الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (61)
* قَالَ اللهُ عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [غافر: 61].
ثُم قال الله تعالى مُبيِّنًا نِعمَته على عِباده: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} {اللهُ} مُبتَدَأ، و {الَّذِي} خبَرُه، و {جَعَلَ} بمَعنى: صيَّر، ونَصَبت مَفعولَيْن الأوَّل:{اللَّيْلَ} ، والثاني:{لَكُمُ} ، والجعْل هنا جَعْل قدَريٌّ وليس جَعْلًا شَرعيًّا {جَعَلَ لَكُمُ} اللَّام هنا للتَّعدِية مع التعليل، وقوله:{لِتَسْكُنُوا فِيهِ} اللَّام للتَّعليل والسكون ضِدُّ الحرَكة وضِدُّ العمَل، وهو شامِل لسُكون الجَوارِح، وسُكون القَلْب، وسُكون النَّفْس؛ ولهذا يَجِد الإنسان إذا تَعِب ثُم نام يَجِد أن نَشاطه يَستَجدُّ ويَزداد.
وقوله: {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} يَعنِي: وجعَل النهار مُبصِرًا، هذه مَعطوفة على {اللَّيْلَ}؛ أي: جعَل النَهار مُبصِرًا، وإسناد الإبصار إلى النهار؛ لأنه مَوْضِعه؛ أي: مَوضِع إبصار الناس؛ ولهذا قال المفَسِّر رحمه الله: [إسناد الإِبْصار إليه مجَازِيٌّ؛ لأنه يُبصَر فيه] فهو زمَن الإِبْصار {وَالنَّهَارَ} محَلُّ عمَل وبصَرها.
ثُم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} أكَّد الله سبحانه وتعالى كونَه ذا
فَضْل على الناس بـ {إِنَّ} واللَّام، و (ذو) بمَعنَى: صاحِب، {لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} {فَضْلٍ} بمَعنَى: إفضال، فالله سبحانه وتعالى هو المُتفَضِّل على العِباد، ومنه أي: من فَضْله جعَل الليل سكَنًا والنهار مُبصِرًا.
وقوله: {عَلَى النَّاسِ} عامَّة تَشمَل المُؤمِن والكافِر، وهذا هو الواقِعُ؛ لأن الليل سكَن للمُؤمِنين والكافِرين، والنهار مُبصِر للمُؤمِنين والكافِرين {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} يَعنِي: مع كون الله ذا فَضْل على الناس أَكثَرهم لا يَشكُر -والعِياذ بالله- أَكثَرُهم كافِر.
ولهذه الآيةِ نَظائِرُ منها قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، وجاءَت السُّنَّة بمِثْل ذلك؛ حيث أَخبَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن الله يُنادِي يوم القِيامة:"يَا آدَمُ أَخْرِجْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ. فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتسْعَةً وَتسْعِينَ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ"
(1)
من الألْف واحِد يَنجو.
والشُّكْر هو الاعتِراف للمُنعِم بالنِّعمة بالقَلْب واللِّسان والجَوارِح، الاعتِراف بالشُّكْر، والاعتِراف للمُنعِم بالنِّعْمة بالقَلْب واللِّسان والجَوارِح، قال الشاعِر:
أَفادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً
…
يَدِي وَلسَانِي وَالضَّمِيرَ المُحَجَّبَا
(2)
"أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً"؛ يَعنِي: أنَّكم ملَكْتم مِنِّي ثلاثة بسبب نَعمائِكم، يَدي ولِسانِي والضَّمير المُحَجَّبَ.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قصة يأجوج، ومأجوج، رقم (3348)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب قوله: يقول الله لآدم: أخرج بعث النار من كل ألف تسع مِئة وتسعة وتسعين، رقم (222)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
انظره في غريب الحديث للخطابي (1/ 346)، والفائق للزمخشري (1/ 314) غير منسوب.