الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُهِمُّ: أنه لا بُدَّ لكل نَبيٍّ من آية يُؤمِن على مِثْلها البَشَر؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى حكيمٌ ورحيم؛ حَكيم لا يُرسِل شخصًا إلى الناس يَقول: أنا رَسولٌ. بدون بيِّنة، ورحيم حيث أيَّدَ هؤلاءِ الرُّسُلَ بالآيات من وَجْه، ورحِمَ الخَلْق فجعَل مع الرُّسُل آياتٍ؛ من أَجْل أن تَكون حُجَّة الرُّسُل مَقبولة لدَيْهم.
قوله: {تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا} الفاء عاطِفة، وتَدُلُّ على مُبَادَرة هؤلاء بالكُفْر، وأنهم لم يَتَأمَّلوا ولم يَنظُروا، وجه ذلك أنَّ الفاء تَدُلُّ على التَّرتيب والتَّعقيب، {فَكَفَرُوا}؛ أي: بالرُّسُل وبالبَيِّنات التي جاؤُوا بها، {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ}؛ أي: أَهلكهم، {إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أَهلَكهم الله سبحانه وتعالى بعامة إلَّا مَن آمَنَ.
ثم بَيَّنَ أنَّ هذا الأَخْذَ شديد؛ لقوله: {إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} قوِيٌّ أزَلًا وأبَدًا، فلم يَسبِق قوَّته ضَعْف، ولا يَلحَقها ضَعْف، أمَّا البَشَر فإنَّهُم ضُعَفَاءُ أوَّلًا ونِهايةً، ومُنتَهى قُوَّتهم أيضًا ليس بشيء، حتى وإن بلَغ الإنسان أشُدَّه وبلَغ غاية قوَّتِه، فإنه ليس بشيء، أمَّا الرَّبُّ عز وجل فإنه قوِيٌّ أزَلًا وأبدًا.
{شَدِيدُ الْعِقَابِ} هذا من باب إضافة الصِّفة إلى مَوْصوفها، المَعنَى عِقابه شَديد، الشديد يَعنِي: الصُّلْب القوِيُّ الذي تَحصُل آثاره على مَن عُوقِب.
من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيانُ سبَب إهلاك الأُمَم، وأنَّ ذلك بذُنوبهم؛ لقوله:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات عَدْل الله عز وجل وأنه لا يُؤاخِذ أحَدًا بدون ذَنْب؛ لقَوْله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّه ما من أُمَّة خلَتْ إلَّا وقد جاءَتْها رُسُلها؛ لقوله: {كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} كُلُّ أُمَّة جاءَها نَذيرٌ وجاءَها رَسولٌ أَنذَرها وبَيَّن لها، وقد أَقرَّت هذه الأُمَمُ بذلك، قال الله تبارك وتعالى في سورة المُلْك:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا} أي: في النار {فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: 8 - 9] ثُم قالوا: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10].
وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] ، وهذا من تمَام رحمة الله عز وجل وحِكْمته أَنْ أَرسَل الرُّسُل مُبشِّرين ومُنذِرين، لئَلَّا يَكون للناس على الله حُجَّة بعد الرُّسُل، ولأَجْل مَصْلَحة الخلْق، نحن لولا رَسولِ الله عليه الصلاة والسلام أَرسَله الله إلينا، لا نَعرِف كيف نَتَوضَّأ، لا نَعرِف كيف نُصلِّي.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام بُعِثوا بالآيات البَيِّنة الظاهِرة.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إقامة الحُجَّة على الخلْق بإِرْسال الرُّسُل أوَّلًا، ثُمَّ بتَأيِيدهم بالآيات البَيِّنات، التي لا تَدَعُ مَجالاً للشَّكِّ أو للإنكار.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ هؤلاء الذين وصَل إليهم، لم يَشكُروا النِّعْمة، بل بادَروا بالكُفْر والتَّكذيب.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنه لو تَأمَّل العاقِل ما جاءَت به الرُّسُل، ما أدَّى ذلك إلى كُفْره؛ لكنَّ غالب المُكَذِّبين للرُّسل يُبَادِرُون بالتكذيب، قال الله تعالى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110].
الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: إِثْبات الأسباب، وأنَّ الله تعالى ربَط المُسبَّبات بأسبابها، وهذا
يَدُلُّ على تمَام حِكْمَة الله، وأنه عز وجل لم يَفعَل شيئًا عبَثًا، ولا لمُجَرَّد المَشيئة، خِلافًا لمَن قال من الجبْرية وغيرهم: إنَّ الله تعالى يَفعَل ما يَشاء لمُجرَّد المَشيئة، وليس لحِكْمة. وأَنكَروا حِكْمة الله، وقالوا: إنَّ الحِكْمة تَقتَضي النَّقْص. وهذا من غَرائِب الأفهام، الحِكْمة تَقتَضي النَّقْص! ! قالوا: نعَمْ؛ لأن الحِكْمة غرَض، فإذا فعَل لكذا، فإنه محُتاجٌ لهذا الغرَضِ! !
فيُقال لهم: تبًّا لكم ولأفهامِكُم، الحِكْمَةُ هي غايةُ الحُكْم؛ أي: أنَّ الحِكْمَة أكبرُ ما يَدُلُّ على البُعْد عن السَّفَه واللَّعِب، وأمَّا قولُكم: إنَّ الحِكْمة غرَض؛ فإذا قُلتُمْ: إن الله فعَل كذا لكذا. لزِم من ذلك أن يَكون الله محُتاجًا إليه، فيُقال: الحِكْمة التي يَشرَع الله الشرائِعَ من أَجْلها لا تَعود إلى نَفْسه، إلَّا من حيثُ الكمال فقَطْ، أمَّا المَصلَحة فالذي يَنتَفِع بها الخلْق، أمَّا الله عز وجل فإنَّ حِكْمَتَه لا تَعُود إليه بشيء سِوى بيان كَمال صِفاته عز وجل.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: إثبات القَويِّ اسمًا من أسماء الله، وهو من الأسماء اللَّازِمة، وعلى هذا لا بُدَّ من إثباته وإثبات ما دلَّ عليه من الصِّفة وهي القوَّة.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أن الله تعالى شَديد العِقاب، ولكن لمَن عَصاه.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: التَّحذير من مخُالَفة الله؛ لأنَّه قوِيٌّ وشديدُ العِقَاب، فيا وَيحَ مَن خالَف أَمْر ربِّه؛ فإنَّه سيَتعرَّض لشِدَّة العَذاب من ذي قُوَّة لا يَلحَقها ضَعْف {إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .