه، إذ مِن هذه الأَنعامِ ما لا نَأكُله، مثل: الحُمُر، فإنها لا تُؤكُل، ولكنها تُحمَل عليها وتُركَب.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن الأصل جَواز كل ما يُنتَفَع به من وُجوه الانتِفاع في هذه الأَنعامِ {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} وبِناءً على ذلك يَجوز أن يُركَب ما لا يُركَب عادة إذا لم يَشُقَّ عليه؛ لأن ذلك من المَنافِع، فلو كان مع الإنسان بقَرَة واحتاج إلى أن يَركَب عليها - لأن بعض الحيوان الذي لم يَعتَد أن يُركَب يَشُقُّ عليه هذا، حتى وإن كان
يَستَطيع أن يَحمِله - قُلْنا له: اركَبْ، لأن هذه من المَنافِع، والله تعالى أَطلَق المَنافِع ما لم يَشُقَّ عليها، فإن شَقَّ عليها كان مَمنوعًا؛ لأن إيذاء الحَيوان محُرَّم.
فإن قال قائِل: بعض الناس يَستَخدِمون هذه الأنعامَ في ما يُسمَّى بالسِّيرك أو الألعاب البَهْلوانية، وما أَشبَه ذلك، مِمَّا يَكون فيه المُوسيقى وأَشياءُ أخرى، هل هَؤلاء الناس آثِمون؟
فالجوابُ: مِمَّا لا شَكَّ فيه أن استِعْمال هذه الحَيواناتِ فيما هو محُرَّم قصدًا أو ذاتًا؛ هذا لا يَجوز، حتى لو رَكِب هذه الأنعامَ ليَصِل إلى بلَد يُفعَل فيه الفواحِش، أو يُلعَب فيه القِمار؛ كان هذا حَرامًا.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: جَواز ما يَقَع في قَلْب العبد من الفرَح والسرور بهذه الأنعامِ؛ بشَرْط ألَّا يُؤدِّيَ ذلك إلى الكِبرياء والخُيَلاء، فما دام هذا الفرَحُ في نِطاق الأَمْر المُباح فإن الإنسان لا يُلام عليه، بل هو مِمَّا جعَله الله له.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: بَيان نِعْمة الله عز وجل بحَمْلنا على هذه الأَنعامِ وعلى الفُلْك؛ يَعنِي: أن الله سَخَّر لنا ما نَركَبه في الماء وما نَركَبه في البَرِّ. وهنا تَسخير ثالِث حدَث بعد نُزول القُرآن، وهو ما نُحمَل عليه في الجوِّ، فيَكون الله عز وجل أَنعَم علَيْنا بمَراكِبَ جَوِّيَّة وبَحرية وبَرِّيَّة.